الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في سطور(*)
هو الإمام عليّ بن الحسين (عليه السّلام) , رابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين نصّ عليهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كما جاء في صحيحَي البخاري ومسلم وغيرهما ؛ إذ قال : (( الخلفاء بعدي اثنا عشر , كلّهم من قريش ))(1) .
* أبوه الإمام الحسين (عليه السّلام) أحد سيِّدَي شباب أهل الجنّة ، سبط الرسول وريحانته , ومن قال فيه جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) : (( حسين منّي وأنا من حسين )) .
* جدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأوّل من أسلم وآمن برسالته ، وكان منه بمنزلة هارون من موسى كما صحّ في الحديث عنه(2) .
* جدّته فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وبضعته ، وفلذة كبده ، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها .
ولد الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة ، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين , وعاش سبعة وخمسين سنة تقريباً ، قضى ما يقارب سنتين أو أربع منها في كنف جدّه
الإمام عليٍّ (عليه السّلام) ، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين (عليهما السّلام) ، وارتوى من نمير العلوم النبويّة ، واستقى من ينبوع أهل البيت الطاهرين (عليهم السّلام) .
برز على الصعيد العلمي إماماً في الدين , ومناراً في العلم ، ومرجعاً لأحكام الشريعة وعلومها ، ومثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى ؛ حيث اعترف المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليّته ، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيّته .
كان للمسلمين عموماً تعلّق عاطفي شديد بهذا الإمام (عليه السّلام) ، وولاء روحي عميق له ، وكانت قواعده الشعبية ممتدّة في كلّ مكان من العالم الإسلامي كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الأعظم منه حينما حجّ هشام بن عبد الملك أيام حكومة أخيه الوليد(3) .
لم تكن ثقة الاُمّة بالإمام زين العابدين (عليه السّلام) ـ على اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها ـ مقتصرة على الجانب الفقهي والروحي فحسب ، بل كانت تؤمن به مرجعاً وقائداً ومفزعاً في كلِّ مشاكل الحياة وقضاياها ؛ بوصفه امتداداً لآبائه الطاهرين ؛ ومن هنا نجد أنّ عبد الملك بن مروان قد استنجد بالإمام زين العابدين (عليه السّلام) لحلّ مشكلة التعامل بالنقود الرومية إبّان تهديد الملك الروماني له بإذلال المسلمين(4) .
وقد قُدّر للإمام زين العابدين (عليه السّلام) أن يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيه (عليه السّلام) ؛ فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأول ، في مرحلة من أدقّ المراحل التي مرّت بها الاُمّة وقتئذٍ ، وهي المرحلة التي أعقبت موجة الفتوح الاُولى ؛ فقد امتدّت هذه الموجة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي ، فزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة ، وضمّت شعوباً مختلفة وبلاداً واسعة إلى الدعوة الجديدة ، وأصبح المسلمون قادة الجزء الأعظم من العالم المتمدّن وقتئذٍ خلال نصف قرن .
تعرّضت الاُمّة الإسلاميّة في عصر هذا الإمام (عليه السّلام) لخطرين كبيرين :
الخطر الأوّل : هو خطر الانفتاح على الثقافات المتنوعة ، والذي قد ينتهي بالاُمّة إلى التميّع والذوبان وفقدان أصالتها ؛ فكان لا بدّ من عمل علمي يؤكّد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدة من الكتاب والسنّة .
وكان لا بدّ من تأصيل للشخصية الإسلاميّة ؛ وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد , وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) ؛ فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) , وأخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلاميّة ؛ من تفسير وحديث وفقه , وتربية وعرفان ، وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين .
وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسيّة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين ، وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه الإسلامي , وكانت الأساس لحركة الفقه الناشطة .
الخطر الثاني : هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذّات الحياة الدنيا , والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة ، وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخُلقية .
وقد اتّخذ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) من الدعاء أساساً لدرء هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصيّة الإسلاميّة ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً , ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها ؛ ومن هنا كانت «الصحيفة السجّادية» تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام (عليه السّلام) , إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدرَ عطاءٍ , ومشعل هدايةٍ , ومدرسة أخلاقٍ وتهذيب ، وتظلّ الإنسانيّة بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي ، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانيّة إغراءً , والدنيا فتنةً له(5) .
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين
ــــــــــــــــــــــــ
(1) إثبات الهداة 2 / 320 الحديث 116 .
(2) صحيح مسلم 7 / 121 .
(3) اختيار معرفة الرجال / 129 ـ 132 الحديث 207 ، والجاحظ في البيان والتبيين 1 / 286 ، الأغاني 14 / 75 و 19 / 40 ، وابن خلكان في وفيات الأعيان 2 / 338 ط إيران .
(4) انظر : دراسات وبحوث ـ للعاملي 1 / 127 ـ 137 .
(5) السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدّس سرّه) في مقدّمته للصحيفة السجّاديّة .
(*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال قد اُخذ من موقع زاد المعاد ـ بتصرّف من موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)