مرجعية الإمام جعفر الصادق(ع)
  • عنوان المقال: مرجعية الإمام جعفر الصادق(ع)
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:15:20 1-9-1403

الإمام جعفر الصادق نتاج قرن كامل من العظائم يحني لها الوجود البشري هاماته ويدين بحضارته… فاتح العالم الفكري الجديد.

وهو شجرة باسقة تترعرع في كل ورقة من أوراقها خصيصة من خصائص أهل البيت في عصر جديد للعلم، تعاونت فيه أجيال ثلاثة متتابعة منه ومن أبيه وجدّه (1).

وكانت داره جامعة كبيرة تموج بالحكماء وأهل العلم يجيب عن أسئلتهم ويحلّ مشاكلهم، دون التفات إلى نِحلهم ومذاهبهم أو فِرقهم ومقاصدهم، وقد جمع أصحابه المقربون إليه دروسهم في أربعمائة كتاب وسموها الأصول الأربعمائة(2) .

وكان الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل(3) .

وله كلام في صناعة الكيمياء، وكان تلميذه جابر بن حيان قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة(4) .

وقد شهد له الرواة والباحثون والمؤلفون بالعلم والمعرفة، وفيما يلي نستعرض أقوال بعض منهم:

قال اليافعي: السيد الجليل سليل النبوة ومعدن الفتوة، وإنّما لقب بالصادق لصدقه في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها(5) .

وقال كمال الدين محمّد بن طلحة: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمة… يتتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره(6) .

وقال ابن حجر الهيثمي: نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان (7) .

وقال محمّد أمين السويدي: كان بين إخوته خليفة أبيه ووصيه نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره (8) .

وقال هولميارد:  (إن جابراً هو تلميذ جعفر الصادق وصديقه، وقد وجد في إمامه الفذ سنداً ومعيناً ومرشداً أميناً، وموجهاً لا يستغني عنه، وقد سعى جابر ان يحرر الكيمياء بإرشاد أستاذه من أساطير الأولين التي علقت بها من الإسكندرية، فنجح في هذا السبيل إلى حد بعيد، من أجل ذلك يجب ان يقرن اسم جابر مع أساطين هذا الفن في العالم أمثال: بويله وبريستليه ولافوازيه وغيرهم من الأعلام)(9) .

وقال عبد الرحمن بن محمد الحنفي البسطامي:  (جعفر بن محمد ازدحم على بابه العلماء، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء، وكان يتكلم بغوامض الأسرار وعلو الحقيقة وهو ابن سبع سنين)(10) .

روى عنه أولاده، وفقهاء عصره وأئمة المذاهب ومنهم: مالك بن أنس، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ومعاوية بن عمّار، ويحيى بن سعيد الأنصاري.

قال عنه محمّد أبو زهرة: كان له فضل الأستاذية على أبي حنيفة ومالك، فحسبه ذلك فضلاً، ولا يمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدّم غيره عليه عن فضل، فهو ممن جمع الله تعالى له الشرف الذاتي والشرف الإضافي(11) .

وكان أستاذا لسفيان الثوري وكان يقول له: لا أقوم حتّى تحدثني(12) .

وكان أبو حنيفة يقول: لولا السنتان لهلك النعمان(13) .

وقال أيضاً: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد… فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها: كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون: كذا وكذا، ونحن نقول: كذا وكذا… ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس(14) .

واعترافاً منه بهذه المرجعية سئل مرة: إذا قيل عن البعض انّه وقف ماله للإمام فمن يكون المستحق ؟ فقال: يكون المستحق جعفر الصادق، لأنّه هو الإمام بالحق.

وكانت هذه الفتوى منه سبباً لنقمة العباسيين عليه وإنزالهم به بعض المظالم(15) .

وكان الإمام مالك قد تلقى العلم منه في أوقات معينة، وكان يقول: لقد اختلفت إليه زماناً… وكان من العلماء والعباد والزهاد الذين يخشون الله… وجعل يعدد فضائله وما رآه من فضائل غيره من أشياخه في خبر طويل(16) أعرضنا عن ذكره خشية الإطالة .

ولكنّه لم يرو عنه في أيام بني أمية حتّى ظهر أمر بني العباس، وكان لا يروي عنه حتّى يضمه إلى آخر(17) .

وبكلمة أخيرة كان الإمام الصادق (ع) مرجعاً علمياً لجميع علماء عصره وكذلك العلماء الذين لم يُعاصروه، ولايزال علماء هذا العصر ينهلون من بحر علمه، وكان حارساً أميناً للعقائد الإسلامية لحمايتها من التيارات العقائدية والفلسفية المنحرفة والإلحادية، وكانت له مواقف حاسمة من الغلاة والزنادقة والوضّاعين، وهو الذي فتح باب التخصص في العلوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)-  الإمام جعفر الصادق: 4، 63، المستشار عبد الحليم الجندي.
(2)-  أئمتنا 1: 420.
(3)-  الإرشاد: 271.
(4)-  وفيات الأعيان 1: 327.
(5)-  مرآة الجنان 1: 304.
(6)- كشف الغمة 2: 154.
(7)-  الصواعق المحرقة: 305.
(8)-  سبائك الذهب: 74.
(9)- أئمتنا 1: 432، علي محمد علي دخيل، عن: الإمام الصادق (ع) ملهم علم الكيمياء: ص40، تأليف الدكتور الهاشمي.
(10)-  أئمتنا 1: 486، عن: منهاج التوسل: 106.
(11)-  الإمام الصادق: 3.
(12)-  سير أعلام النبلاء 6: 261.
(13)- تاريخ المذاهب الإسلامية: 702.
(14)- سير أعلام النبلاء 6: 258.
(15)-  تاريخ العلويين، محمّد أمين غالب: 200.
(16)-  تاريخ المذاهب الإسلامية: 397.
(17)-  تهذيب التهذيب 2: 88 .