قد حَثَّ الإمام الرضا ( عليه السلام ) أصحابَه على الدعاء إلى الله فقال لهم : ( عليكم بسلاح الأنبياء ) .
فقيل له : وما سلاح الأنبياء ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( الدعاء ) .
وأوصى الإمام ( عليه السلام ) أصحابه أيضاً بإخفاء الدعاء ، وأن يدعو الإنسان ربَّه سراً لا يعلم به أحد .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( دَعوةُ العبد سراً دعوة واحدة تَعدلُ سبعين دعوة علانيةً ) .
وتحدّث الإمام ( عليه السلام ) عن الأسباب التي توجب إبطاء الإجابة في الدعاء ، فقد روى أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : ( قلت لأبي الحسن – يعني الإمام الرضا ( عليه السلام ) – : جُعِلت فداك ، إني قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة ، وقد دخل قلبي من إبطائها شيء ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( يا أحمد ، إِيَّاك والشيطان أن يَكونَ لهُ عليك سَبيل حتى يُقنِطَكَ ، إن أبا جعفر – يعني الإمام الباقر – صَلَواتُ اللهِ عليه كان يقول : إن المؤمن يسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ حاجته فَيؤَخر عنه تعجيلَ إِجابَتِهِ حُبّاً لِصَوتِه ، وإسماعَ نحيبِه ) .
ثم قال ( عليه السلام ) : ( والله ما أخَّر الله عزَّ وجلَّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خَيرٌ لهم مما عَجَّل لهم فيها ، وأي شيء الدنيا ؟ إن أبا جعفر ( عليه السلام ) كان يقول : ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ، ليس إذا أُعطِيَ فَتَر ، فلا تَملَّ الدعاء فإنه من الله عزَّ وجلَّ بمكان – أي بمنزلة – ، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم ، وإياك ومُكَاشفة الناس .
فَإنَّا أهلَ بيت نَصِلُ من قَطَعَنَا ، ونحسن إلى من أساء إلينا ، فَنَرى – والله – في ذلك العاقبة الحسنة ، إن صاحب النعمة في عينه ، فلا يشبع من شيء ، وإذا أُكثِرَت النعم كان المُسلِم من ذلك في خطر لِلحُقوق التي تَجُبُّ عليه ، وما يخاف من الفتنة فيها .
أخبرني عنك ، لو أني قلت لك قولاً ، أكنت تَثِق به مني ) ؟
وسارع أحمد قائلاً : جُعلتُ فداك ، إذا لم أَثِق بقولك فبمن أثِق وأنت حجة الله على خلقه ؟
فأجابه الإمام ( عليه السلام ) : ( فكن بالله أوثق ، فإنك على موعد من الله ، أليس الله عزَّ وجلَّ يقول : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) البقرة : ۱۸۶ .
وقال : ( لا تَقْنُطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) الزمر : ۵۳ .
وقال : ( وَاللهُ يَعِدُكُم مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ) البقرة : ۲۶۷ .
فَكُن بالله عزَّ وجلَّ أوثق منك بغيره ، ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيراً ، فإنه مغفور لكم ) .
وكان الإمام ( عليه السلام ) يتسلح بهذا الدعاء الشريف : ( بِسم اللهِ الرَّحمَن الرَّحِيم ، يَا مَن لا شَبِيه لَه ولا مِثَال ، أنتَ الله لا إِلَه إلا أَنتَ ، ولا خالق إلا أنت ، تَفنِي المَخلُوقين وتَبقَى، أَنتَ حَلمْتَ عَمَّن عَصَاكَ ، وَفِي المَغفِرَة رِضَاك).
كما كان ( عليه السلام ) متشبثاً بهذا الدعاء الجليل : ( اِستَسلَمتُ يَا مَولاي لَكَ وأَسلَمتُ نفسي إليك ، وَتَوكَّلتُ في كُلِّ أُمورِي عَليك ، وأنَا عبدُك وابنُ عَبدَيكَ ، فَأَخبِئْنِي اللَّهم في سِترِكَ عَن شِرَارِ خَلقِكَ ، واعصمنِي مِن كُلِّ أَذىً وَسُوءٍ بِمَنِّكَ ، وَاكفِنِي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ بقدرتك .
اللَّهُم مَن كَادَنِي أَو أرادَنِي فَإِنِّي أَدْرَأُ بِكَ في نَحرِه ، فَسُدَّ عَنِّي أبصار الظالمين إذ كنت ناصري ، لا إله إلا أنت يا أرحمَ الرَّاحمين وإلهَ العالمين .
أسألُكَ كِفايَة الأَذَى والعافِيةِ والشِّفاءِ والنَّصرِ على الأعداء والتوفيق لِمَا تُحِبُّ رَبَّنَا ، وَيُرضِي يا رَبَّ العالمين ، يا جَبَّار السَّمَاوات والأَرَضين ، يا رَبَّ مُحمد وآله الطيبين الطاهرين ، صَلَواتُك عليهم أجمعين ) .
فإن الإمام ( عليه السلام ) قد استسلَم وأَسلَم نفسَهُ وجميعَ أمورِهِ للواحد القهار الذي بيده جميع مُجريَات الأحداث ، وقد احتجب ( عليه السلام ) بهذا الدعاء لِيَردَّ الله عنه كَيدَ المُعتَدِين ، وظُلمَ الظالمين .