الإعجاز في ولادة الإمام المهدي
(عجّل الله فرجه الشريف)(*)
لا ريب أنّ الإعجاز لم يكن هو الطريق الطبيعي لتحقيق ما يريده الله تعالى ، وإنما هو سبيل وطريق يختاره الله تعالى في حالة تعذّر الوسائل والطرق الطبيعية . فالحكمة الإلهية اقتضت أن تسير الاُمور على ما هي عليه إلاّ في بعضها ؛ فإثبات النبي نبوته للناس مثلاً , حيث لا يمكن بالطرق الطبيعية ؛ كإخبارهم بأنه نبي مبعوث ونحوه ، فلا يمكن إثبات نبوته إلاّ عن طريق المعجزة التي لا يمكن التشكيك فيها أبداً إلاّ عناداً واستكباراً ؛ لأنها خارجة عن قدراتهم العادية , فيضطرون إلى التصديق بها .
إذاً قانون المعجزة يأتي في الحالات التي يعجز القانون الطبيعي ـ الأسباب والمسببات الطبيعية ـ من تحقيق ما يريده الله تعالى .
يستفاد من الروايات الواردة بشأن كيفية ولادة الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) أنّ والده الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) اتخذ إجراءات أمنية دقيقة لأجل إخفاء ولادته ؛ فقد ذكرت الروايات أنه طلب من عمّته السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد أن تبقى في داره ليلة الخامس عشر من شعبان , وأخبرها بأنه سيولد فيها ابنه وحجّة الله في أرضه ، فسألته عن اُمّه فأخبرها أنها نرجس .
فذهبت إليها وفحصتها فلم تجد فيها أثراً للحمل ، فعادت للإمام (عليه السّلام) فأخبرته ، فابتسم وبيّن لها أنّ مَثَلَها كمثل اُمِّ موسى لم يظهر بها الحمل ، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ؛ لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى خشية من ظهور موسى المبشّر به . وهذا الأمر جرى مع الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .
وحينما صار وقت طلوع الفجر وثَبَتْ نرجس من نومها فزعة ، فضمّتها حكيمة إلى صدرها ، وقالت لها : اسم الله عليك ، هل تحسين بشيء ؟ قالت : نعم يا عمة . وهنا أمر الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) حكيمة بأن تقرأ عليها سورة الدخان التي تبدأ بقوله تعالى : (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) .
وحينما حان وقت الولادة حدث نوع من الانفصال بين المرأتين ؛ بحيث لا تطّلع حكيمة على نرجس ، وقد عبّر عن ذلك في بعض الروايات بالفترة ؛ وهي نوع من الغفلة أو النعاس أصابتهما معاً , وعبّرت عنه حكيمة بقولها : حتّى غُيّبت عنّي نرجس فلم أرها , كأنه ضرب بيني وبينها حجاب .
والغرض منه عدم الاطلاع على نرجس حين ولادة الإمام (عليه السّلام) .
فرجعت حكيمة مسرعة إلى الإمام العسكري (عليه السّلام) وهي صارخة , فبادرها الإمام (عليه السّلام) بقوله : (( ارجعي يا عمّة ؛ فإنك ستجدينها في مكانها )) .
قالت : فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها , وإذا أنا بها , وعليها أثر من النور ما غشي بصري , وإذا أنا بالصبي ساجداً على وجهه ، جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبّابتيه نحو السماء وهو يقول : (( أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له , وأنّ جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وأنّ أبي أمير المؤمنين ... )) , ثم عدّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه ، فقال : (( اللهم أنجز لي وعدي , وأتمم لي أمري , وثبّت وطأتي , واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً )) .
الأسباب في خفاء الولادة
لأجل الوقوف على الأسباب الأساسيّة في خرق القانون الطبيعي وسلك قانون المعجزة في ولادة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يتوقّف على بيان مقدّمة , وحاصلها :
إنّ الله تعالى خلق البشرية لغاية وهدف ؛ الهدف هو الوصول بالإنسان إلى التكامل , ووعد بأن تكون الهداية من خلال إخراجه من الظلمات إلى النور . وهذا الإخراج التام والكامل سوف يتحقّق في ظل دولة الحقّ التي يقام فيها العدل والقسط في كلِّ أرجاء المعمورة حتّى يتمكّن الإنسان من أداء عبادته على أكمل وجه , وعندئذ تتم له المعرفة , وبها يصل إلى كماله المطلوب منه كما قال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) . وقال : (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنِسَ إلا لِيَعْبُدُونِ) .
اللهمَّ كن لوليك الحجة ابن الحسن , صلواتك عليه وعلى آبائه , في هذه الساعة وفي كل ساعة , ولياً وحافظاً , وناصراً ودليلاً وعيناً حتّى تسكنه أرضك طوعاً , وتمتعه فيها طويلاً
(*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال قد اُخذ من منتدى الخالدون ـ بتصرّف من موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)