الصحيحان تحت مجهر العلم والتحقيق
  • عنوان المقال: الصحيحان تحت مجهر العلم والتحقيق
  • الکاتب: الشيخ محمد صادق نجمي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 23:20:5 1-9-1403

عندما تتجلى الحقيقة

حينما يتصفح المرء كل هذا الوصف البالغ الذي يستقطب الأنظار، والثناء الكبير، وآيات الجلالة والتعظيم، التي أسبغت على الصحيحين، ويطلع على ما ذكروه لهما من الكرامات، والمعاجز الجمّة العظيمة، ويلاحظ ما سطّرته أقلام بعض الكتّاب في البخاري ومسلم، وكتابيهما، تتجلّى له صورة شخصيّتي البخاري ومسلم، على نهج لا يدع له أي مجال في التشكيك بعدالتهما، وتقواهما، وورعهما. إن لم نقل بعصمتهما؟ وتتجسد له صورة الصحيحين وبسبب ما قيل في شأنهما: (ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم) وأن رسول الله قد نسب كتاب البخاري إلى نفسه تتجسد بصورة حقيقة ثابتة، لا تقبل النقض والتغيير والمناقشة.
إنّما دراسة مقتضبة واحدة وإجمالية كفيلة بإزاحة الستار المضروب، وكشف الأقنعة المزيّفة.
وتحقيق قصير، يكشف عن حقيقة كل الخرافات والأساطير. والواجب يفرض علينا أن نشير في هذا المجال، إلى أنّ هناك طائفة أخرى من علماء السنة، ممن قام بتحقيق يمتاز بالدقة في هذين الكتابين، ووضعهما في ميزان الحقيقة والاعتبار.
وانتقد قسما من الأحاديث التي خرجها الصحيحان بالنظر إلى السند، وقسم آخر بالنظر إلى النص، واعتبرها منافية للقواعد العلمية والدينية. هذه الطائفة لا تقر بهذا الفضل المزعوم لهما.
ثم ظهر على الساحة آخرون، أسقطوا عن أنفسهم أغلال التعصب والتقليد الأعمى، وعكفوا على دراسة شخصية البخاري ومسلم، من نافذة الواقع، والحقيقة، ومن ثم حكموا عليهما بنقيض ما حكمت به الطائفة الأولى التي أبلغت البخاري سلام النبي تماما، وتتضح حقيقة هذين الكتابين المستورة لطلاب الحقيقة، ونستشرف طرفا من آراء بعض من يشار إليهم بالبنان من كبار علماء السنة. ومحققيهم ممن يعتمدون عليهم، ويثقون بهم، لنثبت أننا لسنا أول من طرق سبيل النقد. فعلماء السنة أنفسهم سبق أن تعرضوا لهذا الموضوع وكان لهم قصب السبق في هذا الميدان. وأظهروا الحقيقة ناصعة للعيان. وهم أول من فتح باب النقد لهذين الكتابين، ونشاهد من بينهم كبار علماء الحديث وأعلامهم، وشراح الصحيحين ممن يعترف السنة أنفسهم بجلالة قدرهم، وسعة إطلاعهم وعلو مقامهم العلمي. وهنا ننقل طرفا من هذه الآراء.

 

آراء علماء السنة في البخاري

بين البخاري والذهلي:

يقول ابن خلكان: محمد بن يحيي بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري، وكان أحد الحفاظ الأعيان، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه القزويني، وكان ثقة مأمونا)(1).
الذهلي هذا، كان الإمام أحمد بن حنبل يأمر أولاده وتلاميذه بأخذ الحديث والعلم عنه(2). ثم ندد أن الخطيب البغدادي ينقل عن الذهلي أنه قال:
(القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته، وحيث يتصرف فمن لزم هذا استغنى عن اللفظ وعما سواه من الكلام في القرآن ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر، وخرج عن الإيمان وبانت منه امرأته يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وجعل ماله فيئا بين المسلمين، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ومن وقف وقال: لا أقول مخلوق أو غير مخلوق فقد ضاهى الكفر، ومن زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهذا مبتدع لا يجالس ولا يكلم) وكان بالبخاري يخالفه في هذا الرأي السائد بين علماء الكلام. فلما ورد نيسابور واتضحت أفكاره في هذا الموضوع، أمر الذهلي ـ الذي كانت الرئاسة العامة فيها إليه ـ بمقاطعته، وقال: (ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فاتّهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه)(3).
مما أدى إلى مقاطعة الجميع له، وانزوائه في المجتمع وحقد عليه سكان نيسابور وأبغضوه، فلم يتمكن من البقاء بنيسابور وغادرها إلى بخارى، وقيل إنهم أخرجوه منها، وتركه جميع تلاميذه عدا مسلم، وأحمد بن مسلمة، فقد لزماه. تركوه كي لا تصب الجماهير جام غضبها عليهم، ويصيبهم ما أصابه. وهذه القضية يعتبرها الحفّاظ وأصحاب التراجم، من أسوأ المحن والمصائب التي مر بها البخاري في حياته(4).

 

مسلم يلاقي نفس المصير

لم يكن الذهلي يقتصر في هجومه على البخاري فحسب، بل كان يتعدى إلى مسلم أيضا، ويعده مبتدعا وفاسد العقيدة، ولذا منعه من حضور درسه، وحرم مجالسته(5) ويقول ابن خلكان في سرده للنزاع بين الذهلي والبخاري:
فانتهى إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجاج على مذهبه (البخاري) قديما وحديثا. وأنه عوتب على ذلك بالحجاز والعراق)(6).

 

وقفة مع أبي زرعة

من هو أبو زرعة؟ يقول فيه الفاضل النووي:

(انتهى الحفظ إلى أربعة، أحدهم أبو زرعة الرازي من الرّي)(7).
أبو زرعة هذا، على مكانته العلمية الشامخة، انتقد مسلم واعتبره من طلاب الرئاسة، واعتبر بعض أحاديثه غير صحيحة.
فقد نقل الخطيب البغدادي عن سعيد بن عمرو البرذعي قال:
شهدت أبا زرعة ـ يعني الرازي ـ ذكر كتاب الصحيح الذي ألّفه مسلم بن الحجاج، ثم الصائغ على مثاله (ويقصد به البخاري ) فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه، فعملوا شيئا يتشوفون به، ألّفوا كتبا لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رئاسة قبل وقتها)(8).
ويضيف قائلا: (وأتاه ذات يوم ـ وأنا أشاهد ـ رجل بكتاب الصحيح من رواية مسلم، فجعل يظهر فيه فإذا حديث من أسباط بن نصر، فقال أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح، يدخل في كتابه أسباط بن نصر! ثم رأى في كتابه قطن بن نسير، فقال لي: وهذا اطم من الأول قطن بن نسير وصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس...)(9).
ونقل القضية الذهبي في (ميزان الاعتدال) إلا أنّه قال (يتسوقون) بدل ( يتشوفون)(10).

 

ووقفة مع النووي

الإمام النووي، الذي وضع شرحا على صحيح البخاري، وآخر على صحيح مسلم، والذي يعد من كبار أئمة الحديث، وصنف كتبا كثيرة فيه، تعتبر من أهم المصادر والمراجع الحديثية. النووي هذا، يشكك ـ وفي موارد مختلفة ـ في صحة بعض الأحاديث التي خرجها مسلم، ويصرح ببطلان بعض آخر. فقد جاء في مقدمة شرحه لصحيح مسلم:
(وأما قول مسلم رحمه الله في صحيحه في باب صفة صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس كل شيء صحيح عندي وضعته هنا ـ يعني في كتابه هذا الصحيح ـ وإنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه)، فمشكل، قد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفا في صحتها، لكونها من حديث من ذكرناه، ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه)(11).
وفي شرحه لحديث أبي سلمة (باب بدء الوحي) ، الذي يتضمن أن أول سورة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي سورة (يا أيها المدثر) يصرح بأن هذا الحديث ضعيف، بل باطل. لأن أول سورة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي (إقرأ باسم ربك).

 

نظرة في أقوال ابن حجر

قال ابن حجر العسقلاني:

(بقي الكلام فيما علل من الأحاديث المسندات. وعدة ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه: مائة وعشرة أحاديث. منها ما وافقه مسلم على تخريجه، وهو اثنان وثلاثون حديثا)(12).
ويذكر ابن حجر في مقدمته أسماء أكثر من ثلاثمائة من رجال البخاري الذين ضعفهم السابقون من المحدثين وعلماء الرجال، وقد أشار في ذيل من سمّاهم إلى أسباب تضعيف كل منهم وجرحه(13).
 

رأي القاضي الباقلاني

بعد أن ينقل القاضي أبو بكر الباقلاني قصة صلاة النبي على عبد الله بن أبي، واعتراض عمر عليه الرواية التي أخرجها الصحيحان، أنكرها وقال:
(لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله)(14).
وقال إمام الحرمين: (لا يصححه أهل الحديث)(15).

 

وقال الإمام الغزالي في المستصفى:

الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح(16).
وقال الداودي: هذا الحديث غير محفوظ(17).

 

مع بن الهمام:

وقال المحقق ابن الهمام في شرح الهداية:

(وقول من قال: أصح الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما أشتمل على شرطهما ثم ما أشتمل على شرط أحدهما تحكم لا يجوز التقليد فيه)(18).

 

كلمة السيد رشيد رضا ومحمد عبده:

وقبل أن نتطرق إلى كملة السيد رشيد رضا لابد أن نقف قليلا عند كلام ابن حجر حيث يقول:
وقد انتقده الحفاظ في عشرة ومئة حديث منها (32) حديثا وافقه مسلم على تخريجه و(78) حديثا، انفرد هو بتخريجه. وكذلك ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين رجلا. والذي انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري (620) رجلا، المتكلم بالضعف منهم (160) رجلا، والأحاديث التي انتقدت عليهما، بلغت مئتين حديث وعشرة، اختص بالبخاري منه بأقل من ثمانين، وباقي ذلك يختص بمسلم)(19).
وقال السيد محمد رشيد رضا، بعد أن عرض للأحاديث المنتقدة للبخاري ما يلي:
وذا قرأت ما قاله الحافظ فيها رأيتها كلها في صناعة الفن. ولكنك إذا قرأت الشرح نفسه، رأيت له في أحاديث كثيرة، إشكالات في معانيها، أو تعارضها مع غيرها، مع محاولة الجمع بين المختلفات. وحل المشكلات، بما يرضيك بعضه دون بعض)(20).
وقال الشيخ محمد عبده في كلامه عن حديث ابن أبي:
(الحق أن هذا الحديث معارض للروايتين. فالذين يعنون بأصول الدين ودلائله القطعيّة أكثر من الروايات والدلائل الظنيّة، لم يجدوا ما يجيبون به عن هذا التعارض إلا الحكم بعدم صحة الحديث)(21).

 

كلمة الدكتور أحمد أمين:
يقول الدكتور أحمد أمين في شأن الصحيحين:

إن بعض الرجال الذين روى لهم (أي البخاري) غير ثقاة. وقد ضعّف الحفاظ من البخاري نحو الثمانين. وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل فالوقوف على أسرار الرجال محال. نعم أن من زل زلة واضحة سهل الحكم عليه، ولكن ماذا يصنع بمستور الحال). ثم يضيف:
ولعل من أوضح المثل في ذلك عكرمة مولى ابن عباس، وقد ملأ الدنيا حديثا وتفسيرا. فقد رماه بعضهم بالكذب، وأنه يرى رأي الخوارج، وبأنه كان يقبل جوائز الأمراء، ورووا عن كذبه شيئا كثيرا). ثم يذكر الدكتور نماذج من كذبه ويقول:
(فالبخاري ترجّح عنده صدقه، فهو يروي له في صحيحه كثيرا، ومسلم ترجّح عنده كذبه، فلم يرو إلا حديثا واحدا في الحج ، ولم يعتمد عليه وحده، وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه)(22).
 

بين البخاري وابن المديني:
وذكر ابن حجر العسقلاني القضية التالية:

قال مسلمة: وألّف في بن المديني كتاب العلل، وكان ضنيا به، فغاب يوما في بعض ضياعه، فجاء البخاري إلى بعض بنيه، وراغبه بالمال على أن يرى الكتاب يوما واحدا فأعطاه له فدفعه إلى النسّاخ فكتبوه له وردّه إليه، فلما حضر علي تكلم بشيء فأجابه البخاري بنص كلامه مرارا، ففهم القضية واغتم لذلك فلم يزل مغموما حتى مات بعد يسير، واستغنى البخاري عنه بذلك الكتاب وخرج إلى خراسان ووضع كتابه (الصحيح) فعظم شأنه وعلا ذكره(23).
 
كلمتنا...
ذكرنا حتى الآن ـ للقارئ الكريم ـ أراء مجموعة كبيرة من علماء السنة في الصحيحين، وما وجهوه إليهما من نقد وجرح ، ما كان موجها منه إلى السند أو المتن أو كليهما. ونحن بدورنا نؤيد أراء هؤلاء العلماء والمحققين بصدد الكتابين، وما يحويانه. فنحن متفقون معهم في الري من هذه الجهة، ونعتقد أن من بين الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي خرجها البخاري ومسلم، فإن هناك ـ وللأسف ـ أحاديث أخرى غير صحيحة، ولا تمت إلى الواقع بصلة. وأن عددها يزيد كثيرا على ما نقله ابن حجر عن الحفّاظ بأنها تعادل (210) أحاديث فقط، أشكلوا عليها في متونها. ونرى كذلك أن رجال الصحيحين من الضعاف والمجروحين، أكثر مما أورده ابن حجر عن المحدثين وعلماء الرجال: أن عددهم (300) رجلا.
وثمة دلائل جمة، تشير بضعف كثير من الأحاديث التي خرجها الصحيحان منها:
1 ـ ثمة عدد هائل من رجال الصحيحين من الضعاف والمجروحين.
2 ـ التعصب الشديد الذي أبداه مصنّف الكتابين لمذهبهما.
3 ـ وثمة مسافة شاسعة وفترة انقطاع طويلة ـ مع أخذ دواعي الوضع بنظر الاعتبار ـ بين صدور الحديث وتدوينه.
4 ـ قام البخاري، وحسب ما تملي عليه رغباته وأهواؤه، بتقطيع بعض الأحاديث، وحذف جزء منها.
5 ـ كان البخاري يروي بالمعنى.
6 ـ مات البخاري ولّم يتم كتابه، فكان إتمامه على يد غيره.
7 ـ هناك أحاديث كثيرة خرجها الصحيحان، تصطدم مع العقل والدين، والبديهية.
كل هذه القضايا تجدها في الصحيحين. ما يوهن في قوتهما، والهالة المقدسة التي أحيطت بهما. وليس بوسع الرجل المحقق، والمتتبع، أن يغض الطرف عنها، وأن لا يأخذها بنظر الاعتبار.
وتتميما للفائدة، رأينا أن نورد كلمة العلامة المرحوم أسد حيدر بشأن الصحيحين حيث يقول:
قطع البخاري شوطا بعيدا من الشهرة، ونال قبولا دون غيره من كتب الحديث، فأصبحت له منزلة لا يشاركه بها غيره، ومن العسير مؤاخذته بشيء، لأن ذلك يدعو إلى الرمي بالبدعة، والخروج عن سبيل المؤمنين) (قواعد التحديث ص 241).
ولهذا تهيّب أكثر الحفاظ نقده، ووقفوا أمامه موقف خضوع وتسليم. يقول الذهبي في ذكره لبعض الأحاديث: ولولا هيبة الصحيح لقلت إنها موضوعة! وذهب ابن حزم إلى تكذيب بعض أحاديثه فعُنف. فهم يقبلون روايته بدون نقاش تهيبا لمكانته، وحذرا من المؤاخذات القاسية والتهجم المر، لأن أكثر الناس يزعمون أنه أعظم كتاب على وجه الأرض أو أنه (عدل القرآن، وأنه إذا قرأ في بيت أيام الطاعون حفظ أهله منه، وأن من ختمه على أي نية حصل ما نواه، وأنه ما قرأ في شدة، إلا فرجت، ولا رُكب به في مركب فغرقت)(قواعد التحديث ص250).
ويوزعون أجزاءه على العلماء والطلبة لكشف الخطوب، وتفريج الكروب (فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدافع، والصارم الأسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة وعقاقير الأطباء، وفي بيوت الفقراء مقام الخفراء والشرطة، وعلى كل حال هو مستنزل الرحمات، ومستقر البركات (قواعد التحديث ص 251) وأصبح التوسل به من العقائد الراسخة يتلى لدفع المجاعة، ويوزع أحزابا في المساجد والبيوت كما حدث في مجاعة سنة (798) في مصر!
إن كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث لا تتصف بالصحة، كما لا يخلو من أحاديث عليها علامة الوضع كحديث: (إن النبي كان مسحورا....) وغيره من الأحاديث التي لا يمكن القول بصحتها، لتناقضها أو تعارضها مع غيرها، مما يصعب الجمع بينها. وقد خرج أحاديث أناس لم يسلموا من الطعن، سواء في العقيدة، أو العدالة، أو الوثاقة. فإن منهم من أتهم بالكذب ووصف بوضع الحديث. وللمثال نذكر منهم:
*إسماعيل بن عبد الله بن أويس بن مالك (المتوفي 226 هـ). قال يحيي بن معين: إن إسماعيل مخلط كذاب، وقد تكلم فيه النسائي.
*زياد بن عبد الله العامري (المتوفي 282) فإنه متهم بالكذب، قال الترمذي عن وكيع: إن زياد بن عبد الله على شرفه كان يكذب في الحديث.
*الحسن بن مدرك السدوسي الطحان. رماه أبو داود بالكذب.
أما الضعفاء:
*كالحسن بن ذكوان البصري، فقد كان قدريا يدلس وضعفه أحمد وابن معين، والنسائي والترمذي.
*ومنهم أحمد بن أبي الطيب البغدادي.
*سملة بن رجاء التميمي.
*وبسر بن أدم الضرير، وغيرهم ممن نص الحفاظ على ضعفهم.
وهناك ناحية ذات أهمية في الموضوع، وهي تخريجه لأناس عرفوا بالنصب والعداء لعلي، وآل محمد، أمثال:
*عمران بن حطان السدوسي الخارجي.
*وأبو الأحمر السائب بن فروخ وهو القائل:
لقد ضلوا بحب أبي تراب***كما ضلت عن الحق اليهود
*وحريز بن عثمان الحمصي، وكان من المشهورين بالنصب والمعلنين العداء لعلي، وكان ينال منه ويقول: لا أحب عليا، قتل أبائي.
وغير هؤلاء من رجال صحيح البخاري الذين عرفوا بالنصب أمثال: إسحق بن سويد التميمي، وعبد الله بن سالم الأشعري، وزياد بن علامة أبو مالك الكوفي، فمن الحق، وواجب العلم أن نستنكر على البخاري تخريج أناس خالفوا أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) في وجوب حبه آله لحبه (صلى الله عليه وآله) وأعلنوا العداء لهم وعرفوا بالنصب. وهناك آلاف من الأحاديث في فضل علي (عليه السلام) وأهل بيته وقد خرجها الحفاظ من طرق عديدة، ولكن البخاري لم يخرج إلا ثلاثة أو أربعة منها، وليس المعقول أن عدم تخريجه لأكثر من هذا العدد كان لعدم وثوقه بصحتها، ولكن هناك شيء غير هذا)!!

 

الهوامش:

1- وفيات الأعيان ترجمة الذهلي.
2- تاريخ بغداد: ج4/ ص416.
3- تاريخ بغداد: ج2/ ص30.
4- تجد تفصيل ذلك في تاريخ بغداد: ص30-33 وإرشاد الساري: ج1/ ص38. ومقدمته فتح الباري واستقصاء الإفحام ج1 / ص978.
5- دائرة معارف القرن العشرين: ج5/ص292 وتذكرة الحفاظ: ج2/ ص589.
6- وفيات الأعيان: ج2/ ص281.
7- تهذيب الأسماء واللغات ج1/ ص68. ويروي فيه الخطيب البغدادي عن علي بن حجر أنه قال: (أخرجن خراسان ثلاثة، أولهم أبو زرعة الرازي بالري). تاريخ بغداد: ج2/ ص28.
8- تاريخ بغداد: ج4/ ص273 - 274.
9- المصدر السابق.
10- ميزان الاعتدال ج1/ ص126. وللشيخ جمال الدين الحنفي مقالة في البخاري يقول فيها: (من نظر من كتاب البخاري فقد تزندق) شذرات الذهب ج 7 / ص40.
11- شرح صحيح مسلم: ج2 / ص207 والمقدمة ص16. وقال النووي أيضاً: (استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلّا بشرطيهما فيها، ونزلت عن درجة ما التزماه). المصدر السابق.
12- مقدمة فتح الباري: ص81.
13- مقدمة فتح الباري: ج2 / ص111 - 183.
14- فتح الباري، تفسير سورة براءة.
15- المصدر السابق.
16- المصدر السابق.
17- المصدر السابق.
18- أضواء على السنة المحمدية ص 283.
19- هدى الساري ج 2 ص 81.
20- أضواء على السنة المحمدية ص 250.
21- المنار ج 10 ص 580.
22- ضحى الإسلام.
23- تهذيب التهذيب: ج9 ص 54.
24- انتهى ملخصا. راجع (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج1 ص 77 ـ 83.