السؤال:
لماذا نتوسّل بأهل البيت ( عليهم السلام ) ؟ مع الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والأحاديث الشريفة للشيعة والسنّة ؟
الجواب:
قد خلق الله سبحانه العالم التكويني على أساس الأسباب والمسبّبات ، فلكلّ ظاهرة في الكون سبب عادي يؤثّر فيها بإذنه سبحانه ، فالماء مثلاً يؤثّر على الزرع بصريح هذه الآية : ( وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ) (۱) .
والباء في الآية بمعنى السببية ، والضمير يرجع إلى الماء ، وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادّية ، والقول بتأصّلها في التأثير ، واستقلالها في العمل ، بل الكلّ متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره .
هذا هو الذي نفهمه من الكون ، ويفهمه كلّ من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاصّ كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته ، وأنبيائه ورسله وكتبه ، فالله سبحانه هو الهادي ( وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (۲) .
والقرآن أيضاً هو الهادي : ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (۳) .
والنبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً هو الهادي ، ولكن في ظلّ إرادة الله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (۴) .
فهداية الله تعالى تصل إلى الإنسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها ، وإلى هذا الأصل القويم يشير الإمام الصادق ( عليه السلام ) في كلامه ، فيقول : ( أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وجعل لكلّ سبب شرحاً … ) (۵) .
فعلى ضوء هذا الأساس ، فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادّي ، فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه ، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتي النشأتين ، فلا غرور لمن يطلب رضا الله أن يتمسّك بالوسيلة ، قال الله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (۶) .
فالله سبحانه حثّنا للتقرّب إليه على التمسّك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامّة لا تختصّ بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسّك بكلّ وسيلة توجب التقرّب إليه سبحانه ، وعندئذ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتّى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه ، وهذا ممّا لا يعلم إلاّ من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولولا ورود النصّ لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب بدعة في الدين ، لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين .
ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة ، نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه :
النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها : التقوى ، والجهاد الواردين في الآية ، وإليه يشير الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ويقول : « إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ، فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان فإنّه جُنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة ، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان … » (۷) .
غير أنّ مصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر في ما جاء في الآية ، أو في تلك الخطبة ، بل هي من أبرزها .
النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وتوسّل بها الصحابة والتابعون ، وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه .
ومن تلك الوسائل المقرّبة هم أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
فقد ورد في بعض الروايات : أنّ المراد من الوسيلة في قوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) هم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، منها :
۱ـ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى » (۸) .
۲ ـ قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في قوله تعالى ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) : « أنا وسيلته » (۹) .
۳ ـ ورد في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) : « مستشفع إلى الله تعالى بكم ، ومتقرّب بكم إليه ، ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي ، وإرادتي في كلّ أحوالي وأُموري … » (۱۰) .
۴ ـ ورد في دعاء التوسّل عن الأئمّة ( عليهم السلام ) : « يا سادتي وموالي إنّي توجّهت بكم أئمّتي وعُدّتي ، ليوم فقري وحاجتي إلى الله ، وتوسّلت بكم إلى الله ، واستشفعت بكم إلى الله … » (۱۱) .
۵ ـ ورد في دعاء الندبة : « وجعلتهم الذريعة إليك ، والوسيلة إلى رضوانك … » (۱۲) .
هذا وكانت سيرة أصحاب أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) يتوسّلون بدعائهم ، لأنّ التوسّل بدعاء الإمام لأجل أنّه دعاء روح طاهرة ، ونفس كريمة ، وشخصية مثالية ، ففي الحقيقة ليس الدعاء بما هو دعاء وسيلة ، وإنّما الوسيلة هي الدعاء النابع عن تلك الشخصية الإلهية التي كرّمها الله وعظّمها ، ورفع مقامها وذكرها ، وقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (۱۳) .
فهذا هو علي بن محمّد الحجّال ، كتب إلى الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، وجاء في كتابه : وأصابتني علّة في رجلي ، لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب ، فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علّتي ، ويعينني على القيام بما يجب عليّ ، وأداء الأمانة في ذلك … (۱۴) .
وذكر ابن حجر في كتابه « الصواعق المحرقة » توسّل الإمام الشافعي بآل البيت E :
آل النبـيّ ذريعتـي ** وهـم إليـه وسيلتي
أرجو بهم أعطى غداً ** بيدي اليمين صحيفتي (۱۵) .
وقال الشاعر الصاحب بن عبّاد في ذلك :
وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة ** فوسيلتي حبّي لآل محمّد
الله طهّرهـم بفضل نبيّهم ** وأبان شيعتهم بطيب المولد (۱۶) .
ثمّ من المتّفق عليه جواز التوسّل بدعاء الرجل الصالح ، وبحقّه وحرمته ومنزلته ، فكيف بمن هم سادة وقدوة الصلحاء ؟ ألا وهم أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وتأييداً لما قلنا ، صرّح الزرقاني في شرح المواهب بجواز بل استحباب التوسّل بالنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لزائره (۱۷) وغيرهم .
ــــــــــــــ
(۱) البقرة : ۳۲ .
(۲) الأحزاب : ۴ .
(۳) الإسراء : ۶ .
(۴) الشورى : ۵۲ .
(۵) الكافي ۱ / ۱۸۳ .
(۶) المائدة : ۳۵ .
(۷) شرح نهج البلاغة ۷ / ۲۲۱ .
(۸) عيون أخبار الرضا ۱ / ۶۳ ، ينابيع المودّة ۲ / ۳۱۸ و ۳ / ۲۹۲ .
(۹) مناقب آل أبي طالب ۲ / ۲۷۳ .
(۱۰) عيون أخبار الرضا ۱ / ۳۰۸ .
(۱۱) بحار الأنوار ۹۹ / ۲۴۹ .
(۱۲) إقبال الأعمال ۱ / ۵۰۵ .
(۱۳) الأحزاب : ۳۳ .
(۱۴) كشف الغمّة ۳ / ۱۸۲ .
(۱۵) الصواعق المحرقة ۲ / ۵۲۴ .
(۱۶) مناقب آل أبي طالب ۳ / ۳۹۹ .
(۱۷) شرح المواهب اللدنية ۸ / ۳۱۷ .