عليٌّ عليه السلام في التزام الحقّ
الكتاب:
عليٌّ عليه السلام في التزام الحقّ ـ دراسةٌ إسلاميّة في دلائل الاصطفاء
الإلهي لعليٍّ وولايته. الكتاب الفائز بالجائزة الأولى في مهرجان الإمام
عليّ بمناسبة مرور 14 قرناً على يوم الغدير ـ ذو الحجّة 1410 هـ.
المؤلّف: ضياء الدين محمّد أمين زين الدين.
الناشر: زيد للنشر ـ بغداد، دار الزهراء ـ بيروت.
الطبعة: الأولى ـ سنة 1428 هـ / 2007 م.
القديم الجديد
كما أنّ القرآن الكريم ما يزال غَضّاً جديداً نعيش معه كلَّ يوم وكأنّنا
نتلوه لأوّل مرّة، وكما أنّ مفاهيمه ما تزال حيّةً حيويّةً تبعث فينا الهمم
والعزائم وانتعاشات الروح والقلب، كذلك قضايا الإسلام يتعاطاها المسلم
ويتفاعل معها ويدور حولها، وهو ما يزال يرى فيها كلَّ مرّةٍ أمراً جديداً
يحكي له تفتّقَ آفاقها الرحبة عن دلائلَ أخرى وبراهين أخرى ونفحاتٍ أخرى.
وكان من تلك القضايا ـ أيّها الإخوة ـ: بعثة النبيّ المصطفى صلّى الله عليه
وآله، ونزول القرآن الكريم، وواقعة الغدير الكبرى حيث بها كان كمال الدين
وتمام النعمة ورضى الربّ جَلّ وعلا الإسلامَ ديناً خاتِماً لجميع الأديان
إلى يوم القيامة. وهي واقعة عظمى في حياة هذا الدين وحياة المسلمين، ففيها
تعيينٌ سماويّ للخلافة والوصاية، وفيها التزام مسؤول يعصم مِن سخط الله
تعالى وعذابه.
وكلّما تجدّدت عهود الزمن، وعاود الباحثون نظراتهم في قضيّة الغدير، وجدوا
شيئاً لم يجدوه مِن قبل، وعرفوا أمراً لم يعهدوه من قبل، وأفصحت بعد ذلك
قرائحهم عن تحليلٍ جديد وأسلوبٍ آخَر في العرض والاستدلال والاستنتاج بما
يتناسب وطراز التفكير المعاصر، ويردّ على التشكيكات، وينقذ بعض المسلمين من
حالات الحيرة والتردّد حول دلالات تلك الواقعة ومسؤولية المسلم تجاهها.
وكان من لطف الله تبارك وتعالى أن قيّض للحقّ رجالاً وظّفوا ملكاتهم
وقابليّاتهم لبيان الحقيقة باللسان تارة وبالقلم تارةً أخرى، حتّى توفّرت
لدينا مكتبةٌ فاخرة في قضايا الإسلام الكبرى، ومنها قضيّة الغدير، فصدرت
فيها دواوين وخُطبٌ وافرة، وموسوعات متكاملة وبحوثٌ راقية، كان منها هذا
الكتاب الذي بين أيدينا.. يبيّن مؤلّفه علّة تدوينه له في:
المقدمة
حيث يقول فيها: إنّها لأمنيّةٌ قديمة لَدَيّ في أن أجد الدراسة الإسلاميّة
لحياة الرسول وعترته المنتجبين صلوات الله عليه وعليهم من خلال ما يعنيه
الاصطفاء الإلهيّ في ذواتهم المطهّرة من دلالاتٍ خاصّةٍ تميّزهم عمّن عداهم
من الناس.. الدراسة الإسلامية التي توحّد في مبادئها وأوّلياتها، ثمّ في
خطواتها ومنهجتها واستنتاجاتها بين مقتضيات هذا الاصطفاء، وما تجلّت به في
شخصيات أولئك المنتجَبين من السمات المعجزة، وما تراءت به في مواقفهم
وأحوالهم وكلماتهم من خصائص عظمى لم يَنَلها أحدٌ من الناس...
وطبيعيٌّ أن تزداد أهميّة مثل هذه الدراسة مع مرور الزمن، حيث تتنامى
الثقافة الإنسانية في آفاقها العامّة، وتنفتح آفاق الوعي الإنساني على
الإسلام، وتتطلّع إلى ملاحظة العظمة في آثاره في النفوس الإنسانية،
وإدراكها لإعجاز تأثيره في الألباب، بل وفي كلّ جانبٍ من جوانب الحياة...
ثمّ أضاف المؤلّف قائلاً: لابدّ من القول: إنّ أيّاً من الجهود وما يُؤمَّل
من نتائج وآثار، يبقى في أمسّ الحاجة إلى فهم ما يعنيه الاصطفاء الإلهي في
أولئك النجباء، وإلى سمةٍ من دلالاتٍ تمتدّ إلى كلّ مُقوَّمٍ من مقوّمات
شخصياتهم، وكلِّ سمةٍ من سماتها، وكلِّ حالةٍ من حالاتها، بل وبها يصطبغ
كلّ موقفٍ يصدر منها، وكلّ كلمة تنطقها؛ إذ لا يمكن استيضاح أيٍّ من
الشرائط الإسلاميّة ذاتها بما لها من حدّية الحقّ ووضوحه دون الاعتماد على
تلك الدلالات وتجلّياتها فيهم سلام الله عليهم، وفيما يصدر عنهم: مِن فعلٍ
أو قول...
ومن هنا يمكن القول بأنّ افتقاد المكتبة الإسلاميّة لتلك الدراسات
المتكاملة الأصول والمناهج، الواضحة الأسس والنتائج، التي تأخذ بزمام
الأفهام البشرية إلى إدراك طبيعة التمازج والتوحّد بين ذلك الاصطفاء
الإلهيّ ومنتجيه، من خلال آفاقه الإسلاميّة القويمة، كان من الأسباب
المهمّة في عجز الناس عن إدراك المعنى الصحيح للاصطفاء الإلهي ذاته، وفي
قصورهم المشهود عن وعي تجليّاته العظمى في ذويه، بالرغم من الحاجة الكبرى
إلى مثل هذا الوعي، وبالرغم من تزايد هذه الحاجة مع تنامي الثقافة
الإسلاميّة.
ثمّ يمضي المؤلّف في بيان فكرته المعلِّلة لتأليفه هذا الكتاب، وتمتدّ
مقدّمته إلى أكثر من ( 20 ) صفحة يبحث خلالها: متطلّبات الاصطفاء الإلهي،
والفرق بين الجهد الإنساني والرعاية الربّانية الخاصّة، ومقياس الدراسة حول
المصطفَين. ثمّ يكتب تمهيداً تحت عنوان:
بين يَدَي البحث
يقول فيه: يوم غدير خمّ، والمشهد الذي جرى فيه، يعتبر من الوقائع المتواترة
بين المسلمين عامّة... وموقف الرسول صلّى الله عليه وآله فيه لا يزال
مشهوداً، بالرغم من مرور هذه الحقب المتمادية من الزمان. وإعلانُه الولاية
الإسلاميّة الكبرى لعليّ بن ابي طالبٍ عليه السلام واضحُ البيان خالد
الحجّة، أبديُّ البلوغ مع بقاء الإسلام وخلوده... كما أنّ الحوادث التي
واكبت ذلك الموقف لها صداها المعروف في تاريخ الأمّة المسلمة، حيث يستحيل
تجريد هذا التاريخ من آثارها ونتائجها، سواءٌ في سابق الزمان أو في حاضره،
بل وكذلك في مستقبله.
إلاّ أنّنا ـ ونحن نحاول دراسة مشهد الغدير والولاية وشؤونهما كالتزام
إسلامي وفهمهما كحقائق تتراءى فيها حدودُ الإسلام وقيمة وشرائطه كافة ـ..
لابدّ لنا في البدء من استحضار ما يعنيه مفهوم الالتزام ذاته، وما يتطلّبه
في معناه العام من شرائط مبدئيّة... كما لابدّ من الوقوف على صورةٍ واضحةٍ
لمشهد الغدير نفسه، صورة فيها نوعٌ من تكامل الملامح وجلاء الخطوط، إضافة
إلى أحداثٍ وجزئيات واكَبَت هذا المشهد، فكان لها دَورٌ مهمّ في اكتمال
ملامح تلك الصورة التي يجب أن تُؤخَذ عنه، ومِن ثَمّ في قيام الحجّة
الإلهيّة به، وبلوغها فيه.
فبمثل هذه الصورة المتكاملة تتمّ الدلالات المطلوبة في جلاء الالتزام
الإسلامي لهذا المشهد، والولاية التي أُعلِنَت فيه، وللشخص المرتضى الذي
أُسْنِدَت إليه مهمّاتها، وبالتالي في تعيين مسؤولية المسلم تجاه ذلك
الالتزام الإسلاميّ وحدوده.
ويبدأ الكتاب
بعد أن يثبّت المؤلّف فكرته حول شرائط الالتزام من خلال عنوانه الذي وضعه (
بين يدي البحث ) وقد استعرض أكثر من ( 30 ) صفحة، ليدخل بعد ذلك في
المواضيع التي تبنّاها، هكذا:
الباب الأوّل: مشهد الغدير ودلالاته.
الباب الثاني: الولاية والوضوح الإسلامي.
الباب الثالث: الولاية والواقعيّة الإسلاميّة.
الباب الرابع: « عليٌّ مع الحقّ والحقُّ مع
عليّ ».
الباب الخامس: مبدأ العصمة.
الباب السادس: في علم الإمام عليّ عليه السلام.
الباب السابع: علم عليٍّ عليه السلام بالغيب.
الباب الثامن: عليّ وخرق النواميس الطبيعيّة.
الباب التاسع: الولاية في التزام المؤمن.
ثمّ: مصادر البحث، ومحتويات الكتاب ( فهرسة ).
النتيجة
هي أن يكون المسلم في التعرّف على دِينه عازماً في البدء على الدخول في
مرحلتين:
الأولى: أن يراجع المصادر الإسلاميّة الأصيلة
في العقيدة والأحكام والأخلاق، وجميع القضايا، مقدِّماً الأهمَّ فالمهمّ،
مراجعةً علميّةً خاليةً عن التعصّب الأعمى والعصبيّة الجاهلية الممقوتة،
ليصل إلى نتائج نافعةٍ له في الدنيا والآخرة، بعد أن يقف على المحجّة
البيضاء.
الثانية: أن ينفض عن نفسه وقلبه حالة التردّد
أو التكاسل أو النفرة عن تطبيق ما توصّل إليه من حقائق وشروط ونتائج
مُلزِمةٍ له أن يأخذ بها في أقواله وأفعاله، وعباداته ومواقفه وعقائده، دون
أن يلتفت إلى ما أُملي عليه تلقيناً موروثاً يُراد منه التعصّبُ له! فإذا
طوى المسلم هاتين المرحلتين ارتقى إلى درجة المؤمن المصدِّق العامل.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.