ولادة الإمام الحجة عليه السلام
الشيخ ابراهيم النصيراوي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
في هذه الليلة العظيمة، ليلة النصف من شهر شعبان المبارك، أشرق نور إمامنا ومنقذنا وسيدنا الثاني عشر الإمام المهدي المنتظر.
* كما تحدثنا مصادر التأريخ أن حكيمة عمّة الإمام الحسن العسكري عليه السلام دخلت في هذا اليوم على الإمام الحسن العسكري عليه السلام ولما أرادت أن تخرج قال لها الإمام العسكري: يا حكيمة ابقي عندنا هذه الليلة فإن نرجس ستلد مولوداً مباركاً.*
وأخذت تحدثه حكيمة ويحدثها وبقيت عنده هذه الليلة. فتقول رضوان الله عليها: لما صار وقت السحر من هذه الليلة العظيمة _ يعني قبيل الفجر _ وإذا بنرجس تنتبه وهي تشكو من أوجاع وآلام الولادة، ثم تولت أمرها حكيمة، وإذا بها تضع حجة الله الإمام المهدي المنتظر، فتشرق الأرض بأنواره صلوات الله وسلامه عليه.(1)
وهنا نشير إلى عدّة نقاط حول هذه المناسبة:
عظمة المولد:
ورد في الدعاء الذي يرويه الشيخ الطوسي عبارة رفيعة المستوى، وكل مضامين الدعاء رفيعة المستوى، إلا أن هذا المقطع ورد في ضمن سياقه: (جلّ مولده)(2) هذه العبارة، أيها الشباب أيها الأخوة أيها المثقفون، لنغتنم الفرصة، لنتعرف على حياة إمامنا وسيدنا الحاضر بيننا. هذه العبارة تقول: (جلّ مولده)، ومن جلالة المولد نعرف جلالة الوليد.
* لنعرف إمامنا وسيدنا، أي لنقترب إلى معرفته. إن المعرفة الحقيقية لا نستطيع أن نصل إليها، ولكن الإمام الصادق عليه السلام عنده حديث يقول:"إن الليلة التي يولد فيها القائم عجل الله فرجه لا يولد فيها مولود إلا ويكون مؤمناً)، فقيل له: يا ابن رسول الله يولد في دار الكفر _ يولد مولود عند المسيح مولود عند اليهود، أو عند الصابئة _ فيقول الإمام: وإن ولد في أرض الشرك ينقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام عجل الله فرجه.(3) *
هذه الرواية عظيمة، لأنها تعطينا معرفة بعظمة الإمام، بشخصية الإمام، ببركة ولادة الإمام.
إن كل مولود في هذه الليلة يكون مؤمناً، أي أن الله سبحانه وتعالى يجعل فيه قابلية الإيمان أو مقتضي الإيمان، حتى إذا ولد في دار الشرك ينقل إلى دار الإيمان، ينقل إلى الأيمان والإسلام ببركة الإمام عجل الله فرجه. هذا أولاً.
ولذا في الدعاء نقرأ: جلّ مولده، عظم مولده، كبر مولده.
بقيّة الله:
* يأتي رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام فيقول له: يا ابن رسول الله: أنسلّم على المهدي بإمرة المؤمنين، يعني نسلم على إمامنا صاحب الزمان ونقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين؟ فيقول الإمام: هذا اسم سمي به جدّي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وما سمي به أحد إلا كافر.*
* قالوا له: إذاً كيف نسلم على إمامنا صاحب الزمان؟ فقال الصادق عليه السلام: قولوا: السلام عليك يا بقية الله، وقرأ لهم الآية (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم)(4) *
يعني عندما نسلم الآن على إمامنا صاحب الزمان، ماذا نقول؟ نقول: السلام عليك يا بقية الله.
ما معنى بقية الله؟ بقية الله يعني أنّ الإمام المنتظر البقية الباقية من الأنبياء، البقية من آدم، البقية من إبراهيم الخليل، البقية من عيسى بن مريم، البقية من نوح، البقية من يعقوب، البقية من محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. الإمام المهدي وارث علم الأنبياء، الإمام المهدي إذا ظهر يعيد أمجاد الأنبياء، المهدي المنتظر إذا ظهر يتحقق على يديه مالم يتحقق على يد الأنبياء.
هذا معنى بقية الله في الأرض، وهي ليس كلمة تطلق جزافاً وإنّما ذات محتوى ذات معنى.
الإمام الصادق يريد أن يشدنا بهذا المعنى، يريد أن يشدنا بهذا الإمام المنقذ المصلح. السلام عليك يا بقية الله في أرضه.
إذن النقطة الأولى عظمة المولد، النقطة الثانية هي كون الإمام بقية الله.
إشراق الأرض:
إن هذه الأرض لها يوم تشرق، لا بالشمس، ولا بالقمر، قد يقول قائل: كيف؟
القرآن يجيبنا (وَأَشْرَقَتِ الأَْرْضُ بِنُورِ رَبِّها) الشمس تشرق، النهار مشرق يومياً، الدنيا مشرقة بالنهار بالشمس، وفي الليل بالقمر. يأتي يوم الدنيا تشرق لا بالشمس ولا بالقمر.
* أقرأ لك هذه الرواية: روى المفضل بن عمر أنه سمع الإمام الصادق عليه السلام يقول من الآية (وَأَشْرَقَتِ الأَْرْضُ بِنُورِ رَبِّها)(5) لاحظ كيف يبين الإمام لنا معنى هذه الآية.*
يقول: (رب الأرض إمام الأرض)، ربّ الدار إمام الدار، رب المجد إمام المجد، رب الأسرة إمام الأسرة، يعني تقتدي الأسرة بصاحب الأسرة، رب الأرض إمام الأرض.
يقول المفضل: «قلت: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويستضيئون بنور الإمام».(6)
لذا ورد أن الناس كمعادن الذهب والفضة، هذا الجسم جسم الإمام يشرق كما تشرق الشمس. ولا غرابة في ذلك. فإن الإمام إذا ظهر يشرق إلى الدنيا كما تشرق الشمس نهاراً، وكما يشرق القمر ليلاً.
* إذاً الإمام الصادق عليه السلام يفسر هذه الآية بأن الأرض ستشرق بنور المهدي الموعود عجل الله فرجه.*
الإمام حجّة الله:
وهي النقطة الرابعة والأخيرة، وأرجو بها من الأخوة أن يعيروني انتباههم لخمس دقائق.
الإمام المهدي حجة الله في هذه الأرض، لمن؟ حجة الله على أهل الأرض فقط؟! الجواب لا، حجة الله على أهل السماء فقط؟! الجواب لا، الإمام المهدي حجة الله على أهل الأرض وعلى من في السماء، وعلى من مضى وعلى من يأتي. لاحظ
الإمام ما أكبره، ما أعظمه. هذه الدنيا الآن تهتز بشراً بمولد الإمام. ليس اعتباطاً فهذا المولود عظيم.
اقرأ لكم: السلام عليك يا حجة الله التي لا تخفى، السلام عليك يا حجة الله على من في الأرض والسماء _ لاحظ إذاً الإمام حجة على أهل الأرض، وحجة على أهل السماء، على الملائكة _ أشهد أنك الحجة على من مضى، وعلى من بقى، على
الأمم الماضية، المهدي حجة على الأمم الباقية الموجودة، المهدي حجة على الأمم التي ستأتي.
إذاً ما أعظم المهدي عجل الله فرجه، الإمام الذي يبشر به أنبياء الله، الإمام الذي يبشر به نبينا المصطفى في روايات عديدة، فيضع كنيته، يحدد اسمه، في روايات السنة والشيعة، وإن تلاعبوا فيها في الفترة الأخيرة، فحذفوا ما حذفوا.. لماذا؟ لأن المهدي يهدد كيان الظالمين، لأن المهدي يهدد كيان الغاصبين، لأن المهدي يهدد فراعنة الأرض، حكام الجور الظالمين المستخفين بأحكام الله، المستخفين بحرمات الله، المستخفين بالقرآن وبسنة النبي، وبطريق أهل البيت عليهم السلام الطريق المستقيم.
هؤلاء لما يظهر المهدي يهدم بيوتهم يهدم عروشهم. ولذا الدنيا تخشى من ظهور صاحب العصر والزمان.
لا يدب اليأس في مجالسنا ولا تتسرب إلينا روح اليأس، أيها الإخوة مع أن الانتظار يطول إلا أن اليأس يُذهب الأجر والثواب، الإنسان إذا يئس فذلك يعني أنه يئس من رحمة الله. ظهور المهدي رحمة، واليأس منها يأس من رحمة الله.
ولا تيأسوا من روح الله مهما طالت المدة.
الإمام لا نعلم متى يظهر، ولكن الله يريد أن يمحصنا، الله يريد أن يمتحننا امتحاناً يميز فيه الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والحق من الباطل.
حتى إذا ظهر الإمام المهدي يصبح الجنود واضحين، معسكر الإمام واضحاً ومعسكر الشرك واضحاً ومعسكر الباطل واضحاً.
* فالإمام الحسين عليه السلام من خروجه من مكة المكرمة إلى كربلاء طيلة الطريق يختبر أصحابه، حتى بقيت منهم هذه المجموعة القليلة، سبعون مقاتلاً أو مئة مقاتل، على اختلاف الروايات.*
إمام معصوم مفترض الطاعة يعيش في المدينة، لم يكن بينه وبين النبي فصل. أي أمة كانت حينما ظهر الإمام الحسين، حينما خرج الإمام الحسين، حينما جاء ليقاتل يزيد الرجل الفاسق، المعلوم فسقه وفجوره. أين كانت الأمة لماذا سبعون نفراً أو مائة نفر؟ أين الناس؟! الإمام أراد أن يختبرهم، أراد أن يميز الصادق من الكاذب، أراد أن يميز من يقول بصدق: يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً، وفعلاً لم يبق معه ولم يكن صادقاً معه إلا هذه القلة، ومن كان مضطراً لعدم الخروج، وكذلك هذه الغيبة.
أيها الأعزاء، الإمام المهدي معنا يحضر مجالسنا، يحضر احتفالاتنا، يشاركنا في الأفراح والأحزان. أعمالنا تعرض عليه، إن كانت خيراً يفرح، وإن كانت شراً يتألم، يتقطع قلبه حزناً، يتقطع قلبه ألماً حينما يرى أعمالنا سيئة، ويفرح حينما يرى أعمالنا حسنة.
ما هو المطلوب منا في ختام كلمتي؟ المطلوب منا أن نتآزر مع الإمام، أن نقوّي ارتباطنا مع الإمام، أن لا ننسى الإمام، أن لا تنسينا هذه الدنيا إمام زماننا الذي سيظهر حتماً _ كما هو لسان الروايات _ «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر فيه رجل من ولدي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».(7)
اللهم عجل فرجه واجعلنا من أنصاره وأعوانه واللائذين تحت لوائه، والمستميتين على يديه، وعلى طريقه.
* اللهم بحقه عليك، بعظمة هذه الليلة العظيمة، هذه الليلة الجليلة، هذه الليلة التي ورد أنها بعد ليلة القدر في الفضل، هذه الليلة التي فيها زيارة الحسين عليه السلام ومن أراد أن يصافحه مائة وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر الحسين عليه السلام فقيل للإمام: ليس كلنا يقدر على ذلك، نحن بعيدون عن الحسين عليه السلام بعيدون عن كربلاء كيف نزور الإمام الحسين عليه السلام في هذه الليلة؟ يقول الإمام: اصعد على مرتفع اصعد السطح ثم التفت يمنة ويسرة وقل: السلام عليك يا أبا عبد الله، فقد أديت الزيارة وحظيت بالفضل العظيم والشرف الرفيع.(8) *
هذه الليلة بعد ليلة القدر، ليلة القدر للنبي وليلة النصف من شعبان للأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام .
اللهم ببركتها، اللهم بعظمتها، اللهم فرج عنا وعن جميع المؤمنين والمؤمنات.
* والسلام عليكم ورحمة بركاته *
الهوامش:
(1) راجع كتاب كمال الدين للصدوق ص 425.
(2) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص 842.
(3) البحار للمجلسي ج 51: 28، إثبات الهداة ج 3: 581.
(4) اليقين لابن طاووس، ص: 27.
(5) الزمر، الآية: 69.
(6) راجع البحار للمجلسي ج 7: 326.
(7) راجع سنن أبي داود ج 2: 309، سنن الترمزي ج 3: 343، مستدرك الحاكم ج 4: 442 و...
(8) إقبال الأعمال لابن طاووس ج 1: 464، منتهى المطلب ج 2: 892، وسائل الشيعة (ط: الاسلامية) ج 10: 367.