في المجال الإسلامي المعاصر تتأكد الحاجة لاستعادة الاهتمام وتجديد المعرفة بعلم الجمال أو مبحث الجمال، وذلك نظرا لأننا إلى اليوم ما نزال نضطر لإثبات أن الإسلام ليس في خصومة مع الجمال، وهي القضية التي اتخذ منها الدكتور محمد عمارة مدخلا عند حديثه عن التربية الجمالية في كتابه (معالم المنهج الإسلامي)، وحسب قوله: (من الناس من يحسب أن هناك خصومة بين الإسلام وبين الجمال، تدعو المسلمين إلى التجهم في النظرة إلى الحياة، وإدارة الظهر إلى ما في الكون من آيات البهجة والزينة والجمال، يحسبون ذلك فيقولونه، أو يعبرون عنه بسلوك المتجهم إزاء آيات الجمال والفنون، والإبداعات الجمالية في هذه الحياة).
هذا التقابل بين الإسلام والجمال وافتراض الخصومة بينهما، يكشف عن أننا لم نستكشف القيم الجمالية في الإسلام، وما يكتنزه الإسلام في داخله من مخزون جمالي بديع وخلاق، ولم نتعرف على ما أنتجه المسلمون في عصور الازدهار الحضاري من إبداعات جمالية، أو أننا انقطعنا عن هذه القيم الجمالية في الإسلام ولم نعد نتواصل معها، وانفصلنا عن إبداعات المسلمين الحضارية ولم نعد نعلم بها، نتيجة لأزمنة التراجع الحضاري التي أصابت الأمة في الصميم.
كما أن هذا التقابل يكشف عن ضآلة الرؤية في النظر لهذه العلاقة بين الإسلام والجمال ومحدودية الأفق، التي هي أكبر وأسمى من وضعها وحصرها في إطار تفكيك الخصومة بين الإسلام والجمال، فلا ينبغي أن نحصر أنفسنا ونضيق رؤيتنا في هذه الخصومة المفتعلة، فالإسلام بكل جمالياته لا يمكن ولا يعقل أن يكون في خصومة مع الجمال، لأن كل ما في الإسلام جميل ويدعو إلى الجمال، والإسلام هو أجمل الديانات كافة على الإطلاق السماوية وغير السماوية، وكتابه ليس جميلا فحسب بل هو آية ومعجزة في الجمال، وقيمه ومبادئه وتعاليمه في غاية في الجمال.
وإذا كان هناك واقع لهذه الخصومة فهي عند أولئك الذين لا يرون الإسلام من منظور جمالي، ولا يقتربون من القيم الجمالية في الإسلام، وهم أولئك الذين يتساءلون فيما بينهم، هل يجوز إهداء المريض باقة من الورد، وهل يجوز تبادل التهنئة مطلع كل سنة هجرية أو ميلادية، وهل يجوز أن يحتفل الإنسان بعيد ميلاده، وهل يجوز للإنسان المسلم أن يتبسم في وجه من يخالفه في العقيدة والدين، إلى غير ذلك من قائمة طويلة تفصل سلوكيات الإنسان المسلم عن القيم الجمالية في التعامل مع الآخرين سواء من داخل ملته ومن خارجها، وتجعل الآخرين ينظرون للإنسان المسلم بعيدا عن القيم الجمالية في الإسلام، وننسى أن الدين هو المعاملة1.
1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الجمعة / 1 يونيو 2012م، العدد 16715.