أدب الإمام العسكري (عليه السّلام)
  • عنوان المقال: أدب الإمام العسكري (عليه السّلام)
  • الکاتب: موقع إسلاميات
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 6:17:7 2-10-1403

أدب الإمام العسكري (عليه السّلام)

موقع إسلاميات

الرسالة نصّ أدبي يوجه إلى شخصية أو جماعة، تتضمن خواطر وأفكاراً عبادية في مختلف القضايا... ويلاحظ أنّ الشخصية التي توجه الرسالة إليها، أو يوجه الحديث إليها في مقابلات خاصة، كما لحظنا ذلك في توجيه الكلام إلى جملة من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، كالإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) تظلّ بمثابة (البطل في القصة)، لكن في صعيد المخاطبة فحسب، حيث شكل ذلك أسلوباً يتكرر من خلاله اسم الشخصية المخاطبة، كما هو طابع الرسائل بعامة، مع الأخذ بنظر الإعتبار بأنّ تكرر الإسم والمخاطبة‌ ينطوي على سرّ فني، هو: شدّ الإنتباه من جانب، وطرد الملل من جانب آخر... والمهم - من ثَمّ- إنّ لغة الرسالة توشح بأدوات فنية: لفظياً وإيقاعياً وصورياً، وهو أمر يمكن ملاحظته في الرسالة التي وجهها الإمام العسكري (عليه السلام) إلى أحد أصحابه وهو (إسحاق النيسابوري) جواباً لرسالة بعثها هذا الأخير إلى الإمام (عليه السلام)... جاء في هذه الرسالة:

(... نحن بحمد الله ونعمته: أهل بيت نرقّ على أوليائنا، ونسرّ بتتابع إحسان الله إليهم، وفضله لديهم، ونعتد بكلّ نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم، فأتمّ الله عليك - يا إسحاق وعلى من كان مثلك، ممن قد رحمه الله، وبصره بصيرتك- نعمته... وآنا أقول الحمد لله أفضل ما حمده حامد، إلى‌ أبد الأبد، بما منّ الله عليك من رحمته، ونجاك من الهلكة، وسهل سبيلك على العقبة، وأيم الله أنّها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، قديم في الزبر الأولى ذكرها... فاعلم يقيناً - يا إسحاق- أنّه من خرج من هذه الدنيا أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً. يا إسحاق: ليس تعمى الإبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور... فأين يتاه بكم، وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم، عن الحقّ تصدفون وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون... لولا محمد (صلى الله عليه وآله)، والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخل مدينة إلاّ من بابها... رحم الله ضعفكم وغفلتكم، وصبركم على أمركم، فما أغرّ الإنسان بربه الكريم - ولو فهمت الصمّ الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب، لتصدّعت قلقاً وخوفاً من خشية الله، ورجوعاً إلى طاعة الله... الخ) (1).

إنّ هذه الرسالة - بالرغم من لغتها المترسلة- تحفل بعناصر فنية متنوعة: إيقاعياً وصورياً ولفظياً.

أمّا إيقاعياً فيمكن ملاحظة الجمل المقفاة من نحو (إليهم، لديهم،‌عليهم) ومن نحو (لو فهمت الصمّ الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب)...

وأمّا لفظياً، فإنّ (التساؤل) و(الحوار) و(التكرار) تظلّ عناصر ملحوظة في هذه الرسالة (فأين يتاه بكم؟) (وأين تذهبون؟) (فما أغرّ الإنسان؟)... الخ.

وأمّا صورياً، فإنّ الرسالة ‌تحفل بعنصر صوري متنوع، حيث نلحظ (الصورة التضمينية) بنحو لافت للنظر، بخاصة تضمين القرآن من نحو (سهل سبيلك على العقبة) (من خرج من هذه الدنيا أعمى) (لتصدّعت قلقاً وخوفاً)... كذلك تضمين الحديث النبوي (وهل تدخل مدينة إلاّ من بابها)، كذلك تضمين الحديث العلوي (لو فهمت الصمّ الصلاب...)... كما نلحظ خلال هذه التضمينات وسواها، تنوعاً في الصورة من تشبيه، واستعارة، ورمزاً، واستدلال، وفرضية من نحو: (وأين تذهبون كالأنعام)- تشبيه، ومن نحو (أنّها لعقبة كؤود) - تمثيل، ومن نحو: (صعب مسلكها)- استعارة، ومن نحو: (وهل تدخل مدينة...) - استدلال، ومن نحو: (لو فهمت الصمّ الصلاب)- فرضية،...

إذن: لحظنا صوراً فرضية، واستدلالية، وتمثيلية، واستعارية، وتشبيهية،.... وهذا التنوع في الصياغة الصورية، يكسب الرسالة مزيداً من الجمال الفني، كما هو واضح... والأهمّ من ذلك، أنّ هذه الصور صيغت تلقائية، قد فرضها السياق الفكري وليس مجرد تنميق، كما هو طابع الرسائل التي يكتبها العاديون من البشر... فعندما يصوغ النصّ صورة (تضمينية- استدلالية) من نحو (وهل تدخل مدينة إلاّ من بابها) إنّما يستهدف من ذلك توضيح حقيقة، تشكل جوهر الرسالة التي تتحدث عن مبادئ أهل البيت والتمسك بهم، مما يتطلب الموقف تقديم مثل هذه الصورة ‌التضمينية- الاستدلالية التي تبلور مفهوم التمسك بأهل البيت (عليهم السلام)... كذلك عندما يلجأ الإمام (عليه السلام) إلى الصورة (التضمينية - الفرضية) من نحو (لو فهمت الصمّ الصلاب... لتصدعت) إنّما يستهدف إبراز أهمّ مبادئ السلوك العبادي التي خلق الإنسان من اجل ممارستها، ألا وهو معرفة هذه المبادئ والعمل بموجبها، حيث أنّ الصمّ الصلاب - وهي غير مكلفة بتحمل مسؤولية الخلافة - تتصدّع فعلاً، لو أنيط بها حمل هذه المسؤولية، فكيف بالإنسان؟

إذن: يجيء استخدام الصورة عند الإمام (عليه السلام)، توظيفاً فرضته ضرورة فكرية كما لحظنا، مما يفسر لنا طبيعة النصوص التي يتوفر عليها أهل البيت (عليهم السلام)، وتميزها عن سائر النصوص العادية، حيث لا يعنون بالفن من أجل كونه فناً، بل من أجل توظيفه فكرياً،... لذلك نجد النصوص لديهم مترسلة حيناً، وموشحة بالفن حيناً آخر، ومكثفة إلى درجة ملحوظة بالفن حيناً ثالثاً...

وهذا الاستخدام النسبي لعناصر الفن - فيما لحظناه - في أدب الرسائل لدى الإمام (عليه السلام) يمكن ملاحظته في سائر الأشكال الأدبية.