المفهوم الحقيقي لانتظار الإمام المهدي عليه السلام
  • عنوان المقال: المفهوم الحقيقي لانتظار الإمام المهدي عليه السلام
  • الکاتب: السيد محمد تقي المدرسي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:37:55 1-9-1403

المفهوم الحقيقي لانتظار الإمام المهدي عليه السلام

السيد محمد تقي المدرسي

لأنّ رحمة الله سبقت غضبه ، ولأنها وسعت كل شيء ، ولأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليرحمه ؛ لا ليعذبه ، فقد جعل عاقبة هذه الحياة الحسنى ، وقضى أن يختمها بأفضل يوم وأحسن عهد ، وذلك حين ظهور الإمام الحجة بن الحسن المنتظر عجل الله فرجه .

ولقد اخبرنا الله عز وجل في آيات عديدة بهذه الحقيقة الثابتة ، ومن ضمنها قولـه تعالى : (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ))

علاقتنا بالإمام المنتظر

ولاريب أن هذه الحقيقة لم تقع بعد ، وأن الإنسانية ما تزال تنتظر ذلك اليوم الأغرّ الذي يرفرف فيه لواء العدل والحق فوق أرجاء العالم أجمع ، ولكن كيف يتحقق هذا الهدف ؟ وما هي مسؤولية الإنسان اتجاهه ؟ وما هي علاقته أساساً بهذا المنقذ المنجي الذي سيُظهِر الله تعالى به دينه على الدين كلّه ، وبتعبير آخر : ما هي العلاقة التي يجب أن نقيمها ونحن نعيش عصر الغيبة بسيّدنا ومولانا الإمام المهدي عليه السلام ؟

وللإجابة على هذه الأسئلة لابد أن نقول : إن القرآن يفسّر بعضه بعضاً ؛ فالله عز وجل يقول بعد الآية السابقة : (( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )) ، فهذه الآية توحي لنا بحقيقتين مهمتين :

الظهور يتحقق على أيدي المؤمنين المجاهدين

الاولى : إن تحقيق هذا الهدف يتم على يد أولئك المؤمنين الذين قرروا أن يكونوا مجاهدين حقاً ، وان يعقدوا صفقة تجارية رابحة مع ربهم ، يجاهدون من خلالها بأنفسهم وأموالهم لينجيهم الرب من العذاب الأليم ، ولينالوا رضوانه .

وعلى هذا فليس من الصحيح الاعتقاد بان مسائل غيبية لابد أن تتدخل لتغيير مسار الحياة ، فالله تعالى يقول: (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) ثم يقول بعد ذلك مباشرة : (( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيم )) .

ثـم يستمر السياق الكريم ليبيّن ماهيّة هذه التجارة ، في قوله تعالى : (( تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ... )) . فالقضية -إذن- تتعلق بالإنسان ، فهو الذي يجب أن يحمل راية الجهاد ، ويضحّي بماله ، ونفسه ، ليحصل بذلك على الجنّة ، وينجي نفسه من النار ، حتى تتحقق إرادة الله في إظهار دينه على الدين كله .

الجهاد على نوعين

الثانية : الجهاد في سبيل الله على نوعين ؛ نوع يأتي من خلال فورة عاطفية مرحلية ، فيبادر الناس إلى حمل الرايات ، وينادي المنادون بالجهاد بسبب تأثرهم بالأجواء المحيطة بهم ، فيندفعون إلى ساحة المواجهة .

وهناك نوع آخر من الجهاد هو الذي يحقق المسيرة الحضارية ، ويجعل الإنسان يصل إلى الهدف الأسمى من خلق الكون ، ألا وهو إظهار الدين على الأرض كلّها . وتحقيق هذا الهدف الأسمى ، وهو غلبة الدين الإلهي على كل الأفكار والمبادئ الوضعية ، يتطلب فئة باعت نفسها لله عز وجل ، ودخلت في صفقة تجارية معه لا تراجع عنها ، سواء كانت هناك رايات تُرفع للجهاد أم لم تكن ، وسواء كانت هناك أجواء تحرّض على الجهاد أم لم تكن .

الجهاد طبيعة المؤمنين

إن مثل هؤلاء المؤمنين يتمتعون بطبيعة جهادية ، فنراهم يبحثون عن الجهاد في كل أفق ، سواء كانت الظروف مواتية أم لا ، لأنهم يعتبرون الجهاد الجسر الأقرب إلى الجنة ، والطريق الأقصر لرضوان الله ، والسبيل الأفضل للنجاة من النار ، ومن الذنوب المتراكمة على النفس .

فكل إنسان لابد أن يَرِدَ نار جهنم ، فنحن واقعون فيها شئنا أم أبينا ، وهذا ما أكدت عليه مصادر التشريع الإسلامي كقوله تعالى : ((  وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً *  ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّا ً)) (مريم/71-72)

وعلى هذا فإن الهدف الأسمى ، والتطلع المهم للإنسان المؤمن يتمثلان في النجاة من النار . وهكذا الحال بالنسبة إلى المجاهدين ، فهم يسعون لتحقيق هذا الهدف ، ولكن بطريق اقصر ، وقول الله تعالى : (( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ )) يدّل على ذلك ، لأن الخطاب موجّه إلى المؤمنين لا إلى المسلمين أو عامّة الناس ، ولأن الحديث موجّه إلى المؤمنين فقد أصبح يمتلك مستوى رفيعاً يتمثل في مخاطبة الإنسان الذي يبحث عن النجاة . أما الإنسان الذي لا يعرف معنى لجهنم ، ولا يؤمن بالآخرة ، ولا يفكر في الخلاص من نار جهنم ، فالحديث لا يمسه بشيء .

ما يأخذه الإنسان المؤمن

إن كلّ ما ذكر في الآية السابقة كان متعلّقاً بما يعطيه الإنســــان المؤمن ، أما بالنسبة إلى ما يأخـذه فهو ما يبيّنــه الله جــل وعـلا في القسم الثاني من الآية الكريمة ، والذي نذكره من خـلال النقـاط التاليـة :

1- غفران الذنوب (( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) ؛ وهو أهم هدف يسعى المؤمنون لتحقيقه ، ذلك لأننا جميعاً مذنبون في حق أنفسنا ، ولو غفلنا عن هذه الذنوب فإن عقاب الله لا يضل ولا ينسى ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وباعتبار أننا جميعاً مذنبون ، فلابد أن نبحث عن طريقة للنجاة تتمثل في الجهـاد مـن النـوع الثاني - كما أشـرنا إليه - والذي يقضي ان يكون الإنسان مجنداً لله ، ومتطوعاً ومخلصاً في سبيله .

2- دخول الجنة ؛ (( وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ُ)) .

والقرآن الكريم يقرر أن الإنسان ليس بإمكانه إدراك معنى الجنات ، ولكنها - باختصار- هي الفوز العظيم ، فهي ليست بساتين عادية ، أو سقوفاً من فضة ، وبيوتاً من ذهب ، لأن جميع هذه المظاهر أمور بسيطة لا أهمية لها ، والمهم في كل ذلك أنها الفوز العظيم الذي يحققه الإنسان متمثلاً في نيل رضوان الله .

3- النصر المـؤزر (( وَأُخْرَى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب )) ؛ وهذا من النتائج المهمة التي يبذل الإنسان المؤمن جهوده من أجل تحقيقها حين يشرع في الجهاد ، ويصمم على مقارعة أعداء الله .

الجهاد في كل الظروف والأحوال

ثم يستمر السياق القرآني الكريم ليؤكد على صفة الإخلاص المطلق لله عز وجل ، ونصرة الحق ، حيث يقول تعالى : (( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ )) ؛ أي على الإنسان المؤمن أن يكون جندياً في جيش الحق ، متطوّعاً في جند الله ، متفرغاً في سبيله ، وبالتالي أن يكون إنساناً يبحث عن كل ما يمتّ إلى الجهاد بصلة ، وعن أي مظلوم أو حق سليب أو أمة مستضعفة يدافع عنها .

الحواريون قدوة المؤمنين

وللإنسان المؤمن في هذا المجال أسوة حسنة بالحواريين الذين قال عنهم الله تعالى : (( كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ اَنصَارُ اللَّهِ )) . فالحواريون - كما يبدو من هذه الآية - تقدموا مرحلة مهمة ، فعيسى (عليه السلام ) أمرهم أن يكونوا أنصاره إلى الله ، ولكنهم تقدموا مرحلة وقالوا : نحن أنصار الله ؛ أي أننا سلكنا هذا الطريق ، ومضينا فيه إلى درجة بحيث وصلنا إلى النتيجة ، فأصبحنا أنصار الله جلّت قدرته ، ولذلك قال تعالى في بداية الآية: (( كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ )) .

يستأنف السياق القرآني الكريم مُبيّناً لنا معنى ( أنصار الله ) قائلاً : (( قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ اَنصَارُ اللَّه فَآمَنَت طَآئِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَكَفَرَت طَآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ))

ونحـن لو تدبـرنا في كلمـة ( ظاهرين ) وربطناها بالعبارة السابقة ( ليظهره على الدين كله ) لاستنتجنا إن أنصار الله الحقيقيين هم الذين يمكن ان نضرب بهم مثلاً من واقع الحواريين الملتفّين حول عيسى بن مريم ( عليه السلام) ، وهؤلاء هم الذين سيظهر الله تعالى بهم دينه فوق هذا الكوكب . ثم انّ هذه الآية تجيبنا على سؤال سبق وأن طرحناه آنفاً وهو : ما هي علاقتنا بالإمام الحجة عجل الله فرجه .

الإمام الحجة شمس مغيَّبة

إن الأحاديث والروايات تبين إن الإمام المنتظر هو كالشمس المغيّبة وراء السحب ، فهي ترسل أشعتها ، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يراها ، ولا يعرف في أي منطقة من هذه السماء الواسعة هي موجودة ، فهي تبث الخير والبركة إلى الأرض ولكن من موقع مجهول .

وهكذا الحال بالنسبة إلى الإمام الحجة عجل الله فرجه ، فهو موجود بيننا إلى درجة أنه عندما يظهر فإن الجميع سيشعر أنهم رأوه في أماكن مختلفة ، كما أشارت إلى ذلك الأحاديث الواردة في هذا الصدد ، ولذلك فإن على الإنسان المؤمن أن يكون مؤدباً وملتزماً بالأحكام الإسلامية وخاصة في مجالس الدعاء ، وإحياء ذكر المعصومين ، والعلم ، وفي البقاع والأماكن المقدسة ، لأن الإمام المنتظر عجل الله فرجه قد يكون من بين الحاضرين .

ولذلك فإن من أهم ما يشعر به الإنسان المؤمن فيما يرتبط بعلاقته بالإمام الحجة عجل الله فرجه هو تأدّبه وتهذيبه لنفسه ، لأنه يعلم أن الإمام المهدي الذي هو إمامه ، وشفيع ذنوبه ، وقائده إلى الجنة في الآخرة ، تُعرَض عليه كل يوم أعمال المؤمنين جميعاً ، فإذا وجد إنساناً من شيعته يذكر الله تعالى باستمرار ، ويفعل الخير ، ويسعى إلى الصالحات ، فإنه يستبشر ، ويغمره الفرح ، ويدعو له ، أما إذا وجد أن صحيفته سوداء فانه يحزن ويتأثر .

جوانب علاقتنا بالإمام

وعلى هذا فان علاقتنا بالإمام الحجة عجل الله فرجه لها عدة جوانب :

1- تهذيب الإنسان المؤمن لنفسه ، واهتمامه باعماله وتصرفاته ، وخصوصاً بالنسبة إلى من تطوّع في سبيل الله من العلماء والخطباء والمجاهدين ، لأن علاقة هؤلاء بالإمام أكثر متانة من علاقة غيرهم به ، فهم بمثابة ضباط في جيشه ، فإن قدّر لهم الخروج في عهده ، فلابد أن يراقبوا أنفسهم اشد المراقبة .

2- الانتظار الذي يعطي معنى ( الإنذار ) ؛ بان يكون الجيش في حالة الإنذار القصوى ، وإذا كان كذلك فهذا يعني أن يكون سلاحه وعتاده وصفوفه وتنظيماته في مستوى التحدي والانطلاق للعمل في أية لحظة ، وهذا هو ما يعنيه ( الانتظار ) .

وقد لا يكون الجيش الذي وضع تحت الإنذار الشديد محباً للقاء عدوه ، فترى كل فرد منه يوجس خيفة من قدوم الأعداء ، في حين أن المؤمنين الذين يعيشون تحت أعلى درجة للإنذار يحدو بهم الشوق دائماً إلى الإنضواء تحت لواء الإمام ، وكلما أصبح عليهم يوم جديد سألوا الله عز وجل أن يكون هو موعد ظهور الإمام الحجة ( عليه السلام ) .

وهذا هو المفهوم الحقيقي للانتظار ، فهو لا يعني الجمود ، وان نجلس مكتوفي الأيدي ، أو أن ننتظر حتى ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه ، ثم نتحمل مسؤولياتنا في الدفاع عن الدين والشريعة ، صفوفنا فهذا تصور خاطئ لا يرضى به الشرع ولا العقل .

فلابد - إذن- من أن نبادر إلى العمل من الآن استعداداً لظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه ، ولذلك فان على كل إنسان مؤمن إن يجدد عهده مع الإمام في كل يوم عبر الأدعية والزيارات المأثورة .

3 - طاعة من أمر الإمام بطاعته ؛ فالجندي في المعركة لاينتظر القائد الأعلى ليأتيه ويخبره بالأوامر والواجبات ولكن عبر مراتب القيادة ، ونحن باعتبارنا نعيش في أيام الانتظار فا