(ان أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام كتب إلى عبد الله بن الحسن رضي الله عنه حين حمل هو وأهل بيته يعزيه عما صار إليه :
بسم الرحمن الرحيم إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه ، اما بعد فلان كنت تفردت أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن والغبطة والكآبة وأليم وجعل القلب دوني ، فلقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحر المصيبة مثل ما نالك ، ولكن رجعت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيه صلى الله عليه وآله : ( فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ).
وحين يقول : ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت).
وحين يقول لنبيه صلى الله عليه وآله حين مثل بحمزة : ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) ، وصبر صلى الله عليه وآله ولم يتعاقب .
وحين يقول : ( وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعافية للتقوى) .
وحين يقول : ( الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) .
وحين يقول : ( إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) .
وحين يقول لقمان لابنه : ( واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور ) .
وحين يقول عن موسى : ( وقال لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) .
وحين يقول : ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) .
وحين يقول : ( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) .
وحين يقول : ( ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فبشر الصابرين ) .
وحين يقول : ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ) .
وحين يقول : (والصابرين والصابرات ) .
وحين يقول : ( واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) ، وأمثال ذلك من القرآن كثير .
واعلم أي عم وابن عم ، ان الله جل جلاله لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط ، ولا شئ أحب إليه من الضر والجهد والاذاء مع الصبر ، وانه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط ، ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون .
ولولا ذلك ما قتل زكريا ، واحتجب يحيى ظلما وعدوانا في بغي من البغايا ، ولولا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله لما قام بأمر الله جل وعز ظلما وعمك الحسين بن فاطمة صلى الله عليهما اضطهادا وعدوانا .
ولولا ذلك ما قال الله عز وجل في كتابه : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) .
ولولا ذلك لما قال في كتابه : ( يحسبون . إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : لولا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من
حديد لا يصدع رأسه ابدا .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ان الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة .
ولولا ذلك ما سقى كافرا منها شربة من ماء .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : لو أن مؤمنا على قلة جبل لا نبعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث انه : إذا أحب الله قوما أو أحب عبدا صب عليه البلاء صبا ، فلا يخرج من غم الا وقع في غم .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ما من جرعتين أحب إلى الله عز وجل ان يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا ، من جرعة غيظ كظم عليها ، وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب .
ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر وصحة البدن وكثرة المال والولد .
ولولا ذلك بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا خص رجلا بالترحم عليه والاستغفار استشهد .
فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي واخوتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله جل وعز والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند امره .
أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة ، وأنقذكم وإيانا من كل هلكة ، بحوله وقوته انه سميع قريب ، وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته .