الدليل على إمامة الحسن (عليه السّلام)(*)
هناك عدّة طرق في إثبات إمامة الحسن (عليه السّلام) :
أحدها :
أن نقول : قد ثبت وجوب الإمامة في كلِّ زمان من جهة العقل , وأنّ الإمام لا
بدّ أن يكون معصوماً , منصوصاً عليه , وعلمنا أنّ الحق لا يخرج عن اُمّة
محمّد (صلّى الله عليه وآله) .
فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الاُمّة بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السّلام)
:
فقائل يقول : لا إمام . وقوله باطل ؛ بما ثبت من وجوب الإمامة .
وقائل يقول بإمامة مَن ليس بمعصوم . وقوله باطل ؛ بما ثبت من وجوب العصمة .
وقائل يقول بإمامة الحسن (عليه السّلام) , ويقول بعصمته , فيجب القضاء بصحة قوله , وإلاّ أدّى إلى خروج الحق عن أقوال الاُمّة .
ثانيها : أن نستدل بتواتر الشيعة ونقلها خلفاً عن سلف أنّ أمير المؤمنين علياً (عليه السّلام) قد نصّ على ابنه الحسن (عليه السّلام) بحضرة شيعته , واستخلفه عليهم بصريح القول , ولا فرق بين من ادّعى عليهم الكذب فيما تواترت به , وبين من ادّعى على الاُمّة الكذب فيما تواترت به من معجزات النبي (صلّى الله عليه وآله) ، أو ادّعى على الشيعة الكذب فيما تواتروا به من النص على أمير المؤمنين (عليه السّلام) .
وكلّ سؤال يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام .
ثالثها :
أنه قد اشتهر في الناس وصية أمير المؤمنين إليه خاصة من بين ولده وأهل بيته
, والوصية من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة
الأنبياء والأئمة (عليهم السّلام) في أوصيائهم , لا سيما والوصية علم عند
آل محمّد (صلوات الله عليهم) كافة إذا انفرد بها واحد بعينه على استخلافه ,
وإشارة إلى إمامته , وتنبيه على فرض طاعته , وإجماع آل محمّد (صلوات الله
عليهم) حجة .
رابعها : أن نستدل بالأخبار الواردة فيما ذكرناه , فمن ذلك ما رواه
محمّد بن يعقوب الكليني ... عن سليم بن قيس الهلالي قال :
شهدت أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السّلام)
, وأشهد على وصيته الحسين (عليه السّلام) ومحمّداً وجميع ولده , ورؤساء
شيعته وأهل بيته , ثم دفع إليه الكتاب والسّلاح , وقال له :
(( يا بُني , أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
أن اُوصي إليك , وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليَّ ودفع إليَّ كتبه
وسلاحه , وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ))
.
ثم أقبل على ابنه الحسين (عليه السّلام) فقال :
(( وأمرك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تدفعها
إلى ابنك هذا )) , ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين وقال :
(( وأمرك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تدفعها
إلى ابنك محمّد بن علي , واقرأه من رسول الله ومنّي السّلام )) .
وعنه ... عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه
السّلام) لما حضرته الوفاة قال لابنه الحسن (عليه السّلام) :
(( ادنُ مني حتّى أسرّ إليك ما أسرَّ إليَّ رسول
الله , وأئتمنك على ما ائتمنني عليه )) . ففعل .
وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب أنّ الإمام علياً (عليه السّلام) لما سار
إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة (رضي الله عنها) كتبه والوصية , فلما رجع
الحسن (عليه السّلام) دفعتها إليه .
خامسها : إنّا وجدنا الحسن بن عليّ (عليهما السّلام) قد دعا إلى الأمر بعد أبيه , وبايعه الناس على أنّه الخليفة والإمام . فقد روى جماعة من أهل التاريخ أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السّلام) , فحمد الله وأثنى عليه , وصلّى على النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) , ثمّ قال : (( لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون , لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه , وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه , وميكائيل عن شماله , فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه . ولقد توفي (عليه السّلام) في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم , وفيها قُبض يوشع بن نون , وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمئة درهم فضلت من عطائه , أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله )) .
ثمّ خنقته العبرة , فبكى وبكى الناس معه , ثم قال : (( أنا ابن البشير , أنا ابن النذير , أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه , أنا ابن السراج المنير , أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً , أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) . فالحسنة مودّتنا أهل البيت )) .
ثم جلس , فقام عبد الله بن العباس بين يديه وقال : يا
معاشر الناس , هذا ابن نبيكم , ووصي إمامكم فبايعوه . فتبادر الناس إلى
البيعة له بالخلافة .
فلا بدّ أن يكون محقّاً في دعوته , مستحقّاً للإمامة مع شهادة النبي (صلّى
الله عليه وآله) له ولأخيه بالإمامة والسيادة في قوله :
(( ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا )) ,
وقوله : (( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ))
, وشهادة القرآن بعصمتهما في قوله تعالى :
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) على
ما تقدم القول فيه .
سادسها :
أن نستدل على إمامته بما أظهر الله (عزّ وجلّ) على يديه من العلم المعجز ,
ومن جملته حديث حبابة الوالبية الذي أورده الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال :
حدثنا علي بن أحمد الدقاق ... عن حبابة الوالبية قالت : رأيت أمير المؤمنين
(عليه السّلام) في شرطة الخميس ... ثم ساقت الحديث إلى أن قالت : فلم أزل
أقفو أثره حتّى قعد في رحبة المسجد , فقلت له : يا أمير المؤمنين , ما
دلالة الإمامة رحمك الله ؟ قال : (( ائتيني بتلك
الحصاة )) , وأشار بيده إلى حصاة , فأتيته بها , فطبع لي فيها
بخاتمه , ثم قال لي : (( يا حبابة , إذا ادّعى مدّعي
الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة , والإمام لا
يعزب عنه شيء يريده )) .
قالت : ثم انصرفت حتّى قُبض أمير المؤمنين (عليه السّلام) , فجئت إلى الحسن
(عليه السّلام) وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه , فقال لي :
(( يا حبابة الوالبية )) . فقلت : نعم يا
مولاي . قال : (( هاتي ما معك )) . قالت :
فأعطيته الحصاة , فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السّلام) .
قالت : ثم أتيت الحسين (عليه السّلام) وهو في مسجد الرسول (صلّى الله عليه
وآله) , فقرّب ورحّب , ثمّ قال لي : (( أتريدين
دلالة الإمامة ؟ )) . فقلت : نعم يا سيدي . قال :
(( هاتي ما معك )) . فناولته الحصاة فطبع لي
فيها .
قالت : ثم أتيت
علي بن الحسين (عليه السّلام) وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت , وأنا أعد
يومئذ مئة وثلاث عشرة سنة , فرأيته راكعاً وساجداً , مشغولاً بالعبادة ,
فيئست من الدلالة , فأومى إليَّ بالسبابة فعاد إلي شبابي , فقلت : يا سيدي
, كم مضى من الدنيا وكم بقي ؟ فقال : (( أمّا ما مضى
فنعم , وأمّا ما بقي فلا )) .
قالت : ثمّ قال لي : (( هات ما معك )) .
فأعطيته الحصاة فطبع فيها , ثمّ أتيت أبا جعفر (عليه السّلام) فطبع لي فيها
, ثمّ أتيت أبا عبد الله (عليه السّلام) فطبع لي فيها , ثمّ أتيت أبا الحسن
موسى بن جعفر (عليه السّلام) فطبع لي فيها , ثم أتيت الرضا (عليه السّلام)
فطبع لي فيها . وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكره عبد الله بن
هشام .
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين