أولاً:
أنه (عليه السلام)، أنفق جميع ما عنده على الفقراء، حينما كان في خراسان، و ذلك في يوم عرفة، فأنكر عليه الفضل بن سهل، و قال له: إن هذا المغرم..
فأجابه الإمام (عليه السلام) : بل هو المغنم، لا تحدث مغرماً ، ما ابتغيت به أجراً وكرماً، إنه ليس من المغرم في شيء صِلَة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى، و إنما المغرم، هو الإنفاق بغير وجه مشروع، كإنفاق الملوك و الوزراء الأموال الطائلة على المغنيين و العابثين.
ثانياً:
وفد على الإمام الرضا (عليه السلام) رجل، فَسلَّم عليه، و قال له: أنا رجل من مُحبِّيك ومحبِّي آبائك، و مصدري من الحج، و قد نفذت نفقتي، و ما معي ما أبلغ مرحلة، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي، فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك.
فقال (عليه السلام) له : اِجلس رحمك الله، و أَقبلَ على الناس يحدثهم، حتى تفرقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري، وحيثمة، فاستأذن الإمام منهم، و دخل الدار ثم خرج، وَرَدَّ الباب، وخرج من أعلى الباب، وقال (عليه السلام):أين الخراساني.
فقام إليه فقال (عليه السلام) له: خذ هذه المائتي دينار، واستعِن بها في مؤنتك ونفقتك، ولا تتصدق بها عني.
فانصرف الرجل مسروراً، قد غمرته نعمة الإمام (عليه السلام)، والتفت إليه سليمان فقال له: جُعلت فداك، لقد أجزلت ورَحِمت، فلماذا سَترتَ وجهك عنه.
فَأجابهُ (عليه السلام): إِنَّما صنعتُ ذلك، مخافة أن أرى ذُلَّ السؤال في وَجهِهِ لِقضَائِي حاجتَهُ، أما سمعت حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): المُستَتِرُ بالحسنة تعدل سبعين حجة، و المُذِيعُ بالسيِّئةِ مَخذُول.
أما سمعت قول الشاعر:
مَتى آَتِهِ يَومـاً لأَطلبَ حَـاجَةً رَجِعتُ إِلَى أَهلِي وَوَجهِي بِمَائِهِ
ثالثاً:ومن سخائه (عليه السلام) أنه، إذا أتي بصحفة طعام عَمدَ إلى أطيب ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصحفة ثم يأمر بها إلى المساكين، و يتلو هذه الآية: (فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَة)[البلد:11] . ثم يقول (عليه السلام): علم الله عزَّ وجلَّ أن ليس كلَّ إنسانٍ يقدر على عتق رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة.
رابعاً:
ومن بوادر جوده وكرمه (عليه السلام)، أنَّ فقيراً قال له: أعطني على قدر مروءتك. فأجابه الإمام (عليه السلام): لا يَسَعَني ذلك. فالتفت الفقير إلى خطأ كلامه، فقال ثانياً: أعطني على قدر مروءتي. وقابله الإمام بِبَسَمات فَيَّاضة بالبشر قائلاً: إذن نعم. وأمر (عليه السلام) له بمائتي دينار. فإن مروءة الإمام (عليه السلام) لا تُعَدُّ، فلو أَعطَاه (عليه السلام) جَميع ما عِندهُ، فإن ذلك ليسَ عَلى قدرِ مروءتِهِ ورحمتِهِ التي هي امتداد لِمُروءة جَدِّهِ الرسولالأعظم (صلى الله عليه وآله).
خامساً:
ومن معالي كَرَمِهِ (عليه السلام) ما رواه أحمد بن عبيد الله عن الغفاري، قال: «كانَ لِرَجلٍ من آل أبي رافع عليَّ حق فتقاضاني وَ أَلَحَّ عليَّ، فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم توجهت نحو الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان في العريض. فلما قربت من بابه خَرجَ (عليه السلام)، و عليه قميص ورداء، فلما نظرت إليه اسْتَحْيَيْتُ منه، ووقف (عليه السلام) لما رآني. فَسَلَّمتُ عليه، وكان ذلك في شهر رمضان، فقلت له: جُعلت فداك لِمَولاك عَلَيَّ حقٌّ، شَهَرَنِي. فأمرني (عليه السلام) بالجلوس حتى يرجع، فلم أَزَل في ذلك المكان ، حتى صَلَّيتُ المغرب وأنا صائم، و قد مَضَى بعض الوقت فَهَمَمْتُ بالانصراف. فإذا الإمام (عليه السلام) قد طَلَع، وقد أحاط به الناس، و هو يتصدق على الفقراء و المَحُوجِين. و مضيت معه (عليه السلام) حتى دخل بيته، ثم خرج فدعاني فقمت إليه، و أمرني بالدخول إلى منزله، فدخلت، و أخذت أحدثه عن أمير المدينة، فلما فرغت من حديثي، قال (عليه السلام) لي: ما أظُنُّكَ أفطرت بعد. قلتُ : لا . فدعاني (عليه السلام) بطعام، وأمر غُلامه، أن يتناول معي الطعام، و لما فرغت من الإفطار أمرني، أن أرفع الوسادة، وآخذ ما تحتها. فرفعتُها فإذا دنانير، فوضعتها في كمي، وأمر بعض غلمانه، أن يبلغوني إلى منزلي، فمضوا معي. و لما صرت إلى منزلي دعوت السراج، و نظرتُ إلى الدنانير، فإذا هي ثمانية وأربعون ديناراً. و كان حق الرجل عَلَيَّ ثمانية و عشرين ديناراً، و قد كُتِبَ على دينار منها، أن حَقَّ الرجل عليك ثمانية و عشرين ديناراً، و ما بقي فهو لك.
وهذه بعض بوادر كرمه (عليه السلام)، و هي تُنمِ عن نفس خُلقَت للإحسان والبِرِّ والمَعروف.