سؤال: وردت طائفة من الأحاديث تصرّح بأنّ المهديّ من ولد العبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وطائفة أخرى من الأحاديث المجملة التي قد يستفيد البعض منها دلالتها على كَون المهدي من ولد العبّاس.. فما هو موقفنا من هذه الأحاديث ؟ وما مقدار موضوعيّتها وصحّتها ؟
جواب: إنّ هذه الأحاديث وردت في عدّة صور سنتعرّض لها الواحدة تلو الأخرى:
1 ـ روى السيوطي في الجامع الصغير وسواه حديث « المهدي من ولد العبّاس عمّي » وقال: حديث ضعيف(1)؛ وقال عنه المناوي الشافعي في شرحه على الجامع الصغير: رواه الدارقطني في الأفراد. قال ابن الجوزي: فيه محمد بن الوليد المقري، قال ابن عَدِي: يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: كذّاب. وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصحّ منه، وأمّا هذا ففيه محمّد بن الوليد، وضّاع(2).
وضَعّف الحديث كلٌّ من: السيوطي في الحاوي، وابن حجر في الصواعق، والصبّان في إسعاف الراغبين، وأبو الفيض الغماري في إبراز الوهم المكنون(3).
2 ـ وروى ابن الوردي في خريدة العجائب مرسَلاً عن ابن عمر: « رجل يخرج من ولد العبّاس »(4)، وهو ـ زيادة على إرساله المُسقِط لحُجيّته ـ لم يُصرّح فيه بالمهدي.
3 ـ وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن عبّاس، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: إنّ الله ابتدأ بيَ الإسلام، وسيختمه بغلامٍ من وُلدك، وهو الذي يتقدّم عيسى ابنَ مريم »(5).
وفي إسناد الحديث محمّد بن مخلَّد الذي ضعّفه الذهبي وقال: رواه عن محمد بن مخلد العطّار، فهو آمنة، والعجب أنّ الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعّفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله(6).
4 ـ أخرج الخطيب وابن عساكر عن أمّ الفضل، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: « يا عبّاس، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفّاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي »(7)، وقال الذهبي عن الحديث: في السند أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبرٍ باطل في ذِكر بني العبّاس من رواية خيثم، عن حنظلة ـ إلى أن قال: عن أحمد بن راشد ـ فهو الذي اختلقه(8).
وقد أشار الذهبي إلى جهل أحمد بن راشد في وضع الحديث، لأنّ حكم العبّاسيين لم يبدأ بسنة 135 هـ ـ كما في الحديث المختلق ـ بل بدأ سنة 132 هـ بالاتّفاق، وهذا من علامات جهل واضع الحديث ( أحمد بن راشد ) بابتداء حكم بني العبّاس.
5 ـ أخرج نظيرَ هذا الحديث عن ابن عبّاس: السيوطيُّ في اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة وقال: موضوع، المتّهم به الغلاّبي(9). وأخرجه ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن عباس أيضاً، من طريق الضحّاك، وقال: وهذا إسناد ضعيف، والضحّاك لم يسمع من ابن عبّاس شيئاً على الصحيح، فهو منقطع(10). وأخرجه الحاكم عن طريق آخر فيه إسماعيل بن إبراهيم(11)، وقد حكى أبو الفيض الغماري عن الذهبي أنّ إسماعيل مُجمَع على ضعفه(12).
-------
1 ـ الجامع الصغير، للسيوطي 672:2، حديث 9242.
2 ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي 678:6، حديث 9242.
3 ـ الحاوي للفتاوى، للسيوطي 85:2. الصواعق المحرقة، لابن حجر 166. إسعاف الراغبين، للصبّان 151. إبراز الوهم المكنون، للغماري 563.
4 ـ خريدة العجائب، لابن الوردي 199.
5 ـ تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي 323:3.
6 ـ ميزان الاعتدال، للذهبي 89:1 / الرقم 328.
7 ـ تاريخ بغداد 63:1. وتاريخ دمشق 178:4.
8 ـ ميزان الاعتدال 97:1.
9 ـ اللآلي المصنوعة، للسيوطي 434:1 ـ 435.
10 ـ البداية والنهاية، لابن كثير 246:6.
11 ـ المستدرك، للحاكم 514:4.
12 ـ إبراز الوهم المكنون 543.