سماويّات علويّة
  • عنوان المقال: سماويّات علويّة
  • الکاتب: نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 3:44:49 4-9-1403

سماويّات علويّة

حالتان
ضروريّتان: الأولى ـ أن ينظر المرءُ إلى الأرض مُنْحنياً رأسُه، تواضعاً منه وحياءً من الله تبارك وتعالى، وتأمّلاً فيما سيَؤول إليه مصيره بعد دفنه في تراب هذه الأرض التي يمشي عليها الناس في غفلةٍ وغرورٍ وكِبْرٍ وعُجْب! واقتداءً بعباد الرحمان الذين وصَفَهم الله تعالى بأنّهم يمشون على الأرض هَوْناً، وأخذاً بوصيّة لقمان لابنه: ولا تَمشِ في الأرضِ مَرَحاً، إن الله لا يُحبُّ كلَّ مُختالٍ فَخُور [ سورة لقمان:18 ] وفوقها وصيّة الله الكبرى: ولا تَمْشِ في الأرض مَرَحاً، إنّك لن تَخرِقَ الأرضَ ولن تَبلُغَ الجبالَ طُولاً [ سورة الإسراء:37 ].
أمّا الحالة الثانية ـ وهي ضروريّةٌ أيضاً، فهي أن ينظر المرءُ إلى السماء رافعاً راسَه، راجياً رحمةَ ربّه، متفكّراً في عظمة الله تعالى من خلال بديع خَلقه، ممتثلاً لما جاء في كتاب بارئه: أفَلَم يَنظُروا إلى السماءِ فَوقَهم كيف بَنَيناها وزَيَّنّاها وما لَها مِن فُرُوج [ سورة ق:6 ]، قُلِ انظُرُوا ماذا في السماواتِ والأرضِ.. [ سورة يونس:101 ]، أوَ لم يَنظُروا في مَلَكوتِ السماواتِ والأرضِ وما خَلَقَ اللهُ مِن شيءٍ.. [ سورة الأعراف:185 ].
وإذا أردنا أن يكون نظرنا إلى السماء أعمقَ وأنفع، فعلينا أن ننظر ماذا نزل منها، غير المطر الهاطل، فقد نزلت منها آيات وشرائع، وبعثات ونبوّات ورسالات ووصيّات، كان منها وصايا الله عزّوجلّ لرسوله المصطفى صلّى الله عليه وآله أن يُعرّف ببعض منازل عليٍّ عليه السلام ومناقبه وفضائله وخصائصه، وسماويّاته، فأحوال العباد صاعدةٌ إلى السماء، والله تعالى هو القائل: هذا كتابُنا يَنطِقُ عليكُم بالحقّ، إنّا كنّا نَسْتَنْسِخُ ما كنتُم تعملون * فأمَّا الذينَ آمَنوا وعَمِلُوا الصالحاتِ فيُدخلُهم ربُّهم في رحمتهِ، ذلك هوَ الفَوزُ المُبين * وأمَّا الذينَ كَفَروا، أَفَلَم تَكُنْ آياتي تُتلى عليكُم فاستكبَرْتُم وكنتُم قَوماً مُجرِمين [ سورة الجاثية:29 ـ 31 ]، والقائل عزّ من قائل: إليهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطيّبُ والعملُ الصالحُ يَرفَعُه [ سورة فاطر:10 ].
وهنالك يكون الحساب، وفصل الخطاب، فلابدّ قبل ذلك أن ينظر المرء ماذا نزل من السماء من حديثٍ هو مِن عالَمِها ومصادرها، وما ورد من أخبارها، وقد أنبأ عن كثيرٍ منها رسول الله صلّى الله عليه وآله، من أهمّها قوله::
« ألا ومَن أحبَّ عليّاً فقد أحبّني، ومَن رضيَ اللهُ عنه كافَأَه بالجنّة.
ألا ومَن أحبَّ عليّاً استغفَرَت له الملائكة وفتَحَت له أبواب الجنّة، يدخل مِن أيّ بابٍ شاء بغير حساب.
ألا ومَن أحبّ عليّاً أعطاه الله كتابَه بيمينه، وحاسَبَه حساباً يسيراً، حسابَ الأنبياء.
ألا ومَن أحبّ عليّاً لا يخرج من الدنيا حتّى يشرب من الكوثر، ويأكل من شجرة طوبى، ويرى مكانه من الجنّة.
ألا ومَن أحبّ عليّاً يُهَوِّنُ اللهُ عليه سكراتِ الموت، وجعل قبره روضةً من رياض الجنّة.
ألا ومَن أحبّ عليّاً أعطاه الله في الجنّة بكلّ عِرقٍ في بدنه حوراء، وشفَّعَه في ثمانين من أهل بيته...
ألا ومَن عَرَف عليّاً وأحبَّه بعث اللهُ له مَلَكَ الموت بما يبعث إلى الأنبياء، ودفع عنه أهوال منكرٍ ونكير، ونوّر قبرَه وفَسّحه مسيرةَ سبعين عاماً، وبيّض اللهُ وجهَه يومَ القيامة.
ألا ومَن أحبّ عليّاً تقبّل الله حسناته، ويتجاوز عن سيّئاته، وكان في الجنّة رفيقَ حمزة سيّد الشهداء.
ألا ومَن أحبّ عليّاً أثبت الله الحكمةَ في قلبه، وأجرى على لسانه الصواب، وفتح الله عليه أبواب الرحمة...
ألا ومَن أحبّ عليّاً جاء يومَ القيامة ووجهُه كالقمر ليلة البدر.
ألا ومَن أحبّ عليّاً وضع الله على رأسه تاج الكرامة وألبَسَه حُللَ العِزّ.
ألا ومَن أحبّ عليّاً مرّ على الصراط كالبرق الخاطف ولم يَرَ صعوبة المرور.
ألا ومَن أحبّ عليّاً كتب الله له براءةً من النار، وبراءةً من النفاق، وجوازاً على الصراط، وأماناً من العذاب.
ألا ومَن أحبّ عليّاً لا يُنشَر له ديوان، ولا يُنصَب له ميزان، وقيل له: ادخُلِ الجنّة بغير حساب.
ألا ومَن مات على حبّ آل محمّدٍ صافَحَته الملائكة، وزارته أرواح الأنبياء، وقضى الله كلَّ حاجةٍ كانت له عند الله...
ومن مات على حبِّ آلِ محمّدٍ مات على الإيمان، وكنتُ أنا كفيلَه بالجنّة » ( روى هذا الحديث الشريف العالم الشافعي الإيجي في كتابه: توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص 374، والسيّد هاشم البحراني في: غاية المرام ص 207 ).
فحبُّ الإمام عليٍّ عليه السلام إذن أمرٌ سماوي، نزل من عند الله جَلّ وعلا، وأثرُه ـ فضلاً عن الأرض ـ عظيمٌ في السماء، فهو شرفٌ وكرامة، ونجاة وسعادة.
روى الحافظ السيوطي الشافعي في كتابه ( الخصائص الكبرى 324:2 ـ 325 ) بإسناده عن أبي هريرة قال: نام رسول الله صلّى الله عليه وآله ورأسه في حِجْر عليّ ولم يكن ـ أي عليٌّ عليه السلام ـ قد صلّى العصر، حتّى غربت الشمس، فلمّا قام النبيّ دعا له، فَرُدّت الشمسُ حتّى صلّى، ثمّ غابت ثانية.
كذلك روى ابن عساكر الدمشقي الشافعي في ( ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام من: تاريخ مدينة دمشق 292:2 ) بإسناده عن أسماء بنت عُمَيس رضوان الله عليها أنّ عليَّ ابنَ طالبٍ عليه السلام دَفَع إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وآله وقد أُوحي إلي، فجلّله بثوبه، فلم يزل كذلك حتّى أدبرت الشمس. تقول أسماء: غابت أو كادت أن تغيب، ثمّ إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآل سُرِّي عنه، فقال: أصلّيتَ يا عليّ ؟ قال: لا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: اَللهمَّ رُدَّ على عليٍّ الشمس. قالت أسماء: فرجَعَت الشمس حتّى بلَغَت نصفَ المسجد.
وفي رواية العالم الحنفيّ الخطيب الخوارزميّ في كتابه ( المناقب:217 / 302) أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله صلّى بالصهباء، ثمّ أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلّى النبيّ فوضع رأسه في حِجْرِ عليٍّ فلم يُحرّكه حتّى غابت الشمس، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « اَللهمَّ إنّ عبدَك عليّاً احتسب بنفسه على نبيّك، فَرُدَّ عليه شرقها ». فطلعت الشمس حتّى وقَعَت على الجبال والأرض، ثمّ قام عليٌّ عليه السلام فتوضّأ وصلّى العصر، ثمّ غابت الشمس، وذلك بالصهباء في غزوة خيبر. ( وروى هذه الواقعة أيضاً: الوصّابي في: أسنى المطالب:69، وابن كثير في: البداية والنهاية 78:6، وصدر العالم في: معارج العلى:201، وسبط ابن الجوزي الحنفي في: تذكرة خواصّ الأمّة:50، والگنجي الشافعي في: كفاية الطالب:383، والطحاوي في: مشكل الآثار 9:2 ـ 12، وغيرهم عشرات ).
ويُستفاد من بعض الأخبار أنّ ردّ الشمس للإمام عليٍّ عليه السلام وقع أكثر من مرّة، ولكنّ الأمر أمرٌ سماوي، معجزة وكرامة من الله جلّ وعلا، وتغيّرٌ لناموسٍ كوني سماوي لأجل وليّ الله، فالقرآن الكريم يقول: والشمسُ تَجري لِمُستَقَرٍّ لها، ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليم * والقَمرَ قَدَّرْناهُ مَنازلَ حتّى عادَ كالعُرجُونِ القَديم * لا الشمسُ يَنبغي لها أن تُدرِكَ القَمرَ ولا الليلُ سابِقُ النهارِ وكُلٌّ في فَلَكٍ يَسبحون [ سورة يس:38 ـ 40 ]. لكنّ السماء وما فيها مطيعةٌ لدعاء رسول الله في شأن وليّ الله.
كتب الخطيب الخوارزميّ الحنفي في ( المناقب:88 ): عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « مكتوبٌ على باب الجنّة: لا إلهَ إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ بن أبي طالبٍ أخو رسول الله قبل أن يخلق اللهُ السماواتِ والأرضَ بألفَي عام » ( رواه أيضاً: المتّقي الهندي في: منتخب كنز العمّال ـ بهامش مسند أحمد 35:5، ومحبّ الدين الطبري الشافعي في: ذخائر العقبى:66، وباكثير الحضرمي الشافعي في: وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل:221، ومحمّد بن رستم في: تحفة المحبّين:180 ).
وعن ابن عبّاس روى ابن حجر العسقلاني الشافعي في ( لسان الميزان 70:5 ) أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لمّا عُرِج بي إلى السماء رأيتُ على باب الجنّة مكتوباً: لا إله إلاّ الله، محمّدٌ رسول الله، عليٌّ حبيب الله، الحسنُ والحسين صفوة الله، فاطمةُ أمَةُ الله، على باغضيهم لعنةُ الله » ( وفي رواية ابن عساكر من: تاريخ دمشق 123:1: « لا إله إلاّ الله، محمّدٌ رسول الله، عليٌّ أخو رسول الله » ).
فالإمام عليٌّ عليه السلام أمرُه سماوي، وذِكره سماوي، وشرفه سماوي، ومآل الناس في محبّته وولايته أيضاً سماوي.
اشتهرت بين الناس عبارة « سَلُوني قبلَ أن تَفقِدوني »، عَرَفوها للإمام عليٍّ عليه السلام ولم تصدر من أحد، وكيف يَجرُؤ غيره على إلقائها على الملأ ولهم أسئلة محيّرة ؟! حتّى روى ابن عساكر عن سعيد بن المسيّب قولَه: لم يكن أحدٌ من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول: سَلُوني، إلاّ عليّ ( ترجمة الإمام عليّ من: تاريخ مدينة دمشق 485:2 ). فيما روى الخوارزمي بإسناده عن أبي البختري قوله: رأيتُ عليّاً صعد المنبر بالكوفة وعليه مِدرَعةٌ كانت لرسول الله صلّى الله عليه وآله، متقلّداً بسيف رسول الله، ومتعمّماً بعمامة رسول الله، وفي إصبعه خاتم رسول الله، فقعد على المنبر وقال: سَلُوني قبل أن تَفقِدوني، فإنّما بين الجوانح عِلمٌ جَمّ، هذا سِفطُ العِلم، هذا لُعابُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهذا ما زقّني رسول الله صلّى الله عليه وآله زقّاً من غير وحيٍ أُوحيَ إليّ » ( مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 44:1 / ح 26. وروى حديث « سلوني » أيضاً الجويني الشافعي في: فرائد السمطين 340:1، وغيره ).
أجل.. هذه العبارة الواثقة لا تصدر إلاّ من رجلٍ سماوي، علمُه سماوي، ومصداق ما نقوله قوله عليه السلام في إحدى خطبه: « أيُّها الناس، سَلُوني قبلَ أن تفقدوني، فَلأَنا بِطُرق السماءِ أعلَمُ منّي بِطُرق الأرض » ( نهج البلاغة: الخطبة 189 ).
والمستفاد من تعدّد الروايات والرواة، والمنقولات والمؤلّفات، أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام كان قال هذه العبارة الشريفة مرّاتٍ عديدة، وقد علم الناس أنّ عليّاً صادق فيما يقوله لا مُدّعٍ ـ حاشاه ـ، فهو عند قولته، يجيبُ إذا سُئل عن أيّ أمرٍ سُئل، بل يُجيب قبلَ أن يُسأل، ويُجيب بما يُفيد ويُنبئ.. فقد خطب يوماً فقال: « سَلُوني قبلَ أن تَفقِدوني، فَوَ اللهِ ما تسألوني عن فئةٍ تُضِلّ مئةً أو تَهدي مئةً إلاّ أنبئتُكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة »، فقام إليه رجل فقال ( مستهزئاً ): كم في رأسي ولحيتي مِن طاقةِ شَعر ؟! فأجابه عليه السلام: « لقد حدّثني خليلي رسول الله صلّى الله عليه وآله بما سألتَ عنه، وإنّ على كلّ طاقةِ شَعرٍ في رأسك مَلَكاً يلعنك، وعلى كلّ طاقة شعرٍ في لحيتك شيطاناً يستفزّك، وإنّ في بيتك لَسَخلاً يَقتُل ابنَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ».
قال الراوي: وكان ابنه في ذلك الوقت صغيراً يحبو، فلمّا كان مِن أمر الحسين عليه السلام ما كان، تولّى قَتْلَه، وكان كما قال. ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 327:41 ـ 328 / ح 48 ـ عن: إعلام الورى للطبرسي:176 ـ 177 ).