سؤال: لماذا غاب الإمام المهدي عليه السّلام غيبةً صغرى، ثمّ شَفَعها بغَيبة كبرى ؟ ألم يكن في مقدوره أن يكتفي بغَيبة واحدة كبرى، أو أن يُطيل في أمد الغَيبة الصغرى ـ مثلاً ـ فيكون له نائب خاصّ في كلّ عصر من العصور يتكفّل مهمّة الاتّصال بينه عليه السّلام وبين شيعته ؟
جواب: إنّ أسلوب حركة الإمام المهدي عليه السّلام من الأمور التي عيّنها الله تعالى بحكمته البالغة، لكننا نُلقي ـ عموماً ـ بعض الأضواء على الفوائد المترتّبة على الغيبتين:
1 ـ أن الغَيبة الصغرى ليست إلاّ مقدّمة للغَيبة الكبرى وتمهيداً لها، فقد ذكرنا أنّ الإمامَين العسكريّين: عليّ الهادي والحسن العسكري عليهما السّلام مهّدا ـ إلى حدّ كبير ـ لغَيبة الإمام المهدي عليه السّلام، فاختارا وكلاءً ووثّقاهم للناس وامتدحاهم، ثمّ أنّهما ـ عليهما السّلام ـ انتهجا مبدأ الاحتجاب التدريجيّ عن الشيعة وصارا يتّصلان بالشيعة في أغلب الأحيان ـ وخاصّة في أيّام الإمام الحسن العسكري عليه السّلام ـ عن طريق هؤلاء الوكلاء الذين صاروا بعدئذ وكلاء للإمام المهدي عليه السّلام وواسطة للاتّصال بينه وبين شيعته.
2 ـ أنّ الصدمة المترتّبة على الغَيبة، والناتجة عن انقطاع الاتّصال المباشر بين الإمام المهدي عليه السّلام وشيعته قد خفّت بكثير نتيجة السياسة الحكيمة التي انتهجها الإمامان العسكريان عليهما السّلام وتابعها بعدهما الإمام المهدي عليهم السّلام، فقد ظلّ المسلمون طوال سبعين سنة ـ هي فترة الغيبة الصغرى ـ يتّصلون بالإمام المهدي عليه السّلام من طريق سفرائه الخاصّين، فيجيبُهم عن أسئلتهم ويحلّ لهم مشاكلهم، إضافةً إلى تشرّف عدد من صفوة شيعته بلقائه والاستمداد من محضره القدسيّ.
3 ـ وأمّا عدم استمرار الغيبة الصغرى وعدم استمرار السفارة، فراجعٌ إلى الظروف العصيبة القاهرة التي أحاطت بالغَيبة، فقد تطرّقنا سابقاً إلى أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السّلام كانوا يتعرّضون لضغوط متزايدة من قِبل السلطة، وذكرنا أنّ الإمامين العسكريين عليهما السّلام قد أُوذيا واستُدعيا من حرم جدّهما صلّى الله عليه وآله وسلّم في المدينة المنوّرة إلى سامرّاء وفُرضت عليهما الإقامة الجبريّة، إلى أن رحلا عن الدنيا شهيدَين مسمومين، باعتراف طائفة كبيرة من المؤرّخين. ونقل لنا التاريخ أنّ دار الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قد دوهمت وكُبست من قِبل جُند السلطة بعد وفاته عليه السّلام، وأنّ النساء فيه قد اعتُقلن، وأن داره فُتّشت، بحثاً عن وريثه ووصيّه الإمام المهدي عليه السّلام، لكنّ الله تعالى حجبه عنهم بلطفه(1).
ولو دامت الغيبة الصغرى والسفارة، لتعرّض السفراء بالتأكيد للاعتقال والتهديد والقتل، يُضاف إلى ذلك أن باب ادّعادء السفارة قد يُفتح لعشّاق الرئاسة ـ كما حصل بالفعل في أواخر الغيبة الصغرى ـ ولذلك شدّد الإمام المهدي عليه السّلام في رسالته للسفير الرابع ( الأخير ) علي بن محمد السمري على أنّ السفارة قد انقطعت، وأنّ الغَيبة الكبرى قد وَقَعتْ(2)، وجاء عنه عليه السّلام أنّ مَن ادّعى الرؤية في زمن الغَيبة الكبرى فلا تصدّقوه(3). وقد فُسِّرت الرؤية هنا بالروية المستمرة واللقاء المتواصل ممّا يعني السفارة الخاصة.
1 ـ الإرشاد، للمفيد.
2 ـ الغَيبة، للطوسي 242 ـ 243. إعلام الورى، للطبرسي 260:2.
3 ـ كمال الدين 516:2، حديث 44.