البشرية نوع واحد .
فالكمال الأعلى الذي تبتغيه كمال واحد .
والسبيل الذي تتجه فيه إلى ذلك المقصد سبيل واحد ، ولا مرية في شيء من ذلك .
البشر نوع واحد ، هذه هي المقدمة الأولى التي يقوم عليها الاستنتاج ، وهي بديهية الثبوت ، وهل يدخل في روع عاقل أن البشر أكثر من نوع واحد؟ .
فالغاية القصوى التي يؤمها هذا النوع غاية واحدة . وهذه هي النتيجة الأولى ، والمقدمة الثانية ، وهي واضحة ثابتة كوضوح المقدمة الأولى وثبوتها ، فإن السنة المتبعة في هذا الكون وفي جميع ذراته ، وفي جميع بسائطه ومركباته أن لكل نوع واحد منها غاية واحدة ، وليس بمقدرة الإنسان أن يشذ عنها ، لأنه لا يملك أن يشذ عن نواميس الكون .
فالقانون الذي يصل البشر بغايته قانون واحد ، وهذه هي النتيجة الثانية ، وهي واضحة أيضاً
وثابتة بعد وضوح المقدمات وثبوتها فإن المبدأ الواحد والنهاية الواحدة لن يصل بينهما أكثر من خط مستقيم واحد .
والبشرية مجتمع واحد فهو بحاجة إلى نظام اجتماعي واحد .
ويهدمه ويصدع وحدته أن يكون له أكثر من ذلك .
والركائز الحقيقية لهذا المجتمع واحدة فلا يشتق منها أكثر من قانون واحد .
هذه الفكرة المستندة إلى هذه اليقينيات هي فكرة الإسلام عن الدين وقد جرى عليها في جميع أشواطه ، وباستطاعة الباحث أن يقرأها صريحة في كثير من نصوصه ، فقد جرى عليها لما هتف بالإنسانية جمعاء بكل شعوبها وأجناسها ليجمعها على الصراط الواحد المستقيم : ﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ 1. ولما أنذر العالمين أجمعين بالخسران إذا هم ابتغوا غير دين الله منهجاً واتبعوا غير وحيه دليلاً : ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ 2بلى . ومن يتنكب سبيل السعادة فلا بد وأن ينتهي إلى الشقاء ولا بد وأن يشعر بالخسران في نهاية المطاف .
وأديان السماء كافة ـ في رأي الإسلام ـ دين إلهي واحد وضع بوضع الشريعة الأولى واكتمل باكتمال الشريعة الأخيرة ، ولم يختلف إلا بما تفرضه سنة التطور ، ولم يتبدل إلا بما يقتضيه سير الحكمة وحاجة المجتمع . فدين الله هذا الذي أرسل به رسوله الأكبر هو بذاته دين الله الذي أوصى به أنبياءه السالفين ، وفرض على الناس أن يقيموه ونهاهم أن يتفرقوا فيه ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... ﴾ 3.
والرسل المطهرون من مبدأهم إلى ختامهم إنما يدعون إلى اعتناق ملة واحدة لا تشعب فيها وإلى عبادة رب واحد لا شريك معه : ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ 4.
وقد جرى الإسلام على هذه الفكرة لما لازم بين أديان السماء في العقيدة وربط ما بينها في الإيمان ، فالمؤمن لن يكون مؤمناً حقاً حتى يصدق بكل من بعث الله من نبي وبكل ما أنزل إلى الأنبياء من كتاب وبكل ما أوحى إليهم من شريعة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ 5﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ 6.
وقد جرى عليها أيضاً لما سبر الإنسان من أضعف مشاعره إلى أقوى صلاته ، ومن أدنى خواطره إلى أبعد غاياته ، ثم وازن بين غرائزه القوية والضعيفة حين تتصادم ، وبين غاياته القريبة والبعيدة حين تتقابل ، وحين صعد نظرته في الإنسان إلى حدوده العليا ثم صوبها إلى حدوده السفلى ، ليجمع كل هذه المجاري في مجرى ويؤلف جميع هذه المختلفات في وحدة ، على هذه الفكرة جرى الإسلام حين صنع ذلك ليعد للإنسان نظامه الواحد الذي لا اختلاف معه ، القيم الذي لا التواء به ، السمح الذي لا حرج فيه ، العام ما وجد فرد من أبناء الإنسان ، الخالد ما بقيت حياة على ظهر هذا الكوكب . أما دلائل هذه الدعوى فيجدها الباحث في كل حكم من أحكام الإسلام وفي كل هداية من هدايات القرآن . وسنتعرض لبعضها في الكتاب إذا أمدنا الله منه بالتوفيق .
على أن الفكرة المتقدمة لا اختصاص لها بدين الإسلام ، ولا يدعي الإسلام أنه يختص بها دون ما سواه من الأديان ، فهي فكرة رسالات الله عامة ، وقد رأينا الإسلام كيف يقرر هذه الوحدة بين أديان السماء وكيف يقيم على هذه الوحدة ربطاً وثيقاً في عقيدة أتباعه ، رأيناه كيف يجعل منها سلسلة واحدة موصولة الحلقات متماسكة الأجزاء فالسابق منها مهاد للاحق ، والأخير امتداد للأول .
والتفسير المفهوم لهذا الترابط هو أن الأديان في رأيه تنفجر من ينبوع واحد ثم تسير في مجرى واحد إلى مصب واحد . نعم وما بشارة أوائل النبيين وأواخرهم ولا تصديق أواخرهم لأوائلهم إلا تثبيت لهذه الفكرة وسير مع مقتضاها .
ذلك أن الإيمان ببعض رسالات المرسلين وإغفال سائرها أو الجحود به معناه الأول اقتطاع الجزء عن كله ، ومعناه الأخير عدم الإيمان بذلك الجزء ايضاً ، لأن الجزء لا يستقيم ولا يؤدي وظيفته مبتوراً ، فلا محيد من تصديق النبيين بعضهم بعضاً تمكيناً للغاية وتوجيهاً للإنسانية .
وإذن فالإسلام يجد أن شرائع السماء تتحد معه في القاعدة المتقدمة وتتحد معه كذلك في كل سمة يمتاز بها الدين الحق .
على أننا نلاحظ ما يخالف ذلك في الأديان الموجودة المنسوبة إلى السماء ، وهذا إنما يدل على تحريف ماسخ يبعد هذه الأديان عن الصور الحقيقية لشرائع الله الأولى ، أما الفكرة المتقدمة نفسها فلا ريب فيها بعد أن مكن لها البرهان وعززها اليقين .
واعتراف الإسلام بأديان السماء الصحيحة لا يعني اعترافه بهذه الصورة الشائهة الممسوخة التي لا تجتمع وإياها في الفكرة ولا تتفق معها في الخطة ، وقد لا تتحد معها بغير الاسم . . وللبحث صلة تأتي إنشاء الله تعالى في فصل قريب .
يريد ليطهركم ، وليتم نعمته عليكم
﴿ ... مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ 7.
بهذه الآية الكريمة الحكيمة يوضح الله غايته من تشريع الدين ورفع قواعده .
ليطهر الناس المؤمنين به المتبعين لأحكامه ، وليتم نعمته عليهم ، هذه الغاية التي ابتغاها رب الناس للناس من تشريع دينه ووضع أحكامه .
تطهير وإنقاء . ثم تزكية وإعلاء .
إنه هدف مزدوج على ما يبدو ، وكل شيء يرام أن يؤخذ به إلى غاية فلا بد من إعداده لها ولابد من تصفيته من أضدادها . والنفس البشرية جهاز كالأجهزة لا يجدي نفعاً ما لم تنظف أعجاله ومحركاته عما يعلق بها من أدران ، وعما يقر في خزانات من رواسب ، ولا يجدي نفعاً ما لم يحسن مديره كيف يوجهه إلى العمل المطلوب وكيف يستخدمه للإنتاج الحسن الكثير .
تطهير وإنقاء ، هذا هو المأرب الأول الذي يعمل له الدين .
اجل . فاللنفوس من أهوائها ومطامعها معوقات تصدها عن الخير ، وعليها من سواها مؤثرات تصرفها عن الاستكمال ، وللنعم أضداد من صفات الإنسان تمنعها عن التحقق . ولها حواجز من ملابسات الإنسان تعتاقها عن التمام . ولا مناص من اجتثاث هذه الآفات ، وإقصاء هذه الغرائب إذا لم يكن مناص من بلوغ الغاية . والمعوقات المذكورة تتمثل في كل عمل محظور نهى عنه دين الله ، وفي كل صفة ذميمة منعت منها إرشاداته . وفي كل غاية وضيعة حرمت السعي إليها تعاليمه .
ثم تزكية وإعلاء ، وهذا هو المأرب الثاني من مآرب الدين ، وهو كذلك دور إتمام النعمة على حد تعبير الآية الكريمة ، وبهذا تتم الغاية التي أرادها الله يوم وضع العقيدة وشرع الشريعة .
وواجب الدين في الدورين المذكورين أن يعد الذرائع المبلغة إلى المدى ، وأن يوجه النفوس بصفاتها وبأعمالها إلى الهدف ، ثم عليه غير ذلك أن يلون الغايات المتفرقة حتى يرجعها إلى غاية ، وأن يضم المسببات المختلفة حتى يجمعها في مسبب هو الغاية الكبرى للدين والكمال الأقصى للبشر والنعمة العظمى لجاعل الدين وخالق البشر .
على الدين أن يهيء الوسائل المبلغة وأن يمهد السبل المستقيمة ، وأن يتيح الفرص الكافية ، وأن يقيم الدلائل الواضحة ، وأن ينشر الدعوة الحكيمة . أما الاستجابة للدعوة وسلوك السبيل واغتنام الفرصة ، أما ذلك فهو من شؤون المرء ذاته . فليس من خليقة الدين أن يكره ، وليس من حكمة الله أن يضطر ، وليس من كرامة الإنسان أن يجبر .
الإنسان ذاته هو الذي يتحكم في عقبى أمره فيحرز لنفسه الفوز أو يكتب عليها الخسار .
والهدفان المذكوران مترتبان في طبيعتهما ، فما يكون لنفس أن ترقى وأن تستكمل وهي لا تزال ملوثة السر قذرة العلانية ، وما يكون لنفس مثقلة بالجرائر مرتكسة في الخبائث أن ترتفع إلى منازل الكرامة .
وطبيعي أن تنقى الأرض وأن تستأصل ما في تربتها من جرثومة أو آفة قبل أن تبذر فيها أول حبة أو تغرس فيها أول نبتة .
وآفات النفوس ومعوقاتها عن طلب الخير ـ كما قلنا من قبل ـ تفوت الحصر وتمتنع على الحاصر ، وهي كذلك غير محدودة الوقت ولا محدودة الأثر . ومقتضى ذلك أن يستمر التطهير ما دامت مظنة للتلوث وما دامت مظنة للإنتكاس .
من أجل ذلك كانت مهمة الدين مركبة أو مزدوجة طوال الحياة .
ومن هنا كانت عنايته بطب الوقاية تضاهي عنايته بطب العلاج .
ومن هنا كانت محرماته تربو على واجباته ، وكانت تحذيراته أشد تغليظاً من ترغيباته .
ومن أجل ذلك أيضاً وثق الإسلام ما بين غايتين في الأسباب ولازم ما بينهما في التحقق حتى أصبحت أسباب التطهير بذواتها أسباباً للترقية ووسائل الترقية بأنفسها وسائل للتطهير ، فقد قال مثلاً في الكتاب الكريم : ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ 8. و قال : ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾ 9.
يصنع الدين ذلك لأنه يرى أن افراد الغايتين في المنهاج تضييع للزمن وتفريط بالفرصة . وقد ينتهي بالإنسان إلى الحرمان من الغاية ، ولأن التكامل الاختياري في مدرجة الرشد كالتكامل الطبيعي في سائر القوى الطبيعية كلاهما نمو متصل مطرد لا مجال فيه لوقفه ولا مساغ لإبطاء .
وبعد ففي الآية الكريمة إيحاءات يجمل بنا أن نقف على قليل منها .
يريد ليطهركم . وليتم نعمته عليكم ، لهذه الغاية شرع الله الدين ووضع أسسه واقام بناءه ، ليتم نعمته عليكم ، وإن النعم موجودة موفورة على الإنسان منذ يوم خلق ، إلا أنها لا تستتم حلقاتها إلا بالدين ، ولا تبلغ تلك الحلقات غايتها المرجوة المحمودة ولا تؤتي ثمراتها الزكية الطيبة إلا باتباعه .
هذا ما توحي به الآية أفليس الواقع كذلك؟ .
ومن البين أن أسبق النعم على المرء هي نعمة الوجود ، وأن جميع النعم الأخرى متفرعة على هذه في التكوين ، ومن البين كذلك أن نعمة الوجود لن تصل إلى تمامها إلا يوم يصل الموجود إلى ذروة كماله .
وماذا في الإنسان غير وجوده ( إذا صح منا هذا التعبير)؟ .
ماذا فيه غير كيانه المادي الخاص ، وغير الحياة التي تعمر الكيان ، والعقل الذي يدبر سلوك الحياة؟ .
فيه أجزاء مادية داخلية وخارجية يتألف منها الجسد ، وفيه قوى وطاقات آلية وإرادية يبرز فيها نشاط الحياة ، وفيه أشواق وغرائز تشير إلى ضرورات ذلك الجسد وفاقات تلك الحياة . وفيه أشياء كثيرة وعجيبة تدهش العقل وتحير اللب .
فيه هذه المجموعة الكبيرة من الأشياء المختلفة التي يقوم بها كيانه وتستقيم بها حياته ، وكل واحد من أشياء هذه المجموعة نعمة كبيرة على الإنسان لا صلاح له بدونها ، ولو أنها فقدت أو نقصت منه لتعذرت عليه حياته أو لتنغصت عليه معيشته واضطربت أحواله .
فإذا استعرضنا هذه المجموعة واستقرأنا ما فيها من أجزاء ومظاهر وخصائص وجدناها مليئة بالحوافز والاستعدادات . والاستعدادات للتكامل الإنساني والحوافز على طلبه والحصول عليه .
وحتى نمو الإنسان الطبيعي والأجهزة الكثيرة التي تعمل له ، والطاقات الكبيرة التي تنفق فيه إنما هي إعدادات لتلك الغاية .
فإذا كان الدين هو المنهاج الذي ينال الإنسان به رشده ويستكمل به غايته فهو دون شك متم هذه النعم لأنها لن تستكمل فعليتها إلا يوم اتباعه .
الدين متم هذه النعم بمعنى أن تشريعه يضم نعمة كبيرة إلى أعدادها الكثيرة .
الدين متم هذه النعم بمعنى أنه السبيل الذي تبلغ به نهايتها .
وبعد أن يستحق الدين هذه الصفة ، وبعد أن يكون بحق هو المتم لنعمة الله على عبده ، فلا محيد من أن يكون تشريع الدين حقاً لله وحده ، ولا مساغ لأن يدان فيه لأحد سواه . هذا ما تحوى به الآية أيضاً .أفليس الحق هو ذلك؟ .
الله وحده مفيض نعمة الوجود في ابتدائها ولا شريك له في ذلك ولا ظهير له عليه ، أفلا يكون من حقه وحده أن يكون مصدر هذه النعمة في استكمالها وأن لا يكون له فيها شريك ولا ظهير؟ والله وحده هو الذي استودع الإنسان نزعة التكامل ومكن له في طبيعته وأعد له قواه ومشاعره ، أفليس من حقه وحده كذلك أن يسن له المنهج الذي يتكامل فيه وأن يهديه سبيله ويقيم له دليله .
الدين حق خالص لله فلا يؤخذ إلا منه .
والكمال البشري غاية الله من تكوين الإنسان فلا يرجع في رسم حدوده ولا في تعيين سبيله إلى أحد سواه . هذا ما توحي به الآية الكريمة وهذا ما يجب أن يكون ، ألم نقدم جميع هذا مبسوطاً بدلائله؟ .
ولست أريد الاستقصاء ففي الآية لفتات أخرى حول الدين وحول الإنسان ، وفي القرآن الكريم إيضاحات أخرى لهذه المضامين وفيه آيات جمة تصف الدين بأنه تطهير وتزكية وبأنه إتمام للنعمة وشفاء لما في الصدور 10 .
___________
1. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 153، الصفحة: 149.
2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 85، الصفحة: 61.
3. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 13، الصفحة: 484.
4. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 51 و 52، الصفحة: 345.
5. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 136، الصفحة: 100.
6. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 136، الصفحة: 21.
7. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 6، الصفحة: 108.
8. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 31، الصفحة: 83.
9. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 114، الصفحة: 234.
10. من كتاب : الإسلام ، منابعه ، مناهجه ، غاياته ، للشيخ محمد أمين زين الدين .