المهدىّ عليه السلام فى الكتاب و السنّة موجزاً
  • عنوان المقال: المهدىّ عليه السلام فى الكتاب و السنّة موجزاً
  • الکاتب: محمد هادى معرفت
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 14:49:11 3-9-1403

المهدىّ عليه السلام فى الكتاب و السنّة موجزاً

 

محمد هادى معرفت

المقدمة

ولعلّ من ضرورة المذهب الاسلامى الحنيف، و التى وردت فى الكتاب العزيز فى عدّة آيات، و جاءت فى السنة الشريفة فى متواتر الروايات، هى: مسألة «المهدىّ الموعود»(عج) و بذلك اتفقت كلمة الأمّة على مختلف المذاهب و الآراء فى الاعتقاد بظهور المهدىّ(عج) من آل محمّد (ص) فى آخر الزمان، ليملأ الارض قسطاً و عداً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً.

الأمر الذى يبدو ضروريّاً فى عامة معتقدات أهل الملّة، لم يشذّ منها إلاّ مكابر أو معاند.

والمصنَّفات و التآليف فى اثبات ظهوره (عج) وانه من ولد فاطمة(س) كثيرة و متنوّعة، جادت بها قرائح ارباب القلم النزيه من علماء الفريقين.

المهدىّ فى القرآن

جلّ ما ورد بشأن المهدىّ (عج) فى القرآن الكريم، هى من دلالة باطن الآية الذى هو تأويلها دون تنزيلها.

قال رسول الله (ص): «ما فى القرآن آية إلاّ و لها ظهر و بطن»

سُئل الإمام ابوجعفر محمد بن على الباقر (ع) عن ذلك، فقال: «ظهرُها تنزيلها و بطنها تأويلها».

والبطن و التأويل، عبارة عن المفهوم العام المنتزع عن الآية، بعد إلغاء الخصوصيّات المكتنفة، لتصبح الآية صالحة للإنطباق على موارد مشابهة لمورد النزول، على مرّ الأيّام. الأمر الذى ضمن للقرآن بقاءه و شموله مع الخلود.

نعم ان للقرآن دلالة بحسب ظاهره، مما يرتبط و شأن نزول الآية. و دلالة اخرى عامة صالحة للانطباق على الموارد المشابهة حسبما يأتى من زمان. و بذلك أصبح القرآن حيّاً مع الأبد، و كان شفاء للناس و دواءً لأدوائهم فى مختلف الازمان و العصور.

 

* * *

فمن الآيات التى ورد تأويلا بشأن المهدى ـ (عج) ـ قوله تعالى: (و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمَّة و نجعلهم الوارثين و نمكّن لهم فى الأرض)

هذه الآية نزلت بشأن قصّة فرعون و موسى و بنى اسرائيل.

ولكنّها عامة، إنها سنة الله جرت فى الخلق، أنّ الله تعالى سوف يأخذ بيد المستضعفين ليرفعهم على المستكبرين، و يورثهم ارضهم و ديارهم.

ففى حديث مفضَّل بن عُمَر، قال: سمعت ابا عبدالله (ع) يقول: انّ رسول الله (ص)نظر الى علىّ و الحسن و الحسين (ع) فبكى، و قال: أنتم المستضعفون بعدى.

 قال المفضَّل: قلت: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدى ، انّ الله عزّوجلّ يقول: (و نريد ان نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين)قال (ع): فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة.

وفى نهج البلاغة: «لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها.

و تلا عقيب ذلك: (و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين)

الشماس: مصدر شمس الفرس، اذا منع من ظهره.

والضروس: الناقة السيّئة الخلق تعضّ حالبها، عطفا على ولدها.

 قال ابن ابى الحديد: و الأمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب الذى يملك الارض فى آخر الزمان. و اصحابنا يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض و يستولى على الممالك، و لا يلزم ان يكون موجوداً. بل يكفى فى صحة هذا الكلام أنه يخلق فى آخر الوقت.

قلت، فقد اتفقت الكلمة بأن فى الآية وعداً بإمام يملك الارض و يستولى على البلاد، قبل ان تقوم الساعة. إنما الإختلاف فى أنه موجود الآن أم سوف يولد لوقته. لكنه من ولد على (ع) على أىّ حال.

 

* * *

 

وفى سورة الأنبياء (21: 105):

(ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادى الصالحون)

والمراد من الزبور: زبور داود، جاء فى سورة النساء (4: 163) و الإسراء (17: 55): (و آتينا داود زبوراً).

وهو: كتاب المزامير، الوارد ضمن كتاب العهد القديم. جاء فيه: «كُفّ عن الغضب و اترك السُّخط، و لا تَفَرْ لفعل الشّر، لان عاملى الشرّ يُقطعون».

«و الذين ينتظرون الربّ هم يرثون الأرض».

«اما الوُدَعاء فيرثون الأرض و يتلذّذون فى كثرة السلامة».

«لان المباركين منه يرثون الارض، و الملعونين منه يُقطعون».

*  «الصدّيقون يرثون الأرض و يسكنونها الى الأبد».

و هكذا جاء فى سورة النور (24: 55):

(وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكّننّ لهم دينهم الذى ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى لا يشركون بى شيئاً) وهذا الوعد بالتمكين فى الأرض بصورة مستوعبة و مستمرة مع الأبد، لم يتحقق للامّة المسلمة فى اى وقت، سوى أنه وعد حتم يتحقق بظهور المهدى المنتظر(عج).

 

* * *

وجاء بشأن عيسى بن مريم و رجوعه الى الدنيا فى آخر الزمان و اتباعه للامام المهدى(عج) قوله تعالى: (و لما ضُرِب ابن مريم مثلاً اذا قومُكَ منه يصدّون. و قالوا ءَآلهتنا خير أم هو ما ضربُوه لك إلاّ جَدلاً بل هم قوم خَصِمون.

إن هو إلاّ عبد أنعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبنى اسرائيل) ـ الى قوله : (و إنّه لعِلْمٌ للسّاعة، فلا تمترُنّ بها و اتّبعونِ هذا صراط مستقيم) قال ابن حجر الهيثمى: قال مقاتل بن سليمان و من تبعه من المفسّرين: انّ هذه الآية نزلت فى المهدى (عج).

قال: و ستأتى الأحاديث المصرّحة بأنه من اهل بيت النبوى. ففى الآية دلالة على البركة فى نسل فاطمة و على (ع) و ان الله ليخرج منهما كثيراً طيّباً، و ان يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة و معادن الرحمة. و سرّ ذلك انه (ص) اعاذها و ذرّيتها من الشيطان الرجيم، و دعا لعلى بمثل ذلك...

قال رسول الله (ص): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم و امامكم منكم» قوله تعالى: (و انه لَعِلْمٌ للساعة...) اى من علائم الساعة، حيث نزوله فى آخرالزمان.

 

*  *

المهدىّ فى الحديث

جاء فى مسند الامام احمد بن حنبل (ج 1، ص 376) بالاسناد الى الصحابى الكبير عبدالله بن مسعود عن رسول الله (ص) قال: «لا تقوم الساعة حتى يلى رجل من اهل بيتى، يواطئ إسمه إسمى».

وهكذا رواه ابو داود فى السنن (كتاب المهدى، ج 4، ص 106) برقم (4282).

والترمذى فى جامعه (ج 4، ص 505) برقم (2231).

وروى ابوداود فى السنن (ج 4، ص 106) عن امّ المؤمنين امّ سلمة، قالت:  قال رسول الله (ص): «المهدىّ من عترتى من ولد فاطمة».

و روى ابن ماجه فى سننه (ج 2، ص 519):  قال رسول الله (ص): «المهدى منّا اهل البيت».

وقال: «المهدى من ولد فاطمة».

وهكذا روى الحاكم فى المستدرك (ج 4، ص 557) و قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. و حديث «من اهل بيتى» صحيح على شرط الشيخين. قال: و روى: «رجل من عترتى» ص 558.

واخرج ابو نعيم الأصبهانى ـ فى صفة المهدى(عج) ـ باسناده الى حذيفة بن اليمان، قال: خطبنا رسول الله (ص) بما هو كائن، ثم قال، «لو لم يبق من الدنيا الايوم واحد لطوّل الله ـ عزوجل ـ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدى اسمه اسمى. فقام سلمان الفارسى، فقال: يا رسول الله، من اى ولدك؟ قال: هو من وَلَدى هذا، و ضرب بيده على الحسين (ع)».

 

* * *

روى الصدوق ـ فى عيون اخبار الرضا ـ بإسناده الى التميمى عن الإمام على بن موسى الرضا (ع) عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): «لا تقوم السّاعة حتى يقوم القائم الحق منّا، و ذلك حين يأذن الله ـ عزّوجل ـ له.. و من تبعه نجا، و من تخلّف عنه هلك.. أللهَ اللهَ عبادَ الله، فأتوه و لو على الثلج، فانه خليفة الله عزوجل و خليفتى».

وايضاً بنفس الإسناد عن الرضا عن آبائه عن على (ع) قال: قال رسول الله (ص): «لاتذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمتى رجل من ولد الحسين، يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً»

وروى فى الإكمال باسناده الى هشام بن سالم عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) عن آبائه (ع) عن رسول الله (ص) قال: «القائم من ولدى اسمه اسمى، و كنيته كنيتى، و شمائله شمائلى، و سنته سنتى، يقيم الناس على ملّتى و شريعتى، و يدعوهم الى كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ. من أطاعه أطاعنى، و من عصاه عصانى، و من أنكره فى غيبته فقد أنكرنى، و من كذّبه فقد كذّبنى، و من صدّقه فقد صدّقنى».

* المهدى(عج) هو الإمام الثانى عشر*

 قد ورد متواتراً عن النبى (ص):«انّ الأئمة اثنا عشر على عدد نقباء بنى اسرائيل كلهم من قريش».

فقد أخرج الترمذى فى جامعه (ج 4، ص 501) و ابوداود فى سننه (ج 4 ، ص 106) عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (ص):«لا يزال هذا الدين قائماً ـ او عزيزاً ـ حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش»

وفى صحيح البخارى ـ كتاب الاحكام ـ (ج 9، ص 101)، باسناده الى جابر بن سَمُرَة قال: سمعت النبى (ص) يقول: «يكون اثنا عشر اميراً... فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبى: انه قال، كلهم من قريش».

وفى صحيح مسلم ـ كتاب الامارة ـ (ج 6، ص 3) باسناده الى جابر بن سمرة، قال: دخلت مع ابى على النبى (ص) فسمعته يقول: «إنّ هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة. ثم تكلم بكلام خَفِى عَلىَّ، فقلت لابى، ما قال؟ قال: قال: كلهم من قريش».

وهكذا رواه احمد فى سنده (ج 5، ص 90 و 92) و (ص 89)، و (ص 94) و (ص 99 و 108) و الترمذى فى صحيحه (ج 2، ص 35) و فى الصواعق المحرقة لابن حجر، (ص 113).

وفى المستدرك على الصحيحين (ج 4، ص 501) باسناده الى مسروق بن الأجدع قال: كنا جلوساً ليلة عند عبدالله بن مسعود يقرئنا القرآن، فسأله رجل، فقال: يا اباعبد الرحمن، هل سألتم رسول الله (ص) كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟

فقال عبدالله: ما سألنى عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك. قال: سألناه فقال (ص): اثناعشر، عدّة نقباء بنى اسرائيل.

ورواه احمد فى المسند (ج 1، ص 389 و 406) و مثله المتقى الهندى فى كنز العمال (ج 3، ص 205).

 

* * *

ثم، من هؤلاء الأئمة الاثنا عشر، الذين هم خلفاء الرسول مَن بعده؟     

وللاجابة على هذا السؤال، نجد حديثاً رواه ابو نعيم فى حليته، يوضّح انهم من عترته: روى باسناده الى ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): «من سرّه ان يحيى حياتى، و يموت مماتى، و يسكن جنّة عدن غرسها ربى، فليوال عليّاً من بعدى وليوال وليّه، و ليقتد بالأئمّة من بعدى، فإنّهم عترتى، خلقوا من طينتى،

رزقوا فهماً و علماً، و ويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتى، القاطعين فيهم صلتى، لا أنا لهم الله شفاعتى» قال ابونعيم ـ تعقيباً على ذلك ـ : «فالمحققون بموالاة العترة الطيّبة، هم الذبل الشفاه، المفترشو الجباه، الأذلاّء فى نفوسهم الفُناة، المفارقون لمؤثرى الدنيا من الطغاة، هم الذين خلعوا الراحات، و زهدوا فى لذيد الشهوات، انواع الأطعمه و الوان الأشربه، فدرجوا على منهاج المرسلين و الأولياء من الصّديقين، و رفضوا الزائل الفانى، ورغبوا فى الزائد الباقى، فى جوار المنعم المفضال، و مولى الأيادى و النوال».

وروى باسناده الى مجاهد قال: «شيعة علىّ الحُلَماء العُلَماء الذبل الشفاه الأخيار الذين يعرفون بالرهبانية من اثر العبادة».

وعن على بن الحسين (ع) قال: «شيعتنا الزبل الشفاه، و الإمام منا من دعا الى طاعة الله».

 

* * *

واذا كانت الأئمة من بعده (ص) من عترته، فهم الأئمة من ولد فاطمة الذين اعترفت الأمة بامامتهم، و علمهم و فضلهم.

اولهم بعد الامام اميرالمؤمنين (ع) الامام الحسن ثم الامام الحسين، ثم على بن الحسين، ثم محمد بن على الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم على بن موسى الرضا، ثم محمد بن على الجواد، ثم على بن محمد الهادى ثم الحسن بن على العسكرى. و آخرهم. و هو الامام المنتظر، هو المهدى القائم (عج). و التعبير بالعترة، تغليب، حيث احد عشر منهم من ذرية رسول الله (ص) و كلهم من ولد على (ع) فكان هو اولهم و آخرهم المهدى المنتظر (عج).

 

* * *

ولا سبيل الى معرفة الأئمة الاثنى عشر، الذين نوّه عنهم الرسول الاعظم، سوى الأئمة الذين انتسبت اليهم الأمامية الإثنا عشرية.

فلا تزال هذه العقيدة (الاعتقاد بالائمة الاثنى عشر) هى العقيدة الثابتة، المعتمدة على نصّ الرسول الكريم (ص).

ولولا أنّ المهدى هو الامام الثانى عشر، لم يكن للأحاديث المأثورة بهذا الشأن مفهوم معقول.

فالعقيدة التى رسمتها الشيعة الاثنا عشرية ـ نظراً لوجود المهدى(عج) و بقائه طول الغيبة ـ هى العقيدة المنطبقة على صحيح الروايات المأثورة عن الرسول الاكرم (ص).

 

* * *

وهكذا ذكر الامام محيى الدين ابن العربى نسب الامام المهدى(عج) و انه ابن الامام الحسن العسكرى و ذكر آباءه الى على و فاطمة واحداً بعد واحد.

قال الشيخ العارف عبدالوهاب الشعرانى: «انّ المهدى(عج) من اولاد الامام الحسن العسكرى (ع)، و مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مأتين ـ و هو باق الى ان يجتمع بعيسى بن مريم (ع)فيكون عمره الى وقتنا هذا ـ (و هو سنة 958)، 706 سنين».

قال: هكذا اخبرنى الشيخ حسن العراقى المدفون فوق كدم الريش المطلّ على بِركة الرطل بمصر المحروسة على الامام المهدى(عج)، حين اجتمع به. و وافقه على ذلك شيخنا سيدى على الخواص ـ رحمهما الله تعالى.

قال: و عبارة الشيخ محيى الدين: «و اعلموا انه لابدّ من خروج المهدى(ع) لكن لايخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً و ظلماً، فيملؤها قسطاً و عدلاً، و لو لم يكن من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلى ذلك لخليفة، و هو من عترة رسول الله (ص) من ولد فاطمة، جدّه الحسين بن على بن ابى طالب، و والده الحسن العسكرى ابن الامام على النقى ابن الامام محمد التقى ابن الامام على الرضا ابن الامام موسى الكاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين على ابن الامام الحسين ابن الامام على بن ابى طالب (ع).

يواطئ اسمه اسم رسول الله (ص) يبايعه المسلمون بين الركن و المقام يشبه رسول الله (ص) فى الخَلْق و ينزل عنه فى الخُلق. ثم يذكر او صافه و عدله بين الناس»

هذا. و لكن يد الخيانة حرفت من نصّ الفتوحات هنا فشوهت الكلام أردأ تشويه. راجع.

 

* * *

والمتلخص من هذه الاحاديث: أن الأئمة الذين يحكمون الأمة بإمامتهم العادله، سواء أكانوا ظاهرين ام مستورين، اثنا عشر إماماً من ولد على و فاطمة، هم عترة رسول الله (ص).

واذ قد عرفنا احد عشر منهم، باعيانهم و اشخاصهم كانوا بين اظهر المسلمين، سادة علماء يأتم بهم المسلمون عبر حياتهم المجيدة. و قد تواصلت حياتهم لمدة قرنين و نصفاً.

اذن بقى علينا ان نعرف الامام الثانى عشر، الذى هو آخر الائمة الاثنى عشر.

وليس سوى المهدى المنتظر(عج)، و لابدّ أن تستمر إمامته منذ فارق الإمام الحادى عشر الحياة، و هو سنة (260 هـ) الى ما بقى من الزمان.

«اذ لا تخلو الأرض من حجّة».

وقد صرّح النبى الكريم، بان الائمة اثنا عشر، فلابد من طول امامة الامام الثانى عشر. و قد قال (ص): «بنا فتح الله دينه و بنايختم».

اخرج ابونعيم و غيره من الحفاظ باسنادهم الى الامام اميرالمؤمنين (ع) قال: قلت يا رسول الله (ص)، أمنّا المهدىّ أم من غيرنا؟

فقال (ص): «بل منّا، يختم الله به الدين، كما فتحه بنا»

وقد ولد (عج): عام 255، و هو حى لايزال فى ستار الغيب.

فقد تحصّل من مقدمات ثلاث: الاولى: أنّ الأئمة من عترة النبى (ص) اثنا عشر اماماً.

الثانية: أنّ امامتهم متواصلة، حسب ظاهر التعبير.

الثالثة: أنّ البدء بالنبى (ص) و الختم بالمهدى(عج) .

تحصّل من هذه المقدمات الثلاث، انه لابدّ من وجود الامام الثانى عشر حين وفاة الامام الحادى عشر، و لابدّ من بقائه و استمرار وجوده عبر الزمان، لئلا تبقى الأرض بلاحجة.

إذن فوجوده(عج) فى هذا الزمان، و بقاؤه مع طول العهد مما دلّت عليه الاثار النبويّة، و اقتضته ضرورة الدين.

ولادة المهدى(عج) و مبدأ إمامته

ولد المهدى الحجة من الحسن العسكرى بسامراء ـ العراق ـ ليلة الجمعة، الخامس عشر من شهر شعبان المعظم سنة ماتين و خمسة و خمسين من الهجرة. و هو حىّ لا يزال. فكان عمره الشريف لحد الآن (وهو سنة 1421 هـ .ق) قد بلغ الفاً و مائة و اثنين و تسعين عاماً.

أما إمامته فكانت بعد وفاة ابيه عام 260 هـ حيث بلغ عمره الشريف خمس سنين.

 

* * *

وللامام محيى الدين ابن العربى، بشأن ولادة المهدى(عج)، كلام غريب:  قال: «و للولاية المحمديّة المخصوصة بهذا الشرع المنزل على محمد (ص) ختم خاص... و قد ولد فى زماننا و رأيته ايضاً و اجتمعت به، و رايت العلامة الختميّة التى فيه، فلا ولىّ بعده الاّ و هو راجع اليه، كما لا نبىّ بعد محمد (ص) الا و هو راجع اليه».

قال: «و أما ختم الولاية المحمديّة فهى لرجل من العرب من أكرمها أصلاً و يداً، و هو فى زماننا اليوم موجود عرّفت به سنة خمس و تسعين و خمسمأة. و رأيت العلامة التى له، قد اخفاها الحقّ فيه عن عيون عباده و كشفها لى بمدينه «فاس» حتى رأيت خاتم الولاية منه، و هو خاتم النبوّة المطلقة لا يسلمها كثير من الناس».

*ابن العربى يرى عصمة المهدى(عج)*

يقول : المهدى حجة الله على اهل زمانه، و هى درجة الأنبياء، التى تقع بها المشاركة، قال تعالى: (قل هذه سبيلى ادعوا الى الله على بصيرة انا و من اتبعنى)(3) اخبر بذلك عن نبيّه (ص).

فالمهدى ممّن اتبعه، و هو (ص) لا يُخطئ فى دعائه، فمتّبعه لا يُخطئ، فانه يقفو اثره، كما قال (ص): يقفو اثرى لا يُخطئ. و هذه هى العصمة فى الدعاء الى الله.

قال: المهدى رحمة، كما كان رسول الله (ص) رحمة. قال تعالى: (و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين). ـ

قال: و انه (ص) ما نصّ على امام من أئمة الدين يكون بعده و يقفو اثره لا يخطئ، إلاّ المهدى خاصّة، فقد شهد بعصمته فى احكامه، كما شهد الدليل العقلى بعصمة رسول الله (ص) فيما يبلّغه عن ربّه.

 

* * *

وروى الصدوق فى اكمال الدين باسناده الى جابر عن الامام ابى جعفر الباقر (ع) قال: «إنّ العلم بكتاب الله ـ عزوجل ـ و سنة نبيّه (ص) ينبت فى قلب مهديّنا كما ينبت الزرع عن احسن نباته، فمن بقى منكم حتى يلقاه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا اهل بيت الرحمة و النبوّة و معدن العلم و موضع الرسالة».

 

* * *

هنا سؤالان، اعترض بهما المخالفون

السؤال الاول: كيف يستطيع الانسان أن يُعمَّر فى هذا الطول من العمر؟

السؤال الثانى: كيف تصّح الامامة الصّبى و هو طفل لم يبلغ اشدّه؟

أما طول العمر: فهو امر ممكن الوقوع، حسبما جاء فى القرآن الكريم بشأن نوح (ع) و فى الناس من المعمَّرين كثير.

قال تعالى: (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً فاخذهم الطوفان و هم ظالمون) وقد عاش بعد ذلك سنين طويلة.

وكان بامكان الإنسان اذا كان عاشاً بعيداً عن ضوضاء البلاد، مجتنباً غوغاءها، ان يعمّر مآت من السنين قويّاً سليماً عن الأمراض و الأدواء الموجبة لقصر العمر. فان النوع الانسانى اذا لم يحمل هموماً و لم تعتوره الأمراض المختلفة و لم تنهك قواه الأطعمة التى لا يقدر على هضمها، فكان من المعقول ان يعيش طويلاً.

وعند العلماء بالطب و الأحوال الإحتماعية أنّ الإنسان قواه محدودة، و الحياة العريضة نستنفدها بسرعة، بخلاف الحياة الساذجة و لا سيما البدائية البسيطة، فانها تكون طويلة، لقلة ما يستنفد من قوى الأجسام بتلك الحياة.

يقول الأطباء: سبب تعجيل الموت فى الانسان العائش وسط الاجتماعات المتحضّرة، هو عروض امراض طارئة مفاجئة، و لا سيّما الباطنة، و لا يحسّ بها الانسان الابعد فترة طويلة، اوجبت رسوخ المرض و رسوب جذوره بما لم يدع مجالاً للعلاج.

ومن ثم فلو عاش انسان فى مراقبة تامة عن احواله و المواظبة على طوارئ الجسد و لا سيّما الداخلية ـ الامر الذى عجزت عنه الوقاية العامة ـ لامكنه ان يعيش مآت من السنين.

وان ظاهرة الإحراق و التعويض، فى خلايا جسد الانسان، لتومنّ عليه امكان تداوم حياته قوياً منيعاً احقاباً من الزمان، لولا عروض طوارئ و هجوم الأمراض التى يجلب الانسان على نفسه على اثر سوء تصرّفه فى الحياة.

أمّا النابهون، المنعمون بعناية الله، و الذين حرستهم رعايته الكريمة، فبامكانهم التعيش الى آماد طويلة.

 * * *

وهذا يونس النبى (ع) جاء بشأنه: (فالتقمُه الحوت و هو مُليم. فلولا انه كان من المُسبّحين. للَبِثَ فى بطنه الى يوم يبعثون. فنبذناه بالعراء و هو سقيم. و انبتنا عليه شجرة من يَقطين. وارسلناه الى مائة الف او يزويدن. فآمنوا فمتعناهم الى حين)

 * * *

وهكذا ورد بشأن عيسى المسيح (ع):  (وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه ولكن شُبّه لهم و انّ الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن و ما قتلوه يقيناً. بل رفعه الله اليه و كان الله عزيزاً حكيماً. وان من اهل الكتاب الا ليؤمننّ به قبل موته و يوم القيامة يكون عليهم شهيداً)

قوله: (ليؤمنَنَّ به قبل موته). يدل على انه لم يمت موته الطبيعى. و انما يموت بعد نزوله من السماء عند ظهور المهدى الموعود (عج).

وعن النبى (ص): «ان عيسى بن مريم لم يمت و انه راجع اليكم قبل يوم القيامة».

قال الطبرسى: و قد صحّ عن النبى (ص) انه قال: «كيف انتم اذا نزل ابن مريم فيكم و امامكم منكم ـ يعنى المهدى(عج) ـ»

قال، رواه النجارى و مسلم فى الصحيح.

* * *

وأمّا الإمامة قبل بلوغ الأشدّ. فلا غرو بعد وقوع مثله فى انبياء عظام: متمثلا بقولة الشاعر ـ متّبعاً غوايته ـ :  ما آن للسرداب ان يلد الذى كلمتموه بجهلكم ما آنا      فعلى عقولكم العفاءُ فإنّكم ثلثتم الضقاء و الغيلانا

(الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 100)

قال تعالى بشأن يحيى (ع): (يا يحيى خذ الكتاب بقوّة و آتيناه الحكم صبيّاً) وقال بشأن عيسى بن مريم (ع):  (فاشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيّاً. قال انى عبدالله آتانى الكتاب و جعلنى نبيّاً. و جعلنى مباركاً اينما كنت و اوصانى بالصلاة و الزكاة ما دمت حيّاً)

(ختامُه مسك و فى ذلك فليتنافس المتنافسون)

هنا نكتة دقيقة لابدّ من التنبّه لها: هى ضرورة وجود الحجة فى الأرض ليكون إماماً للناس و اسوة فى كافّة شؤونهم. «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليّة».

او«من مات و لا إمام له مات ميتة جاهليّة». او «من مات و ليس عليه طاعة امام فميتته ميتة جاهلية». و امثالها من تعابير، صحت عن رسول الله (ص).

فيجب على مسلم صالح أن يعتقد بطاعة امام زمانه اماماً معصوماً من الخطأ والخطل، كما كان رسول الله معصوماً. لانه اسوة، و لا ينبغى للأسوة أن يخطأ او يزلّ.

وهذا ما ذهب اليه الإمامية فى معتقدهم بضرورة وجود الامام المنتظر(عج).

ونكتة أدقّ: هى ضرورة وجود واسطة الفيض، و إلاّ لساخت الارض بأهلها. انهم (ع) ابواب رحمته تعالى و منابع بركاته الى الخلايق.

(يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و ابتغوا اليه الوسيلة)

(اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربّهم الوسيلة)

روى الصدوق باسناده الى سليمان بن جعفر قال: سألت الرضا (ع) فقلت: تخلو الارض من حجة؟ فقال:«لو خلت الارض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها».

وعن الامام ابى جعفر الباقر(ع):«لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت باهلها، و لعذبهم الله بأشد عذابه. ان الله تبارك و تعالى جعلنا حجة فى أرضه، و أماناً فى الأرض لاهلها، لن يزالوا فى أمان من ان تسيخ بهم الارض مادمنا بين أظهرهم».

اذن فكما أنهم (ع) وسائط رحمته تعالى فى إفاضة شريعة الحق، كذلك هم وسائط بركات السماء و الأرض.

وهذا باب عريض لا يدخله الا ذو حظّ عظيم.

هذا، و الحمدلله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله الطيّبين.

المصادر

ـ القرآن الكريم.

ـ نهج البلاغة.

ـ بحارالانوار للمجلسى.

ـ تفسير العياشى.

ـ حلية الاولياء لابى نعيم الاصبهانى.

ـ ذخائر العقبى للفيروز آبادى.

ـ سنن البيهقى.

ـ شرح نهج البلاغه لابن أبى الحديد.

ـ صحيح البخارى.

ـ صحيح مسلم.

ـ الصواعق المحرّقة لابن حجر.

ـ عقد الدرر فى أخبار المنتظر، المقدس الشافعى.

ـ علل الشرايع.

ـ عيون الاخبار.

ـ الغدير للامينى.

ـ الفتوحات المكيّة لابن العربى.

ـ فضائل الخمسة.

ـ قصص الانبياء، عبدالوهاب النجار.