ما وراء الفجيعة مع هارون العبّاسيّ
  • عنوان المقال: ما وراء الفجيعة مع هارون العبّاسيّ
  • الکاتب: نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 0:40:7 4-9-1403

ما وراء الفجيعة

مع هارون العبّاسيّ

 

عند هذا العلمُ الصحيح!

• روى الشيخ الصدوق في كتابيه ( الأمالي ) و ( عيون أخبار الرضا عليه السّلام ) عن الريّان بن شَبيب قال: سمعتُ المأمون يقول:

لمّا حجّ الرشيد، وكنتُ أنا ومحمّد ( الأمين ) والقاسم معه، فلمّا نظر الرشيد إليه ( أي إلى الإمام موسى الكاظم عليه السّلام ) تحرّك ومدّ بصره وعُنقه إليه.. حتّى دخل البيت الذي كان فيه موسى، فلمّا قَرُب منه جثا الرشيد على ركبتَيهِ وعانَقَه، ثمّ أقبَلَ عليه، فقال له:

ـ كيف أنت يا أبا الحسن ؟ كيف عيالُك وعيال أبيك ؟ كيف أنتم ؟!

ما حالكم ؟ فما زال يسأله عن هذا.. وأبو الحسن ( موسى الكاظم ) يقول: خير، خير.. فلمّا قام موسى أراد الرشيد أن ينهض، فأقسم عليه أبو الحسن فقعد، وعانقه وسلّم عليه وودّعه.

قال المأمون: وكنتُ أجرأَ وُلْد أبي عليه، فلمّا خرج أبو الحسن موسى بن جعفر قلت لأبي: يا أمير المؤمنين، لقد رأيتك عملتَ بهذا الرجل شيئاً ما رأيتك فعلتَ بأحدٍ من أبناء المهاجرين والأنصار، ولا ببني هاشم! فمَن هذا الرجل ؟! فقال: يا بُنيّ هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر بن محمّد، إن أردتَ العلم الصحيح فعند هذا!

 

هذه دار الفاسقين!

• في تفسير العيّاشي ( في ظلّ الآية 146 من سورة الأعراف ):

عن محمّد بن سابق بن طلحة الأنصاري قال: كان ممّا قال هارون لأبي الحسن موسى عليه السّلام حين أُدخِل عليه: ما هذه الدار ؟ ( يسأله عن قصره مفتخراً به )، فأجابه الإمام الكاظم عليه السّلام:

ـ هذه دار الفاسقين.. ( وقرأ ): سأصرِفُ عن آياتيَ الذينَ يَتكبَّرونَ في الأرضِ بغَيرِ الحقّ، وإن يَرَوا كلَّ آيةٍ لا يُؤمِنوا بها وإن يَرَوا سبيلَ الرُّشْدِ لا يَتّخِذُوهُ سبيلاً، وإن يَرَوا سبيلَ الغيِّ يتّخذُوهُ سبيلاً .

قال هارون: فدارُ مَن هي ؟

قال عليه السّلام: هي لشيعتنا فترة، ولغيرهم فتنة!

تساءل هارون: فما بالُ صاحب الدار لا يأخذُها ؟!

أجابه عليه السّلام: أُخِذتْ منه عامرة، ولا يأخذُها إلاّ معمورة.

[ بيان: لعلّ المعنى أنّه لا يأخُذُها إلاّ في وقتٍ يمكن عمارتها، وهذا ليس أوانَه ].

وفي رواية الشيخ المفيد كما هي في كتابه ( الاختصاص ):

أنّ هارون تساءل: فأين شيعتُك ؟!

فقرأ الإمام أبو الحسن موسى الكاظم عليه السّلام: لم يكنِ الّذين كفَرُوا مِن أهلِ الكتابِ والمشركينَ مُنْفكّينَ حتّى تأتيَهمُ البَيِّنة ( سورة البيّنة:1 ).

فقال له هارون: فنحن كفّار ؟!

قال عليه السّلام: لا، ولكنْ كما قال الله: الّذينَ بَدَّلوا نِعمةَ اللهِ كُفْراً وأحَلُّوا قَومَهُم دارَ البَوار ( سورة إبراهيم:28 ).

فغضب عند ذلك هارون، وغَلُظ عليه، فقد لَقِيه أبو الحسن عليه السّلام بمِثل هذه المقالة وما رَهِبَه، وهذا خلاف قول مَن زعم أنّه هرب منه من الخوف.

 

حدود فَدَك!

• كتب ابن شهرآشوب في ( كتابه مناقب آل أبي طالب ): في كتاب ( أخبار الخلفاء ) أنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: حدَّ فَدَكاً حتّى أرُدَّها إليك. فيأبى، حتّى ألحّ عليه، فقال عليه السّلام:

ـ لا آخُذُها إلاّ بحدودها.

ـ وما حدودُها ؟

ـ إن حَدَدْتُها لم تَرُدَّها!

ـ بحقِّ جَدِّك إلاّ فَعَلتَ.

فقال عليه السّلام: أمّا الحدُّ الأوّل فـ « عَدَن ».

فتغيّر وجه الرشيد وقال: إيهاً!

ـ والحدُّ الثاني « سَمَرقَند ». فاربَدَّ وجهُ هارون!

ـ والحدُّ الثالث « إفريقية ». فاسوَدَّ وجهُ هارون وقال: هيه!!

ـ والرابع « سِيف البحر » ممّا يلي الجُزُر و « أرمينية ».

قال هارون: فلم يَبقَ لنا شيء، فتَحوَّلْ إلى مجلسي!

قال موسى: قد أعلَمتُك أنّني إن حَدَدتُها لم تَرُدَّها.

فعند ذلك عزم الرشيد على قتل الإمام الكاظم عليه السّلام.

وفي رواية ابن أسباط أنّ الإمام موسى الكاظم عليه السّلام قال:

ـ أمّا الحدّ الأوّل فـ « عَريش مِصر »، والثاني « دُومَة الجَندَل »، والثالث « أُحُد »، والرابع « سِيف البحر ».

فقال الرشيد مبهوتاً: هذا كلُّه! هذه الدنيا!!

فقال الإمام عليه السّلام: هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة، فأفاء الله على رسوله بلا خيلٍ ولا رِكاب، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة عليها السّلام.

[ قال الفيروزآبادي في ( القاموس المحيط ): إيه ـ بكسر الهمزة والهاء وفتحها وتنوين المكسورة: كلمة استزادة واستنطاق ].

 

كثير.. غير كثير!

• في كتاب ( الاستدراك ) عنه الشيخ المجلسي في ( بحار الأنوار ): عن الإمام الكاظم عليه السّلام قال: قال لي هارون ( أي العبّاسي ):

ـ أتقولون أنّ الخُمْس لكم ؟!

قلت: نعم.

قال: إنّه لَكثير!

قلت: إنّ الذي أعطاناه عَلِم أنّه لنا غيرُ كثير.

 

حوار.. آخِرُه السمّ!

• في كتاب ( النجوم ) من كتاب ( نُزهة الكرام وبستان العوام ) لمحمّد بن الحسين بن الحسن الرازي:

رُويَ أنّ هارون الرشيد أنفَدَ إلى موسى بن جعفر عليه السّلام فأحضره، فلمّا حضَرَ عنده قال له: إنّ الناس ينَسبونكم ـ يا بني فاطمة ـ إلى علم النجوم، وإنّ معرفتكم بها معرفة جيّدة، وفقهاء العامّة يقولون: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إذا ذكرني أصحابي فاسكنوا، وإذا ذكروا القَدَر فاسكتوا، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا. وأمير المؤمنين كان أعلمَ الخلائق بعلم النجوم، وأولاده وذريّته الذين يقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.

قال له الإمام الكاظم عليه السّلام: هذا حديثٌ ضعيف وإسناده مطعونٌ فيه، واللهُ تبارك وتعالى قد مدح النجوم، ولولا أنّ النجوم صحيحة ما مَدَحها الله عزّوجلّ، والأنبياء عليهم السّلام كانوا عالِمين بها، وقد قال الله تعالى في حقّ إبراهيم خليل الرحمان صلوات الله عليه: وكذلكَ نُري إبراهيمَ مَلَكُوتَ السماواتِ والأرضِ ولِيكونَ مِن المُوقنين ( سورة الأنعام:75 )، وقال في موضعٍ آخر: فنظَرَ نظرةً في النجومِ * فقالَ: إنّي سقيم ( سورة الصافّات 88 ـ 89 )، فلو لم يكن عالِماً بعلم النجوم ما نظر فيها وما قال: إنّي سقيم.

وإدريس عليه السّلام كان أعلمَ أهل زمانه بالنجوم، واللهُ تعالى قد أقسم بمواقع النجوم: وإنّه لَقَسَمٌ لو تَعلمونَ عظيم ( سورة الواقعة:76 )، وقال في موضع: والنّازعاتِ غَرْقاً ـ إلى قوله ـ: فالمُدَبِّراتِ أمْراً ( سورة النازعات: 1 ـ 5 ) يعني بذلك اثني عشر بُرجاً وسبعة سيّارات، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عزّوجلّ.

وبعد علم القرآن ما يكون أشرفَ مِن علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء الذين قال الله عزّوجلّ: وعَلاَماتٍ وبالنجمِ هُم يَهتدون ( سورة النحل:16 )، ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.

فقال له هارون: باللهِ عليك يا موسى، هذا العلم لا تُظْهِرْه عند الجهّال وعوامّ الناس حتّى لا يُشَنِّعوا عليك، وآنفِسْ عن العوام به، وغطّ هذا العلم، وارجِعْ إلى حرم جدّك ( لعلّ هارون قال ذلك خشية أن يفتضح أمام الناس إذ يظهر جهلُه قبالَ علم الإمام الكاظم عليه السّلام ).

ثم قال له هارون: قد بَقِيَت مسألة أخرى، بالله عليك أخبِرْني بها. قال عليه السّلام له: سل. فقال: بحقّ القبر والمنبر، وبحقّ قرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبِرْني، أنت تموت قَبْلي أو أنا أموتُ قَبْلَكَ ؟! لأنّك تعرف ذلك من علم النجوم. فقال له موسى عليه السّلام: آمِنّي حتّى أُخبرك. قال: لك الأمان. فقال عليه السّلام: أنا أموت قَبلَك، ما كَذبْتُ ولا أُكذَب، ووفاتي قريب.

قال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر، فقال عليه السّلام له: سَلْ، فقال هارون: خَبَّروني أنّكم تقولون: إنّ جميع المسلمين عبيدُنا وجَوارينا! وأنّكم تقولون: مَن يكون لنا عليه حقّ ولا يُوصلُه إلينا فليس بمسلم! فقال له موسى عليه السّلام:

كذب الذين زعموا أنّنا نقول ذلك! وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يصحّ البيع والشراء عليهم ونحن نشتري عبيداً وجواريَ ونُعتقهم، ونقعد معهم ونأكل معهم، ونشتري المملوك ونقول له: يا بُنيّ، وللجارية: يا بنتي، ونُقعدهم يأكلون معنا؛ تقرّباً إلى الله سبحانه ؟! فلو أنّهم عبيدنا وجوارينا ما صحّ البيع والشراء، وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله لمّا حضرته الوفاة: اللهَ اللهَ في الصلاة وما مَلَكَت أيمانُكم ـ يعني: صَلُّوا وأكرِموا مماليكَكُم وجواريكم، ونحن نعتقهم، وهذا الذي سمعتَه غلطٌ مِن قائله ودعوىً باطلة، ولكن نحن ندّعي أنّ ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدِّين، وهؤلاء الجهّال يظنّونه ولاء المِلْك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندّعي ذلك لقول النبي صلّى الله عليه وآله يوم غدير خُمّ: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ـ وما كان يطلب بذلك إلاّ ولاء الدين، والذي يُوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة فهو حرامٌ علينا مِثْل المِيتة والدم ولحم الخنزير، وأمّا الغنائم والخُمْس مِن بعد موت رسول الله صلّى الله عليه وآله فقد منعونا ذلك، ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدمَ الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين، ليس بولاء المِلْك، فإن نفذ إلينا أحدٌ بهديّة ولا يقول إنّها صدقة، نَقبلُها؛ لقول النبي صلّى الله عليه وآله: لو دُعِيتُ إلى كراعٍ لأجبتُ، ولو أُهديَ إليّ كراع لَقبِلت. والكراع اسم القرية، والكراع يد الشاة، وذلك سُنّة إلى يوم القيامة، ولو حملوا إلينا زكاةً وعَلِمنا أنّها زكاة رَدَدناها، وإن كانت هديّة قَبِلْناها.

ثمّ إنّ هارون العبّاسي أذِنَ له في الانصراف، فتوجّه الإمام الكاظم عليه السّلام إلى « الرّقّة »، ثمّ تَقَوّلوا عليه أشياء فاستعاده هارون وأطعمه السمّ، فتُوفّي عليه السّلام.

[ بيان: ( إذا ذكرني أصحابي فاسكنوا ) بالنون، أي: فاسكنوا إلى قولهم. قوله: ( وانفِسْ عن العوامّ به ): أي لا تُعلّمْهم، من قولهم: نَفِستَ عليه الشيءَ نفاسةً، إذا لم تَرَه له أهلاً. قوله: ( فكيف يصحّ البيع والشراء عليهم ؟! ) أي: كيف يصحّ بيع الناس العبيدَ لنا وشراؤنا منهم ؟! ].

 

مع المهديّ العبّاسيّ

 

صدقتَ يا رافضيّ!

• في ( الكافي ) للكليني: عن عليّ بن يقطين قال: سأل ( المهدي العباسي ) أبا الحسن ( الكاظم ) عليه السّلام عن الخمر، هل هي محرّمة في كتاب الله؛ فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها! فقال له أبو الحسن عليه السّلام:

بل هي محرّمة في كتاب الله عزّوجلّ.

فقال له: في أيّ موضعٍ هي محرّمة في كتاب الله يا أبا الحسن ؟

قال عليه السّلام: قول الله عزّوجلّ: إنّما حرَّمَ ربّيَ الفواحشَ ما ظَهَر منها وما بَطَنَ والإثمَ والبغيَ بغيرِ الحقّ ( سورة الأعراف:33 )، فأمّا قوله: ما ظَهَرَ مِنْها يعني الزنا المُعلَن ونَصْبَ الرايات التي كانت ترفعها الفَواجر للفواحش في الجاهلية. وأمّا قوله عزّوجلّ: « وما بَطَن » يعني ما نكح الآباء؛ لأنّ الناس كانوا قبل أن يُبعَث النبي صلّى الله عليه وآله، إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوّجها ابنُه مِن بعده إذا لم تكن أُمَّه؛ فحرّم الله عز‍ّوجلّ ذلك، وأمّا « الإثم » فإنّها الخمرة بعينها؛ وقد قال الله تبارك وتعالى في موضعٍ آخر: « يَسألونَك عنِ الخمرِ والمَيسِرِ قُلْ فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافعُ للناس »( سورة البقرة:219 )، فأمّا الإثمُ في كتاب الله فهي الخمر والمَيْسِر، وإثمهما كبير كما قال عزّوجلّ.

فقال المهدي: يا عليَّ بن يقطين ( وكان وزيره، وهو شيعيّ يتستّر ): ـ هذه ـ واللهِ ـ فتوى هاشميّة!

فقال عليّ بن يقطين: صدقتَ واللهِ يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يُخرِجْ هذا العلمَ منكم أهلَ البيت.

قال الراوي: فوَاللهِ ما صبَرَ المهديّ إلاّ أن قال لابن يقطين: صدقتَ يا رافضيّ!

 

هذا كثير!!

• في ( الكافي ).. روى الشيخ الكليني عن عليّ بن أسباط أنّه قال:

لمّا ورد أبو الحسن موسى ( الكاظم ) عليه السّلام على المهدي ( العباسي ) رآه يَرُدّ المَظالم، فقام يسأله: ما بالُ مَظْلَمتنا لا تُرَدّ ؟! فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال عليه السّلام:

إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيّه صلّى الله عليه وآله فَدَكَ وما والاها، لم يُوجِف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله: وآتِ ذا القُربى حَقَّهُ ( سورة الإسراء:26 )، فلم يَدْرِ رسول الله صلّى الله عليه وآله مَن هم، فراجع في ذلك جبرئيل، وراجع جبرئيل عليه السّلام ربَّه، فأوحى الله إليه أن ادفَعْ فَدَك إلى فاطمة.

فدعاها رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لها: يا فاطمة، إنّ الله أمَرَني أن أدفع إليكِ فَدَك، فقالت: قد قَبِلتُ يا رسول الله من الله ومنك. فلم يَزَلْ وكلاؤها فيها حياةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله.. فلمّا وليَ أبو بكرٍ أخرج عنها وكلاءها، فأتَتْه فسألَتْه أن يردّها عليها، فقال لها: إيتيني بأسوَدَ أو أحمرَ يشهد لكِ بذلك. فجاءت بأمير المؤمنين عليه السّلام وأمّ أيمَن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرّض.

فخرجت والكتاب معها.. فلَقِيَها عمر فقال: ما هذا معكِ يا بنت محمّد ؟! قالت: كتاب كتب لي ابن أبي قُحافة، قال: أرينيه. فأبَت، فانتَزَعه من يدها ونظر فيه، ثمّ تَفَل فيه ومحاه وخَرّقه، فقال لها: هذا لم يُوجِف عليه أبوكِ بخيلٍ ولا ركاب، فضعي الجبال في رقابنا!

فقال له المهدي العباسي: يا أبا الحسن، حُدَّها إليّ.

فقال: حدٌّ منه جبل أُحد، وحدّ منها عَريش مصر، وحدّ منها سِيف البحر، وحدّ منها دُومة الجَندَل.

فقال المهدي: كلُّ هذا ؟!

فقال عليه السّلام: نعم.. هذا كلُّه، إنّ هذا ممّا لم يُوجِف أهلُه على رسول الله بخيلٍ ولا ركاب.

فقال: كثير!! وأنظرُ فيه.

[ بيان: قوله: « فضعي الجبالَ في رقابنا! » في بعض النسخ بالحاء ( الحبال )، ويُحتمَل حينئذٍ أن يكون كنايةً عن الترافع إلى الحكّام، قد قال ذلك تعجيزاً لها وتحقيراً لشأنها. أو المعنى: أنّكِ إذا أُعطِيتِ ذلك وضعتِ الحبالَ في رقابنا بالعبوديّة، أو أنّكِ إذا حكمتِ على ما لم يُوجَف عليه بخيلٍ بأنّها مِلْكُكِ فاحكمي على رقابنا أيضاً بالمِلْكيّة! وفي بعض النسخ بالجيم ( الجبال ) فيُحتَمل أن يكون كنايةً عن ثقل الأوزار ].

 

مع عليّ بن يقطين

 

ضمان ثلاثٍ بواحدة!

• من كتاب ( حقوق المؤمنين ) لأبي علي بن طاهر قال:

استأذن عليُّ بن يقطين مولايَ الكاظم عليه السّلام في ترك عمل السلطان فلم يأذَن له، وقال له: لا تَفعَلْ؛ فإنّ لنا بك أُنْساً، ولإخوانك بك عِزّاً، وعسى أن يَجبُر اللهُ بك كسراً، ويكسرَ بك نائرة المخالفين عن أوليائه.

يا عليّ، كفّارة أعمالكم الإحسانُ إلى إخوانكم، اضمَنْ لي واحدةً وأضمَن لك ثلاثاً.. اضمَنْ لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيتَ حاجته وأكرمته، وأضمن لك: أن لا يُظِلَّك سقفُ سجنٍ أبداً، ولا ينالك حدُّ سيفٍ أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً.

يا عليّ، مَن سَرَّ مومناً فبالله بدأ، وبالنبي صلّى الله عليه وآله ثنّى، وبنا ثلّث.

 

اتّقِ أموال الشيعة!

• في ( قرب الإسناد ) لِلحميرَي: عن عليّ بن يقطين أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام: إنّ قلبي يضيق مِمّا أنا عليه من عمل السلطان ـ ( وكان عليّ بن يقطين يستبطن التشيّع، ويعمل وزيراً لهارون العباسي ) ـ فإن أذِنتَ لي ـ جعلني الله فداك ـ هربتُ منه.

فرجع الجواب: لا آذَنُ لك بالخروج مِن عملهم، واتَّقِ الله.

• وفي رواية ( الكافي ) أنّ علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن ( موسى الكاظم ) عليه السّلام: ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال عليه السّلام: إن كنتَ لابدّ فاعلاً، فاتّقِ أموالَ الشيعة!

قال الراوي: فأخبرَني عليّ أنّه كان يُجبي الأموال من الشيعة علانية، ويَردُّها عليهم في السرّ!

 

معَ نفيع الأنصاريّ

• في ( الغُرر ) للشريف المرتضى علم الهدى، و ( إعلام الدين في صفات المؤمنين ) للديلمي الحسن بن أبي الحسن: عن أيّوب الهاشمي أنّه:

حضر بابَ الرشيد رجلٌ يُقال له « نفيع الأنصاري »، وحضر موسى بن جعفر عليه السّلام على حمارٍ له، فتلقّاه الحاجب بالإكرام وعجّل له بالإذن، فسأل نفيعٌ عبدَ العزيز ابن عمر:

ـ مَن هذا ؟!

قال: شيخُ آل أبي طالب، شيخ آل محمّد، هذا موسى بن جعفر.

قال نفيع: ما رأيتُ أعجَزَ مِن هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجلٍ يَقْدر أن يُزيلهم عن السرير، أمَا إن خرج لأسُوأنَّه!

قال له عبدالعزيز: لا تفعلْ؛ فإنّ هؤلاء أهل بيتٍ قلّ ما تعرّض لهم أحد في الخطاب إلاّ وَسَمُوه في الجواب سِمّةً يبقى عارها عليه مدى الدهر!

وخرج موسى الكاظم عليه السّلام.. وأخذ نفيع بلجام حماره وقال:

ـ مَن أنت يا هذا ؟! فأجابه الإمام عليه السّلام:

ـ يا هذا! إن كنتَ تريد النسب.. أنا ابن محمّدٍ حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله. وإن كنتَ تريد البلد.. فهو الذي فرض الله على المسلمين وعليك ـ إن كنتَ منهم ـ الحجَّ إليه. وإن كنتَ تريد المفاخرة.. فوَ الله مارَضُوا مشركو قومي مسلمي قومك أكفاءَ لهم حتّى قالوا: يا محمّد، أخرِجْ إلينا أكفاءَنا مِن قريش. وإن كنتَ تريد الصِّيت والاسم.. فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة، تقول: اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، فنحن آل محمّد.. خَلِّ عن الحمار.

فخلّى نفيع الأنصاري عن الحمار ويدُه تَرعُد، وانصرف مَخزيّاً! فقال له عبدالعزيز: ألم أقُل لك ؟!

 

لهذا...

وجد أعداء الله وأعداء الحقّ، ومغتصبو الخلافة من أهلها، وأصحاب الأحقاد الموروثة من عدّة عقودٍ من سنوات الزمن.. وجدوا أنّهم لا يطيقون وجود إمام عَلَمٍ هادٍ للأمّة، مُشعٍّ بأنواره وفضائله ومناقبه، وهو لا يفتأ يبيّن الحقائق والمعارف، ويفيض على الناس بخيراته وبركاته وأجوبته الشافية النافعة، حتّى تحيّر حاسدوه كيف يُسكتونه.. أبِا لسجن ؟! أم الاغتيال ؟!

هذا بعد أن وجدوا أنفسَهم لا يضاهونه في نسبٍ ولا حسب، ولا فضيلةٍ أو كرامة، ولا في علمٍ أو معرفة أو منزلة.. إذن لابدّ من إبعاده عن الناس ليقطعوا أخباره عنهم، فيقطعوا إعجابَ الناس به وإقبالهم عليه وتصديقهم بإمامته المصدَّقة بأحاديثَ نبويّةٍ شريفة، ومعاجزَ علويّةٍ مُنيفة.

حتّى إذا صدر القرار الشيطانيّ الجائر الحاقد، استُدعي الإمام الكاظم عليه السّلام مرّات.. ثمّ أُخذ ظلماً وتجاوزاً وأُودع غياهب السجون ومطامير الزنزانات، فلم يكتفوا بذلك حتّى دسّوا له سموماً مقطِّعةً للأكباد.

ألاَ لعن الظالمين لآل بيت محمّد،

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام