المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين محمد المصطفى وأهل بيته المنتجبين.
الحقائق الكبرى ذات حجج بالغة، وآيات مبصرات بالغة النفاذ. فبمجرد تذكرة العقل بها يستوعبها قلب البشر، ويشهدها وجدانه.ولكن السؤال: كيف - مع ذلك - يرتاب فيها المرتابون، وهي لاريب فيها؛ وكيف يماري فيها المجادلون، وهي بالغة الوضوح؟
الله واسماءه الحسنى، النشور وآياته في النفس والافاق، الرسالة ودلائلها البينات، انها ابرز تلك الحقائق، وهي - في ذات الوقت - محور ريب الكفار، ومدار جدل المرتابين، لماذا؟
السبب؛ إن الشيطان يختلق لمثل هذه الحقائق افكا كبيرا، وجدلا واسعا.ولكي تجري سنة الله في امتحان البشر، فان الله سبحانه لايكره قلب البشر على القبول بالحقائق، ويدع الناس في حرية تامة من امرهم، ممـا يسمح للشيطان بالقاء امانيه، وحبك افكه وتزيين وساوسـه، ثم ينفث في روع اولياءه الفكرة الخبيثة التالية:
لو كانت هذه الحقيقة الكبيرة صحيحة اذا كان الناس كلهم يؤمنون بها، وإذ لم يؤمن بها الجميع فان ذلك لدليل على عدم صحتها.
إن ذلك اخطر وساوس الشيطان، وإذا وعينا سنة الله في فتنة الخلق، وانه تعالى لا يفرض على البشر الهداية، وانما على الإنسان نفسه ان يوفـر في ذاته شروطها، ومن شروطها الاستعداد للتسليم للحق انى كان، والشهـادة عليه بالوفاء بواجباته، وعدم الارتيـاب فيه بعد وضوحه لديه..اقول؛ اذا وعينا هذه السنة الالهية، فان اساس وساوس الشيطان ينهار عليه، ونبقى سالمين من مكره الخبيث.
وحقيقة الامام الغائب لمن تلك الحقائق الكبرى التي بالرغم من توافر الحجة عليها، فان افك الشيطان فيها ايضا افك كبير، وجدله، ووساوسه، ونفثاته، وهمزاته، وبكلمة مكره الثقافي إنما هو بقدر عظمة الحقيقة ومدى اثرها في هداية البشر، وكذلك مدى الخسارة في فقدانها.
بلى.. إن المنظومة الفكرية في عقائد التوحيد إنما تنتظم بالولاية، وهي الحبل المتصل بين سماء القيم وصعيد الواقع، الذي تطبق عليه تلك القيم.فلو انقطع الحبل فان مفردات العقائد تبقى من دون نظام، وفائدتها تكون محدودة. خصوصا في حقل بناء الامة، وحضارتها الالهية.
وللشيطان في تضليل البشر فتنة كبيرة، حيث انه يفرغ الشرائع من محتواها.ويبتدء مسلسل هذه الفتنة بان البشر لاينبغي ان يسلم لبشر مثله، بل يتصل مباشرة برب العزة.وهكذا كانت هذه الشبهة اخطر عقبة في طريق ايمان الناس بالانبياء عليهم السلام.
وإذ ختمت الرسالات بالنبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) كانت الفتنة تتلخص في ان الرسالة هل تمتد من بعده في اشخاص أم تتلاشى مع رحيله والتحاقه بالرفيق الأعلى؟
وقال الموالون لأهل بيت الرسالة ان ذات الطاعة التي كانت لله وللرسول تستمر في اوصياء الرسول، واستشهدوا بآيات وأحاديث، وادلة واضحة.
حتى إذا اكتمل الائمة (عليهم السلام) اثنى عشر بدء الشيطان يشكك في غيبة الامام الثاني عشر، والهدف ان يفرغ الرسالة من محتواها.إذ ان التسليم لشخص ليس بالسهل لقلب البشر، المنطوي على كبر ذاتي منذ ان تحمل الامانة، وكان الإنسان ظلوما جهولا.
والذين يؤمنون بالامامة ويؤمنون باستمرارها، فانهم ليسوا سواءا في مستوى التسليم.فترى البعض ان يقتصر في ايمانه بالامام المنتظر (عليه السـلام) بأدنى قدر حتى لايعارض كبر نفسه في التسليم التام له، وهو بالتالي بشر مثله إلا انه امام مفترض الطاعة.
ومنهم من يجعل إيمانه بالامام منطلقا لسلسلة من الحقائق يؤمن بهـا.فالعقيدة تدخل ضمن وجدانه الثقافي، وسلوكه الحياتي، ورقابته لنفسه، وموقفه من التحديات..وهكذا يستفيد عمليا من هذه العقيدة التي تخالط مخه ودمه وكيانه، فيصبح انسانا ربانيا، إذ يتصل وجدانه بالإنسان الالهي (الامام المنتظر) سلام الله عليه.
ونحن إذ نقدم لك ايها القارئ الكريم هذه الخلاصة في عقيدة الحجة المنتظر (عليه السلام) نأمل ان نساهم في تطوير صلتك به، وتفاعلك مـع العقيدة به، وبالتالي في تعميق ايمانك بالغيب، وارتباطك به ارتباطـا وثيقا.
إن هذا الكتاب مجرد إثارة علمية، وتذكرة قلبية في واحدة من ابرز حقائق العقيدة الالهية، وانما نستطيع ان نستفيد منه إذا كنا مستعدين فعلا تغيير واقعنا وجعله اقرب إلى الغيب، والايمان به، والتواصل معه.
نسأل الله سبحانه ان يجعلنا واياكم من اولئك الذين يلقون السمع، وهم شهداء، انه نعم المجيب.
14/ محرم الحرام / 1417 هـ