مجلس شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام
  • عنوان المقال: مجلس شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 15:28:1 1-9-1403

رَحَلُوا ومَا رَحَلُوا أُهَيْلُ وِدادِي     إلَّا بِحُسْنِ تَصَبُّرِي وفُؤادِي
وَخَلَتْ مَنازِلُهُمْ فَها هِيَ بَعْدَهُم       قَفْرَى وما فِيها سِوَى الأَوْتادِ
ولَقَدْ وَقَفْتُ بِها وُقُوفَ مُوَلَّه            وَبِمُهْجَتِي لِلْوَجْدِ قَدْحُ زِنادِ
أَبْكِي بِها طَوْراً لِفَرْطِ صَبابَتِي           وَأَنُوحُ فِيها تارَةً وأُنادِي
يا دارُ أَيْنَ مَضَى ذَوُوكِ أَما لَهُمْ ٍ       بَعْدَ التَّرَحُّلِ عَنْكِ يَوْمُ مَعَاد
هَذا بِسامُرَّا وذاكَ بِكَرْبَلا             وَبِطُوسَ ذاكَ وذاكَ في بَغْدادِ
لَهْفِي وَهَلْ يُجْدِي أَسىً لَهْفِي عَلَى    مُوسَى بْنِ جَعْفَرَ عِلَّةِ الإِيجادِ
ما زالَ يُنْقَلُ في السُّجُونِ مُعانِيا     عَضَّ القُيُودِ ومُثْقَلَ الأَصْفادِ
قَطَع َ الرَّشِيدُ عَلَيْهِ فَرْضَ صَلاتِه     قَسْراً وأَظْهَرَ كامِنَ الأَحْقادِ
حَتَّى إِلَيْهِ دَسَّ سُمّاً قاتِلا                 فَأَصابَ أَقْسَى مُنْيَةٍ ومُرادِ
وَضَعُوا عَلَى جِسْرِ الرُّصافَةِ نَعْشَهُ           وعَلَيْهِ نادَى بِالهَوانِ مُنادِ1

  شعبي:

هلن دمه ابـدال الدّمـع يعيــون   عله العوض غريب ابسجن هارون

امگيد بالحديد أوزرك المتون     أجــل چاوين هـاشم ما يحضرون

                    الجثّة الكاظم خل يشيعون

(أبوذية):

جـفّ الدّهر ريتــه اليــوم ينــشال       جــرح گلبي ولا أظن بعد ينشال

نعش موسى عله احماميل ينشال       أو يـــظل فوگ الجسر ثاوي رميّه

 

الإمام موسى بن جعفر عليه السلام:

من ألقابه: الصّابر, ومن ألقابه: العبد الصّالح, ومن ألقابه المشهورة: باب الحوائج إلى الله، وهو أكثر ألقابه ذكراً، وأكثرها شيوعاً وانتشاراً، فقد اشتهر بين العامّ والخاصّ، أنّه ما قصده مكروب، أو حزين إلّا فرّج الله همّه، وأزال عنه غمّه, وما استجار أحد بضريحه إلّا قضيت حوائجه, وهناك الكثير من الشّعراء الّذين قصدوا الإمام عليه السلام، وقضيت حوائجهم عنده، فنظموا في مديحه الشّعر الوفير, ومن هؤلاء الشّعراء الحاجّ محمّد جواد البغداديّ، الّذي سعى إلى مثوى الإمام عليه السلام في حاجة، يطلب قضاءها

قائلاً:

يا سَمِيَّ الكَلِيمِ جِئْتُكَ أَسْعَى      نَحْوَ مَغْناكَ قاصِداً مِنْ بِلادِي
لَيْسَ تُقْضَى لَنا الحَوائِجُ إلَّا     عِـنْدَ بابِ الرَّجاءِ جَدِّ الجوادِ

وأيضاً للمرحوم السّيّد عبد الباقي العمريّ، في مديح الإمام:

وهذا حاله في مماته، كما حاله في حياته، يقضي الحوائج، ويفرّج عن المكروبين.

لُــــــــذْ واسْتَــــجــــِرْ مُــتَـوَســـــِّلاً              إِنْ ضــــاقَ صـــدْرُكَ أَوْ تَعَسَّرْ
بــــابَ الرِّضــــا جَـــــدِّ الجــــوادِ                مُــحـَمَّدٍ مــُـوسَى بْــنِ جَــعْــفَرْ

ذكر العلاّمة المجلسيّ في (البحار)، في أحوال موسى بن جعفر عليهما السلام، نقلاً عن كتاب (قضاء حقوق المؤمنين)، بإسناده عن رجل من أهل الرّيّ، قال:

ولي علينا بعض كتّاب يحيى بن خالد، وكان عليَّ بقايا يطالبني بها، وخفت من إلزامي إيّاها، خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: إنّه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه، فلا يكون كذلك، فأقع في ما لا أحبّ، فاجتمع رأيّي على أنّي هربت إلى الله تعالى وحججت، ولقيت مولاي الصّابر،

 يعني موسى بن جعفرعليهما السلام، فشكوت حالي إليه، فأصحبني مكتوباً نسخته:

"بسم الله الرّحمن الرّحيم، اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلّاً، لا يسكنه إلّا من أسدى إلى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك، والسّلام".

قال: فعدت من الحجّ إلى بلادي، ومضيت إلى الرّجل ليلاً، واستأذنت عليه، وقلت: رسول الصّابر عليه السلام، فخرج إليّ حافياً ماشياً، ففتح لي بابه، وقبّلني، وضمّني إليه، وجعل يقبّل بين عينيّ، ويكرّر ذلك، وكلّما سألني عن رؤيته عليه السلام، وكلّما أخبرته عن سلامته وصلاح أحواله، استبشر وشكر الله، ثمّ أدخلني داره، وصدّرني في مجلسه، وجلس بين يديّ، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام، فقبّله قائماً وقرأه، ثمّ استدعى بماله وثيابه، فقاسمني ديناراً ديناراً، ودرهماً درهماً، وثوباً ثوباً، وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته، وفي كلّ شيء من ذلك يقول: أخي، هل سررتك؟ فأقول: إي والله، وزدت على السّرور؛ ثمّ استدعى سجلّ العمل، فأسقط ما كان باسمي، وأعطاني براءة ممّا يتوجّب عليّ منه، وودّعته وانصرفت عنه.

وقلت: لا أقدر على مكافأة هذا الرّجل إلّا بأن أحجّ في

قابل، وأدعو له، وألقى الصّابر عليه السلام، وأعرّفه فعله.

ففعلت، ولقيت مولاي الصّابر عليه السلام، وجعلت أحدّثه، ووجهه تهلّل فرحاً، فقلت: يا مولاي، هل سرّك ذلك؟ فقال: إي والله، لقد سرّني، وسرّ أمير المؤمنين، والله لقد سرّ جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد سرّ الله تعالى2.

يقول المؤرّخون: لمّا كثرت الوشاية بالإمام موسى الكاظم عليه السلام إلى هارون الرّشيد، صمّم على اعتقال الإمام موسى بن جعفر، وإيداعه السّجن, لذا أصدر حكمه إلى الشّرطة باعتقاله، فجاؤوا يبحثون عن الإمام أين هو؟ فوجدوه قائماً يصلّي عند قبر جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقطعوا عليه صلاته، ولم يمهلوه من إتمامها, وحمل عليه السلام من هناك إلى سجن البصرة مقيّداً بالحديد، وعيناه تسيلان دموعاً، وهو يقول: إليك أشكو يا رسول الله.

 

المصيبة:

قَطَعَ الرَّشِيدُ عَلَيْهِ فَرْضَ صَلاتِه    قَسْراً وأَظْهَرَ كامِنَ الأَحْقاد

ولمّا أوصلوه إلى البصرة سجن عند عيسى بن جعفر مدّة،

  مقفلاً عليه السّجن، لا يفتح له إلّا للطّهور، وإدخال الطّعام، وكان عليه السلام يقضي أوقاته في السّجن بالعبادة والتضرّع إلى الله، وسُمع يقول: (أللَّهم إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك، أللَّهم فلقد فعلت، فلك الحمد).

رَأَى فَـراغَتــَهُ في الســِّجْنِ مُنــيَتَهُ   ونعمة شكر الباري

وبعد تلك المدّة، طلب عيسى بن أبي جعفر من الرّشيد نقل الإمام إليه، وإلّا أطلق سراحه, لأنّه ما رأى من الإمام إلّا العبادة والبكاء من خشية الله, فقبل الطّاغية قول عيسى, ونقل الإمام إلى بغداد مقيّداً، تحفّ به الشّرطة والحراس، حتّى أوصلوه إلى بغداد, فأودع في سجن الفضل بن الرّبيع.

امن البصرة لسجن بغداد جابـه    ابحديد او عيد ويدور ذهابه
ذبه ابســجن أظــلم گـلع بابــه    أو نهى السّجّان يمه النّاس يصلون
عجيب امصيبته والله عجيبه       من سجن السجن ظالم يجيبه
أو چبده أمن الولم زايد لهيبه

لمّا كان الإمام الكاظم عليه السلام في سجن الفضل بن الرّبيع، كان الرّشيد يراقب حال الإمام بنفسه، فأطلّ يوماً من أعلى القصر على السّجن، فرأى ثوباً مطروحاً في مكان لم يتغيّر عن موضعه, فقال للفضل: ما ذاك الثوب الّذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟ قال الفضل: ما ذاك بثوب, وإنّما هو موسى بن جعفر, له في كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشّمس إلى وقت الزّوال. فقال هارون: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم, فقال له الفضل: ما لك قد ضيّقت عليه بالحبس؟ قال: هيهات، لا بدّ من ذلك. وكان الطّاغية يطلب بين الحين والآخر من الفضل أن يفتك بالإمام موسى بن جعفر، والفضل لم يجبه إلى ذلك, ولمّا طال بقاء الإمام في السّجن، قام في غلس اللّيل فجدّد طهوره، وصلّى لربّه أربع ركعات، وأخذ يناجي الله ويدعوه: يا سيّدي، نجّني من حبس هارون, وخلّصني من يده, يا مخلّص الشّجر من بين رمل وطين, ويا مخلّص النّار من بين الحديد والحجر, ويا مخلّص اللّبن من بين فرث ودم, ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحم, ويا مخلّص الرّوح من بين الأحشاء والأمعاء, خلّصني من يدي هارون.

وما أن أتمّ دعاءه حتّى استجاب الله له ذلك. فأمر الطّاغية جلاوزته، فأطلقوا سراح الإمام.

ولكنّ إطلاق سراح الإمام كان إطلاقاً مؤقّتاً، دام عدّة أيّام عاشها الإمام مكرهاً في بغداد, وكان الطّاغية في تلك المدّة يتهدّد الإمام بالقتل. بعد ذلك أرجعه إلى سجن الفضل بن يحيى، وأمره بالتّضييق عليه, ولكنّ الفضل فعل عكس ذلك، ولم يضيّق على الإمام. ولمّا علم الطّاغية بذلك، أمر بنقل الإمام إلى سجن السّنديّ بن شاهك، (وكان السّنديّ عدوّاً لآل محمّد، ناصبيّاً قاسي القلب)، وأمره بالتّضييق على الإمام، وتقييده بثلاثين رطلاً من الحديد, وأن يقفل عليه الأبواب, ولا يدعه يخرج. فامتثل السّنديّ أمر الطّاغية هارون، فوضعه في طامورة لا يعرف فيها اللّيل من النّهار, وأوثقه بالحديد حتّى أثّر ذلك الحديد في جسده الشّريف. لذا ورد في زيارته: وصلّ على موسى بن جعفر، المعذّب في قعر السّجون، وظلم الطّوامير، ذي السّاق المرضوض بحلق القيود.

ظل جور أو هظم يجرع من أعداه     أو كل عام الرّشيد السّجن ودّاه
لمّـن وصـل لــلـسّـنـدي أو تـولاه      ذبـه ابـسـجن مــثل اللّـيل أظلم

عانى الإمام عليه السلام في حبس السّنديّ أشدّ الآلام والأذى، وكان إذا ضاق نفس الإمام، لضيق الطّامورة، يأتي إلى بابها يستنشق الهواء, فإذا رآه السّنديّ لطم الإمام على وجهه، وأرجعه إلى داخل الطّامورة:

أَفِي أَيِّ كَفٍّ يَلْطِمُ الرِّجْسُ وَجْـهــَه   وَمــا هِــيَ إلَّا فَــرْعُ لَطْـمَةِ فاطِمِ

قيل: إِنَّ عليّ بن سويد اتصل بالإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وهو في طامورة السّنديّ بن شاهك، فسأله: سيّدي متى الفرج؟! لقد ضاقت صدورنا, قال له الإمام: الفرج قريب يا ابن سويد. قال: متى سيّدي؟ قال: يوم الجمعة ضحى على الجسر ببغداد. فظنّ أنّ الإمام سيفرج عنه يوم الجمعة, ولكن ما مضت تلك اللّيالي، حتّى بعث الطّاغية هارون إلى السّنديّ رطباً مسموماً, وأمره أن يقدّمه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام, فامتثل أمر طاغيته، وقدّم الرّطب إلى الإمام، وأجبره على أكله, فرفع باب الحوائج يده إلى السّماء، وقال: يا ربّ، إنّك تعلم أنّي لو أكلت قبل اليوم، كنت قد أعنت على نفسي. ثمّ تناول سبع رطبات فأكلها, وقيل عشراً, ثمّ امتنع. فقال له السّنديّ: زد على ذلك. فرمقه الإمام بطرفه, وقال: حسبك، قد بلغت ما تحتاج إليه.

بعد ذلك أخذ السّمّ يسري في بدنه، والإمام يعاني أشدّ الآلام في تلك الطّامورة, وأحاط به الأسى والحزن، حيث لا أحد من أهله وأحبّته عنده.

يا گلبي على الكاظـــم تلــجـــم     يعيني اعليه سحيّ الدّمع من دم

غريب أو بالحبس ويلوج بالسّم      يـتـگلب يــسار أو نــوبــه ايمين

بقي الإمام على هذه الحالة ثلاثة أيّام، وبينما هو يسمع أخشن الكلام وأغلظه من السّنديّ بن شاهك، وهو في تلك الحالة، حتّى دعا بشربة فشربها, ثمّ تغيّر وجه الإمام من لون إلى آخر, وعرق جبينه, وسكن أنينه, ومدّ يديه ورجليه, وفارقت روحه الدّنيا...

رحم الله من نادى: وا إماماه, وا سيّداه، أي وا مسموماه.
نعم صار الموعد المحدّد يوم الجمعة، وعليّ بن سويد ينتظر مع باقي الشّيعة، وإذا بجنازة قد بدا منها قيد الحديد.

يقول عليّ بن سويد: جئت في ذلك اليوم إلى جسر الرّصافة، وإذا بجنازة مطروحة، والمنادي ينادي: هذا إمام الرّافضة، قد مات حتف أنفه، فانظروا إليه, فجعل النّاس يتفرّسون في وجهه, يقول عليّ بن سويد: جئت لأنظر إليه، وإذا به سيّدي ومولاي موسى بن جعفر عليه السلام وا إماماه، وا كاظماه، وا سيّداه.


يهاشم لا حله بعيونـكم نـوم       يحگلي اعتب عليكم واكثر اللّوم
من بغداد ما وصلتكم اعلوم       تـخـبركم الكــاظم راح مسموم
    

فأخذ عليّ بن سويد بالبكاء والنّحيب عند رأس الإمام، فبينما هو كذلك، إذ مرّ به طبيب نصرانيّ، كانت بينهما صحبة، فقال له ابن سويد: أقسمت عليك بالمسيح إلّا ما رأيت سبب موت هذا المسجّى, قال: اكشف لي عن باطن كفّه، فكشف له عن باطن كفّ الإمام, فأخذ ينظر فيها ويهزّ رأسه, قال ابن سويد: أخبرني ما رأيت؟ قال: يا ابن سويد، هل لهذا الرّجل من عشيرة؟ قال: بلى, هذا موسى بن جعفر سيّد بني هاشم, قال: يا ابن سويد، ابعث إلى أهله فليحضروا، وليطلبوا بدمه، فإنّه مات مسموماً.

ألف يا حيف ألف وأكثر وسافه          يظل نعشك على جسر الرّصافة
وطبيب القلّـــب ابكفـــك وشــافه         ايگول اولا عـــشيره الهاذ تظهر
مــَنْ مُبْــلِغُ الإِسْــلامِ أَنَّ زَعِـــيمـَــهُ       قَدْ ماتَ في سِجْنِ الرَّشِيدِ سَمِيما
مُلْقىً عَلَى جِسْرِ الرُّصافَةِ نَعـْشُه         فِـــيهِ المَلائــِكُ أَحْـدَقُــوا تَعْظِيما
فـــَعَلـــَيْهِ رُوحُ اللهِ أَزْهَـــقَ رُوحَــه      وحَشَا كـــَلِـــيــمِ اللهِ بــاتَ كَــلِيـما

هوامش

1- قصيدة للسّيّد مهدي الأعرجيّ.
2- وقد رويت هذه الرّواية عن الإمام الصّادق عليه السلام أيضاً.