الأسباب التي استتبعت غيبة الإمام المهديّ عليه السّلام
  • عنوان المقال: الأسباب التي استتبعت غيبة الإمام المهديّ عليه السّلام
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 1:39:56 5-9-1403

سؤال: يتساءل البعض ما هي الأسباب التي أدّت إلى غيبة الإمام المهدي عليه السلام وما الحكمة في غيبته عليه السلام عن شيعته ؟
جواب: تحدّث أئمّة أهل البيت عليهم السّلام عن أسباب غَيبة الإمام المهدي عليه السّلام، فذكروا جملة أمور، نعرض لها هنا بإيجاز:
1 ـ الخوف من القتل: روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: إنّ للغُلام ـ يقصد الإمام الحجّة عليه السّلام ـ غَيبةً قبل أن يقوم. قال الراوي: ولِمَ ؟ قال عليه السّلام: يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه(1).
وقد صرّح القرآن الكريم بأنّ من الأنبياء مَن فرّ واعتزل عن أمّته مخافة القتل، ورجاء لنشر رسالته بعد ذلك. قال عزّوجلّ عن النبيّ موسى بن عمران عليه السّلام لما فرّ إلى مصر وورد على شُعيب: فَفَررتُ منكم لمّا خِفتُكم »(2)، وقال عزّوجلّ على لسان مؤمن آل فرعون: « إنّ الملأ يأتمرونَ بك ليقتُلوكَ فاخرُج (3)، وحدثنّا عن نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه اعتزل في الغار حين أرادت قريش قتله، فأمره تعالى بالهجرة إلى المدينة.
2 ـ لئلاّ يكون في عُنقه عليه السّلام بيعة لظالم: روي عن الإمام الرضا عليه السّلام ـ في حديث ـ أنّه سُئل عن علّة غَيبة الإمام المهدي عليه السّلام، فقال: لئلاّ يكون في عُنقه بيعة إذا قام بالسيف ـ الحديث(4). وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام: يقوم القائم وليس في عُنقه لأحد بَيعة(5).
ومن الطبيعي أنّ عدم وجود بَيعة لأحد في عُنق الإمام المهدي عليه السّلام سيكفل له الحريّة في الدعوة والاستقلال بالأمر، لأنّ من لوازم الوفاء بالبيعة مماشاة هؤلاء وترك التعرّض لهم. ونحن نعلم أنّ الإمام المهدي عليه السّلام إذا أذِن الله تعالى له بالظهور، فإنّه سيُظهر العدلَ ويستأصل الظلم والفساد، ويُظهر الله تعالى على يده الإسلام على باقي الأديان، وهو ممّا يتطلّب حريّة في العمل غير محدودة ببيعة لظالم.
3 ـ الامتحان: روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال ـ في حديث ـ: لا واللهِ لا يكون ما تَمُدّون إليه أعيُنَكم حتّى تُغَربَلوا، لا واللهِ لا يكون ما تَمدّون إليه أعناقكم حتّى تُميَّزوا ـ الحديث(6).
ولقد امتحن اللهُ تعالى الأممَ السابقة بأمور مختلفة، منها غَيبة أنبيائهم الكرام. وقدّر لهذه الأمّة الخاتمة ـ جرياً على سُننه التي لا تتغيّر ـ أن تُمتحن بغيبة إمامها المنتظر عليه السّلام، قال تعالى: أم حَسِبتُم أن تُترَكوا ولمّا يَعلَمِ اللهُ الذين جاهَدوا منكم ويعلَمَ الصابرين (7). وقد روي عن الإمام الكاظم عليه السّلام ـ في حديث ـ أنّه قال: إنّه لابُدّ لصاحب هذا الأمر من غَيبة، حتّى يرجع عن هذا الأمر مَن كان يقول به، إنّما هي محنة من الله امتَحنَ اللهُ تعالى بها خَلقه(8).
4 ـ تأديب الأمّة وتنبيهها إلى رعاية حقّ الإمام: ذلك أنّ الأمّة إذا لم تَقُم بواجب حقّ الرسول أو الإمام، وإذا عصت أوامره ولم تمتثل نواهيه، جاز له تركُها والاعتزال عنها تأديباً لها، لعلّها تعود إلى رُشدها بعد غيّها، ويُشير إلى هذا قولُه تعالى: وأعتَزِلُكم وما تَدعونَ مِن دونِ الله وأدعو ربّي (9).
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: إنّ الله إذا كَرِه لنا جِوارَ قومٍ، نَزَعَنا من بينِ أظهرُهم ـ الحديث(10). وروي عن الإمام الحجّة عليه السّلام في رسالةٍ وجّهها للشيخ المفيد: ولو أنّ أشياعناـ وفّقهم اللهُ لطاعته ـ على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهدِ عليهم، لَما تأخّر عنهم اليُمْن بلقائنا(11).
5 ـ الحكمة الإلهيّة: يبقى السبب الأهمّ للغَيبة راجعاً إلى الحِكمة الإلهيّة. فقد ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام بأنّ وجه الحكمة في الغَيبة لا ينكشف بشكل كامل إلاّ بعد ظهوره، كما أنّ وجه الحكمة في عمل الخِضر عليه السّلام ـ مِن خَرْق السفينة وقَتْل الغُلام وإقامة الجدار ـ لم ينكشف لموسى عليه السّلام إلا وقت افتراقهما. وإنّنا متى عَلِمنا أنّ الله تعالى حكيم، صَدَّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهُها غير منكشف لنا(12).
وروى عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال ـ في حديث ـ يا جابر، إنّ هذا الأمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، مطويّ عن عباد الله، فإيّاكَ والشكّ فيه، فإنّ الشكَّ في أمر الله عزّوجلّ كفر(13).

---------

1 ـ الغَيبة، للطوسي 202.
2 ـ الشعراء: 21.
3 ـ القصص: 20.
4 ـ كمال الدين، للصدوق 480:2، حديث 4.
5 ـ كمال الدين 480:2، حديث 3.
6 ـ الغيبة، للطوسي 203 ـ 204.
7 ـ التوبة: 16.
8 ـ الغيبة، للطوسي 204.
9 ـ مريم: 48.
10 ـ علل الشرائع، للصدوق 244:1، حديث 2.
11 ـ الاحتجاج، للطبرسي 324:2 ـ 325.
12 ـ علل الشرائع 246:1، حديث 8.
13 ـ كمال الدين، للصدوق 287:1 ـ 288، حديث 7.