المعنى اللغوي للبَداء
يُقال : بَدَا الأمر بُدواً ، وبداء : ظهر ظهوراً بيِّناً ، وبَدَا له في الأمر كذا : جَدَّ له فيه رأي ، أو نشأ له فيه رأي .
المعنى الاصطلاحي للبَدَاء :
يُقال : بَدَا لله في أمر بداء : ظهر له في ذلك الأمر ما كان خافياً على العباد ، كزيادة الأرزاق والأعمار ونقصانهما حسب أعمال العباد ، وأخطأ من ظن أن المقصود من : بَدَا لله في أمر بداء ، أي : جَدَّ له في ذلك الأمر غير الأمر الذي كان له قبل البَداء ، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً .
البَداء في القرآن الكريم
قال الله تعالى : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولا أنزلَ عَلَيهِ آَية مِنْ رَبِّهِ ) الرعد : ۷ و ۲۷ ، وقال تعالى : ( .. وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأتِي بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب * يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ * وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلاغُ وَعَليْنَا الحِسَابُ ) الرعد : ۳۸ – ۴۰ ، وقال تعالى : ( .. وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) الشورى : ۲۴ .
البَداء في روايات أهل العامة
وردت روايات كثيرة في البداء عند أهل العامة ، نكتفي بذكر الرواية الآتية :
روى الطيالسي وأحمد وابن سعد والترمذي واللفظ للطيالسي بإيجاز قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن الله تعالى أرى آدم ( عليه السلام ) ذريته فرأى رجلا أزهراً ساطعاً نورُه ، قال ( عليه السلام ) : يا ربِّ ، من هذا ؟ قال تعالى : هذا ابنك داود .
قال ( عليه السلام ) : يا ربِّ ، فَمَا عُمره ؟ قال تعالى : ستون سنة ، قال ( عليه السلام ) : يا ربِّ ، زِدْ في عمره ، قال تعالى : لا ، إلا أن تزيده من عمرك .
قال ( عليه السلام ) : وما عمري ؟ قال تعالى : ألف سنة ، قال آدم ( عليه السلام ) : فقد وهبت له أربعين سنة من عمري ، فلما حضره الموت وجاءته الملائكة قال ( عليه السلام ) : قد بقي من عمري أربعون سنة ! قالوا ( عليهم السلام ) : إنك قد وهبتها لداود ( عليه السلام )) مسند أحمد : ۱ / ۲۵۱ ، طبقات ابن سعد : ۷ / ۱ – ۹ ، سنن الترمذي : ۱۱ / ۱۹۶ .
فهذه الرواية جاءت كمصداق من مصاديق قوله تعالى : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ ) .
البَداء في روايات الشيعة
روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ما بعث الله عزَّ وجلَّ نبيّاً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، وعن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنه قال : ( ما بُعِث نَبيّاً قط إلا بتحريم الخمر ، وأن يُقرَّ له بالبداء ) .
وفي رواية أخرى أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أخبر عن زمان المحو والإثبات فقال ( عليه السلام ) : ( إذا كان ليلة القدر ، نزلت الملائكة والروح والكَتَبَة إلى سماء الدنيا ، فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة ، فإذا أراد الله أن يقدم شيئاً أو يؤخره ، أو ينقص شيئاً ، أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد ) .
وأخبر الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن قول الله تعالى : ( وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( إن عند الله كُتُباً موقوتة يقدم منها ما يشاء ويؤخر ، فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شيء يكون إلى ليلة مثلها ، وذلك قوله : ( لَنْ يُؤَخِّر اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ) إذا أنزل ، وكَتَبَه كُتَّاب السماوات ، وهو الذي لا يؤخره ) ، هذا هو البداء في أخبار أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وأما البداء بمعنى : أن الله جَدَّ له رأي في الأمر لم يكن يعلمه ( مَعاذ الله ) فقد قال أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فيه ما رواه المجلسي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : من زعم أن اللهَ عزَّ وجلَّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرأوا منه .
مَحَاسِن الاعتقاد بالبَدَاء
لو اعتقد الإنسان أن من الناس من كُتِب في السعَداء فلن تتبدل حاله ولن يكتب في الأشقياء ، ومنهم من كُتِب في الأشقياء فلن تتبدل حاله ولن يكتب في السعَداء ، وأنه قد جفَّ القلم بما جرى لكل إنسان ، عندئذٍ لا يتوب العاصي من معصيته ، بل يستمر في ما هو عليه ، لاعتقاده بأن الشقاء قد كتب عليه ولن تتغير حاله .
ومن الجائز أن يوسوس الشيطان إلى العبد المنيب أنه من السعداء ولن يكتب في الأشقياء وتؤدي به الوسوسة إلى التساهل في الطاعة والعبادة ، ولعدم استيعاب بعض المسلمين معاني الآيات والروايات المذكورة في المشيئة ، اعتقد بعضهم أن الإنسان مجبور على ما يصدر منه ، واعتقد آخرون على أن الأمر كله مفوض للإنسان .
ولذلك قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لا جَبرَ وَلا تَفْوِيض ، ولكنْ أمرٌّ بين أمرين ) .