القولُ المُختصَر في علاماتِ المهديِّ المُنتظَر
تأليف: أحمد بن حَجَر الهيتمي ( ت 974 هـ ).
تحقيق: الشيخ عبدالكريم العقيلي.
نشر: مؤسّسة بضعة المصطفى صلّى الله عليه وآله لإحياء تراث أهل البيت عليهم السّلام ـ قمّ المقدّسة، إيران.
سنة الطبع: 1419 هـ.
إشارة
الكتاب.. واحدٌ الأدلّة الوافرة على أنّ العقيدة المهدويّة هي من مسلَّمات عقائد الإسلام الحقّة التي لا يختلف عليها مسلمان، ولا ينكرُها إلاّ شاذّ مُنكِرٌ لضرورةٍ من ضرورات الدين الحنيف، تلك الضرورة التي نادت بها الأديان على لسان أنبيائها ورسلها، وفي صحائف كتبها.
وابن حجر الهيتميّ شهاب الدين أحمد بن محمّد بن علي الأنصاريّ، المولود سنة 909 هـ في إقليم الغربيّة بمصر، هو أحد أبرز علماء السنّة المشهورين، وصاحب كتاب ( الصواعق المحرقة )، وقد عُرِف بتعصّبه فضلاً عن مهاجمته لعقائد الشيعة وملاحاته وتحريفاته لمقاصد أشهر الأحاديث النبويّة الشريفة في الإمامة.
ومع ذلك كلّه، وقف أمام حقيقة المهديّ المنتظَر صلوات الله عليه موقفَ المسلِّم المُقرّ المذعن، ولم يكتفِ بذلك، بل دوّن كتاباً معبِّراً رغم اختصاره، ضمّه إلى عشرات الكتب التي ثبّتتها الأقلام السنيّة في حقل التأليف حول الإمام المهديّ سلام الله عليه، وقد جُمع بعضها في موسوعات.
مقدّمة التحقيق
تناولت المقدّمة مواضيع عديدة، هي: التأكيد على العقيدة بالإمام المصلح في آخر الزمان، علامات الظهور وضرورة معرفتها، التعريف بالكتاب والإشارة إلى تناقضاته واضطرابه، التعريف بالمؤلّف: اسمه، شهرته، ولادته، وفاته ومدفنه، رحلاته، مشايخه، تلامذته ورُواته، مؤلّفاته، ثمّ وقف المحقّق على طبعات الكتاب ونُسَخه وعمله فيه، وختم مقدّمته بهذه الفقرة تحت عنوان: دواعي تحقيق الكتاب:
لم يكن الهدف تقليديّاً ينحصر في ضبط الكتاب وتقويم نصوصه وتخريج أحاديثه، بقدر ما هو محاولةٌ جادّة على طريق المناقشة الموضوعيّة والبحث العلميّ لواحدٍ مِن أهمّ الموضوعات التي تشعّبت وجهات النظر فيه رغم وضوحه، وتعدّدت فيه آراء المسلمين، بل هو قطب العقيدة ومرتكزها الذي تفرّعت حوله المذاهب بسبب نقص الفهم وقصورِ الإدراك لاستيعابه.
وأيضاً.. تحقيق الكتاب جاء دعوةً صادقة إلى كافّة العلماء والمحقّقين والباحثين والمؤلّفين من المذاهب الإسلاميّة المختلفة، دعوتهم إلى كلمةٍ سواء ونظرةٍ واحدةٍ بلا تعصّب ودون أدنى تأثّرٍ بأيّ فكرٍ وضعيّ، إلى المهديّ الموعود، المنقذ الإلهيّ، والمصلح السماويّ، الحجّة بن الحسن العسكريّ صلوات الله عليهما، الذي بشّر به عن اللهِ تعالى خاتَمُ أنبيائه وسيّدُ رسله محمّد صلّى الله عليه وآله، والأئمّةُ المعصومون في أحاديثَ صحيحةٍ مرويّةٍ بأسانيد معتبرة؛ وذلك من أجل لمّ الشعث ورأب الصدع، ورصّ الصفوف وتوحيد الكلمة.
مقدّمة المؤلّف
كتب فيها ابن حجر الهيتميّ الشافعيّ، مفتي الحرمين الشريفين:
الحمد لله حمداً يليق بعظيمِ سلطانه وكمال جلاله، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّدٍ وآله. وبعد:
فهذا كتابٌ لقّبتُه بـ « القول المختصر في علامات المهديّ المنتظَر » أذكر فيه ما اطّلعتُ عليه من علاماتهِ، وفضائلهِ وخصوصيّاتهِ، محذوفةَ الأسانيد والرواة، خاليةً عن موضوعات الجهلة والطغاة...
دعاني إلى تأليفه ادّعاءُ جماعةٍ في زمننا وقَبلَه أنّهم المهديّون، وما دَرَوا أنّهم الضالّون المُضِلّون...
ورتّبته على: مقدّمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
ثمّ صدّر ابن حجر مقدّمته بهذه الرواية التي أسندها ووثّقها، وهي: ورد أنّه صلّى الله عليه وآله قال: « مَن كذّب بالدجّال فقد كفر، ومَن كذّب بالمهديّ فقد كفر ».
وكانت الأبواب الثلاثة على هذا النحو:
الباب الأوّل: في علاماته وخصوصيّاته عليه السّلام التي جاءت عنه صلّى الله عليه وآله.
ذكر فيها نسبه واسمه الشريف، وشمائله وصفاته، ومُدّةَ مُلكه...
الباب الثاني: فيما جاء فيه عن الصحابة...
الباب الثالث: فيما جاء فيه عن التابعين وتابعيهم.
أمّا الخاتمة: فقد عَنوَنَها بهذا العنوان: في ذِكْر أمورٍ متفرّقة. تناول فيها أفضليّة الإمام المهديّ عليه السلام على بعض الأنبياء عليهم السّلام، وأنّه مهديُّ آل محمّد، وأنّ أمرَه بيّن، وسيظهر قبل نزول عيسى عليه السّلام الذي سيكون مُقرِّراً لشريعة رسول الله محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، ويسبق الظهورَ علامات، منها: طلوع الشمس من مغربها.
الختام
على قسمين: الأوّل ـ تعليقة مختصرة، هي أنّ الكتاب لا يخلو من فائدة في الاطّلاع عليه، وإن لم يَخْلُ من التوهّمات والإيهامات التي اندسّت في كتب علماء السنّة، وألقاها رواتهم على غير بصيرة ولا تثبّت، ودون تحقيقٍ في تعارض بعضها مع البعض. إلاّ أنّ المحصَّل من الكتاب هو أنّه ردّ على المدّعين للمهدويّة، دعا إلى تحديد الصفات الشريفة والخصائص المنيفة لشخص الإمام المهديّ عليه السّلام، الذي انحصرت فيه دون غيره؛ ليُعرَف إذا ظهر، فلا يُلتَبَسُ الأمر على الناس.
ومِن خلال ذلك جاء المؤلّف برواياتٍ وافق بعضها روايات الشيعة الإماميّة.. على وجه الخصوص أحياناً، وعلى وجه العموم أحياناً أُخرى.
وكان الأَولى بالمؤلّف أن يُكمِل هذه الروايات القائلة بولادة الإمام المهديّ صلوات الله عليه، إذ إنّه ابنُ الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، والمهديّ مِن بعده هو الإمام الخليفةُ الوصيّ، فهو حيٌّ يُرزَق ـ كما صرّح بذلك أكثر مِن مئةٍ وعشرين من علماء السنّة، بصراحة أو بصورةٍ ضمنيّة ـ، وأنّ ولادته عليه السّلام كانت وقعت في النصف من شعبان سنة 255 هجريّة على الأشهر، وإن اختلف البعض في تعيين هذا التأريخ، إلاّ أنّهم لم يختلفوا في وقوع ولادته المباركة.
( يُراجعَ تُفصيلُ ذلك في ضمن أبوابٍ مبسوطةٍ وموثّقةٍ بالمصادر السنيّة: كتاب « أصالة المهدويّة في الإسلام في نظر أهل السٌّنّة والجماعة، للشيخ مهدي فقيه إيماني، نشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ـ طهران، ط 1 سنة 1421 هـ )
القسم الثاني من الختام: هو أنّ المؤلّف جاء بجملةٍ من الروايات اللافتة للنظر وللِفكَر.. نورد بعضها للتذكّر والاستذكار:
• « يخرج وعلى رأسه غمامة فيها منادٍ ينادي: هذا المهديُّ خليفةُ اللهِ فاتِّبعُوه ». ( رواه: الجويني الشافعي في: فرائد السمطين 316:2 بإسناده إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ).
• « إذا رأيتمُ الراياتِ السُّودَ قد أقبَلَت من خراسان، فَأْتُوها ولو حَبْواً على الثلج؛ فإنّ فيها خليفةَ الله المهديّ ». ( رواه: ابن ماجة في: السنن ص 1366 / ح 4082، والگنجيّ الشافعي في: البيان في أخبار صاحب الزمان / الباب الخامس ـ نصرة أهل المشرق للمهدي عليه السّلام ).
• « لو لم يبقَ مِن الدنيا إلاّ يومٌ واحد، لَطوّله اللهُ حتّى يملك رجلٌ مِن أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه، ويُظهِر الإسلام، لا يُخلِف الله وعدَه وهو سريع الحساب ». ( رواه: نعيم بن حمّاد في: الفتن والملاحم 362:1 / ح 1056، والمجلسي في: بحار الأنوار 82:51 / ح 24 ـ عن: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة للإربلّي ).
• « المهديّ، الذي عيسى ابنُ مريم يُصلّي خَلْفَه ». ( يراجع: الصواعق المحرقة لابن حجر ص 164، والغَيبة للطوسي ص 191 / ح 154 ).
• « المهديّ مِن وُلْدي، وجهُه كالكوكب الدرّيّ، اللونُ لونٌ عربيّ، والجسم جسمٌ إسرائيليّ، يملأ الأرض عدلاً كما مُلِئَت جوراً، يرضى بخلافته أهلُ السماء وأهل الأرض، والطيرُ في الجوّ ». ( الصواعق المحرقة ص 164، أخرجه الروياني والطبرانيّ وغيرهما. وأورده يوسف الشافعي في: عقد الدرر ص 60 عن حذيفة بن اليمان، والحافظ أبو نُعَيم الأصفهانيّ في: مناقب المهدي، والطبراني في: معجمه، كما رواه الطبري في: دلائل الإمامة ص 233 ).
• « يخرج في المحرّم ومُنادٍ ينادي من السماء: ألا إنّ صفوة الله من خَلْقه فلانٌ ـ يعني المهديَّ عليه السّلام ـ، فاسمعوا له وأطيعوا ». ( رواه: نعيم بن حمّاد في: الفتن والملاحم 338:1 / ح 980، وأورده النباطي في: الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم 259:2 ـ الباب 11، والشافعي يوسف في: عقد الدرر ص 65 ـ الباب 4 عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: « يظهر المهديُّ في يومِ عاشوراء... » )
• « إذا نادى منادٍ من السماء: إنّ الحقّ في آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فعند ذلك يظهر المهديّ على أفواه الناس، ويُشرَبون حُبَّه، ولا يكون لهم ذِكرٌ غيرُه ». ( رواه: ابن المنادي في: الملاحم ص 196 / ح 143 ـ عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ونعيم بن حمّاد في: الفتن والملاحم 334:1 / ح 965 ).
• « لمهدّينا آيتان، لم يكونا منذ خلَقَ الله السماوات والأرض: ينكسف القمر لأوّلِ ليلةٍ من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه ». ( رواه: الدارقطني في: السنن 65:2 / ح 10، وأخرجه الحرّ العامليّ في: إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 621:3 / ح 196 ـ عن: التذكرة للقرطبي 703:2 ).
• جاء عن ابن سيرين أنّ المهديّ خيرٌ من أبي بكرٍ وعمر، بل كان يُفضَّل على بعض الأنبياء، وصحّ عنه صلّى الله عليه وآله قوله: « لا يَفْضُل عليه أبو بكرٍ وعمر ». ( رواه: ابن أبي شيبة: في المصنَّف 198:15 / ح 19496 ).
• يبلغ ردّ المهديّ المظالمَ حتّى لو كانت تحت ضرسِ إنسانٍ شيءٌ انتزعه حتّى يَرُدَّه. ( ذكَرَه: نعيم بن حمّاد في: الفتن والملاحم 355:1 / ح 1024 ـ بإسناده إلى جعفر ابن سيّار الشامي مثله ـ عنه: التشريف بالمنن للسيد ابن طاووس ص 143 ـ الباب 140 ).
وهكذا يقف المسلمون على الحقيقة المهدويّة، أوقفَتْهم عليها رواياتٌ وفيرة، وأخبارٌ جمّةٌ كثيرة، لا يمكن التهرّب منها ولا تأويلها، فمَن نسَبَها إلى الشيعة وحدهم وسَخِر منها فإنّما يُفصح بذلك عن جهله أوّلاً، وعن استهزائه بأحاديث الصادق المصدَّق رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسيكون مصيره مصيرَ ضَمْرة بن مَعْبد الذي استهزأ بحديث النبيّ صلّى الله عليه وآله فهلك منقلباً بالخزي والعذاب وهو يقول: وَيْلكَ يا ضمرةَ بنَ معبد! اليومَ خذَلَك كلُّ خليل، وصار مصيرُك إلى الجحيم، فيها مسكنُك ومبيتُك والمَقيل! ( بحار الأنوار 259:6 ـ 260 / ح 96 ـ عن: الكافي للكليني 64:1 ).