القرآن و العصمة
  • عنوان المقال: القرآن و العصمة
  • الکاتب: الشيخ ابراهيم الاميني
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 23:31:58 1-9-1403

﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ 1.

سبق و أن يحثنا في هذه الآية بعض المسائل التي لا داعي لتکرارها هنا، وفيما يلي نبحث المقطع الذي يتساءل فيه إبراهيم عن نصيب ذريته من الإمامة، فجاء الجواب الإلهي قائلاً: ﴿ ... يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ 1.
وإذا ما أردنا أن نبحث في مفهوم الظلم و مصاديق الظالم نجد أن هذا الإصطلاح هو نقيض العدل، و يساوي وضع الشيء في غير موضعه، فما هو معني العدل تحديدا ً؟

ان هذا الوجود ينهض علي نظام خاص، حيث تنعم الأشياء فيه بقدر محدد من الوجود، فالقوانين و الشرائع الألهية إنّما جاءت متناغمة مع الفطرة و ناموس الطبيعة، فکلّّ من يسير و فق هذا الناموس کما خلقه الله عزوجل، و کانت أعماله وفق ذلک، عُدّ عادلا ً.فإذا انحرف عن مسار الفطرة و ارتکب معصية ما، کان ظالما.

وفي ضوء الرؤية القرآنية يمکن تقسيم الظلم الي ثلاثة أنواع:

 

ظلم العبد لربه

فمن أکبر الظلم الکفر والشرک و النفاق، قال تعالى:﴿ ... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ 2، و قال عزوجل:﴿ فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ 3.

ان الله منشأ الوجود، و العبادة لله وحده، فمن عَبَدَ غيره ظلم.

 

ظلّّم الإنسان لأخيه الإنسان

قال سبحانه:﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 4.

فالعدوان شکل من أشکال الظلم لأنّه هضم لحقوق الآخرين، و اعتداء علي ناموس الطبيعة و الفطرة.

 

ظلم الإنسان لنفسه

قال سبحانه و تعالى:﴿ ... فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ... ﴾ 5. وقال عزوجل:﴿ ... وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ 6.

لقد أودع الله في الحياة الإنسانية طريقا ً مستقيما ً يتناغم مع فطرة الإنسان کأصل في قابليته للتکامل، فمن ينحرف عن هذا المسير فهو يظلم نفسه.

قال تعالى:﴿ ... مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ... ﴾ 7.

وقال سبحانه:﴿ ... وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ 8.

وبالرغم من التقسيم السابق، فإن النوع الأول و الثاني من الظلم هو شکل من أشکال ظلم الإنسان لنفسه أيضاً، فهو في جميع الأحوال يضربنفسه، لاغير.

وإذا أردنا أن نقسّم الناس على أساس ارتکاب المعاصي، فهم طوائف أربع:

    طائفة مستغرقة في المعاصي طوال الحياة.
    طائفة ارتکبت المعاصي أول العمر ثم أقلعت عن ذلک و تابت.
    طائفة لم تذهب في أوّل العمر ثم انحرفت فاستغرقت في الذنوب في آخر عمرها.
    وطائفة طاهرة الثوب من أوّل العمر إلي آخره.

وعلى إساس إطلاق الآية الکريمة التي تصدّرت البحث، فإن الطوائف الثلاث الأولى تنضوي جميعا ً في إطار «الظالمين» الذين لا ينالهم عهدالله، و إذن لا يبقي هناک سوى الطائفة الرابعة ؛ تلك التي لم ترتكب ذنبا ً في حياتها أبدا9.

_____________

    1. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 124، الصفحة: 19.
    2. القران الكريم: سورة لقمان (31)، الآية: 13، الصفحة: 412.
    3. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 94، الصفحة: 62.
    4. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 42، الصفحة: 487.
    5. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 32، الصفحة: 438.
    6. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآية: 113، الصفحة: 450.
    7. القران الكريم: سورة الطلاق (65)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 558.
    8. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 229، الصفحة: 36.
    9. من کتاب دراسة عامة في الامامة.