الإيرانيون ودورهم في عصر الظهور 1
  • عنوان المقال: الإيرانيون ودورهم في عصر الظهور 1
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 0:36:58 2-9-1403

  قبل الثورة الإسلامية في إيران كانت إيران تعني في أذهان الغربيين قاعدة حيوية في وسط العالم الإسلامي ، وعلى حدود روسيا .
   وكانت تعني في أذهان المسلمين بلداً إسلامياً عريقاً يتسلط عليه (شاه) موال للغرب وإسرائيل ، يسخر بلده لخدمتهم .
   وكانت تعني للشيعي مثلي مضافاً إلى ذلك بلدا فيه مشهد الإمام الرضا  عليه السلام ، وحوزة قم العلمية ذات تاريخ عريق في التشيع والعلماء ومؤلفاتهم.
   وكنا عندما نمر بالأحاديث التي تمدح الفرس وقوم سلمان أو نتذاكرها نقول لبعضنا: إنها مثل الأحاديث التي تمدح أهل اليمن ، أو بني خزاعة ، أو تذمهم ، وإن كل الأحاديث التي تمدح أو تذم أقواماً أو بلداناً أو قبائل ، فهي محل نظر . وإن صحت فهي أحاديث عن التاريخ تخص حالة هذه الشعوب في صدر الإسلام وقرونه الأولى .
   كانت هذه هي النظرة السائدة بين المثقفين منا ، وأن الأمة اليوم كلها تعيش حالة جاهلية وتخضع لسيطرة الكفر العالمي ووكلائه ، ولا أحد من شعوبها أفضل من أحد ، بل قد يكون الإيرانيون أسوأ حالاً من غيرهم لأنهم أصحاب حضارة كافرة عريقة ، وأمجاد قومية يعمل الغرب والشاه على بعثها فيهم ، وتربيتهم على الإعتزاز بها والتعصب لها .
  حتى إذا فاجأت المسلمين في العالم أحداث ثورة إيرن الإسلامية بانتصارها  فرحت قلوبهم المهمومة فرحاً لم تعرفه منذ قرون ، وضاعف منه أنه نصر غير محتسب ، وعمت أعمال التعبير عن فرحتهم ، كل بلادهم ، وكان منها أحاديث الناس عن فضل العجم والفرس وقوم سلمان ، وكان عنوان مجلة المعرفة التونسية (الرسول يختار الفرس لقيادة الأمة الإسلامية ) واحداً من مئات العناوين في منشورات مغرب العالم الإسلامي ومشرقه ، التي تعني أننا استعدنا ذاكرتنا عن الإيرانيين ، واكتشفنا أن أحاديث النبي’عنهم لم تكن تاريخاً فقط ، بل مستقبلاً أيضاً .
   ورجعنا إلى مصادر الحديث والتفسير نتتبع أخبار الإيرانيين ونتفحصها فإذا بها تخص المستقبل كالماضي ، وإذا بها في مصادر السنة أكثر منها في مصادر الشيعة .
   ماذا نصنع إذا كانت أحاديث المهدي المنتظر عليه السلام والتمهيد لدولته فيها السهم الأوفر للإيرانيين واليمانيين ، الذين ينالون شرف التمهيد لدولته والمشاركة في حركته عليه السلام  ؟ وفيها نصيب للنجباء من مصر ، والأبدال من الشام ، والعصائب من العراق .
  وفيها حظ لمؤمنين متفرقين من أطراف العالم الإسلامي ، يكونون أيضاً من خاصة أصحابه ووزارئه ، أرواحنا فداه وفداهم .
   وهذه بعض الأحاديث الواردة في الإيرانيين بشكل عام:

أحاديث المصادر السنية في مدح الإيرانيين

   من الأمور الملفتة كثرة الأحاديث النبوية في مدح الفرس في مصادر السنيين ، وقلتها في مصادر الشيعة ! حتى أن الباحث يستطيع أن يؤلف من صحاح السنة ومسانيدهم كتاباً في مناقب الإيرانيين وتفضيلهم على العرب !
   من نوع حديث (الغنم السود والبيض): الذي رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه ذكر أصبهان ص8 ، بعدة طرق ، عن أبي هريرة ، وعن النعمان بن بشير ، وعن مطعم بن جبير ، وعن أبي بكر ، وعن ابن أبي ليلى ، وعن حذيفة عن النبي ’واللفظ لحذيفة: قال رسول الله’: إني رأيت الليلة كأن غنماً سوداً تتبعني ثم أردفها غنم بيض حتى لم أر السود فيها .  فقال أبو بكر: هذه الغنم السود العرب تتبعك ، وهذه الغنم البيض هي العجم تتبعك فتكثر حتى لا ترى العرب فيها . فقال رسول الله’هكذا عبرها الملك) .

   وحديث (فارس عصبتنا أهل البيت): رواه أبو نعيم أيضاً عن ابن عباس قال: قال رسول الله’وذكرت عنده فارس فقال:  فارس عصبتنا أهل البيت) .

   وحديث (لأنا أوثق بهم منكم ): الذي رواه أبو نعيم في المصدر المذكور ص 12 عن أبي هريرة قال: (ذكرت الموالي أو الأعاجم عند رسول الله’فقال: والله لأنا أوثق بهم منكم ، أو من بعضكم )! ( وروى قريباً منه الترمذي:5/382 )

   وحديث مسلم في صحيحه:7/192 ، عن أبي هريرة قال: كنا جلوساً عند النبي (ص) إذا نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ، قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله فلم يراجعه النبي (ص) حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، قال وفينا سلمان الفارسي ، قال فوضع النبي (ص) يده على سلمان ثم قال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء) . انتهى.

   وما رواه أحمد:5/11 عن النبي’أنه قال( يوشك أن يملأ الله تبارك وتعالى أيديكم من العجم ثم يكونون أسداً لايفرون فيقتلون مقاتلتكم ، ولا يأكلون فيأكم). ورواه أبو نعيم في ذكر أصبهان ص13 بعدة طرق عن حذيفة ، وسمرة بن جندب ، وعبد الله بن عمر .
   وما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج:20/284 ، قال: (جاء الأشعث إليه (إلىعلي عليه السلام ) فجعل يتخطى الرقاب حتى قرب منه ، ثم قال له: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك ، يعني العجم ، فركض المنبر برجله حتى قال صعصعة بن صوحان: ما لنا وللأشعث ! ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لايزال يذكر . فقال عليه السلام : من عذيري من هؤلاء الضياطرة ، يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار ، ويهجر قوما للذكر ! أفتأمرني أن أطردهم؟! ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين . أما والدي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً ) . انتهى.

   والذي يتصل بموضوعنا هو دورهم في عصر الظهور وحركة الإمام المهدي عليه السلام .  وقد وردت الأحاديث حولهم بتسعة عناوين: قوم سلمان . أهل المشرق . أهل خراسان . أصحاب الرايات السود . الفرس . أهل قم وأهل الطالقان والمقصود فيها غالباً واحد .

الإيرانيون وبداية التمهيد للمهدي عليه السلام

   تتفق مصادر الحديث الشيعية والسنية حول المهدي عليه السلام على أنه يظهر بعد حركة تمهيدية له ، وعلى أن أصحاب الرايات السود من إيران يمهدون لدولته ويوطئون له سلطانه . وتتفق أيضاً على الشخصيتين الموعودتين من إيران:  الخراساني أو الهاشمي الخراساني ، وصاحبه شعيب بن صالح.. إلى آخر ما ورد من أحاديثهم في مصادر الفريقين .
  ولكن مصادرنا الشيعية تضيف إلى الإيرانيين ممهدين آخرين لدولة المهدي  عليه السلام هم اليمانيون .
   كما توجد في مصادرنا أحاديث تدل على أنه تقوم قبل ظهوره عليه السلام حركة ثائرة ، كالذي ورد في تفسير قوله تعالى: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وأنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وترا لآل محمد’إلا قتلوه) . (الكافي:8/206) وحديث أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق وأهل الغرب ، أتدري لم ذلك ؟ قلت لا . قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل ظهوره) (البحار:52/63) ، وهو يدل على أنه أهل بيته عليه السلام من بني هاشم وأتباعهم تكون لهم حركة قبله .
  وقد نقل صاحب كتاب يوم الخلاص الحديث القائل:(يأتي ولله سيف مخترط) وذكر له خمسة مصادر ولم أجده فيها ، وإنما الموجود ( ومعه سيف مخترط) ‍ ومثله موارد عديدة ذكر لها مصادر ولم نجدها !

   فأحاديث التمهيد إذن ثلاث مجموعات: أحاديث دولة أصحاب الرايات السود المتفق عليها عند الفريقين .
   وأحاديث دولة اليماني الواردة في مصادرنا خاصة ، ويشبهها ما في بعض مصادر السنة عن ظهور يماني بعد المهدي  عليه السلام  .
   والأحاديث الدالة على ظهور ممهدين قبل ظهوره عليه السلام بدون تحديدهم . وسوف ترى أنها بشكل عام تنطبق على الممهدين الإيرانيين واليمانيين .
   وقد حددت الأحاديث الشريفة زمان قيام دولة اليمانيين الممهدين بأنه يكون في سنة ظهور المهدي عليه السلام مقارناً لخروج السفياني المعادي له في بلاد الشام ، أو قريباً منه كما ستعرف .

   أما دولة الممهدين الإيرانيين فتقسم إلى مرحلتين متميزتين :
   المرحلة الأولى ، بداية حركتهم على يد رجل من قم ، ولعل حركته بداية أمر المهدي  عليه السلام حيث ورد أنه ( يكون مبدؤه من قبل المشرق) .
   والمرحلة الثانية ، ظهور الشخصيتين الموعودتين فيهم: الخراساني وقائد قواته الذي تسميه الأحاديث شعيب بن صالح .
  وقد ورد في بعض الروايات أن الخراساني وشعيباً يكونان قبل ظهور المهدي عليه السلام بست سنوات، فعن محمد بن الحنفية قال: (تخرج راية سوداء لبني العباس ، ثم تخرج من خراسان سوداء أخرى قلانسهم سود وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من بني تميم ، يهزمون أصحاب السفياني ، حتى تنزل ببيت المقدس ، توطئ للمهدي سلطانه ، يمد إليه ثلاث ماية من الشام ، يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً ). (مخطوطة ابن حماد ص 84 و74 ).
  لكن توجد في مقابلها روايات صحيحة من مصادرنا تقول إن ظهور الخراساني وشعيب مقارن لظهور اليماني والسفياني . فعن الإمام الصاق عليه السلام قال: (خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد ، في يوم واحد . وليس فيها بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق ) ( البحار:52/210) .
   وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد ، في يوم واحد . نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا . فيكون البأس من كل وجه . ويل لمن ناواهم . وليس في الرايات أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم) ( البحار:52/232)
   وهذه هي المرجحة لقوة سندها ، بل فيها صحيح السند مثل رواية أبي بصير الأخيرة عن الإمام الباقر عليه السلام  .
   ويبدو أن المقصود بأن خروج الثلاثة متتابع كنظام الخرز مع أنه في يوم واحد: أن أحداث خروجهم مترابطة سياسياً . وقد تكون بدايتها في يوم واحد ثم تتابع حركتهم واستحكام أمرهم مثل تتابع الخرز المنظوم .
   ومهما يكن فهذه هي المرحلة الأخيرة من دولتهم .

حديث: أن أمر المهدي عليه السلام يبدأ من إيران

   وهو الحديث الذي ينص على أن بداية حركة المهدي عليه السلام تكون من المشرق ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( يكون مبدؤه من قبل المشرق ، وإذا كان ذلك خرج السفياني) (البحار:52/252 ).
   وبما أن المتفق عليه بن العلماء والمتواتر في الأحاديث أن ظهوره عليه السلام  يكون من مكة المكرمة ، فلا بد أن يكون المقصود أن مبدأ أمره والتمهيد لظهوره يكون من المشرق .
   وتدل الرواية أيضاً على أن هذه البداية تكون قبل خروج السفياني ، وتشير إلى أنه يكون بينها وبين السفياني مدة ليست قصيرة ولا طويلة كثيراً ، لأنها عطفت خروج السفياني عليها بالواو وليس بالفاء أو بثم: (وإذا كان ذلك خرج السفياني) ، بل تشير أيضاً إلى نوع من العلاقة السببية بين بداية التمهيد للمهدي عليه السلام من إيران وبين خروج السفياني ، وقد عرفت في حركة السفياني أنها ردة فعل لمواجهة المد الممهد للمهدي عليه السلام  .

حديث: أتاح الله لأمة محمد’برجل منا أهل البيت

   وهو حديث أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( يا أبا محمد ليس ترى أمة محمد’فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم . فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد’برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ، ويعمل بالهدى ، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه . ثم يأتينا الغليظ القصرة ، ذو الخال والشامتين ، القائد العادل ، الحافظ لما استودع ، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار ظلماً وجوراً). (البحار:52/ 269) .
   وهو حديث ملفت لكنه ناقص مع الأسف ، فقد نقله صاحب البحار + عن كتاب الإقبال لابن طاووس+، وقد قال في الإقبال ص599 إنه رآه في سنة اثنتين وستين وستماية في كتاب الملاحم للبطائني ونقله منه ، لكنه نقله ناقصاً وقال في آخره: (ثم ذكر تمام الحديث). والبطائني من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام وكتابه الملاحم مفقود النسخة ، وقد تكونً في المخطوطات المجهولة في زوايا بلادنا الإسلامية .
   والحديث يدل على أنه يظهر سيد من ذرية أهل البيت^يحكم قبل ظهور المهدي عليه السلام ويمهد لدولته .
   أما بنو فلان في قوله: (ما دام لولد بني فلان ملك) فلا يلزم أن يكونوا بني العباس كما فهمه المرحوم ابن طاووس ، وكذا الأمر في الأحاديث العديدة التي عبر فيها الأئمة^ببني فلان وآل فلان ، فأحياناً يكون المقصود بها بني العباس  وأحياناً يكون مقصودهم العوائل والأسر التي تحكم قبل ظهور المهدي عليه السلام .. مثلاً الأحاديث المتعددة التي تذكر الإختلاف الذي يقع بين بني فلان أو آل فلان من حكام الحجاز ، ثم لايتفق رأيهم على حاكم ويقع الخلاف بين القبائل ثم يظهر المهدي عليه السلام  ، فالمقصود فيها ببني فلان فيها ليس بني العباس، بل العائلة التي تحكم الحجاز عند ظهور المهدي عليه السلام  .
   وكذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان ؟ قلنا بلى أمير المؤمنين . قال: قتل نفس حرام في بلد حرام عن قوم من قريش، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة) (البحار:52/234)
   وغيره من الأحاديث المتعددة التي تذكر اختلاف بني فلان أو هلاك حاكم منهم وأنه يكون بعده خروج السفياني ، أو ظهور المهدي عليه السلام  ، أو بعض علامات وأحداث ظهوره القريبة ، فإنه لا بد من تفسيرها بغير بني العباس ، لأن زوال ملك هؤلاء المعنيين متصل بظهور المهدي عليه السلام .
  بل لا بد من التثبت في الروايات التي ورد فيها ذكر بني العباس صراحة ، فقد تكون صدرت عن الأئمة^بتعبير (بني فلان) و(آل فلان) ورواها الراوي بلفظ بني العباس اعتقاداً منه أنهم المقصودون بقول الأئمة(بني فلان).
  وقد يصح تفسير بني العباس الوارد في أحاديث الظهور بأن المقصود به خطهم المناهض للأئمة^، وليس أشخاصهم وذرياتهم .
  ولكن نادراً ما نحتاج إلى هذا التفسير لأن الغالب في روايات الظهور التعبير ببني فلان وآل فلان .
   وعلى أي حال ، فالمقصود ببني فلان في قوله ( ما دام لولد فلان ملك حتى ينقرض ملكهم ، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت)حكام غير بني العباس يكون زوال ملكهم متصلاً بأحداث ظهور المهدي عليه السلام
   أما عبارة (ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل) ، فهي تتحدث عمن يأتي بعد هذا السيد الموعود ، والمفهوم منها أنه المهدي عليه السلام  الذي هو ذو الخال والشامتين كما ورد في أوصافه ، لكن وصف (الغليظ القصرة) أي البدين القصير لاينطبق على المهدي عليه السلام لأن الروايات تجمع على أنه طويل القامة معتدلها . لذا نرجح وجود سقط في الرواية باستنساخ ابن طاووس&أو غيره من النساخ ، ولايمكن أن نستفيد منها الإتصال بين هذا السيد الموعود وبين ظهور المهدي  عليه السلام  .

أحاديث قم ، والرجل الموعود منها

   ومنها ، حديث قيام رجل من قم وأصحابه ، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (رجل من قم ، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، لا يملون من الحرب ولايجبنون، وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين) (البحار:60/216 طبعة إيران ، وكذا ما بعدها عن قم) .
   ولم تذكر الرواية متى يكون هذا الرجل المبشر به وأصحابه ، ولكن لم يعهد في تاريخ قم وإيران رجل وقومه بهذه الصفات قبل الإمام الخميني وأصحابه . ويحتمل أن تكون الرواية ناقصة وأن يكون فيها ذكر مناسبة قولها على الأقل ، وقد نقلها صاحب البحار عن كتاب تاريخ قم لمؤلفه الحسن بن محمد الحسن القمي الذي ألفه قبل أكثر من ألف سنة ، ولا توجد نسخته الآن مع الأسف .
   قد يقال: نعم لم يعهد في تاريخ قم وإيران ظهور هذا الرجل الموعود وقومه ذوي الصفات العظيمة ، ولكن لادليل على انطباقها على الإمام الخميني وأصحابه  فقد يكون رجلاً آخر وأصحابه يأتون في عصرنا ، أو بعد زمان طويل أو قصير .
   والجواب ، نعم لايوجد في الرواية تحديد لزمان هذا الحدث، لكن مجموع صفاتها ، مضافاً إليها ماورد في الروايات الأخرى عن قم وإيران ترجح احتمال أن يكون المقصود بها الإمام الخميني وأصحابه .

بعض ما جاء في فضل قم

   وقد ورد في قم وفضلها ومستقبلها أحاديث عن أهل البيت^ يظهر منها أن قم مشروع أسسه الأئمة في وسط إيران على يد الإمام الباقر عليه السلام سنة 73 هجرية ، ثم رعوها رعاية خاصة ، وأخبروا بما عندهم من علوم جدهم رسول الله’أنها سيكون لها شأن عظيم في المستقبل  ويكون أهلها أنصار المهدي المنتظر أرواحنا فداه .
   وتنص بعض الأحاديث على أن تسميتها بقم جاءت متناسبة مع اسم المهدي القائم بالحق أرواحنا فداه ، وقيام أهلها ومنطقتها في نصرته .
فعن عفان البصري عن أي عبد الله أي الإمام الصادق عليه السلام قال: (قال لي: أتدري لم سمي قم؟ قلت الله ورسوله أعلم . قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه ويقومون معه ، ويستقيمون عليه وينصرونه) . (البحار ص60) .   
   وقد أعطى الأئمة^لقم مفهوماً أوسع من مدينتها وتوابعها، فاستعملوا اسمها بمعنى خط قم ونهج قم في الولاء لأهل البيت^والقيام مع مهديهم الموعود عليه السلام  .  فقد روى عدة رجال من أهل الري أنهم دخلوا على أبي عبد الله الصادق عليه السلام : (وقالوا: نحن من أهل الري فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم . فقالوا: نحن من أهل الري ، فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم . فقالوا: نحن من أهل الري . فأعاد الكلام ! قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال: إن لله حرماً وهو مكة ، وإن لرسوله حرماً وهو المدينة ، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة ، فمن زارها وجبت له الجنة ( قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم  عليه السلام ). ( البحار:60/ 216 ).
  يعني أن قماً حرم الأئمة من أهل البيت إلى المهدي^ ، وأن أهل الري وغيرها هم من أهل قم لأنهم على خطها ونهجها .
   لذلك لايبعد أن يكون المقصود بأهل قم في الروايات الشريفة ، ونصرتهم للمهدي عليه السلام ، كل أهل إيران الذين هم على خطهم في ولاية أهل البيت^ ، بل يشمل غيرهم من المسلمين أيضاً .
   ومعنى قول الراوي: (وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم‘) أن الإمام الصادق أخبر عن ولادة حفيدته فاطمة بنت موسى بن جعفر قبل ولادة أبيها الكاظم أي قبل سنة128 هجرية ، وأخبر أنها سوف تدفن في قم . ثم تحقق ذلك بعد أكثر من سبعين سنة .
  فقد روى مشايخ قم أنه لما أخرج المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلام  من المدينة إلى مرو سنة مئتين خرجت فاطمة أخته في سنة وإحدى تطلبه، فلما وصلت إلى ساوة مرضت فسألت كم بيني وبين قم ؟ فقالوا: عشرة فراسخ. لما وصل الخبر إلى آل سعد- أي سعد بن مالك الأشعري - اتفقوا وخرجوا إليها أن يطلبوا منها النزول في بلدة قم . فخرج من بينهم موسى بن خزرج فلما وصل إليها أخذ زمام ناقتها وجرها إلى قم ، وأنزلها في داره . فكانت فيها ستة (سبعة) عشر يوماً ثم قضت إلى رحمة الله ورضوانه ، فدفنها موسى بعد التغسيل والتكفين في أرض له وهي التي الآن مدفنها ، وبنى على قبرها سقفاً من البواري، إلى أن بنت زينب بنت الجواد عليه السلام عليها قبة).(البحار:60/ 219).
   ويظهر من الروايات أن فاطمة هذه كانت عابدة مقدسة مباركة شبيهة جدتها فاطمة الزهراء÷، وأنها على صغر سنها كانت لها مكانة جليلة عند أهل البيت^. وعند كبار فقهاء قم ورواتها حيت قصدوها إلى ساوه وخرجوا في استقبالها ، ثم أقاموا على قبرها بناء بسيطاً ، ثم بنوا عليه قبة وجعلوه مزاراً ، وأوصى العديد منهم أن يدفنوا في جوارها . ولعل تسمية الإيرانيين لها (معصومه فاطمة) أو (معصومه قم) بسبب صغر سنها ، وطهارتها من الذنوب ، لأن معصوم بالفارسية بمعنى البرئ ، ويوصف بها الطفل البرئ .

   ويظهر من الحديث التالي عن الإمام الرضا عليه السلام أن إعداد الأئمة^لأهل قم لنصرة المهدي المنتظر أرواحنا فداه كان من أول تأسيسها ، وأن حب القميين للمهدي كان معروفاً عنهم قبل ولادته !
   فعن صفوان بن يحيى قال: (كنت يوما عند أبي الحسن عليه السلام فجرى ذكر أهل قم وميلهم إلى المهدي عليه السلام فترحم عليهم وقال: رضي الله عنهم، ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب ، واحد منها لأهل قم ، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد ، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم) ( البحار:60/ 216 ).
   ونلاحظ أن حب أهل قم للإمام المهدي عليه السلام حافظ على حيويته وحرارته إلى عصرنا ، وهو ظاهر في إيمانهم وعملهم وشعائرهم وتسمياتهم لأبنائهم ومساجدهم ومؤسساتهم بإسم المهدي عليه السلام حتى لايكاد يخلو منه بيت .
   وقد تحدثت روايتان عن الإمام الصادق عليه السلام عن مستقبل قم ودورها قرب ظهور المهدي عليه السلام إلى أن يظهر .(رواهما في البحار:60/213 ).
   تقول الأولى منها: ( إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد ، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد ، واحتج ببلدة قم على سائر البلاد ، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس ، ولم يدع قم وأهله مستضعفاً بل وفقهم وأيدهم . ثم قال: إن الدين وأهله بقم ذليل ، ولولا ذلك لأسرع الناس إليه فخرب قم وبطل أهله ، فلم يكن حجة على سائر البلاد . وإذا كان كذلك لم تستقر السماء والأرض ولم ينظروا طرفة عين . وإن البلايا مدفوعة عن قم وأهله ، وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره ، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها . وإن الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله ، وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين ، وشغله عنه بداهية أو مصيبة أو عدو ، وينسي الله الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله ، كما نسوا ذكر الله) .
   وتقول الثانية: ( ستخلو كوفة من المؤمنين ، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها ، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم ، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال ، وذلك عند قرب ظهور قائمنا ، فيجعل الله قم وأهل قائمين مقام الحجة ، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة ، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب ، فتتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد لم يبلغ إليه الدين والعلم ، ثم يظهر القائم عليه السلام ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد ، لأن الله لا ينتقم من العباد ، إلا بعد إنكارهم حجة ) .
   ويظهر من هذين النصين عدة أمور :
   أولها: أن دور الكوفة في العلم والتشيع لأهل البيت^سيصيبه ضعف قرب ظهور المهدي عليه السلام  ، والكوفة تشمل النجف ، لأن اسمها بالأصل نجف الكوفة ، أو نجفة الكوفة . بل قد يقصد منه الكوفة هنا العراق كما ذكرنا في محله .
   وأن دور قم سيبرز ويستمر ويتعاظم قرب ظهور المهدي عليه السلام  (وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره.. وذلك عند قرب ظهور قائمنا) .

   وثانيها: أن دور قم العقائدي قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيكون لكل العالم حتى غير المسلمين: ( وسيأتي زمان تكون قم وأهلها حجة على الخلائق. حتى لايبقى مستضعف في الدين... حتى لايبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه العلم والدين ) ، ولا يعني ذلك أن العلم والدين يصل من قم وأهلها إلى كل فرد من شعوب العالم ، بل يعني أن صوت الإسلام وطرحه يصل إلى العالم بحيث إذا أراد أحد أن يتعرف على معالم الإسلام لتمكن من ذلك .
   وهذه المعاني المذكورة في النصين الشريفين قد أخذت تتحقق في قم فتصير حجة على الشعوب الإسلامية وشعوب العالم .
  ويدل تعبير: (عند قرب ظهور قائمنا) على عدم الطول المديد بين هذا الموقع الموعود لقم في العالم وبين ظهور المهدي عليه السلام  .