وصايا رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام
  • عنوان المقال: وصايا رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 3:42:34 4-9-1403

وصايا رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام

إشارات
قد يتساءل متسائل: أليس عليُّ بن أبي طالبٍ عليه السلام إماماً معصوماً وإنساناً كاملاً، فما معنى أن يكون موضعَ مواعظ النبيّ صلّى الله عليه وآله وإرشاداته ؟!
وربّما كان لهذا التساؤل أكثر من جواب: أحد هذه الأجوبة هو أنّ الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في الوقت الذي لا يتخلّفون عن النُّصح لا يتكبّرون على النصيحة، وفي الوقت الذي يأمرون بالتقوى وقد عَمِلوا بها لا يستنكفون أن يسمعوها من أفواه الآخرين ويخشعون لله تعالى فيها، رغم عصمتهم وكمالهم وما وهَبَهم الله تبارك وتعالى من ملكات الهداية والطهارة الباطنية والقداسة الروحيّة. وأمير المؤمنين عليٌّ سلامُ الله عليه رغمَ ما نزل فيه من الآيات العظيمة في كتاب الله تعالى، ورغمَ ما توافدت عليه الأحاديث النبويّة المادحة الشريفة من رسول الله صلّى الله عليه وآله، ورغمَ ما كان له من الفضائل والمناقب والمنازل والمراتب، فهو ذلك العبدُ الخاشع دوماً لله جَلّ وعلا، وذلك الإنسان المتواضع للناس، وذلك المستمع بأُذُنه الواعية لكلّ ما خاطبه به رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى حدّ الطاعة الكاملة، وقد قال تعالى: « مَن يُطعِ الرسُولَ فَقَد أطاعَ اللهَ » [ النساء:80 ]، والعبادةُ أصلُها وجوهرها طاعة العبد لمعبوده، أو طاعته في الله سبحانه وتعالى، كما يطيع المسلمُ رسولَ الله فيكون طائعاً لله وإن أصبَحَ عبداً ـ أي طائعاً ـ لرسول الله صلّى الله عليه وآله.
وقد أورد الطبرسيّ أبو منصور أحمد بن عليّ في كتابه ( الاحتجاج ) أنّ أحد الأحبار جاء إلى أبي بكرٍ فسأله فلم يُجبه بما يُريد، وضاق به حتّى قال له: هذا كلام الزنادقة، اِعزُبْ عنّي وإلاّ قتلتُك! فولّى الرجل يستهزئ بالإسلام، فاستقبله الإمام عليّ عليه السلام فأجابه بما أعجَبَه وأقنعه. وجاء آخر فسأله:
ـ متى كان ربّك ؟ فأجابه عليه السلام أيضاً وكان حَبْراً آخر من أخبار اليهود، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
ـ ثكلَتْك أمُّك! ومتى لم يكن ( أي الله جَلّ وعلا ) حتّى يُقال: متى كان ؟! كان ربّي قَبلَ القَبلِ بلا قَبل، وبَعدَ البَعدِ بلا بَعد، ولا غايةَ ولا مُنتهى لغايته، انقطعت الغاياتُ عنده فهو منتهى كلِّ غاية.
فكأنّ ذلك الحَبر قد ذُهل رغم قِصَر الجواب، فسأله:
ـ أفنَبيٌّ أنت ؟ فأجابه على الفور:
ـ وَيلَك! إنّما أنا عبدٌ مِن عبيد محمّد. ( الاحتجاج:209 ـ 210 ).
أي مطيعٌ لما جاء به المصطفى محمّدٌ صلّى الله عليه وآله من عند الله عزّوجلّ، وكنتُ مُصغياً إليه كاملَ الإصغاء فأنا مطيعُه، وطاعتي له هي طاعةٌ لله جلّ وعلا. وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قولُه: « مَن أصغى إلى ناطقٍ فقد عبَدَه، فإن كان الناطقُ عن الله فَقَد عَبَد الله، وإن كان الناطقُ عن إبليس فقد عبَدَ إبليس » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 264:72 / ح 1 ـ عن: الاعتقادات للشيخ الصدوق:115 ).
ثمّ إذا كان أفضلُ خطيبٍ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، فَمَن يكون أفضلَ مخاطَبٍ غيرَ أمير المؤمنين سلامُ الله عليه ؟! أليس هو الأُذُنَ الواعية في قوله تبارك وتعالى: لِنجعَلَها لكُم تَذْكِرةً وتَعِيَها أُذُنٌّ واعية [ الحاقة:12 ]، مَن يا تُرى فَسّر ذلك ؟
كتب البلاذريّ في ( أنساب الأشراف 121:2 ) بسندٍ ينتهي إلى عليّ بن حَوشَب قال: سمعتُ مكحولاً يقول: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله: وتَعِيَها أُذُنٌ واعية فقال: « يا عليّ، سألتُ اللهَ أن يَجعَلَها أُذُنَك »، قال عليّ: « فما نَسِيتُ حديثاً أو شيئاً سَمِعتُه من رسول الله صلّى الله عليه وآله » ( أخرجه باتّفاق المعنى وتفاوتٍ بسيط في الألفاظ: ابن جرير الطبريّ في تفسيره جامع البيان 35:29 ـ 36، والزمخشري في تفسيره الكشّاف ـ في الآية المباركة، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
131:1، وأبو نُعَيم الأصفهاني في حلية الأولياء 67:1، والسيوطي الشافعي في تفسيره الدرّ المنثور 260:6، والمتّقي الهندي في كنز العمّال 408:6، وابن عساكر الدمشقي الشافعي في تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام عليّ: الأرقام 923، 924، 1131، والواحدي النَّيسابوري في أسباب النزول:339، والخطيب الخوارزمي الحنفي في المناقب:282 ـ 283 / ح 276، 277، 278 وفيها قوله عليه السلام: « ضَمَّني رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال لي: أمَرَني ربّي أن أُدنيَك ولا أُقصيَك، وأن تَسمعَ وتَعي، وحقٌّ على الله أن تسمع وتعي. فنزلت: وتَعِيَها أُذُنٌ واعية ، وفيها أيضاً قوله عليه السلام: « ما سمعتُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله شيئاً إلاّ حَفِظتُه ووعيتُه ولم أنْسَه ». كذلك رواه: الحافظ الگنجي الشافعي في كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب:110، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم 413:4، والسيوطي في لُباب العقول:225، وآخرون كثيرون ).
ثمّ ـ أيُّها الإخوةُ الأعزّة ـ إنّ كلام النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هو كلامٌ إلهيٌّ قرآنيّ، فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:
ـ « نزل القرآنُ بـ: إيّاكِ أعني واسمعي يا جاره » ( تفسير العيّاشي 10:1 / ح 4. قال الطريحيّ: هو مَثَلٌ يُراد به التعريض للشيء، يعني أنّ القرآن خُوطِب به النبيّ صلّى الله عليه وآله لكنّ المراد به الأمّة.
ـ « إنّ الله بَعَث نبيَّه بـ: إيّاك أعني فاسمعي يا جارة » ( بحار الأنوار 381:92 / ح 12 ـ عن: تفسير القمّي ).
وربّما كان في كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله قصدٌ في إسماع الآخَرين، أو هدفٌ في إيصال مواعظه إلى الصحابة ثمّ إلى الآجيال القادمة، فنادى بالاسم الذي يُحبّه: « يا عليّ »، وقال ما يُحبّ أن يُقال ويُسمَع؛ إذ فيه رضىً لله تعالى وصلاحٌ للناس، فكان هو الخطيب، نعمَ الخطيب، وكان عليٌّ هو المخاطب، نِعمَ المخاطَب، بل كان الله تعالى هو المتكلّم الواعظ والناسُ كلّهم هم المقصودون بتلك المواعظ الشريفة..
 

فقال:
ـ يا عليّ، إنّ مِن اليقين أن لا تُرضيَ أحداً بسخط الله، ولا تَحمدَ أحداً بما آتاك الله، ولا تَذِمَّ أحداً على ما لم يُوتِك الله؛ فإنّ الرزق لا يَجرُّه حِرصُ حريص، ولا يصرفه كراهةُ كارِه. إنّ الله بحكمه وفضله جعل الرَّوحَ والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهمَّ والحزن في الشكّ والسخط.
ـ يا عليّ، إنّه لا فقرَ أشدُّ من الجهل، ولا مالَ أعوَدُ من العقل، ولا وَحدةَ أوحشُ من العُجب، ولا مُظاهرةَ أحسنُ من المشاورة، ولا عقلَ كالتدبير، ولا حَسَبَ كحُسنِ الخُلق، ولا عبادةَ كالتفكّر.
ـ يا عليّ، آفةُ الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الفَتْرة، وآفة السماحة المَنّ، وآفة الشجاعة البغي، وآفةُ الجَمال الخُيَلاء، وآفة الحَسَب الفخر.
ـ يا عليّ، عليك بالصِّدق، ولا تَخرُجْ مِن فيك كِذبةٌ أبداً، ولا تجترئنّ على خيانةٍ أبداً، والخوفِ من الله كأنّك تراه، وابذُلْ مالك ونفسك دونَ دِينك، وعليك بمحاسن الأخلاق فاركَبْها، وعليك بمساوئ الأخلاق فاجتَنِبْها.
ـ يا عليّ، أحَبُّ العمل إلى الله ثلاث خصال: مَن أتى اللهَ بما افترض عليه فهو أعبدُ الناس، ومَن وَرَعَ مِن محارم الله فهو مِن أورع الناس، ومَن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.
ـ يا عليّ، ثلاثٌ من مكارم الأخلاق: تَصِلُ مَن قُطَعك، وتُعطي مَن حَرَمك، وتَعفو عمّن ظَلَمك.
ـ يا عليّ، ثلاثٌ مُنْجِيات: تَكُفُّ لسانَك، وتبكي على خطيئتك، ويَسَعُك بيتُك.
ـ يا عليّ، سيّدُ الأعمال ثلاث خصال: إنصافُك الناسَ مِن نفسك، ومواساتُك الأخَ في الله، وذِكرُ الله تعالى على كلّ حال.
ـ يا عليّ، ثلاثةٌ مِن حُلَل الله: رجلٌ زار أخاه المؤمن في الله، فهو زَورُ الله، وحقَّ على الله أن يُكرمَ زَورَه ويُعطيَه ما سأل. ورجلٌ صلّى ثمّ عقّب إلى الصلاة الأخرى، فهو ضيف الله، وحقّ على الله أن يُكرِمَ ضيفَه. والحاجُّ والمُعتَمِر، فَهُما وفدا الله، وحقّ على الله أن يُكرِمَ وفدَه.
ـ يا عليّ، ثلاثٌ ثوابُهنّ في الدنيا والآخرة: الحجُّ يَنفي الفقر، والصدقةُ تدفع البليّة، وصلةُ الرَّحِم تَزيد في العُمر.
ـ يا عليّ، ثلاثةٌ تحت ظلّ العرش يومَ القيامة: رجلٌ أحبَّ لأخيه ما أحبَّ لنفسه، ورجلٌ بلَغَه أمرٌ فلم يتقدّم فيه ولم يتأخّر حتّى يعلمَ أنّ ذلك الأمر لله رضىً أو سخط، ورجلٌ لم يَعِبْ أخاه بعيبٍ حتّى يُصلِح ذلك العيبَ من نفسه؛ فإنّه كلّما أصلح من نفسه عيباً بدا له منها آخَر، وكفى بالمرء في نفسه شغلاً.
ـ يا عليّ، ثلاثٌ مَن لم يكن فيه لم يَقُم له عمل: وَرَعٌ يحجزه عن معاصي الله عزّوجلّ، وعِلمٌ يَردّ به جهلَ السفيه، وعقلٌ يُداري به الناس.
ـ يا عليّ، ثلاث من أبواب البِرّ: سخاءُ النفس، وطِيبُ الكلام، والصبر على الأذى.
ـ يا عليّ، كلُّ عينٍ باكيةٌ يومَ القيامة إلاّ ثلاثَ أعين: عينٌ سَهَرت في سبيل الله، وعينٌ غضّت عن محارم الله، وعينٌ فاضت مِن خشية الله.
ـ يا علي، طُوبى لصورةٍ نظر اللهُ إليها تبكي على ذنبٍ لم يطّلع على ذلك الذنب أحدٌ غيرُ الله.
ـ يا عليّ، ثلاثٌ مُوبِقات، وثلاثٌ مُنجيات؛ فأمّا الموبقات: فهوىً مُتَّبَع، وشُحٌّ مُطاع، وإعجابُ المرء بنفسه. وأمّا المُنجيات: فالعدلُ بالرضى والغضب، والقصدُ في الغِنى والفقر، وخوفُ الله في السرّ والعلانية كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.
ـ يا عليّ، أربعٌ يَذهبنَ ضَلالاً: الأكلُ بعد الشِّبَع، والسراج في القمر، والزرع في الأرض السبخة، والصنيعة عند غير أهلها.
ـ يا عليّ، أربعٌ أسرع شيءٍ عقوبةً: رجلٌ أحسَنتَ إليه فكافاك بالإحسان إساءةً، ورجلٌ لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجلٌ عاقَدتَه على أمرٍ: فَمِن أمرك الوفاءُ له، ومِن أمره الغدر بك، ورجلٌ تَصِل رَحِمَه ويقطعها.
ـ يا عليّ، أربعٌ من يكنَّ فيه كَمُل إسلامه: الصدق، والشكر، والحياء، وحُسن الخُلق.
ـ يا عليّ، قلّةُ طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر، وكثرة الحوائج إلى الناس مذلّةٌ وهو الفقر الحاضر.

( تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحرّانيّ:13 ـ 15 )