معنى التقية وأدلة جوازها
  • عنوان المقال: معنى التقية وأدلة جوازها
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 5:25:23 2-10-1403

السؤال:

ما معنى كلمة التقية؟ هل تعني الكذب؟ فقد جاء في كتاب أُصول الكافي للكليني: عن أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): «يا أبا عمر، إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له»، فما المقصود بالتقية؟

 

الجواب:

إنّ التقية رخصة شرعية في كتاب الله وسنّة الرسول(صلى الله عليه وآله)، تُعمل في موارد الخوف والخطر والضرر.

وقد جرت سيرة الأنبياء والأولياء والمؤمنين على العمل بها، وقد استدلّ لجوازها بالأدلّة الأربعة:

 

الدليل الأوّل: القرآن

قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَـوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾(۱).

فنجد مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه خوفاً من الضرر.

وقال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(۲).

فنجد الصحابي الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقية، والنبيّ(صلى الله عليه وآله) يمضي عمله، ويجوّز له العمل بها.

وقد اشتهر في كتب التفسير أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عُذّب في الله، حتّى ذكر آلهة المشركين، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إن عادوا فعد»(۳).

وهناك آيات أُخرى دالّة بالصراحة، أو بالضمن على التقية:

۱ـ ﴿لاَّ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى الله المَصِيرُ ﴾(۴).

۲ـ وانظر: الكهف: ۱۹، ۳ـ الأنعام: ۱۱۹، ۴ـ البقرة: ۱۹۵، ۵ـ الحجّ: ۷۸، ۶ـ فصّلت: ۳۴٫

 

الدليل الثاني: السنّة

إنّ الروايات الدالّة على جواز التقية كثيرة، منها:

۱ـ سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن التقية؟ فقال: «التقية من دين الله»، قلت: من دين الله؟

قال: «إي والله من دين الله، ولقد قال يوسف: ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ ، والله ما كانوا سرقوا شيئاً، ولقد قال إبراهيم: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ ، والله ما كان سقيماً»(۵).

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

۲ـ أخرج البخاري من طريق قتيبة بن سعيد، عن عروة بن الزبير، أنّ عائشة أخبرته، أنّه استأذن على النبيّ(صلى الله عليه وآله) رجل قال(صلى الله عليه وآله): «ائذنوا له فبئس ابن العشيرة» ـ أو بئس أخو العشيرة ـ فلمّا دخل ألان له الكلام.

فقلت له: يا رسول الله! قلت ما قلت، ثمّ ألِنت له في القول؟

فقال: «أي عائشة، إنّ شرّ الناس منزلة عند الله مَن تركه أو ودّعه الناس اتّقاء فحشه»(۶).

 

الدليل الثالث: الإجماع

اتّفق جميع المسلمين وبلا استثناء على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام، مدّة ثلاث سنين من نزول الوحي، فلو كانت التقية غير مشروعة لكونها نفاقاً، لما مرّت الدعوة إلى الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.

وقد نقل الإجماع ـ على أنّ التقية مشروعة وجائزة ـ جمهرة من علماء السنّة، منهم: القرطبي المالكي(۷)، ابن كثير الشافعي(۸).

 

الدليل الرابع: العقل

إنّ التقية موافقة لمقتضاه، فإنّ جميع الناس يستعملونها في حالات الخطر والضرر، من دون أن يُسمّوها تقية.

 

الفتاوى والأقوال:

وأمّا فقهاء المذاهب الإسلامية فقد ذهبوا إلى جوازها، فتجد:

۱ـ الإمام مالك يقول بعدم وقوع طلاق المكره على نحو التقية، محتجّاً بذلك بقول الصحابي ابن مسعود: «ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان، إلّا كنت متكلّماً به»(۹).

ولا شكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول، يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه، ولو تمّ بسوطين.

۲ـ ابن عبد البرّ المالكي(۱۰) حيث أفتى بعدم وقوع عتق المكره وطلاقه، ولو كانت التقية لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.

وغيرهما كثير(۱۱).

___________________
۱ـ غافر: ۲۸٫
۲ـ النحل: ۱۰۶٫
۳ـ المستدرك ۲/۳۵۷، السنن الكبرى للبيهقي ۸/۲۰۸، فتح الباري ۱۲/۲۷۸، شرح نهج البلاغة ۱۰/۱۰۲، جامع البيان ۱۴/۲۳۷، أحكام القرآن للجصّاص ۲/۱۳ و ۳/۲۴۹، الجامع لأحكام القرآن ۱۰/۱۸۰، تفسير القرآن العظيم ۲/۶۰۹، الدرّ المنثور ۴/۱۳۲٫
۴ـ آل عمران: ۲۸٫
۵ـ الكافي ۲/۲۱۷، المحاسن ۱/۲۵۸٫
۶ـ صحيح البخاري ۷/۱۰۲٫
۷ـ الجامع لأحكام القرآن ۱۰/۱۸۲٫
۸ـ تفسير القرآن العظيم ۲/۶۰۹٫
۹ـ المدونة الكبرى ۳/۲۹٫
۱۰ـ اُنظر: الكافي في فقه أهل المدينة: ۵۰۳٫
۱۱ـ اُنظر: تفسير ابن جزي: ۳۶۶، الجامع لأحكام القرآن ۱۰/۱۸۲، المبسوط للسرخي ۲۴/۴۸ و۵۱ و ۷۷ و۱۵۲، فتح الباري ۱۲/۲۷۸، المجموع ۱۸/۳، المغني لابن قدامة ۸/۲۶۲٫