فيما يتعلّق بأصل الاعتقاد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)(*)
السيد علي الحسيني الميلاني
نحاول [ هنا ] أنْ نستدلّ بأدلّة مشتركة بين عموم المسلمين ، وأقصد من عموم المسلمين الشيعة الإمامية الاثني عشريّة وأهل السُّنة بجميع مذاهبهم .
[ وها هنا نقاط ] ، وهي نقاط الاشتراك بين الجميع :
[ إنّ في هذه الأُمَّة مهديَّاً ] :
النقطة الأُولى :
لا خلاف بين المسلمين في أنّ لهذه الأُمّة مهديّاً ، وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أخبر وبشّر به ، وذكر له أسماء وصفاتٍ وألقاباً وغير ذلك . والروايات الواردة في كتب الفريقين حول هذا الموضوع أكثر من حدّ التواتر ؛ ولذا لا يبقى خلاف بين المسلمين في هذا الاعتقاد ، ومَن اطّلع على هذه الأحاديث وحقّقها وعرفها ، ثمّ كذّب أهل هذا الموضوع مع الالتفات إلى هذه الناحية ، فقد كذّب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيما أخبر به .
الروايات الواردة في طرق الفريقين وبأسانيد الفريقين موجودة في الكتب وفي الصحاح والسُنن والمسانيد ، وأُلّفت لهذه الروايات كتب خاصة ، دَوّن فيها العلماء من الفريقين تلك الروايات في تلك الكتب ، وهناك آيات كثيرة من القرآن الكريم مؤوّلة بالمهدي (سلام الله عليه) ؛ وحينئذٍ لا يُعبأ ولا يعتنى بقول شاذٍ من مثل ابن خلدون المؤرّخ ، حتّى إنّ بعض علماء السُّنة كتبوا ردوداً على رأيه في هذه المسألة .
ومن أشهر المؤلّفين والمدوّنين لأحاديث المهدي (سلام الله عليه) من أهل السُّنة في مختلف القرون :
ـ أبو بكر ابن أبي خيثمة ، المتوفَّى سنة 279 هـ .
ـ نعيم بن حمّاد المروزي ، المتوفَّى سنة 288 هـ .
ـ أبو حسين بن منادي ، المتوفَّى سنة 336 هـ .
ـ أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفَّى سنة 430 هـ .
ـ أبو العلاء العطّار الهمداني ، المتوفَّى سنة 569 هـ .
ـ عبد الغني المقدسي ، المتوفَّى سنة 600 هـ .
ـ ابن عربي الأندلسي ، المتوفَّى سنة 638 هـ .
ـ سعد الدين الحموي ، المتوفَّى سنة 650 هـ .
ـ أبو عبد الله الكنجي الشافعي ، المتوفَّى سنة 658 هـ .
ـ يوسف بن يحيى المقدسي ، المتوفَّى سنة 658 هـ .
ـ ابن قيّم الجوزية ، المتوفَّى سنة 685 هـ .
ـ ابن كثير الدمشقي ، المتوفَّى سنة 774 هـ .
ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفَّى سنة 911 هـ .
ـ شهاب الدين بن حجر المكّي ، المتوفَّى سنة 974 هـ .
ـ علي بن حسام الدين المتّقي الهندي ، المتوفَّى سنة 975 هـ .
ـ نور الدين علي القاري الهروي ، المتوفَّى سنة 1014 هـ .
ـ محمّد بن علي الشوكاني القاضي ، المتوفَّى سنة 1250 هـ .
ـ أحمد بن صدّيق الغماري ، المتوفَّى سنة 1380 هـ .
وهؤلاء أشهر المؤلّفين في أخبار المهدي (عليه السّلام) منذ قديم الأيّام ، وفي عصرنا أيضاً كتب مؤلَّفات من قبل كُتّاب هذا الزمان ، لا حاجة إلى ذكر أسماء تلك الكتب . وهناك جماعة كبيرة من علماء أهل السُّنة يصرّحون بتواتر حديث المهدي (عليه السّلام) والأخبار الواردة حوله ، وبصحّة تلك الأحاديث في الأقل ، ومنهم :
ـ الترمذي ، صاحب الصحيح .
ـ محمّد بن حسين الأبري ، المتوفَّى سنة 363 هـ .
ـ الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك .
ـ أبو بكر البيهقي ، صاحب السنن الكبرى .
ـ الفرّاء البغوي , محيي السُّنة .
ـ ابن الأثير الجزري .
ـ جمال الدين المزي .
ـ شمس الدين الذهبي .
ـ نور الدين الهيثمي .
ـ ابن حجر العسقلاني .
ـ جلال الدين السيوطي .
إذاً لا يبقى مجال للمناقشة في أصل مسألة المهدي (عليه السّلام) في هذه الأُمّة .
[ إنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والإيمان به ] :
النقطة الثانية :
إنّه لا بدّ في كلّ زمان من إمام يَعتقد به الناس ( أي المسلمون ) ويقتدون به ، ويجعلونه حجّة بينهم وبين ربِّهم ؛ وذلك ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّة )(1) ، و ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة )(2) ، و ( قُلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ )(3) .
ويقول أمير المؤمنين (عليه السّلام) كما في نهج البلاغة : ( اللَّهُمَّ بَلَى ، لاَ تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ ؛ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً ، وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً ؛ لِِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ )(4) .
والروايات الواردة في هذا الباب أيضاً كثيرة ، ولا أظنّ أنّ أحداً يجرأ على المناقشة في أسانيد هذه الروايات ومداليلها . إنّها روايات واردة في الصحيحين ، وفي المسانيد ، وفي السنن ، وفي المعاجم ، وفي جميع كتب الحديث والروايات ، وهذه مقبولة عند الفريقين ؛ فقد اتّفق المسلمون على رواية : ( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة ) .
هذا الحديث بهذا اللفظ موجود في بعض المصادر ، وقد أرسله سعد الدين التفتازاني إرسال المسلّمات ، وبنى عليه بحوثه في كتابه شرح المقاصد(5) .
ولهذا الحديث ألفاظ أُخرى قد تختلف بنحو الإجمال مع معنى هذا الحديث ، إلاّ أنّي أعتقد بأنّ جميع هذه الألفاظ لا بدّ وأنْ ترجع إلى معنى واحد ، ولا بدّ أنْ تنتهي إلى مقصد واحد يقصده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
فمثلاً في مسند أحمد : ( مَن مات بغير إمام مات ميتةً جاهليّة )(6) ، وكذا في عدّة من المصادر : كمسند أبي داود الطيالسي(7) ، وصحيح ابن حبّان(8) ، والمعجم الكبير للطبراني(9) ، وغيرها .
وعن بعض الكتب إضافة بلفظ : ( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه فليمتْ إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء نصرانياً ) ، وقد نقله بهذا اللفظ بعض العلماء عن كتاب المسائل الخمسون للفخر الرازي .
وله أيضاً ألفاظ أُخرى موجودة في السُّنن ، وفي الصحاح ، وفي المسانيد أيضاً ، نكتفي بهذا القدر ، ونشير إلى بعض الخصوصيات الموجودة في لفظ الحديث : ( مَن مات ولم يعرف ... ) ، لا بدّ وأنْ تكون المعرفة هذه مقدّمة للاعتقاد . ( مَن مات ولم يعرف ... ) أي : مَن مات ولم يعتقد بإمام زمانه ، لا مطلق إمام الزمان ، بإمام زمانه الحق ، بإمام زمانه الشرعي ، بإمام زمانه المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى .
( مَن مات ولم يعرف ... إمام زمانه ) بهذه القيود ( مات ميتةً جاهليّة ) ؛ وإلاّ لو كان المراد من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين ، لا يكون معرفة هكذا شخص واجبة ، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار ، ولا يكون موته موت جاهليّة ، هذا واضح .
إذاً لا بدّ من أنْ يكون الإمام الذي تجب معرفته إمام حق ، وإماماً شرعياً ، فحينئذٍ ، على الإنسان أنْ يعتقد بإمامة هذا الشخص ، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه ، وهذا واجب ، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات ، يكون موته موت جاهليّة ، وبعبارة أُخرى : ( فليمت إنْ شاء يهوديّاً وإنْ شاء نصرانيّاً ) .
وذكر المؤرِّخون أنّ عبد الله بن عمر ، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين (سلام الله عليه) ، طرق على الحجّاج بابَه ليلاً ليبايعه لعبد الملك ؛ كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال ، فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة , وطلب منه أنْ يبايعه قائلاً : سمعت رسول الله يقول : ( مَن مات ولا إمام له مات ميتة جاهليّة ) . لكن الحجّاج احتقر عبد الله بن عمر ، ومدّ رجله وقال : بايع رجلي . فبايع عبد الله بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة .
وطبيعي أنّ مَن يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين (عليه السّلام) يبتلي في يوم من الأيّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل .
وكتبوا بترجمة عبد الله بن عمر ، وفي قضايا ( الحرّة ) بالذات تلك الواقعة التي أباح فيها يزيد بن معاوية المدينة المنوَّرة ثلاثة أيام ، أباحها لجيوشه يفعلون ما يشاؤون ، وأنتم تعلمون ما كان وما حدث في تلك الواقعة ؛ حيث قتل عشرات الآلاف من الناس ، والمئات من الصحابة والتابعين ، وافْتُضَّت الأبكار ، ووَلَدَت النساءُ بالمئات من غير زوج .
في هذه الواقعة أتى عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع ، فقال عبد الله بن مطيع : اطرحوا لأبي عبد الرحمان وِسادة . فقال : إنّي لم آتكِ لكي أجلس ، أتيتُك لأحدِّثك حديثاً ، سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلمَّ) يقول : ( مَن خَلَعَ يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة ) ، أخرجه مسلم(10) .
فقضية وجوب معرفة الإمام في كلّ زمان والاعتقاد بإمامته والالتزام ببيعته أمرٌ مفروغ منه ومسلّم ، وتدلّ عليه الأحاديث ، وسيرة الصحابة ، وسائر الناس ، ومنها ما ذكرت لكم من أحوال عبد الله بن عمر الذي يجعلونه قدوة لهم ، إلاّ أنّهم ذكروا أنَّ عبد الله بن عمر كان يتأسّف على عدم بيعته لأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وعدم مشاركته معه في القتال مع الفئة الباغية ، وهذا موجود في المصادر ، فراجعوا الطبقات لابن سعد(11) , والمستدرك للحاكم(12) وغيرهما من الكتب .
وعلى كلّ حال لسنا بصدد الكلام عن عبد الله بن عمر أو غيره ، وإنّما أردتُ أنْ أذكر لكم نماذج من الكتاب والسُّنة وسيرة الصحابة على أنّ هذه المسألة ـ مسألة أنّ في كلّ زمان ولكلّ زمان إمام لا بدّ أنْ يعتقد المسلمون بإمامته , ويجعلونه حجةً بينهم وبين ربِّهم ـ من ضروريات عقائد الإسلام .
[ إنّ المهدي من الأئمّة الاثني عشر (عليهم السّلام) ] :
النقطة الثالثة :
إنّ المهدي من الأئمّة الاثني عشر (عليهم السّلام) في حديث ( الأئمّة بعدي اثنا عشر ... ) ، لا ريب ولا خلاف في هذه الناحية ؛ فإنّ القيود التي ذكرت في رواية ( الأئمة اثنا عشر ) ، تلك القيود كلّها منطبقة على المهدي (سلام الله عليه) ؛ لأنّ هذا الإمام عندما يظهر يجتمع الناس على القول بإمامته ، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيعزّ الإسلام بدولته ، وأنّه سيظهر دينه على الدين كلّه ، وجميع تلك القيود والمواصفات التي وردت في أحاديث ( الأئمة اثنا عشر ) كلّها منطبقة على المهدي (سلام الله عليه) .
وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب التي حاولوا فيها ذكر الخلفاء بعد رسول الله من بني أُميّة وغيرهم ، يعدّون المهدي أيضاً من أُولئك الخلفاء الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في هذه الأحاديث التي درسناها .
إلى الآن عرفنا أنَّ الاتفاق على ثلاثة نقاط :
النقطة الأولى : أنّ في هذه الأُمّة مهديّاً .
النقطة الثانية : أنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والإيمان به .
النقطة الثالثة : أنّ المهدي (عليه السّلام) الذي أخبر عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في تلك الأحاديث الكثيرة نفس المهدي الذي يكون الإمام الثاني عشر من الأئمّة الذين أخبر عن إمامتهم من بعده في أحاديث ( الأئمّة اثنا عشر ) .
إلى الآن عرفنا المشتركات بين المسلمين ، فإنّه إلى هنا لا خلاف بين طوائف المسلمين ، ويكون المهدي حينئذ أمراً مفروغاً منه ومسلّماً في هذه الأُمّة ، والمهدي هو الثاني عشر من الأئمّة الاثني عشر (عليهم السّلام) ، فهو الإمام الحق الذي يجب معرفته والاعتقاد به ، وأنّ مَن مات ولم يعرف المهدي (عليه السّلام) مات ميتة جاهليّة .
وهنا قالت الشيعة الإمامية الاثنا عشرية : إنّ الذي عرفناه مصداقاً لهذه النقاط هو ابن الحسن العسكري ، ابن الإمام الهادي ، ابن الإمام الجواد ، ابن الإمام الرضا ، ابن الإمام الكاظم ، ابن الإمام الصادق ، ابن الإمام الباقر ، ابن الإمام السجَّاد ، ابن الحسين الشهيد ، ابن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم أجمعين) ، فهذه عقيدة الشيعة ، فهم يطبّقون تلك النقاط الثلاثة المتَّفق عليها على هذا المصداق .
فهل هناك حديث عند الجمهور يوافق الشيعة الإمامية ويدلّ على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية في هذا التطبيق ؟ هل هناك حديث أو أحاديث من طرق أهل السُّنة توافق هذا التطبيق وتُؤيّد هذا التطبيق أو لا ؟
من هنا يشرع البحث بين الشيعة وغير الشيعة ، هذه عقيدة الشيعة ولهم عليها أدلّتهم من الكتاب والسُّنة وغير ذلك ، وما بلغهم وما وصلهم عن أئمّة أهل البيت الصادقين (سلام الله عليهم) .
لكن هل هناك ما يدلّ على هذا الاعتقاد في كتب أهل السُّنة أيضاً ، لتكون هذه العقيدة مؤيَّدة ومدعمة من قبل روايات السُنّة ، ويمكن للشيعة الإمامية أنْ تلزم أولئك بما رووا في كتبهم أو لا ؟
نعم ، وردتْ روايات في كتب القوم مطابقة لهذا الاعتقاد ، إذاً يكون هذا الاعتقاد متَّفقاً عليه حسب الروايات وإنْ لم يكن القوم يعتقدون بهذا الاعتقاد بحسب الأقوال ، إلاّ أنّا نبحث أوّلاً عن العقيدة على ضوء الأدلّة ، ثمّ على ضوء الأقوال والآراء .
ولنقرأ بعض تلك الروايات :
الحديث الأوّل :
قوله (صلّى الله عليه وآله) : ( لو لم يبقَ مِن الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطوّلَ اللهُ (عزّ وجلّ) ذلك اليوم حتّى يبعثَ فيه رجلاً من وُلْدي اسمه اسمي ) . فقام سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ، مَن أيّ وُلْدك ؟ قال : ( من وَلَدي هذا ) , وضرب بيده على الحسين (عليه السّلام) .
هذه الرواية في المصادر عن أبي القاسم الطبراني(13) ، ومحب الدين الطبري(14) ، وأبي نعيم الأصفهاني(15) ، وابن قيّم الجوزية(16) ، ويوسف بن يحيى المقدسي(17) ، وشيخ الإسلام الجويني(18) ، وابن حجر المكّي صاحب الصواعق(19) .
الحديث الثاني :
قوله (صلّى الله عليه وآله) لبضعته الزهراء (سلام الله عليها) وهو في مرض وفاته : ( ما يبكيك يا فاطمة ، أَمَا علمتِ أنّ الله اطَّلَع إلى الأرض اطّلاعة ( أو : اطْلاعة ) فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار بعْلَك ، فأوحى إليّ فأنكحتُه إيّاكِ واتّخذتُه وصيّاً ؟ أَمَا علمتِ أنّكِ بكرامة الله إيّاك زَوْجك أعلمهم علماً ، وأكثرهم حلماً ، وأقدمهم سلماً ؟ ) .
فضحكتْ واستبشرتْ ، فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يزيدها مزيد الخير ، فقال لها : ( ومنّا مهدي الأُمّة الذي يُصلّي عيسى خلفه ) ، ثمّ ضرب على منكب الحسين (عليه السّلام) فقال : ( مِن هذا مهديُّ الأُمَّة ) .
وهذا الحديث رواه كما في المصادر : أبو الحسن الدار قطني ، أبو المظفّر السمعاني ، أبو عبد الله الكنجي ، وابن الصبّاغ المالكي(20) .
الحديث الثالث :
قوله (صلّى الله عليه وآله) : ( يخرج المهدي من وُلْد الحسين من قِبَل المشرق ، لو استقبلتْه الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً ) .
وهذا الحديث كما في المصادر عن نعيم بن حمّاد ، والطبراني ، وأبي نعيم ، والمقدسي صاحب كتاب ( عقد الدُّرر في أخبار المنتظر )(21) .
هذا بحسب الروايات .
وأمّا بحسب أقوال العلماء المحدّثين والمؤرّخين والمتصوِّفين ، هؤلاء أيضاً يصرّحون بأنّ المهدي ابن الحسين (عليهما السّلام) ، أي من ذريّة الحسين (عليه السّلام) ، ويضيفون على ذلك أنّه ابن الحسن العسكري (عليه السّلام) ، وأيضاً مولود وموجود .
هؤلاء عدة كبيرة من العلماء من أهل السُنّة في مختلف العلوم ، أذكر أشهرهم :
ـ أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري ، المتوفَّى سنة 279 هـ .
ـ أبو بكر البيهقي ، المتوفَّى سنة 458 هـ .
ـ ابن الخشّاب ، المتوفَّى سنة 567 هـ .
ـ ابن الأزرق المؤرِّخ ، المتوفَّى سنة 590 هـ .
ـ ابن عربي الأندلسي صاحب الفتوحات المكّية ، المتوفَّى سنة 638 هـ .
ـ ابن طلحة الشافعي ، المتوفَّى سنة 653 هـ .
ـ سبط ابن الجوزي الحنفي ، المتوفَّى سنة 654 هـ .
ـ الكنجي الشافعي ، المتوفَّى سنة 658 هـ .
ـ صدر الدين القونوي ، المتوفَّى سنة 672 هـ .
ـ صدر الدين الحموي ، المتوفَّى سنة 723 هـ .
ـ عمر بن الوردي المؤرّخ الصوفي الواعظ ، المتوفَّى سنة 749 هـ .
ـ صلاح الدين الصفدي صاحب الوافي في الوفيات ، المتوفَّى سنة 764 هـ .
ـ شمس الدين ابن الجزري ، المتوفَّى سنة 833 هـ .
ـ ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفَّى سنة 855 هـ .
ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفَّى سنة 911 هـ .
ـ عبد الوهاب الشعراني الفقيه الصوفي ، المتوفَّى سنة 973 هـ .
ـ ابن حجر المكّي ، المتوفَّى سنة 973 هـ .
ـ علي القاري الهروي ، المتوفَّى سنة 1013 هـ .
ـ عبد الحق الدهلوي ، المتوفَّى سنة 1052 هـ .
ـ شاه ولي الله الدهلوي ، المتوفَّى سنة 1176 هـ .
ـ القندوزي الحنفي ، المتوفَّى سنة 1294 هـ .
فظهر إلى الآن :
أوّلاً : أنّ المهدي (عليه السّلام) من هذه الأُمّة .
ثانياً : المهدي (عليه السّلام) من بني هاشم .
ثالثاً : المهدي (عليه السّلام) من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله) .
رابعاً : المهدي (عليه السّلام) من ولد فاطمة (عليها السّلام) .
خامساً : المهدي (عليه السّلام) من ولد الحسين (عليه السّلام) .
ولكلّ واحد من هذه النقاط : كونه من هذه الأُمّة ، كونه من بني هاشم ، كونه من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، كونه من ولد فاطمة (عليها السّلام) ، كونه من ولد الحسين (عليه السّلام) ، لكلّ بند من هذه البنود روايات خاصة ، ولم نتعرَّض لها ؛ لغرض الاختصار .
ــــــــــــــــ
* اقتباس وتنسيق قسم المقالات ، في شبكة الإمامين الحسنَين ( عليهما السلام ) للتراث والفكر الإسلامي ، من كتاب : الإمام المهدي (عليه السّلام) ، تأليف : السيّد علي الحسيني الميلاني ، نشر : مركز الأبحاث العقائدية ، الصفحات 10 ـ 22 ، [ بتصرّف يسير ] .
(1) النساء : 4 ، 165 .
(2) الأنفال : 8 ، 42 .
(3) الأنعام : 6 ، 149 .
(4) نهج البلاغة : 3 ، 188 ، رقم 147 .
(5) شرح المقاصد : 5 ، 239 وما بعدها .
(6) مسند أحمد : 5 ، 61 ، رقم : 16434 .
(7) مسند أبي داود الطيالسي : 259 ، دار المعرفة ـ بيروت .
(8) صحيح ابن حبّان : 10 ، 434 ، رقم : 4573 ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، 1418 هـ ، وفيه : ( مَن مات وليس له إمام ) .
(9) المعجم الكبير للطبراني : 19 ، 388 ، رقم : 910 .
(10) صحيح مسلم : 3 ، 1478 ، رقم : 1851 .
(11) طبقات ابن سعد : 4 ، 185 و187 ، وفيه : ( ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية . ما آسى عن الدنيا إلاّ على ثلاث : ظمأ الهواجر , ومكابدة الليل , وألاّ أكون قاتلت الفئة هذه الفئة الباغية التي حلّت بنا ) .
(12) مستدرك الحاكم : 3 ، 558 ، سطر 8 ، وفيه : ( ما آسى على شيء ) وتكملتها في الهامش (11) : بياض في الأصل ، لعلّ هذه العبارة سقطت : ( إلاّ أنّي لم أُقاتل مع علي (رضي الله عنه) الفئة الباغية ) .
(13) المعجم الكبير : 10 ، 166 ، رقم 10222 باختلاف .
(14) ذخائر العقبى : 136 باب ما جاء أنّ المهدي مِن وُلْد الحسين (عليه السّلام) .
(15) الأربعون حديثاً في المهدي (عليه السّلام) ، وقد رواه عنه العلماء بالأسانيد .
(16) المنار المنيف : 148 .
(17) عقد الدرر في أخبار المنتظر : 56 ، انتشارات نصايح ـ قم ، 1416 هـ .
(18) فرائد السمطين : 2 ، 325 ، رقم 575 ، عن حذيفة بن اليمان ـ مؤسّسة المحمودي ـ بيروت ، 1400 هـ .
(19) الصواعق المحرقة : 249 وما بعدها .
(20) البيان في أخبار صاحب الزمان : للكنجي الشافعي : 502 ( ضمن كفاية الطالب ) ، دار إحياء تراث أهل البيت ـ طهران 1404 هـ . الفصول المهمّة : لابن الصبّاغ المالكي : 296 ، منشورات الأعلمي ـ طهران .
(21) عقد الدرر : للسلمي الشافعي : 223 .