الأمر السادس
المهدي(عليه السلام) يؤمّ النبي عيسى(عليه السلام)
إذا كانت الأدلة النقلية في كتب الصحاح وغيرها، تؤكّد حقيقة الإمام المهدي بشخصه واسمه ونسبه وصفاته الاُخرى
فهل زوّد الإنسان المسلم في عصر الظهور بشهادات اُخرى ترسّخ الإيمان به، والطاعة لشخص الإمام بعينه، وتمنعه من الانجراف وراء الأدعياء وتيّارات الانحراف؟
إنّ الروايات الآتية تؤكّد هذه الحقيقة التاريخية وهي أن النبي عيسى(عليه السلام)سوف ينزل من السماء، ويأتمّ بالإمام المهدي بن الحسن العسكري(عليه السلام) :
1 ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف ، عن ابن سيرين قال: «المهدي من هذه الاُمّة، وهو الذي يؤمّ عيسى بن مريم» [1] .
2 ـ ما أخرجه أبو نعيم، عن عبدالله بن عمرو قال: «المهديّ ينزل عليه عيسى بن مريم، ويصلّي خلفه عيسى» [2] .
3 ـ ما قاله المناوي في شرح حديث: «منّا الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه» قال: (منّا) أهل البيت (الذي) أي: الرجل الذي (يصلّي عيسى بن مريم) روح الله عند نزوله من السماء في آخر الزمان، عند ظهور الدجّال (خلفه) فإنّه ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيجد الإمام المهديّ يريد الصلاة، فيحسّ به فيتأخّر ليتقدّم، فيُقدّمه عيسى(عليه السلام) ويصلّي خلفه، فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الاُمّة» [3] .
4 ـ ما قاله ابن برهان الشافعي في نزول عيسى(عليه السلام) : «ونزوله يكون عند صلاة الفجر، فيصلّي خلف المهديّ بعد أن يقول له المهديّ: تقدّم يا روح الله فيقول: تقدّم اُقيمت لك ـ الى أن قال ـ وورد: أنّ المهديّ يخرج مع عيسى فيساعد على قتل الدجّال، وقد جاء أنّ المهديّ من عترة النبيّ(صلى الله عليه وآله)من ولد فاطمة» [4] .
5 ـ ما جاء في فتح الباري : «وقال أبو الحسن الخسعي الآبدي [5] في مناقب الشافعي: تواترت الأخبار ، بأنّ المهديّ من هذه الاُمّة، وأنّ عيسى يصلّي خلفه، ذكر ذلك ردّاً للحديث الذي أخرجه ابن ماجة، عن أنس، وفيه: ولا مهديّ إلاّ عيسى» ثمّ ردّ قول الطيبي بأنّ المعنى: يؤمّكم عيسى حال كونه في دينكم بقوله: «ويعكّر عليه قوله في حديث آخر عند مسلم: فيقال له: صلِّ لنا، فيقول: لا ، إنّ بعضهم على بعض اُمراء تكرمة لهذه الاُمّة».
ثمّ نقل عن ابن الجوزي قوله: «لو تقدّم عيسى(عليه السلام) إماماً لوقع في النفس إشكال، ولقيل: أتراه تقدّم نائباً، أو مبتدئاً شرعاً؟ فصلّى مأموماً لئلاّ يتدنّس بغبار الشبهة ، وجه قوله(صلى الله عليه وآله): «لا نبي بعدي».
ثمّ قال: «وفي صلاة عيسى(عليه السلام) خلف رجل من هذه الاُمّة، مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال: «إنّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجّة» والله أعلم [6] .
6 ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين : «المهدي من هذه الاُمّة وهو الذي يؤّم عيسى ابن مريم» [7]
الأمر السابع
رايـة المهـدي(عليه السلام)
ومن العلامات التي زوّد بها الإنسان المسلم في عصر الظهور لكي يتوقّى بواسطتها الدخول في خطوط الانحراف، وصف راية الإمام المهدي وشعاره المرتقب، حيث تشكّل رايته(عليه السلام)، علامة يهتدي بها المنتظرون لظهوره (عليه السلام) ، لنلاحظ الروايتين التاليتين:
1 ـ عن عبدالله بن شريك، قال: «مع المهدي راية رسول الله(صلى الله عليه وآله)المغلَّبة، ليتني أدركته وأنا أصدعُ» [8] .
2 ـ عن أبي إسحاق عن نوف البكائي: «في راية المهدي مكتوب البيعة لله» [9] .
الأمر الثامن
عطاء الإمام المهدي (عليه السلام)
ممّا لا شك فيه، أنّ العدالة بكل صورها ستتحقق بقيادة المهدي(عليه السلام) ، وتدرّ السماء والأرض خيراتها وتصبح دولته ـ الدولة النموذجية الإلهية الموعودة ـ التي يُسعد فيها الإنسان، إذ لا ظلم ولا حيف ولا فقر ولا فساد.
إنّ النصوص التالية تشير إلى هذه الحقائق:
1 ـ عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، قال: «تنعم اُ مّتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، تُرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلاّ أخرجته، والمال كَدُوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أَعطني فيقول خُذ» [10] .
2 ـ عن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه) ، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): « يكون في اُ مّتي المهدي إن قصر فسبع وإلاّ فتسع ، فتنعم فيه اُ مّتي نعمة لم يتنعّموا بمثلها قط، فتؤتي الأرض اُكلها، ولا تدّخر عنهم شيئاً، والمال يومئذ كدَوس فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، فيقول: خُذ» [11] .
3 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «إنّ في اُ مّتي المهدي، يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ـ زيد الشاك [12] قال قلنا: وماذاك؟ قال: سنين، قال فيجيء إليه رجلٌ فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني، قال: فيحثي له ثوبه ما استطاع أن يحمله» [13] .
4 ـ عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثياً لا يَعُدُّه عدّاً» [14] .
5 ـ وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال، ولا يعدّه» [15] .
الأمر التاسع
معجزات الإمام المهدي (عليه السلام)
إذا كان المهدي الموعود هو أحد الأئمّة المعصومين، حسب عقيدة الشيعة الإمامية; فلابدّ لهذا الإمام(عليه السلام) من مواهب إلهية، كعلمه الواسع وقدرته على فعل المعجزة التي يخرجها للناس كي تتأكد إمامته وخلافته لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، كما كانت تصدر من آبائه ممارسات إلهية غيبية، فآباؤه الأحد عشر من المعصومين كانت لهم معجزات وكرامات تؤكّد منزلتهم الإلهية.
والنصوص التالية تشير إلى هذه الحقيقة:
1 ـ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال: «يومى المهدي للطير فيسقط على يديه، ويغرس قضيباً في بضعة من الأرض فيخضرّ ويورق» [16] .
2 ـ وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال: «تختلف ثلاث رايات، راية بالمغرب وراية بالجزيرة وراية بالشام، تدوم الفتنة بينهم سنة ـ ثم ذكر خروج السفياني وما يفعله من الظلم والجور، ثم ذكر خروج المهدي ، ومبايعة الناس له بين الركن والمقام ـ قال: يسير بالجيوش حتى يسير بوادي القرى في هدوء ورفق، ويلحقه هناك ابن عمّه الحسني في إثني عشر ألف فارس، فيقول له: يابن عمّ ! أنا أحقّ بهذا الجيش منك، أنا ابن الحسن وأنا المهدي فيقول له المهدي: بل أنا المهدي، فيقول له الحسني: هل لك من آية فاُبايعك؟ فيومئ المهدي إلى الطير فيسقط على يديه ويغرس قضيباً في بضعة من الأرض، فيخضرّ ويورق، فيقول له الحسني: ياابن عمّي هي لك» [17] .
الخلاصة :
تبيّن من خلال البحث أن الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي في آخر الزمان ليس مختصّاً بالأديان السماوية، بل شمل حتى المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية.
ومع اعتراف الديانات السماوية بظهور هذا المصلح أضافت الدراسات العلمية للبشارات الواردة في كتب العهدين على وجه الخصوص، بأنّ هذا المصلح هو المهدي(عليه السلام) .
والعلماء من مختلف المذاهب الإسلامية قد سجّلوا اعترافاتهم بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)ابتداءً من سنة (260 هـ ) وحتى الوقت الحاضر.
وعليه فإنّ النظر إلى مجموع أحاديث المهدي(عليه السلام) الواردة في كتب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبي(صلى الله عليه وآله) من دون أدنى تردّد.
فقد ثبت تواترها إجمالاً في كتب أهل السنّة [18] التي أخرجها العلماء والمحدّثون في كتبهم الكثيرة [19] .
وقد صرّح الأعلام منهم كالترمذي المتوفى سنة(297 هـ ) [20] والحافظ أبي جعفر العقيلي المتوفى سنة(322 هـ ) [21] والحاكم النيسابوري المتوفى سنة (405 هـ ) [22] والإمام البيهقي المتوفى سنة (458 هـ ) [23] والإمام البغوي المتوفى سنة (510 هـ ) [24] وابن الأثير المتوفى سنة (606 هـ ) [25] والقرطبي المالكي المتوفى سنة (671 هـ ) [26] وابن تيمية المتوفى سنة (728 هـ ) [27] . والحافظ الذهبي المتوفى سنة (748 هـ ) [28] والكنجي الشافعي المتوفى سنة (658 هـ ) [29] والحافظ ابن القيّم المتوفى سنة (751 هـ ) [30] وغيرهم بصحة أحاديث المهدي حسبما تذكره مؤلّفاتهم.
كما صرّح القسم الآخر من علماء أهل السنّة بتواتر أحاديث المهدي، ونقتصر على ذكر بعضهم كالبربهاري المتوفى سنة (329 هـ ) [31] ومحمد بن الحسن الآبري الشافعي المتوفى سنة (363 هـ ) نقل عنه هذا القرطبي المالكي [32] ، والقرطبي المالكي المتوفى سنة (671 هـ ) [33] والحافظ المتقن جمال الدين المزني المتوفى سنة (742 هـ ) [34] وابن القيّم المتوفى سنة (751 هـ ) [35] وابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ ) [36] وغيرهم.
وبالإضافة الى الأخبار المؤيّدة لتواتر حديثه كالتي تصف شخصه وشمائله وأفعاله ، والأخبار التي تتحدث عن اسمه ونسبه واسم اُمّه واسم أبيه.
ونقيّد المطلق من الأخبار التي تحدّد شخصه كالتي تتحدّث عن كون المهدي من أولاد عبدالمطلب ، وكونه من ولد أبي طالب، ومن أهل البيت(عليهم السلام)، ومن ولد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ومن ولد فاطمة، ومن ولد الحسين، ومن ولد الصادق ، ومن ولد الرضا(عليهم السلام).
وكونه خليفة الله وخاتم الأئمّة وأنّه يؤمّ النبي عيسى(عليه السلام) ، كل هذه النصوص التي تحدّد وتعيّن الإمام المهدي الموعود، الذي بشّر بظهوره خاتم المرسلين محمد(صلى الله عليه وآله) في آخر الزمان، تفيد بأنّه هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا.
وهكذا يتّضح بجلاء أن المهدي الموعود قد ولد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وهو حيّ يرزق.
وأما الاعتناء بتفاصيل خصائصه الجسمية والنفسية والسلوكية، إلاّ شاهد صدق على مدى اهتمام الشريعة بتعيين شخص القائد العالمي الموعود (الإمام المهدي(عليه السلام))، ومصداقه الحقيقي ، لئلاّ يلتبس بغيره، ولئلاّ يستغلّ هذا الموضوع من قبل المستغلّين، وهي فضلاً عن ذلك تزيد الباحث اطمئناناً ويقيناً بقضية الإمام المهدي(عليه السلام) العالمية بخصائصها الإسلامية.