ميلاد رسول الله السيد المسيح (عليه السّلام)
  • عنوان المقال: ميلاد رسول الله السيد المسيح (عليه السّلام)
  • الکاتب: السيد كاظم الكرزكاني
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 23:18:57 1-9-1403

ميلاد رسول الله السيد المسيح (عليه السّلام)

السيد كاظم الكرزكاني 

من هنا نؤكد أنّ المسيح عيسى كان نبيـاً مرسـلاً من الله كسائر الأنبياء ولم يكن ابنـاً لله كما يدّعيه أهل الديانـة المسـيحية ، وعندما نســتقرأ كيف وُلـد المسـيح يعـود بنا الأمر إلى خلق النبـي آدم (عليه السّلام) ، فكلاهما أوجـده الله من العـدم ، بقدرته ومشـيئته: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) غيـر أنّ النبي عيـسى (عليه السّلام) فقـد أوجـده الله من غـير أب ، وقد كانـت هذه الحادثـة فريـدة من نوعهـا ، أدَّت بقومه أن يصابـوا بحاله من الذهـول والإسـتغراب ، وأن يوجهوا التهـم إلى أمّه السـيدة مريـم العـذراء(عليها السّلام)، وقد صـوّر القرآن تلك الحادثـة بصـورة مفصلـة: (إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِين ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ).

وعندما نصرف بالنظـر إلى قيـم ومفاهيم رسـالته السماوية ، نجدها أنّها جاءت كي تصحح ذلك الجهل والإنحراف والتعنـت في الأمّة الضـالة ، جاءت كي تحلل ما حُرم عليهـم: (وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) فرغم كُلّ القيـم والمبـادئ لهذه الرسـالة الروحيـة ، إلاّ أنّ الأعداء من اليهود قد نصبـوا الحيل والمكائـد للقضاء عليـه ، وكذلك فعـل الوثنييـن معهـم ، ولم ينحصر هذا الأمر في تدبيـر قـتله والتخلـص منه فحسـب ، بـل امتـدّ عـداءهـم إلى أمّه وأعوانـه والمعتقديـن فيه وبنبوتـه كي يزيدوا من ألآمه ، فألصـقوا به الصـفات التي لم يدّعيها هو لنفسـه ولا لأمّه كالربوبيـة والإلوهيـة من دون الله: (وَإِذْ قَـالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنـتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِـذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) فكان جوابـاً في غاية التأدب والتواضع: ( قَالَ سُـبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُـولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) ثُمّ يتابـع القـول وهو في منتهى الذلـة والخشوع والخضوع أمام المولى سبحانه: (إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُـوبِ) فكان خطاباً موجهاً لقطع الحجة أمام الأعـداء ، لأنّه لم يدَّعٍ شـيئاً من هذه الدعاوى الباطلة التي أفتعلها الرهبـان والمسـيحيون وحسـاد القـوم وإنّما دعاهـم إلى توحـيد الله حيـث قـال: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ، مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شـَيْءٍ شَــهِيدٌ)   .

 

تلك كانت ولادته وتلك كانت حياتـه مع القـوم وتلك كانت رسـالته والدّين الذي بُعث من أجلـه، لقد كان يحبّ الخيـر ويفعله، وينقـذ الضعيف وينصر المحـروم، فهل من هم على دينـه اليـوم يعملون برسـالته وبوصايــاه؟. وهل أعمالهـم تـدلّ على الإيمان برسـالته أم أنّهم جحدوها وخالفـوها؟ أم أنّهم يسـعون لاستعمار الشـعوب من مشـرقهم إلى مغربهم بقصد نهب ثرواتهم ، ومحو شـخصيتهم الوطنيـة.

 

فجميع أهل الكتـب والأديان السماوية يؤمنون بعيسى وأنّ الله قد رفعـه إليه وذلك قبل موته (أي أنّه لم يمت ولازال حياً) ولم يؤذن له بالنزول إلى الأرض إلاّ عند ظهور القائم بالأمـر الموعود من الله وهو مهـدي هذه الأمّة (عجل الله فرجه الشريف) ، فيتزامن نزوله إلى الأرض وقت ذلك الظهور لأنّ رسـالته وشـريعته التي جاء بها إنّما نزلت قبل مجيء الإسلام ، وأنّه هو المبشر بقدوم رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ أنّها قد مسـخت وأنـّه سـينضوي تحت راية الإسـلام ، كما نُقـل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حديث له: (وكيـف بكم إذا نزل فيكم أبن مريم وإمامكم منكم) وعند نزوله سـيشهد على جميع الذيـن ظلموه ونسـبوا إليه الإلوهيـة فيتبـرأ منهم ومن قولهم ومن عقيدتهم الضالة سـواء من كانوا في وقت زمانه أو من جـاء بعد زمانه ، وسـوف يؤكد أمـام الملأ أنّه لم يـدعُ هـؤلاء الناس إلى مثـل هذا الأمـر ، بل دعاهم إلى التوحيد ولكن انحرفوا ونسـبوا له الإلوهيـة من دون الله حتى في زمان لم يكن هو موجوداً بينهم.

 

أمّا الإحتفال بمثل هذه المناسبات يعدّ تقرّبـاً لله سبحانه ، ومن تعظيـم الشعائر الإلهيـة ، فلا ضير في الإحتفال والمشاركة في أفـراح الملل الأخـرى ، فالأمّة الإسـلامية قد جعلها الله خيـر أمّة أخرجت للناس وأنّ دعوتها قائمــة على هذا التمثيـل الصحيـح الذي لا يعرفـه إلاّ أهلـه هم محمـد وآلـه الطيبين الطاهـرين وأتباعهـم من المؤمنين الصالحين ، فسـلام على المسيح وسـلام على عباد الله الصالحين والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبيـن الطاهريـن وأصحابه المنتجبيــن،،،،