مناظرة ابن عباس مع ابن الزبير(1) في حكم المتعة
  • عنوان المقال: مناظرة ابن عباس مع ابن الزبير(1) في حكم المتعة
  • الکاتب: newshia
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 1:55:31 3-10-1403

خطب ابن الزبير بمكة المكرمة على المنبر وابن عبّاس جالس مع الناس تحت المنبر فقال : إن ها هنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ، يزعم أن متعة النساء حلال(2) من الله ورسوله ، ويفتي في القملة والنملة ، وقد احتمل بيت مال البصرة بالاَمس ، وترك المسلمين بها يرتضخون النوى ، وكيف ألومه في ذلك ، وقد قاتل أُمّ المؤمنين وحواريّ رسول الله صلى الله عليه وآله ومن وقاه بيده ؟؟
فقال ابن عبّاس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بني أسد بن خزيمة : استقبل بي وجه ابن الزبير ، وارفع من صدري ، وكان ابن عبّاس قد كفّ بصره فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير ، وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ، ثم قال : يا بن الزبير :

قـد أنصفت القارة من راماها   إنـا إذا مـافئـة نلقـاهـا
نـرد أولاها علـى أُخراهـا   حتى تَصيرَ حرضاً دعواها

يا ابن الزبير : أما العمى فإن الله تعالى يقول : ( فإنّها لا تعمي الاَبصارُ ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور )(3) ، وأما فتاي في القملة والنملة فإن فيها حكمين لا تعلمهما أنت ولا أصحابك ، وأمّا حملي المال فإنّه كان مالاً جبيناه فأعطينا كلَّ ذي حقّ حقّه ، وبقيت بقية هي دون حقّنا في كتاب الله فأخذناها بحقّنا.
وأمّا المتعة(4) فسل أُمّك أسماء(5) إذا نزلت عن بردي عوسجة ، وأمّا قتالنا أُمّ المؤمنين فبنا سميت أُمّ المؤمنين لا بك ولا بأبيك ، فانطلق أبوك وخالك(6) إلى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها ، ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما ، فما أنصفاالله ولا محمداً من أنفسهما ، أن أبرزا زوجة نبيه صلى الله عليه وآله وصانا حلائلهما.
وأمّا قتالنا إيّاكم فإنّا لقيناكم زحفاً ، فإن كنّا كفاراً فقد كفرتم بفراركم منّا ، وإن كنّا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيّانا ، وأيم الله لولا مكان صفية فيكم ، ومكان خديجة فينا ، لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظماً إلا كسرته .
فلمّا عاد ابن الزبير إلى أُمه سألها عن بردي عوسجة ؟
فقالت : ألم أنهك عن ابن عبّاس وعن بني هاشم فإنّهم كُعُمُ الجواب إذا بُدِهوا.
فقال : بلى ، وعصيتك .
فقالت : يا بني ، احذر هذا الاَعمى الذي ما أطاقته الاِنس والجن ، واعلم أن عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها فإياك وإيّاه آخر الدهر.
فقال أيمن بن خزيم بن فاتك الاَسدي :

يا ابن الزبير لقد لاقيـت بائقة   من البوائق فالطُفْ لطفَ محتال
لاقيـته هاشمياً طـاب مـنبته   في مغرسيه كريم العم والخـال
مازال يقرع عنك العظم مقتدراً   على الجواب بصوت مُسمع عال
حتى رأيتك مثل الكلب منجحراً   خلف الغبيط وكنت الباذخ العالي
إن ابن عبّاس المعروف حكمته   خير الاَنام لـه حال من الحـال
عيرته «المتعة» المتبوع سنتها   وبالـقتال وقـد عيَّرت بالمـال
لما رماك على رسل بأسـهمه   جرت عليك بسيفِ الحال والبال
فاحتز مقولك الاَعلى بشفـرته   حزاً وحياً بـلا قيـل ولا قـال
وأعلم بأنك إن عاودت غـيبته   عادت عليك مخازٍ ذات أذيال(7)

وقد ذكر الراغب الاَصفهاني : أن عبدالله بن الزبير عَيِّر عبدالله بن عباس بتحليله المتعة فقال له : سل أُمّك كيف سطعت المجامر(8)
بينها وبين أبيك ؟
فسألها ، فقالت : ما ولدتك إلاّ في المتعة(9) .
____________
(1) هو : عبدالله بن الزبير بن العوام اُمه أسماء بنت أبي بكر ، هاجرت اُمه أسماء من مكة إلى المدينة وهي حاملٌ به فولدته في سنةاثنين من الهجرة ، وقيل عليه السلام ولد في السنة الاَولى ، وحضر عبدالله الجمل مع أبيه وخالته لقتال أمير المؤمنين عليه السلام ، عُرف بمواقفه العدائية لاَهل البيت عليهم السلام ، وقيل هو الذي أخرج محمد بن الحنفية من مكة والمدينة ، ونفى عبدالله بن عباس إلى الطائف ، وقال فيه أمير المؤمنين عليه السلام : ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبدالله ، وهو أيضاً الذي جمع محمد بن الحنفية وعبدالله بن عباس في سبعة عشر رجلاً من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وحصرهم في شعب مكة وهددهم بضرب أعناقهم أو حرقهم بالنار ، أو يبايعوه ، وحصلت بينه وبين عبدالله بن عباس محاورات ومواقف سجلها التاريخ والتي منها دخول ابن عباس عليه مرّةً فأخذ يؤنّبه ويعنّفه! فقال له عبدالله : والله إني لاَكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ، دعى الناس إلى بيعته وطاعته ، وقد كانت نهاية أمره أن حاصره الحجاج بمكة نحو ستّة أشهر إلى أن قتله وصلبه في سنة 73 هـ .
راجع ترجمته في : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 4 ص 79 ج 20 ص 102 ـ 149 ، مروج الذهب : ج 2 ص 76 ، الاَغاني لاَبي فرج الاِصفهاني : ج 14 ص 217 .
(2) قول ابن عباس بحلية المتعة مما لا ينكره أحد ، فقد كان يعلن بأباحتها صريحاً حتى شاع وذاع تحليله لها ونظم على ألسنة الشعراء ، فقال بعضهم :

قـد قـلـت للشيخ لما طال مجلسه *** يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
وهل ترى رخصة الاَطراف ناعمة *** تكون مثواك حـتـى مـرجع الناس

وقد نص على حليتها أهل البيت عليهم السلام ورواياتهم في ذلك متواترة ووضحة ، كما ثبت على حليتها كثير من الصحابة والتابعين ، قال ابن حزم في المحلى : ج 9 ص 519 ـ 520 في مسألة رقم : 1854 : وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من السلف منهم من الصحابة : أسماء بنت أبي بكر الصديق وجابر بن عبدالله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف ، ورواه جابر بن عبدالله عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله
عليه وآله ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر ، ومن التابعين طاووس وعطاء وسعيد بن جبير ، وسائر فقهاء مكة أعزها الله ، وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بالاِيصال . انتهى . وقال الشريف المرتضى في جواب قاضي القضاة : فأما ادّعاؤه أن أميرالمؤمنين عليه السلام أنكر على ابن عباس إحلالها ، فالاَمر بخلافه وعكسه ، فقد روي عنه عليه السلام بطرق كثيرة أنّه كان يفتي بها ، وينكرعلى من حرّمها وينهى عنها ، وروى عمر بن سعد الهمداني ، عن حُبيش بن المعتمر ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول :
لولا ما سبق من ابن الخطاب في المتعة ما زني إلا شقي ، وروى أبو بصير ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول : سمعت علي بن الحسين عليه السلام يروي عن جده أمير المؤمنين عليه السلام : لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي .
وقد أفتى بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين كعبد الله بن عباس ، وعبدالله بن مسعود ، وجابر بن عبدالله الاَنصاري ، وسلمة بن الاَكوع ،وأبي سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، وابن جريح ، ومجاهد ، وغير ما ذكرنا ممن يطول ذكره ، فأمّا سادة أهل البيت عليهم السلام وعلماؤهم فأمرُهم واضح في الفُتيا بها ، كعليِّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وأبي جعفر الباقر عليه السلام ، وأبي عبدالله الصادق عليه السلام ، وأبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام ، وعلي بن موسى الرضا عليه السلام ، وما ذكرنا من فتيا من أشرنا إليه من الصحابة بها يدل على بطلان ما ذكره صاحب الكتاب من ارتفاع النكير لتحريمها ، لأن مقامهم على الفتيا بها نكرة.
راجع: الشافي في الإمامة للمرتضى : ج4 ص 197 ـ 199 ، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج12 ص 253 ـ 254.
وابن جريج المذكور آنفاً هو من التابعين الذين يرون حلية المتعة وهو : عبد الملك بن العزيز بن جريج ، أبو خالد المكي ، المولود سنة ثمانين والمتوفي سنة تسع وأربعين ومائة ، عُد في كتب الرجال والحديث من أعلام التابعين ، كما احتج به أهل الصحاح ، ذكره الذهبي في ميزانه وقال عنه : وهو في نفسه مجمعُ على ثقتة مع كونه قد تزوج نحواً من سبعين امرأةً نكاح المتعة ، كان يرى الرخصة في ذلك ، وكان فقيه أهل مكة في زمانه.
راجع : ميزان الاعتدال : ج 2 ص 659 ترجمة رقم : 5227 ، شرح الزرقاني على مختصر أبي الضياء : ج 8 ص 76 .
(3) سورة الحج : الآية 46 .
(4) ومن أراد البحث والتوسع في مسألة المتعة والاطلاع على دليل حليتها وبطلان تحريمها ودعوى نسخها فليراجع : الغدير للاَميني :ج6 ص223 ـ 240 البيان للسيد الخوئي1: ص313 ، مقدمة مرآه العقول : ج1 ص273 ـ 325 ، المتعة وأثرها في الاِصلاح الاجتماعي للفكيكي.
(5) هي : أسماء بنت أبي بكر ، ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة وأسلمت على ما في اُسد الغابة بعد نيف وعشرين إنساناً ، وهاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبدالله بن الزبير فوضعته بقباء ، ولقّبها النبي صلى الله عليه وآله باُمّ النطاقين ، لاَنّها صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وآله ولاَبيها لما هاجرا فلم تجد ما تشدّها به فشقت نطاقها وشدّت السّفرة به فسمّاها النبي ذات النطاقين ، وقيل إنها عاشت مائة سنة وماتت سنة ثلاث أو أربع وسبعين. تنقيح المقال للعلاّمة المامقاني : ج3 (فصل النساء) ص69 .
(6) وممن ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج 6 ص 216 ، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الاَزدي قال : كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكة كتاباً : أن خذّلي الناس عن بيعة علي عليه السلام وأظهري الطلب بدم عثمان ، وحمّلا الكتاب مع ابن أختها عبدالله بن الزبير ، فلما قرأت الكتاب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان ، وكانت أُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ بمكّة في ذلك العام ، فلما رأت صنع عائشة ، قابلتها بنقيض ذلك ، وأظهرت موالاة عليّ عليه السلام ونصرته .
(7) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ص 129 ـ 131 ، العقد الفريد للاَندلسي : ج4ص 98 ـ 99 ، مروج الذهب للمسعودي : ج 3 ص 81 نشر دار الاندلس بيروت ، وص 89 ـ 90 نشر مطبعة السعادة القاهرة ، كتاب الفتوح لابن أعثم : ج 6 ص251 ـ 252 ، بتفاوت ، وقد ذكرها باختصار كل من : صحيح مسلم : ج 2 ص 1026 ، والسنن الكبرى للبيهقي : ج 7 ص 205 (ك النكاح) .
(8) مفرده مجمر ، وهو : ما يوضع فيه الجمر مع البخور .
(9) محاضرات الاَدباء للاِصفهاني : ج 3 ص 314 .