علل الغيبة و فلسفتها
  • عنوان المقال: علل الغيبة و فلسفتها
  • الکاتب: محمّد هادى اليوسفى الغروى
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:52:43 1-9-1403

عِللُ الغيبة و فلسفتها

 محمّد هادى اليوسفى الغروى

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»

لا نعرف شيئاً بعد معرفة الله ورسوله وحجّته ووليّه في هذا العصر، أفضل من معرفة العلّة و الحكمة و الفلسفة في غيبته(عج).

لذلك، فإنّي اخترتُ هذا الموضوع من بين المواضيع المقترحة لمؤتمر الإمام الحجّة (ع)، ولذلك راجعت المصادر المعتبرة لأخبار الأئمة الأطهار (ع) حسب تاريخ صدورها وتاريخ تأليف تلك المصادر فكان ماقدّمتهُ في هذا المقال حصيلة لذلك البحث والتنقيب، ولله الحمد.

 

الفصل الاول: الشيخ الكُليني و عِللُ الغيبة

إن الشيخ الكُليني (ره) صنّف الكتاب الكبير المعروف به المسمّى بالكافي في عشرين سنة.

مات ببغداد سنة ثلاثمائة و تسع عشرين، قال ذلك الشيخ النجاشي في رجاله(1) يؤرّخ للعشرين عاماً التي صرفها الشيخ الكليني في تأليفه للكافي منذُمتى؟ إلى متى ويظهر أن ذلك كان بعد الثلاثمائة إلى ماقبل وفاته بعشر سنين.

أي فيما بين الثلاثمائة إلى الثلاثمائة والعشرون للهجرة تقريباً، اي إن ذلك كان بعد بداية الغيبة الصُغرى بأربعين عاماً تقريباً.

وفي كتابه الكافي عقد لصاحب الزمان (عج) ثمانية أبواب في عشرين صفحة، بابان منها في الغيبة ذلك في عشرة صفحات، من دون عنوان: علّة الغيبة. الأول من البابين، باب نادر في حال الغيبة، فيه ثلاثة أخبار ليس فيها شيء عن عِلل الغيبة، وفي الباب الثانى منهما ثلاثون حديثاً.

 

* 1 ـ حكمة المحنة و التمحيص:*

الحديث الثاني في الباب الثاني للغيبة: بسنده عن الإمام الكاظم (ع) قال: إنّه لابدّ لصاحب الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر مَنْ كان يقول به; إنّما هي فتنة من الله عزّوجلّ امتحن بها خلقه.

الثالث فيه: بسنده عن أبيه الإمام الصادق (ع) قال: أما والله ليُغيّبنّ امامكم سنيناً من دهركم (و) لمُتَحَصُنّ حتى يُقال: مات أو هلك بأىّ واد سلك.

و الخبر الخامس فيه، بسنده عنه (ع) ايضاً قال: اِن للقائم غيبة قبل أن يقوم.

اِنّ الله عزّوجلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

ثم عقد لهذا المعنى باباً مستقلاً بعنوان: باب التمحيص والامتحان، ضمّنه ستة أخبار عن الأئمة الأطهار (ع)، آخرها عن منصور الصيقل قال: كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً (نتحدّث عند الإمام الصادق (ع)) و هو يسمع كلامنا، فقال لنا: في أىّ شىء انتم؟ هيهات هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تُغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تمحّصوا، لا والله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تميَّزوا، لا والله لا يكون ما تمدّون اليه اعينكم إلاّ بعد إياس، لا والله لا يكون ما تمدون اليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويُسعد مَنْ يُسعد.

و اختصره في الخبر الثالث: عن منصور الصيقل نفسه قال: قال لي أبو عبدالله الصادق (ع): يا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلاّ بعد إياس، و لا والله حتى تميّزوا، و لا  والله حتى تُمحّصوا، و لا والله حتى يشقى مِنْ يشقى و يُسعد مِنْ يُسعد.

و هذا هو الخبر المرتبط بالموضوع و ما عداه في مطلق التمحيص و الإمتحان، وقد مرّ أن الكليني لم يُعنون شيئاً من ذلك بعلّة الغيبة أو نحوه، وسيأتي من الشيخ الطوسي التنبيه إلى أن ذلك لا يمكن أن يكون علّة للغيبة.

 

* 2 ـ حكمة الخوف على النفس:*

وأربعة من أخبار الباب هي: 5 و 9 و 18 و 29 كُلّها عن زُرارة عن الصادق (ع) لا أحسبها إلاّ خبراً واحداً بثلاثة طرق، اقصرها التاسع و الثامن عشر، و أطول منها التاسع والعشرون، و اكملها الخبر الخامس الذى مرّ صدره وذيله قال فيه زُرارة: سمعت أباعبدالله (ع) يقول: إنّ للقائم غيبةً قبل أن يقوم. قلت: و لِمَ؟

قال: يخاف. و أومأ بيده إلى بطنه.

 

3 ـ علّة أن لا تكون عليه بيعة:*

و في الخبر السابع و العشرين من أخبار باب الغيبة: بسنده عن هشام بن سالم عن الصادق (ع) أيضاً قال: يقوم القائم وليس في عُنقه عهد ولاعقد ولا بيعة.

الفصل الثانى: الشيخ النعمانى و أول كتاب في الغيبة في أوائل عهد الغيبة الصغرى في بلدة النعمانية وُلد لابراهيم بن جعفر ولدٌ سماه محمداً، درس أوائل العلوم على يد ولده ثم رحل في طلب العلم إلى بغداد وفسكنها.

و في اوائل القرن الرابع الهجري هاجر الشيخ الكليني الرازى الى بغداد، و فيها و بعد عشرون عاماً من التصنيف تمّ كتابه (الكافي) و خلال هذه الفترة وازره الشيخ ابوعبدالله محمد بن ابراهيم النعمانى لطلب العلم و الروآية فاختص به و كان يكتب له كتاب كانت يومئذ مدينة حلب و الشام تبعاً لمصر يحكمها الأمير كافور الأخشيدى فاستقلّ بالأمر فى حلب سيف الدولة علي بن عبدالله بن حمدان عام 333 هـ واستولى على الشام و الجزيرة، فتوافد عليه حملة العلم ونوابغ الشعراء فكان ممن و فد عليه الشيخ النعماني من بغداد.

بعد حدود عشرة سنين في أواخر سنة 342 هـ. املى النعمانى على كاتبه محمد بن أبي الحسن الشجاعي كتابه في الغيبة كتب في مقدمة كتابه سبب تأليفه ايّاه فقال: «فإنّا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيّع، المنتمية إلى محمد وآله صلّى الله عليهم ممن يقول بالإمامة.. قد تفرقت كلمتها وتشعبت مذاهبها، و استهانت بفرائض الله عزّوجلّ و خفّت إلى محارم الله تعالى، فطال بعضها غُلّواً، و انخفض بعضها تقصيراً، و شكّوا جميعاًـ إلاّ القليل ـ في امام زمانهم و وليّ أمرهم و حجة ربّهم التي اختارها بعلمه... للمحنة الواقعة بهذه الغيبة.. فلم يزل الشك و الارتياب قادحَين في قلوبهم، كما قال أميرالمؤمنين (ع) في كلامه لكميل بن زياد في صفة طالبي العلم و حملته: «أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة» حتى اتاهم ذلك إلى التيه و الحيرة، و العمى و الضلالة، و لم يبق منهم إلاّ القليل النذر الذين ثبتوا على دين الله و تمسّكوا بحبل الله، و لم يحيدوا عن صراط الله المستقيم، و تحقق فيهم و صف الفرقة الثابتة على الحق التي لا تزعزعها الرياح و لا يضرّها الفتن، و لا يغرّها لمع السراب، و لم تدخل في دين الله بالرجال فتخرج منه بهم..

.. و لعمري ما أتى مَنْ تاه و تحيّر و افتتن و انتقل عن الحق و تعلّق بمذاهب اهل الزخرف و الباطل، إلاّ من قلّة الرواية و العلم و عدم الدراية و الفهم، فإنّهم الأشقياء لم يهتمّوا بطلب يروت، في الحاشية، و قارن: 103.*

العلم و لم يتّعبوا أنفسهم في اقتنائه و روايته من معادنه الصافية، على انهم لو رووا ثم لم يدروا لكانوا بمنزلة مَنْ لم يرووا..

.. و اكثر مَنْ دخل في هذه المذاهب إنّما دخل على أحوال: فمنهم: مَنْ دخله بغير رواية و لا علم، فلما اعترضه يسير الشبهة تاه.

و منهم: مَنْ اراده طلباً للدنيا وحطامها، فلما أماله الغواة و الدنياويون إليها، مال مؤثراً لها على الدين، مغترّاً مع ذلك بزخرف القول غروراً من الشياطين..

.. ومنهم: مَنْ تحلّى بهذا الأمر للرياء و التحسّن بظاهره و طلباً للرئاسة وشهوة لها و شغفاً بها، من غير اعتقاد للحق و لا اخلاص فيه، فسلب الله جماله وغيّر حاله و أعدّ له نكاله.

و منهم: مَنْ دان على ضعف من إيمانه و وهن من نفسه بصحة ما نطق به منه، فلما وقعت هذه المحنة (الغيبة) التي آذننا أولياء الله بها منذ ثلاثمائة سنة تحيّر ووقف..

.. فقصدت القربة إلى الله عزّوجلّ بذكر ماجاء عن الأئمّة الصادقين الطاهرين: من لدن أميرالمؤمنين (ع) إلى آخر مَنْ روى عنه منهم، فى هذه الغيبة التي عمى عن حقيقتها و نورها مَنْ أبعده الله عن العلم بها و الهداية إلى ما أُوتي عنهم (ع) فيها، ما يصحّح لأهل الحق مارووه و دانوا به، و تؤكّد حجّتهم بوقوعها وبصدق ما آذنوا به منها..»

و كأن النعمانىّ رأى أن ما رواه شيخه الكليني في «اُصول الكافي» في زهاء الستين خبراً في عشرة صفحات غير كاف أو غير شاف لغليل هذا الجمع غير القليل عن هذه الشُبهة الكثيرة و غير القليلة بشأن الغيبة، فجمع في أول كتاب مستقل في الغيبة في خمسة و عشرون باباً ماوفقه الله لجمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن الأئمة الصادقين (ع) أجمعين في الغيبة بحسب ماحضره.

* 1 ـ النعمانى و حكمة التمحيص:*

لم يُخصّص النعماني باباً من الخمس و العشرين باباً بعلّة أو حكمة الغيبة، نعم خصّص الباب الحادي عشر منها بعنوان ماروى فيما يلحق الشيعة من التمحيص عند الغيبة، ونوّه إليه في مقدمته بعنوان باب مايلحق الشيعة من التمحيص و الغربلة والتفرقة، وقد قدّم في المقدمة من جملة ما أورده في ذلك الباب حديثين.

ونصّ النعماني على أن التمحيص علّة الغيبة في الباب السابع قال: والغيبة.. للأمر الذي يريده الله والتدبير الذى أمضاه في الخلق بوقوع التمحيص و الإمتحان والبلبلة و الغربلة للتصفية فيمن يدّعى هذا الأمر.

و قال، اِن هذا الامام جُعل كمال الدين به وعلى يديه، وتمحيص الخلق وإمتحانهم وتمييزهم في غيبته لتحصيل الخاص الخالص الصافي منهم بالإقامة على نظام أمره و الإقرار بإمامته، و الديانة لله بانه حق و أنه كائن، و أن أرضه لا تخلو منه و أن غاب شخصه، تصديقاً و إيماناً و إيقاناً بكل ما قاله رسول الله و أمير المؤمنين والأئمة (ع) وبشّروا به من قيامه بعد غيبته بالسيف عند اليأس منه.

و ختم الباب بقوله: غيبة إلامام في هذا الزمان الذى نحن فيه لتمحيص مَنْ يُمَحَّص وهلكة مَنْ يهلك ونجاة مَنْ ينجو بالثبات على الحق ونفيّ الريب و الشك، والايقان بماورد من الأئمة (ع) من أنه: لابدّ من كون هذه الغمة ثم انكشافها عند مشيئة الله لا مشيئة خلقه و اقتراحهم.

جعلنا الله من المؤمنين المتمسّكين بحبله وممن ينجو من فتنة الغيبة التي يهلك فيها مَنْ اختار لنفسه ولم يرض باختيار ربّه واستجعل تدبير الله ولم يصبر كما أمر.

ومن رواياته في ذلك: مارواه عن الإمام الصادق (ع) عن الإمام علي (ع)، قال: وليبعثَنّ الله رجلاً من وُلدي فى آخر الزمان، يُطالب بدمائنا، و ليُغيّبنّ عنهم، تمييزاً لأهل الإمام الصادق (ع) قال: «اِن الله يمتحن قلوب الشيعة»  ثم ما رواه عن الإمام الباقر (ع) وقد مرّ وسيجىء استبعاد الشيخ الطوسي(ره) أن تكون المحنة وحكمة الغيبة. ومثله عن الرضا (ع).

2 ـ النعماني و علّة أن لا تكون عليه بيعة: في الخبر السابع و الأربعين من باب: ماروى في غيبة الإمام المنتظر (عج) روى بسنده عن الكُناسي عن الإمام الباقر (ع) قال: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين (و) لا يقوم القائم ولأحد في عُنقه بيعة».

ثم روى ما رواه الكليني عن هُشام بن سالم عن الصادق قال: «يقوم القائم وليس لأحد في عُنقه عقد ولاعهد ولابيعة».

3 ـ النعماني و علّة الخوف على النفس: و الأخبار الأربعة أو بالأحرى الأسناد الأربعة لخبر زرارة عن أحدهما (ع) التي رواها الكليني في «الكافى» رواها النعماني في غيبته وزاد عليها طريقين آخرين.

ذكر ثلاثة طرق لخبر المفضّل بن عمر عنه (ع) قال: «إذا قام القائم تلا هذه الآية: ( ففررتُ منكم لمّا خِفْتُكُم )،  ثم علّق عليها قال: هذه الأحاديث مصداق قوله: اِنّ فيه سُنّةً من موسى و أنه خائف يترقّب».

4 ـ كراهية التوقيت؟

مرّ أن الشيخ الكليني في «الكافي» عقد ثمانية أبواب لصاحب الزمان (عج) سادسها بعنوان: (باب كراهية التوقيت)، روى فيه خبرين عن الإمام الباقر(ع) و خمسة أخبار عن الإمام الصادق (ع) في نفى التوقيت لظهوره (عج)، و يبقى أنه لماذا عبّر عنه بالكراهية دون الحرمة؟

عسى ولعلّه ورد في بعض الأخبار عنهم (ع) و بالخصوص في خبرين عن الصادق (ع)، ذكرهما النعماني في الباب نفسه وأولهما الخبر 86 عن الكليني ـ وليس في الكافي ـ بسنده عن علي بن أبي حمزة البطائني، عنه (ع) قال: لابدّ لصاحب الأمر من غيبة.. و ما بثلاثين من وحشة.

و الثاني هو الخبر التسعون بسنده عنه(ع) قال: القائم من ولدي يُعمّر عمر الخليل: مائة و عشرين سنة ويظهر في صورة شاب ابن اثنين وثلاثين سنة.

ثم علّق عليهما فقال: إن قولهم الذي يُروى عنهم في الوقت إنّما هو على جهة التسكين للشيعة والتقريب للأمر عليها; اِذ كانوا قد قالوا: إنّا لانوقّت، و مَنْ روى لكم عنّا توقيتاً فلا تصدقوه (بل) ولاتهابوا أن تُكذّبوه ولا تعملوا عليه.

ثم عنون النعمانى باباً بعنوان: ما جاء في المنع عن التوقيت و التسمية لصاحب الأمر (ع)، أورد فيه خمسة عشر خبراً، السبعة الأخيرة منها هى التى أوردها شيخه الكليني في باب كراهية التوقيت من «الكافي».

سادسها: ما رواه بسنده، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين عن ابيهما عن الإمام الكاظم (ع) قال: يا علي، إن الشيعة تُربّى بالأماني منذ مئتيّ سنة.

وكان ابوه يقطين من موالي بني العباس فقال لابنه علي: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟!

فأجابه علىّ ابنه قال: إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أنّ أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، و إن أمرنا لم يحضر فعلِّلنا بالأماني إذ لو قيل لنا، إن هذا الأمر لايكون إلا إلى مئتي سنة أو ثلاثمائة سنة ليئست القلوب وقست، ولرجع عامة الناس عن الإيمان إلى الإسلام، ولكن قالوا: ما اسرعه وما أقربه تألّفاً لقلوب الناس و تقريباً للفرج.

 

الفصل الثالث: الشيخ الصدوق وثاني كتاب في الغيبة

يبدو أن ولادة الشيخ على بن بابويه القميّ ـ نسبه إلى مدينة قم في ايران ـ كان بها حدود سنة 260 هـ أيّ متقارنة بسنة وفاة الامام الحسن العسكري (ع).

روى الشيخ الطوسي في الغيبة بسنده عن مشايخ من أهل قم قالوا: كان ابن بابويه قد تزوّج ابنة عمّه محمد بن موسى بن بابويه فلم يُرزق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح(ره) بأن يسال الحضرة ان يدعوا الله ان يرزقه أولاداً فقهاء.

فجاء الجواب: «إنّك لا تُرزق من هذه، وستملك جارية ديلميّة وترزُق منها ولدين فقيهين».

و كان ذلك في أوائل سفارة الحسين بن روح بعد موت محمد بن عثمان العَمريأي بعد سنة 305 هـ. و عليه فولادة الشيخ الصدوق كان في حدود 307 هـ وفي ما قبل الخمسين من عمر والده.

فلما بلغ اشدّه اربعين سنة طرق صيت فضله الآفاق بما فيها الرّي مدينته فالتمس أهلها منه الهجرة اليهم، فأجاب طلبهم و هاجر اليها.

و انتشرت شهرته حتى بلغت الملك ركن الدين أبا علي الحسن بن بويه الديلمى، فارسل إليه يستدعي حضوره لديه، فحضر عنده، زُهاء عشرة سنين من 342 إلى 352 حيث عزم على السفر إلى خراسان لزيارة مشهد الإمام الرضا (ع) و ذلك في شهر رجب الحرام.

فلما قضى و طره من زيارة الإمام الرضا(ع) رجع إلى نيشابور (فى شهر شعبان) و قام بها، فوجد أكثر المتردّدين عليه من الشيعة «قد حيّرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم (ع) الشبهة» حتى ورد اليه من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة في بلدة قم وهو الشيخ نجم الدين أبو سعيد محمد بن الحسن ابن الصلت القمّي، فبينا هو يحدّثه ذات يوم إِذ ذكر له عن رجل لقيه في بخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيين، ذكر عنه كلاماً في القائم (ع) قد حيّر الشيخ نجم الدين القمّي و شككّه في امره (ع) لطول غيبته وانقطاع أخباره.. و سال الشيخ نجم الدين القمّي من الشيخ الصدوق أن يصنِّف له كتاباً في هذا المعنى، فوعده الشيخ الصدوق باجابة ملتمسه وجمع ما ابتغاه منه عند عودته إلى وطنه ومستقرّه في الرىّ.

(للأخبار) إلى الآراء والمقاييس لذلك فهو قبل تفصيله الفصول برواية أخبار في الغيبة عن النبي والأئمة (ع)، يبدأ بمناقشة الشُبه بالآراء والمقاييس خليطة بالأخبار.

فيقول: إنّ خصومنا قالوا: إِنّه قد مضى على قولكم من عصر وفاة النّبي أحد عشر إماماً، كلّ منهم كان موجوداً معروفاً باسمه وشخصه بين الخاص والعام، فإن لم يوجد صاحب زمانكم كوجود مَن تقدمه من آبائه الأئمة (ع) فقد فسد عليكم أمر مَن تقدم من أئمتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في تعذّر وجوده.

1 ـ الصدوق و علّة الخوف على النفس: قال الصدوق أقول: إنه قد ثبت ان ظهور حُجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل، على سبيل التدبير و الامكان لأهل ذلك الزمان; فان كانت الحال ممكنة لوجود الحجة بين الخاص و العام، كان ظهور الحُجّة كذلك.

و إِن كانت الحال غير ممكنة لوجود الحجة بين الخاص و العام، و كان مما توجب الحكمة و يقتضيه التدبير استتاره، ستره الله و حجبه إلى وقت بلوغ الكتاب اجله، كما قد وجدنا ذلك في حجج الله المتقدّمين من عصر آدم (ع) إلى حين زماننا هذا.

فمنهم المستعلنون و منهم المستغفون، و بذلك نطق الكتاب العزيز، و ذلك قوله تعالى: (و رُسلاً قد قصصناهم عليك و رُسلاً لم نقصصهم عليك ).

ثم روى بسنده عن الامام الصادق (ع) قال لعبد الحميد ابن ابى الديلم: يا عبدالحميد، اِنّ لله رسلاً مستعلنين و رسلاً مستخفين، فاذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين.

ثم قال الصدوق: فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم (ع) وقت ظهور ابراهيم (ع) أوصياء مستعلنين و مستخفين.

فلما كان وقت تكوين ابراهيم (ع) فإمكان ظهور الحجة كان متعذراً في زمانه (و ذلك أن) نمرود كان يقتل أولاد رعيّته و أهل مملكته في طلبه.. و لذلك لسترالله وجوده و أخفى ولادته.. و بعد أن بلغت الغيبة أمدها دلّهم ابراهيم على نفسه و أظهر لهم أمره الذى اراده الله من اثبات حجته و اكمال دينه.

فلما كان وقت وفاة ابراهيم (ع) كان له اوصياء حججاً لله عزّوجل في ارضه يتوارثون الوصيّة كذلك مستعلنين و مستخفين، الى وقت موسى (ع).

و في وقت موسى (ع) كان فرعون يقتل أولاد بنى اسرائيل في طلب موسى (ع) الذى كان قد شاع ذكره و خبر وجوده.

فسترالله ولادته حتى قذفت به اُمه في اليم كما أخبرالله عزوجل في كتابه ثم كان من أمره بعد أن اظهر دعوته و دلّهم على نفسه ما قصّه الله في كتابه كذلك.

و لما كان وقت وفاة موسى (ع) كان له اوصياء حُججاً لله كذلك مستعلنين و مستخفين إلى وقت ظهور عيسى (ع).

و عيسى (ع) ظهر منذ ولادته مُعلناً لدلائله مُظهراً لشخصه شاهراً لبراهينه، غير مُخف لنفسه، لأن زمانه كان زمان امكان ظهور الحجة كذلك.

ثم كان له من بعده أوصياء حججاً لله عزوجل كذلك مستعلنين و مستخفين، إلى وقت ظهور نبيّنا (ص).

و بعد ظهور نبينا (ص) كان مما قيل له على سنن من تقدمه من الرسل.

أن يقيم لنفسه اوصياء كإِقامة من تقدمه لأوصيائهم.

فأقام رسول الله أوصياء كذلك.

و من المعروف المتسالم عليه بين الخاص و العام من أهل هذه الملة: أن الإمام الحسن بن على العسكرى والد الإمام زماننا (ع) كان قد وكّل به طاغية زمانه حتى وفاته، فلما توفى وكّل بحاشيته و أهله، و حُبست جواريه و طُلب مولوده هذا أشدّ الطلب.. فجرت السنة في غيبته بماجرى من سنن غيبته من ذكرنا من الحجج المتقدمين، و ثبت من الحكمة فى غيبته ما ثبت من الحكمة في غيبتهم.

هذا، و قد عنون محقق الكتاب هذا المقطع منه بعنوان: اثبات الغيبة و الحكمة فيها. مقتبساً ذلك من اوّل مقال الصدوق.

اِن الغيبة التى وقعت لصاحب زماننا (ع) قد بان حقّها و فلجت حجتها و لزمت حكمتها من استقامة تدبيرالله و حكمته في حججه المتقدمين عند استعلاء الفراعنة و تظاهر الطواغيت و ائمة الضلال في الأعصار السالفة و القب الخالية، و ما نحن فيه في زماننا هذا من تظاهر أئمة الكفر بمعونة أهل الافك و البهتان و العدوان.

فالشيخ الصدوق هنا يقرّر: ان الحكمة في غيبة الحجة اليوم هو عين ماسبق من الحكمة في استتار حجج الله المتقدمين من المرسلين و الأنبياء و الأوصياء من خوفهم على انفسهم من حيف الفراعنة و الطواغيت والبطشهم بهم و قتلهم قبل اداء أدوارهم.

و لتصديق هذه الحكمة السابقة والثابتة والعامّة لم يستشهد الصدوق بنصّ من أخبارهم (ع) سوى ما مرّ ذكره عن الصادق (ع) في: «أن لله رسلاً مستعلنين و رسلاً مستخفين».

ثم بدأ الجزء الثانى من الكتاب بباب ما روى عن الامام الصادق (ع) من النصّ على القائم (ع) و ذكر غيبته.

و في الخبر الرابع و العشرين روى الخبر السابق عن الامام الصادق (ع) في الخوف على النفس، و بذيل قوله: غير أن الله تبارك و تعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة، و يكرّره في الثالث و الثلاثين بلفظ، لأن الله عزّوجلّ يحبّ أن يمتحن خلقه، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

2 ـ الصدوق و حكمة التمحيص: في الخبر الخامس و الثلاثين روى الخبر السابق عن المفضّل بن عمر عن الامام الصادق (ع) أيضاً في التمحيص و بعده عن عبدالرحمن بن سيابه عنه (ع) أيضاً قال: كيف انتم اذا بقيتم بلا امام هدى، ولاعلم، يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصّون و تُغربلون.

و في الخبر الخمسين عاد على المفضل فروى عنه عن الصادق (ع) ايضاً قال: تمتدّ أيام غيبة القائم ليصرّح الحق عن محضه، و يصفو الايمان من الكدر، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يُخشى عليهم النفاق اِذا أحسّوا بالاستخلاف و التمكين و الأمن المنتشر في عهد القائم (ع).

ثم عقد باباً بعنوان: باب علة الغيبة، و ذكر فيه احد عشر خبراً، سادسها: عن سَدير الصيرفى الكوفى عن الصادق (ع) ايضاً قال: اِن للقائم منا غيبة يطول امدها. فقلت له: يابن رسول الله و لِمَ ذلك؟ قال: لأن الله أبى إلا أن تجرى فيه سنن الأنبياء فى غيباتهم.

و ختم الباب بما أسنده إلى عبدالله بن الفضل الهاشمى أنه سمع الامام الصادق (ع) أيضاً يقول: اِن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: جعلتُ فداك.. فما وجه الحكمة فى غيبته؟ قال: وجه الحكمة فى غيبته هو وجه الحكمة فى غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره.

فهذان حديثان لهذه الحكمة.

و فى مقدمته للكتاب و ذكر سبب تأليفه اياه يروى رؤيا رآها فى نيشابور عند عودته من زيارة مشهد الرضا (ع).

رأى فيها الامام صاحب الزمان(عج) واقفاً بباب الكعبة، فسلّم عليه فرّد عليه السلام ثم قال له: صنّف الآن كتاباً فى الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء (ع) فذكر غيباتهم فى سبعة ابواب فى زهاء ثلاثين صحيفة تقريباً.

و هو لما يقرّر هذه الحكمة السابقة و الثابتة و العامّة لا يعنى ذلك أنه يحصر حكمة الغيبة فيها ولايصدّق غيرها، و انما يعنى أنه قدّمها هنا على ما سواها من الحِكم، و لعل ذلك للرؤيا التى رآها و الإشارة التى تلقّاها منه (ع).

و هذه الحكمة لا تختلف مع حكمة الخوف على النفس دون اداء الدور بل هى هى بالذات تماماً.

و لهذه الحكمة جاء بأربعة أخبار كلها عن زرارة هى فى الحقيقة خبران عن الباقر و الصادق (ع). فعن الباقر(ع) قال: إن للقائم غيبةً قبل أن يقوم. قال زرارة: قلت: و لِمَ؟ قال(ع): يخاف، و أومَأ إلى بطنه.

و فى الآخر، قال: اِن للقائم غيبةً قبل ظهوره. قال زرارة: قلت: و لِمَ؟ قال: يخاف، و أومَأ بيده إلى بطنه، قال زرارة: يعنى القتل.

و فى خبره عن الامام الصادق (ع) قال: يا زرارة، لابدّ للقائم من غيبة. قلت: و لِمَ؟ قال: يخاف على نفسه، و أومأ بيده إلى بطنه.

و فى الآخر عنه (ع) قال: للقائم غيبة قبل قيامه، قلت: و لِمَ؟ قال: يخاف على نفس الذبح.

و هما الخبران السابقان عن الكلينى.

 

3 ـ الصدوق و علّة أن لاتكون عليه بيعة:*

قدّم الشيخ الصدوق قبل الاخبار بهذه الحكمة خمسة اخبار هى فى الحقيقة اربعة اخبار يتّحد الأول منها و الأخير عن أبى بصير عن الامام الصادق (ع) قال: صاحب هذا الأمر يغيب عن هذا الخلق لئلايكون لأحد فى عنقه بيعةً اذا خرج.

الثانى و الثالث عن جميل بن صالح و هشام بن سالم عن الامام الصادق (ع) أيضاً قال: يقوم القائم او يبعث القائم و ليس فى عنقه بيعة لأحد، أو: ليس لأحد فى عنقه بيعة.

و الخبر الأخِر هو السابق عن الكلينى فى «اصول الكافى».

ينفرد خبر آخر عن الحسن بن على بن فضّال عن الامام الرضا (ع) قال: كأنّى بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدى كالنعَم يطلبون الراعى فلا يجدونه، فان امامهم يغيب عنهم. قال: فقلت له، و لِمَ ذاك يابن رسول الله؟ قال: لئلا يكون لأحد فى عنقه بيعة اِذا قام بالسيف.

فهذه الأخبار العشرة العمدة فى باب علة الغيبة قد تشاطرت حكمة الغيبة فى حكمتين: الاولى، الخوف على النفس، و الثانية: ان لا يكون على ذمّته بيعة لأحد، وواضح ان هذه الحكمة الثانية حكمة ثانوية تنزيلية اى على فرض الظهور فانه لاينجو من القتل الا بالبيعة للظالمين.

بفارق أن الخبرين عن الامام الباقر (ع) اقتصرا على حكمة الخوف على النفس وتكررّت فى خبرين آخرين عن الامام الصادق باضافة ثلاثة اخبار اخرى عنه (ع) و آخر عن الامام الرضا (ع) فى حكمة أن لا تكون فى عنقه بيعة.

 

 4 ـ الحكمة التفصيلية مكتومة:*

آخر خبر يختم الشيخ الصدوق به باب علة الغيبة و ينفرد به عن الكلينى ; هو ما تفضل به الصادق (ع) لعبدالله بن الفضل الهاشمى، فاشار فيه إلى ان هاتين الحكمتين المذكورتين انما هى حكم الاجماليّة.

و أما اكثر من ذلك على وجه التفصيل، فان وجه الحكمة فى ذلك لا ينكشف الابعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الله الخضر من خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى (ع) إلى وقت افتراقهما... و متى علمنا أنه عزوّجل حكيم صدّقنا بأنّ افعاله كلها عن حكمة و اِن كان وجهها غير منكشف.

يابن الفضل، اِنّ هذا أمر من أمر الله و ستر من ستر الله و غيب من غيب الله.

 

الفصل الرابع: الشيخ المفيد و علل الغيبة

عقد الشيخ المفيد (413 هـ) فى «الارشاد» باباً بعنوان: ما جاء من النصّ على امامة صاحب الزمان الثانى عشر من الأئمة (ع).

جاء فيه بثلاثة عشر خبراً و ختمه بقوله: هذا طرف يسير بما جاء فى النصوص على الثانى عشر من الأئمة (ع).

ثم قال، و الروايات فى ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة و اثبتوها فى كتبهم المصنّفة.

فممن أثبتها على الشرح و التفصيل: محمد بن ابراهيم المكنىّ ابا عبدالله النعمانى، فى كتابه الذى صنّفه فى الغيبة، فلا حاجة بنااثباتها فى هذا المكان على التفصيل.

ثم لا يشير إلى كتاب الشيخ الصدوق: «كمال الدين و تمام النعمة فى اثبات الغيبة و الرجعة و كشف الحيرة» و ليس إلى أي شىء آخر له فى ذلك، مما قد يدلّ على تقدم كتابه «الارشاد» فى ذلك ثم لا يعقد باباً و لايخصّ فصلاً من «الارشاد» فى علة أو حكمة الغيبة.

فى سنة 373 هـ. اى قبل وفاته بأربعين عاماً، جمع عيون و محاسن مناظراته و أخرج الكتاب و نشره، و لكنه فُقدو لم يبق بايدينا الا «الفصول المختارة» منه باختيار تلميذه السيدالشريف المرتضى علم الهدى (ره) و فيه فصلان بمناظرتين حول الغيبة.

الاولى فى ثمان صفحات، و الثانية فى ثلاث صفحات، يتركّز الكلام فيهما بالعمدة حول حكمة الخوف على النفس.

كتب بعد ذلك رسالة «الفصول العشرة فى الغيبة» قال فى مقدمتها: بعد الذى سطّرته فى هذه الأبواب، و شرحت معانيه على وجه السؤال والجواب، وشواهد الحق فيه بحجة العقل و السنة و الكتاب، تجدّدت رغبة ـ ممن اوجب له حقاً و اعظم له محلاً و قدراً ـ فى اثبات نكت من فصول خطرت بباله.. يختص القول

فيها بامامة صاحب الزمان (عليه و على آبائه افضل السلام) و مواضيه الشبهات فيها والفصل الرابع منها: ما الداعى إلى ستر ولادته و السبب فى إخفاء أمره و غيبته؟

و أجاب على الشبهة فى صفحة و نصفها ركّز فيها البحث فى حكمة الخوف على النفس.

 

الفصل الخامس: السيد المرتضى وعلل الغيبة

السيد الشريف المرتضى علم الهدى (م 436 هـ) إلى جانب اختياره فصولاً من كتاب «العيون والمحاسن» لشيخه الشيخ المفيد (ره) قبل ان يردّ على القاضي عبدالجبّار المعتزلي اشكالاته ونقوضه على الإمامة عموماً و إمامة الحُجّة (عج) خصوصاً.

كتب كتاباً خاصاً به لكلام في العقائد أسماه «الذخيرة» أورد فيه: فان قال قائل: اذا جاز أن يغيب الامام بحيث لايصل اليه أحد حتى اذا أمن الخوف ظهر، فاى فرق بين ذلك وبين أن يعدمه الله حتى اذا أمن عليه أحياه أو أوجده؟!

نقله تلميذه الطوسي في «تلخيص الشافي» فذكر جوابه بالفاظه في صفحتين والسؤال و الجواب مبنيّان على علّة الخوف على النفس كما سبق، وقبلها عدّة أسئلة وأجوبة حول الموضوع تطول فى خمسة عشرة صفحة من: 90الى 105 هى أيضاً تُركّز على علّة الخوف على النفس كذلك، تتكرر هذه الأسئلة والأجوبة وغيرها في آخر الجزء الرابع بعدد الصفحات نفسها من 211 إلى 222 والتركيز كماسبق.

 

الفصل السادس: الشيخ الطوسى و علل الغيبة

و الشيخ الطوسي هو أبوجعفر محمد بن الحسن بن على الخراسانى المتوفّى سنة (460 هـ) حيث كان عمده أنذال 47 عاماً لخصّ كتاب «الشافي في الامامة» لشيخه السيد المرتضى علم الهدى و ذكر فيه الأسئلة و الاشكالات حول حكمه الغيبة وعن «الذخيرة» للمرتضى، و جاء بأجوبتها كمامرّ.

فى سنه 447(2) استملاه شيخ جليل أن يكتب كتاباً فى غيبة صاحب الزمان و سبب غيبته، و العلّة التي لأجلها طالت غيبته وامتدّ استتاره مع شدة الحاجة اليه.. و كثرة الفساد في الأرض و ظهوره في البرّ والبحر ووقوع الهرج و المرج وانتشار الحيل.. و لِمَ لَم يظهر؟ وما المانع منه؟ وما المحوج اليه (الى غيبته والجواب عن كل ما يُسأل فى ذلك من شُبه المخالفين ومطاعن المعاندين).

فأجاب إلى ما سأله و «تكلّم بجُمل يزول معها الريب، وتنحسم بها الشُبة» و قال: «ولا اُطوّل الكلام فيه (في الكتاب) فيُمَلّ، فان كتبي في الامامة، وكتب شيوخنا (المفيد والمرتضى) مبسوطة في هذا المعنى في غاية الاستقصاء، واتكلّم على كلّ ما يُسأل في هذا الباب من الأسئلة المختلفة، واُردف ذلك بطرق من الأخبار الدالة على صحّة مانذكره ليكون ذلك تاكيداً لما نذكره..»

 

1 ـ الحكمة الاجمالية:

بدأ الشيخ الطوسى الكتاب بعنوان: فصل في الكلام في الغيبة، فى أواخر مناقشته للواقفة بعد اثبات امامة الحجّة قال: «واذا ثبتت امامته ثم وجدناه غائباً عن الأبصار علمنا انه لم يغب ـ مع عصمته و تَعيُّن فرض الامامة فيه وعليه ـ إلاّلسبب سوّغ له ذلك، وضرورة ألجأته اليه، و اِن لم نعلم ذلك على وجه التفصيل».

فانّا نعلم أنه (ع) لم يستتر الاّ لأمر حِكمى سوّغ له ذلك و ان لم نعلمه مفصّلاً.

ساق هنا ما جاء به في كتابه: تلخيص الشافي في الامامة مما ركّز فيه البحث عن خوف الامام على نفسه من الظالمين اياه ومنعهم اياه من التصرّف

 

2ـ الطوسى و علة الخوف على النفس:

ثم عقد الفصل الخامس بعنوان، فى ذكر العلّة المانعة لصاحب الأمر (ع) من الظهور. بدأه بقوله: لا علّة تمنع من ظهوره الاّ خوفه على نفسه من القتل وقد ورد بهذه الجملة التي ذكرناها أيضا أخبار تعضد ما قلناه، نذكر طرقاً منها ثم أخرج زهاء عشرين خبراً عنهم (ع).

بدأها بالخبر السابق عن زرارة (عن أحدهما) قال: للقائم غيبة قبل ظهوره.

فقلت: و لِمَ؟ قال: يخاف القتل و عاد في الخبر السادس عليه عن الامام الصادق (ع) قال: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم قلت: و لِمَ؟ قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه.

3 ـ الطوسي وحكمة الامتحان الالهي: و في هذا الخبر الأخير عن زرارة عن الامام الصادق (ع) قال: «... غير أن الله تعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة...». هذا وقد قال الطوسي: لاعلّة تمنع من ظهوره الاّ خوفه على نفسه من القتل. و لذا علّق على هذه الجملة من الخبر بقوله: وأما ما روى من الأخبار من: امتحان الشيعة في حال الغيبة وصعوبة الأمر و عليهم اختبارهم بالصبر عليها فالوجه فيها: الأخبار عمّا يتّفق من ذلك من الصعوبة والمشاق، لان الله تعالى غيّب الامام ليكون ذلك، وكيف يريد الله ذلك وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين هو ظلم منهم لهم ومعصية والله لايريد ذلك. بل سبب الغيبة: هو الخوف على ما قلناه، و انما أخبروا بما يتّفق في هذه الحال، و عمّا للمؤمن الصابرين من الثواب على ذلك، ليتمسّك بدينه و هنا اذكر طرقاً من الأخبار الواردة في هذا المعنى. ثم ذكر اثنى عشر خبراً، اولها خبر محمد بن منصور الصيقل عن الامام الصادق (ع) الذي مرّ عن الكليني والنعماني الصدوق (ره)، ثم ما رواه النعماني عن ابن أبي نصر البزنطي عن الرضا (ع)، ثم مارواه الكليني والنعماني والصدوق عن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم (ع)، ثم مارواه هؤلاء المشايخ الثلاثة عن المفضّل بن عمر الجُعفي عن الصادق (ع).

و ما عداها فهو في مطلق الامتحان و التمحيص أو الخاص بعهدالغيبة بدون تعليل، وهو ما اراده الشيخ الطوسى (ره).

 

المصادر

ـ أصول الكافي، للشيخ الكليني، طهران.

ـ تلخيص الشافي، للشيخ الطوسي، ط النجف الأشرف.

ـ الذخيرة في الكلام، للسيد المرتضى، ط جماعة المدرسين.

ـ رجال النجاشى.

ـ رسالة الفصول العشرة فى الغيبة، للشيخ المفيد، ط النجف الأشرف.

ـ الشافي للسيد المرتضى.

ـ عيون أخبار الرضا(ع).

ـ الغيبة، للشيخ النعماني، ط بيروت.

ـ الغيبة، للشيخ الطوسي، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.

ـ الفصول المختارة، من العيون والمحاسن، للشيخ المفيد و السيد المرتضى، ط المؤتمر الألفي للشيخ المفيد، قم.

ـ كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق، ط طهران.

الهوامش:

(1) رجال النجاشي: 377، رقم 1027.