أزمة الحكم في الحجاز
تتفق أحاديث مصادر الشيعة والسنة ، على أن مقدمة ظهور المهدي عليه السلام في الحجاز ، حدوث فراغ سياسي فيه ، وصراع على السلطة بين قبائله .
ويحدث ذلك على أثر موت ملك أو خليفة ، يكون عند موته الفرج . وتسميه بعض الروايات(عبدالله)ويحدد بعضها إعلان خبر موته في يوم عرفة ثم تتلاحق الأحداث في الحجاز بعد موته إلى... خروج السفياني ، والنداء السماوي ، واستدعاء الجيش السوري إلى الحجاز ، ثم ظهور المهدي عليه السلام .
فعن الإمام الصادق عليه السلامقال: ( من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم . ثم قال :( إذا مات عبدالله لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله . ويذهب ملك السنين ، ويصير ملك الشهور والأيام . فقلت: يطول ذلك ؟ قال: كلا ). (البحار:52/210 ).
وعنه عليه السلامقال: (بينا الناس وقوفاً بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة ، ويخبرهم بموت خليفة، عند موته فرج آل محمد وفرج الناس جميعاً). (البحار:52/240)
ومعنى الناقة الذعلبة: الخفيفة السريعة ، وهو كناية عن الإسراع في إيصال الخبر وتبشير الحجاج به . والظاهر أن أسلوب إيصال الخبر مقصود في الرواية. وفي رواية أخرى أنهم يقتلون هذا الرجل صاحب الناقة الذعلبة ، الذي ينشر الخبر بين الحجاج في عرفات .
ويحتمل أن يكون هذا الخليفة الذي يعلن خبر موته أو قتله يوم عرفة ، عبد الله المذكور في الرواية السابقة ، ومعنى: (يذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام) ، أنهم كلما نصبوا بعده شخصاًً لايبقى سنة كاملة ، ولا تمضي شهور أو أيام حتى ينصبوا غيره ! حتى يظهر الإمام المهدي عليه السلام .
وتذكر بعض الروايات أن سبب قتل ذلك الملك قضية أخلاقية وأن الذي يقتله أحد خدمه ، وأنه يهرب إلى خارج الحجاز فيذهب بعض جماعة الملك في البحث عنه ، فيحدث الصراع على السلطة قبل أن يعودوا !
فعن الإمام الباقر عليه السلام: (يكون سبب موته أنه ينكح خصياً له فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً ، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج حتى يذهب ملكهم) (كمال الدين ص 655) .
والأحاديث التي تصف الصراع على السلطة في الحجاز بعد قتل هذا الملك كثيرة ، وهذه نماذج منها:
عن البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلامقال: ( إن من علامات الفرج حدثا يكون بين الحرمين. قلت وأي شئ يكون الحدث ؟ قال عصبية تكون بين الحرمين ، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً ).(البحار:52/210) ، أي يقتل أحد الملوك أو الزعماء خمسة عشر شخصية من ذرية ملك أو زعيم معروف .
وعن أبي بصير قال: ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلاميقول: لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . فقال: نعم ، ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ، ويظهر السفياني ، ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله) . (البحار:52 /157) ، وهذه الرواية تشير إلى أن أصل الصراع يكون بين القبيلة الحاكمة نفسها .
وعن أمير المؤمنين عليه السلامقال: (ولذلك آيات وعلامات ، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز ، القاتل والمقتول في النار). (البحار:52/273) ، والمقصود بالمسجد الأكبر المسجد الحرام ، وأن الرايات المتصارعة تتنازع حول مكة ، أو في الحجاز وتتقاتل ، وليس فيها راية حق .
وقد روى ابن حماد في مخطوطته ص59 أكثر من عشرين حديثاً عن الأزمة السياسية الحجازية، وصراع القبائل على السلطة في سنة ظهور المهدي عليه السلام، منها عن سعيد بن المسيب قال: ( يأتي زمان على المسلمين يكون منه (فيه) صوت في رمضان ، وفي شوال تكون مهمهة ، وفي ذي القعدة تنحاز(فيها) القبائل إلى قبائلها . وذو الحجة ينهب فيه الحاج . والمحرم وما المحرم).
وعن ابن مسعود عن النبي’قال: ( إذا كانت صيحة في رمضان فإنه تكون معمعة في شوال ، وتمييز القبائل في ذي القعدة ، وسفك الدماء في ذي الحجة ، والمحرم وما المحرم !! يقولها ثلاثاً) . (ص 62) .
وفي ص60 عن عبد الله بن عمر قال: ( يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام ، فبينا هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكَلَب فسارت القبائل إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً) ، أي أخذتهم حالة مثل داء الكلب المعروف ، وجاشت حالة العداء فيهم بعد مناسك الحج دفعة واحدة ، فاقتتلوا حتى جرت دماؤهم عند جمرة العقبة !
وروايات ابن حماد هذه تتحدث عن الصراع السياسي في الحجاز بعد الصيحة والنداء السماوي ، لكن توجد روايات أخرى تدل على أمرين هامين في هذه الأزمة السياسية:
أولهما ، أنها تحدث قبل خروج السفياني ، وقد أشرنا إلى ذلك .
وثانيهما ، أنه يكون لها علاقة باختلاف أهل الشرق والغرب أي بالحرب العالمية الموعودة. فعن ابن أبي يعفور قال: قال لي أبو عبدالله(الإمام الصادق عليه السلام): (أمسك بيدك: هلاك الفلاني ، وخروج السفياني ، وقتل النفس . إلى أن قال: الفرج كله عند هلاك الفلاني) . (البحار:52/234).
وقد يناقش في كون ترتيب هذه الأحداث زمنياً كما جاء في الرواية ، ولكن عدداً من الروايات ، منها ما تقدم ، تدل على أن هلاك الفلاني وصراعهم من بعده يكون قبل خروج السفياني .
وعن الإمام الباقر عليه السلامقال: ( يقوم القائم في سنة وتر من السنين: تسع ، واحدة ، ثلاث ، خمس . وقال: ثم يملك بنو العباس(بنو فلان) فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش حتى يختلفوا فيما بينهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم واختلف أهل الشرق وأهل الغرب ، نعم وأهل القبلة ، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف ، فلا يزالون بتلك إلى الحال حتى ينادي المنادي من السماء فإذا نادى فالنفر النفر). (البحار:52/235) .
والملاحظ في هذه الرواية أنها تربط بين اختلاف آل فلان وذهاب ملكهم ، وبين اختلاف أهل الشرق وأهل الغرب ، وشمول خلافهم لأهل القبلة أي المسلمين ، وكأن هذا الصراع العالمي مرتبط أو مترتب على الأزمة السياسية التي تحدث في الحجاز .
والمقصود ببني العباس الذين يقع الخلاف بينهم قبيل ظهورالمهدي عليه السلام، آل فلان الذين ذكرت عدة روايات أنهم آخر من يحكم الحجاز قبله عليه السلام .
والحاصل من مجموع الروايات أن تسلسل الأحداث التي هي مقدمات الظهور في الحجاز ، يبدأ بنار عظيمة صفراء حمراء تظهر في الحجاز أو في شرقية وتبقى أياماً، ثم يقتل آخر ملوك بني فلان ، ويختلفون على من يخلفه، ويمتد هذا الخلاف إلى القوى السياسية الحجازية ، وعمدتها القبائل ، الأمر الذي يسبب أزمة سياسية في الحكم ، يكون لها تأثير على الصراع العالمي بين أهل الشرق والغرب .
ثم يكون خروج السفياني ، والنداء السماوي ، ثم دخول الجيش السوري السفياني إلى الحجاز وأحداث المدينة ، ثم أحداث مكة . إلى حركة ظهوره المقدس عليه السلام .
ونار الحجاز هذه وردت فيها عدة أحاديث في مصادر السنة ، تذكر أنها من علامات الساعة ، منها ما في صحيح مسلم:8/180: ( لاتقوم الساعة حتى تخرج نار بالحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى) ، أي يصل نورها إلى مدينة بصرى في سورية .
ومنها عدة أحاديث في مستدرك الحاكم:4/442و443، تذكر أنها تخرج من جبل الوراق أو حبس سيل أو وادي حسيل. وحبس سيل مكان قرب المدينة المنورة ، وقد يكون تصحيفاً عن وادي حسيل .
ويذكر بعضها أنها تظهر من عدن بحضرموت ، وأنها تسوق الناس إلى المحشر أو إلى المغرب .
ورواية صحيح مسلم كما ترى لاتنص على أنهم من علامات الساعة ، بل تذكر حتمية وقوعها في المستقبل .
والمرجح عندي أن النار التي هي من علامات الساعة والقيامة هي نار عدن أو حضر موت ، الوارد ذكرها في مصادر السنة والشيعة .
أما نار الحجاز الوارد أنها في المدينة المنورة فقد تكون مجرد إخبار إعجازي من النبي’عن وقوعها دون أن تكون علامة لشئ . وقد حدث ذلك ونقل المؤرخون ظهور بركان ناري قرب المدينة ، بقي أياماً .
وهاتان الناران غير النار التي هي من علامات الظهور ، فقد ورد في الأحاديث تسميتها بنار المشرق ، وفي بعضها نار في شرقي الحجاز ، ففي مخطوطة ابن حماد ص61 عن ابن معدان قال: (إذا رأيتم عموداً من نار من قبل المشرق في شهررمضان في السماء فأعدوا مااستطعتم من الطعام ، فإنها سنة جوع) .
وعن الإمام الصادق عليه السلامقال: ( إذا رأيتم ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليال فعندها فرج الناس . وهي قدام القائم بقليل) . (البحار:52/240) .
وعن الإمام الباقر عليه السلامقال: ( إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم ، تطلع ثلاثة أيام أو سبعة ، فتوقعوا فرج آل محمد’إن شاء الله عز وجل ، إن الله عزيز حكيم) . (البحار:52/230) ، والهردي: الثوب المصبوغ بالأخضر والأحمر .
ويحتمل أن تكون هذه النار بركاناً طبيعياً ، أو انفجاراً نفطياً كبيراً .
كما يحتمل أن تكون هي الآية الربانية التي تكون من علامات ظهور المهدي عليه السلام، فعن الإمام الباقر عليه السلامقال: (يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء ، وحمرة تجلل السماء) . (البحار:52/221) ، وتكون هذه النار قبل الأزمة السياسية الحجازية ، أو أثنائها . والله العالم .
فخرج منها خائفاً يترقب
ذكرت الأحاديث الشريفة أن جيش السفياني يسيطر على المدينة المنورة ، ويستبيحها ثلاثة أيام ، ويعتقل كل من تصل إليه يده من بني هاشم ويقتل العديد منهم ، بحثاً عن الإمام المهدي عليه السلام .
ففي مخطوطة ابن حماد ص88: ( فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش ، فيقتل منهم ومن الأنصار أربع ماية رجل ، ويبقر البطون ، ويقتل الولدان ، ويقتل أخوين من قريش ، رجل وأخته يقال لهما محمد وفاطمة ، ويصلبهما على باب المسجد في المدينة) !
وفي نفس الصفحة عن أبي رومان قال: ( يبعث بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل محمد (ص) ، ويقتل من بني هاشم رجال ونساء ، فعند ذلك يهرب المهدي والمبيض(المنصور)من المدينة إلى مكة فيبعث في طلبهما ، وقد لحقا بحرم الله وأمنه) .
وفي مستدرك الحاكم:4/442 ، أن أهل المدينة يخرجون منها بسبب بطش السفياني وأفاعيله !
وعن الإمام الباقر عليه السلامفي حديث جابر بن يزيد الجعفي قال: (ويبعث (أي السفياني ) بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ، ويهرب المهدي والمنصور منها ، ويؤخذ آل محمد’صغيرهم وكبيرهم ، ولايترك منهم أحد إلا حبس . ويخرج الجيش في طلب الرجلين ). (البحار:52/223) .
وهذا الرجل الذي يقتله جيش السفياني غير الغلام الذي ورد أنه يقتل في المدينة ، فعن الإمام الصادق عليه السلامقال: (يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة. قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا ، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتى يدخل المدينة فلا يدري الناس في أي شئ دخل ، فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم الله عز وجل ، فعند ذلك فتوقعوا الفرج). (البحار:52/147) ، وتسمي بعض الروايات هذا الغلام النفس الزكية ، وهو غير النفس الزكية الذي يقتل في مكة قبيل ظهور المهدي عليه السلام .
ويظهر من هذه الأحاديث وغيرها أن سلطة الحجاز الضعيفة تنشط في تتبع الشيعة في الحجاز وفي المدينة خاصة ، وتقتل الغلام النفس الزكية ، إما لمجرد أن اسمه محمد بن الحسن ، الذي يصبح معروفاً عند الناس أنه اسم المهدي عليه السلام وإما لأنه يكون من الأبدال المتصلين بالمهدي عليه السلام .
ثم يدخل جيش السفياني فيتابع نفس السياسة ولكن بإرهاب وبطش أشد ، فيعتقل كل من يحتمل أن يكون له علاقة ببني هاشم ، ويقتل الرجل الذي اسمه محمد وأخته فاطمة ، لمجرد أن اسمه محمد واسم أبيه حسن أيضاً !
وفي هذه الظروف الملتهبة يخرج الإمام المهدي روحي فداه من المدينة خائفاً يترقب ، على سنة موسى عليه السلامكما تذكر الروايات ، يرافقه أحد أصحابه الذي تسميه الرواية المتقدمة المنصور ، وفي رواية أخرى المنتصر ، ولعل اسم المبيض الذي ورد في الرواية المتقدمة تصحيف المنتصر .
وذكرت رواية أخرى أنه يخرج من المدينة بتراث رسول الله’وفيه سيفه، ودرعه ، ورايته ، وعمامته ، وبردته .
ولم أجد في مصادرنا الشيعية تحديداً لوقت خروجه عليه السلاممن المدينة إلى مكة ، ولكن المنطقي أن يكون ذلك بعد النداء السماوي في رمضان أي في موسم الحج . وأذكر أني رأيت في رواية أن دخول جيش السفياني إلى المدينة يكون في شهر رمضان .
وفي رواية المفضل بن عمرو الطويلة عن الإمام الصادق عليه السلامقال: (والله يا مفضل كأني أنظر إليه دخل مكة ، وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعل رسول الله’ المخصوفة ، وفي يده هراوته ، يسوق بين يديه أعنزاً عجافاً حتى يصل بها نحو البيت . ليس ثَمَّ أحد يعرفه) . (بشارة الإسلام ص 267 ) .
ومع ضعف سند هذه الرواية ، إلا أن استنفار أجهزة الأعداء في البحث عنه عليه السلام، وكونه في غيبة واختفاء يشبه الغيبة الصغرى واختفاءها ، يجعل هذه الرواية وأمثالها أمراً معقولاً .
ومن الطبيعي أن يكون موسم الحج في سنة الظهور حيوياً ساخناً !
فما تذكره الأحاديث الشريفة عن وضع الصراع العالمي ، وأوضاع البلاد الإسلامية ، وتوتر الوضع في الحجاز ، وإعلان حالة الطوارئ فيه بدخول جيش السفياني.. كلها تجعل موسم الحج على الحكام عبئاً مخيفاً ، فلا بد أنهم سيخفضون عدد الحجاج إلى أقل عدد ممكن ، ويحشدون في مكة والمدينة ، من القوات والأجهزة الأمنية ، كل ما يستطيعون !
ولكن ذلك لايمنع الشعوب الإسلامية أن تركز أنظارها على مكة المقدسة ، تنتظر ظهور المهدي عليه السلاممنها ، فيتحمس مئات الألوف ، وربما الملايين من المسلمين لأن يحجوا في ذلك العام ، ويتمكن عدد كبير منهم أن يصل إلى مكة رغم العقبات التي تضعها أمامهم دولهم ودولة الحجاز .
وسيكون السؤال المحبب بين الحجاج: ماذا سمعت عن أمر المهدي؟ ولكنه يكون سؤالاً خطيراً أيضاً يطرحه الحجاج بينهم سراً ، ويتناقلون آخر الأخبار والشائعات حوله همساً ، وآخر إجراءات حكومة الحجاز وجيش السفياني !
إن الرواية التالية تصور حالة المسلمين في العالم ، وحالة الحجاج ، في انشغالهم بأمر المهدي عليه السلاموبحثهم عنه .
ففي مخطوطة ابن حماد/95 قال: ( حدثنا أبو عمر ، عن ابن أبي لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين ، عن محمد بن ثابت ، عن أبيه ، عن الحارث بن عبدالله، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن ، خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد ، يبايع لكل رجل منهم ثلاثماية وبضعة عشر رجلاً ، حتى يجتمعوا بمكة ، فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم ؟ فيقولون جئنا في طلب هذا الرجل ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن ، ويفتح الله له القسطنطينية ، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته ، فيتفق السبعة على ذلك فيطلبونه بمكة فيقولون له: أنت فلان بن فلان ؟ فيقول: لا ، بل أنا رجل من الأنصار ، حتى يفلت منهم ، فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به ، فيقال هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة ، فيطلبونه بالمدينة ، فيخالفهم إلى مكة ، فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون: أنت فلان بن فلان ، وأمك فلانة بنت فلان ، وفيك آية كذا وكذا ، وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك . فيقول: لست بصاحبكم ، أنا فلان بن فلان الأنصاري ، مروا بنا أدلكم على صاحبكم ، فيفلت منهم فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عن الركن فيقولون: إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك ، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا ، عليهم رجل من حرام ، فيجلس بين الركن والمقام ، فيمد يديه فيبايع له ، ويلقي الله في صدور الناس ، فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل) .
وفي هذه الرواية نقاط ضعف في سندها ومتنها ، من ذلك قضية فتح القسطنطينية التي بقيت لقرون عقدة عسكرية وسياسية أمام المسلمين، ومصدر تهديد لجزء من الدولة الإسلامية ، حتى فتحها السلطان محمد الفاتح قبل نحو500 سنة . وقد روى المسلمون عن النبي’روايات تبشر بفتحها ، تحتاج إلى تحقيق في صحتها وسقمها .
وما يخص موضوعنا منها الروايات التي تذكر أن فتحها يكون على يد المهدي عليه السلام كما في هذه الرواية ، فيحتمل أن يكون ذكر فتحها على يد المهدي عليه السلاممن إضافة بعض الرواة باعتبار أنه عليه السلاميحل مشكلات المسلمين الكبرى ، وقد كانت القسطنطينية من مشكلاتهم الكبرى .
كما يحتمل أن يكون المقصود بالقسطنطينية في أحاديث المهدي عليه السلام، عاصمة الروم التي تكون في زمان ظهوره عليه السلام ، والمعبر عنها في بعض الروايات بالمدينة الرومية الكبيرة ، والتي ورد أنه عليه السلاموأصحابه يحاصرونها ويفتحونها بالتكبير .
ولكن ، مهما يكن أمر هذه الرواية وحتى لو كانت موضوعة ، فهي نص لمؤلف معروف كتبه قبل نحو ألف ومئتي سنة ، فوفاة ابن حماد سنة 227 ، وقد نقله عن تابعين قبله ، فهو يكشف على الأقل عن تصور رواته للحالة السياسية العامة في سنة ظهور المهدي عليه السلام ، وعن انتشار خبره عند المسلمين وتطلعهم إليه وبحثهم عنه .
على أن أكثر مضامينها وردت في روايات أخرى ، أو هي نتيجة منطقية لأحداث نصت عليها روايات أخرى .
ومجئ هؤلاء العلماء السبعة إلى مكة في تلك الظروف يدل على شدة تطلع المسلمين إلى ظهوره عليه السلاممن مكة، وتوافد ممثليهم إليها للبحث عنه، وأخذ كل واحد منهم البيعة من ثلاث مئة وثلاثة عشر من المؤمنين بالمهدي عليه السلامفي بلده ، المستعدين للتضحية معه.. يدل على الموجة الشعبية في المسلمين ، وحماسهم لأن يكونوا أنصاره وأصحابه الموعودين ، على عدة أهل بدر .
وأما ما تذكره الرواية من إفلات المهدي عليه السلاممنهم مرة بعد أخرى ، فلا يخلو من ضعف ، ولعل أصله ما ورد في مصادر الشيعة والسنة من أنه عليه السلام يبايع وهو كاره ، حتى أن أحد كبار أصحاب الإمام الصادق عليه السلام كان في نفسه شئ من هذه البيعة على إكراه ، الواردة في حديث النبي وأهل بيته’حتى فسر له الإمام الصادق عليه السلاممعنى الاكراه بأنه غير الإجبار ، فاطمأن .
هذا عما يتعلق بحال المسلمين وتطلعهم إلى المهدي عليه السلام .
أما عن مجريات عمله عليه السلامفي مكة ومبايعة أصحابه له ، فتدل الروايات على أنها تكون بنحو آخر ، يختلف عما ورد في هذه الرواية .