ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
  • عنوان المقال: ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
  • الکاتب: المجمع العالمي لأهل البيت (ع)
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:53:2 1-10-1403

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) *

الحالة السياسية :

امتاز العصر العبّاسي الثاني ، الذي بدأ بحكم المتوكِّل سنة (232 هـ ) ، بالنفوذ الواسع الذي تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء وسلبوهم زمام إدارة الدولة ، وأساءوا التعامل مع الأهالي منذ أيام المعتصم الذي سبق المتوكّل إلى الحكم ، وهذا الوضع قد اضطرّ المعتصم لنقل مركز حكمه من بغداد إلى سامراء ؛ بسبب السلوك التركي الخشن وشكاية أهالي بغداد منهم .

كما اتّسم بضعف القدرة المركزية للدولة الإسلامية ، وفقدانها بالتدريج لهيبتها التي كانت قد ورثتها من العصر الأوّل لأسباب عديدة ، منها : انشغال الحكّام بملاذّهم وشهواتهم ، ومنها : سيطرة الموالي ـ ولا سيّما الأتراك ـ على مقاليد السياسة العامة بعد انهماك الحكّام بالملاهي .

وكانت سيطرة الأتراك وقوّادهم قد بلغت حدّاً لا مثيل له ، إذ كان تنصيب الخلفاء وعزلهم يتمّ حسب إرادة هؤلاء القوّاد الأتراك ، وأنتج تعدّد الإرادات السياسية وضعف الخلفاء ظاهرة خطيرة للغاية ، هي قِصر أعمار حكوماتهم وسرعة تبدّل الخلفاء وعدم استقرار مركز الخلافة الذي يمثّل السلطة المركزية للدولة الإسلامية .

وهذا الضعف المركزي قد أنتج بدوره نتائج سلبية أخرى ، مثل : استقلال الأُمراء في أطراف الدولة الإسلامية بالحكم ، والاتجاه نحو تأسيس دويلات شبه مستقلّة في شرق الدولة الإسلامية وغربها ، بل انتقلت هذه الظاهرة بشكل آخر إلى داخل الحاضرة الإسلامية ، فكانت من علائمها بروز حالات الشغب من قبل الخوارج باستمرار منذ سنة (252 هـ ) إلى سنة (262 هـ ) ، وظهور صاحب الزنج في سنة (255 هـ ) ، فضلاً عن ثوّار علويين كانوا يدعون إلى الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، لا سيّما بعد ما عرفناه من كراهة المتوكّل للعلويين وقتله للإمام الهادي ( عليه السلام ) ومراقبته الشديدة للإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) (1) .

الحالة الاجتماعية :

تحدثنا فيما سبق عن الظرف السياسي وملابساته : من عدم الاستقرار وفقدان الأمن ؛ وذلك لتعدُّد الحركات السياسية والمذهبية ، الخارجة على الدولة العباسية في مختلف الأمصار الإسلامية ، فضلاً عن دور الأتراك البارز في خلع وتولية الخليفة العباسي ، وهذا دون شك ينعكس سلبياً على الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها أبناء الأُمة المسلمة ورعايا الدولة الإسلامية ، فينجم عنه توتّر في علاقة السلطة بالشعب ، وعدم استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة لذلك .

كما أن اختلال الظروف السياسية يتسبَّب في التفاوت الاجتماعي وظهور الطبقية ، أو الفئات المتفاوتة في المستوى المعيشي ، والمتباينة في الحقوق والواجبات تبعاً لولائها وقربها أو بعدها من البلاط ورجاله ؛ فانقسم أبناء الأُمة وأتباع الدين الذي كان يركّز على الأُخوة الإيمانية والمساواة والعدل والإنصاف (2) ، إلى جماعة قليلة مترفة ومتمتِّعة بقوّة السلطان ، وأخرى واسعة ، تمثِّل غالبية أبناء الأُمة الإسلامية ، وهي معدمة ومسحوقة ، أنهكها الصراع وزجّها في النّزاعات والحروب ، والتي ما تخمد إحداها حتى تتأجّج الثانية وتتسع لتشمل مساحة أوسع من أرض الدولة الإسلامية (3) ، ثمَّ لتنفصل بعض أجزائها فتكون دولة مستقلة عن مركزية الدولة وغير خاضعة لها ـ وأطلق المؤرِّخون عليها مرحلة : ( إمرة الأُمراء ) (4) ـ إضافة إلى الدولة المستقلة كما هو الحال بالنسبة لأمارة الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية ( 254هـ ) والدولة السامانية (261 ـ 389هـ ) وغيرها ... ممّا أدّى إلى تفكّك وسقوط الدولة العباسية فيما بعد سنة ( 656 هـ ) .

لقد كان المجتمع الإسلامي في أواخر العصر العباسي الأوّل يتألف من عدة عناصر ، هي : العرب والفرس والمغاربة وظهر العنصر التركي أيضاً على مسرح السياسة في عهد المعتصم الذي اتّخذهم حرَّساً له ، وأسند إليهم مناصب الدولة وأُهمل العرب والفرس . ولمَّا رأوا الخطر المحدق بهم من قبل الأتراك ، استعانوا بالمغاربة والفراغنة وغيرهم من الجنود المرتزقة (5) .  كما نلاحظ انقسام المسلمين في هذا العصر إلى شيع وطوائف ، وتعرّض المجتمع الإسلامي إلى أنواع التنازع المذهبي المؤدِّي إلى التفكّك أيضاً . فهناك أهل السُنة الذين كانوا يشكّلون السواد الأعظم ويتمتّعون بقسط وافر من الحرية المذهبية والطمأنينة النفسية في عهد نفوذ الأتراك ، وهناك الشيعة الذين كانوا يقاسون كثيراً من العنت والاضطهاد (6) .

وهذا لا يعني الالتزام الديني من قبل حكَّام الدولة العباسية بالمذهب السنّي ، بقدر ما يوضح لنا أنَّ موقفهم هذا كان من أجل التصدّي لحركة الأئمة في الأُمة ومحاصرتها بمختلف الوسائل والطرق ، والتي منها : دعم ومساندة فِرق وحركات تحمل توجُّهات السلطة ، وترى السلطة فيها استتباب الوضع لها ولا تخشى من تمرّدها ، فهي تعيش على فتات موائدها وبذلها وبذخها لهم ؛ من أجل ديمومة الحكم واستمرار السلطة للخلفاء . ولم يكن هذا ليدوم بدخول العنصر التركي الذي كان يميل إلى البذخ والسيطرة ، وعدم الخضوع إلى سلطة الخليفة العباسي كما أوضحنا .

أمَّا بالنسبة إلى التفكُّك الاجتماعي في هذا العصر ، فيمكن ملاحظته من خلال طبقات المجتمع في هذا العصر ، وهي :

1 ـ " طبقة الرقيق " ، وكانت مصر وشمالي أفريقية وشمالي جزيرة العرب من أهم أسواق الرقيق الأسود ، وقد جُلب كثير من الزنجيات والزنوج لفلاحة الأرض وحراسة الدور . وإنّ كثرة الزنج في العراق أدّت إلى قيام ثورة الزنج التي دامت أكثر من أربع عشرة سنة (255 ـ 270هـ ) (7) .

وكلَّفت هذه الثورة الدولة والأُمة الكثير من الأموال والدماء لإخمادها ؛ ممَّا أسهم بشكل كبير في إضعافها .

2 ـ " أهل الذمة " ، وهم اليهود والنصارى ، ولم تتدخل الدولة في شعائرهم ، بل على العكس ، كان يبلغ من تسامح الحكّام أنَّهم كانوا يحضرون مواكبهم واحتفالاتهم ويأمرون بحمايتهم (8) .

3 ـ " رجال البلاط والملاّك وغيرهم " ممَّن لهم نفوذ كبير في سياسة الدولة وتأثير واسع في الوضع الاقتصادي والاجتماعي .

4 ـ " عامة الناس " والذين أجهدتهم الضرائب والحروب والخلافات والمنازعات الداخلية .

5 ـ ونشأت طبقة واسعة من " الرقيق وغيرهم من المغنِّيات " اللاَّئي كنَّ يُحيين ليالي اللهو للخلفاء وغيرهم ، وقد ارتفعت أسعارهنَّ بشكل ملفت للنظر (9) ؛ ممَّا أدَّى أخيراً إلى إضعاف العلاقة داخل البلاط نفسه ، وبين البلاط وقواد الجيش من أتراك وغيرهم ، فضلاً عن آثاره السلبية على المجتمع عامة .

الحالة الثقافية :

انتشرت الثقافة الإسلامية في هذا العصر انتشاراً يدعو إلى الإعجاب بفضل الترجمة من اللغات الأجنبية ، وخاصة اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية .

والعامل الأول في ذلك ، هو حثُّ الإسلام المسلمين على طلب العلم واعتباره فريضة على كلّ مسلم ومسلمة . كما حظي العلماء بتشجيع من الخلفاء والسلاطين والأمراء ورجال العلم والأدب . وكانت مراكز هذه الحركة الثقافية في بلاط السامانيين والغزنويين والبويهيين والحمدانيين في الشرق ، وفي بلاط الطولونيين والإخشيديين والفاطميين في مصر ، وفي بلاد الأُمويين في الأندلس .

ويضاف إلى ذلك ظهور كثير من الفِرق التي اتّخذت الثقافة والعلم وسيلة لتحقيق مآربها السياسية .

وكان للجدل والنقاش الذي قام بين هذه الفرق من ناحية ، وبينها وبين العلماء الرسميين ـ أي فقهاء السلطة ـ من ناحية أخرى ، أثرٌ كبيرٌ في هذه النهضة العلمية التي كان يتميَّز بها هذا العصر ، وخاصّة في القرن الرابع الهجري ، على الرغم ممَّا انتاب العالم الإسلامي بوجه عام من تفكك وانحلال ، وما أصاب الدولة العباسية من ضعف ووهن (10) .

الحالة الاقتصادية :

اعتنى العباسيون بالزراعة وفلاحة البساتين التي قامت على دراسة علمية (11) ، وذلك بفضل انتشار المدارس الزراعية التي كان لها الأثر الكبير في إنارة عقول المسلمين .

ولمَّا كانت الزراعة تعتمد على الري ، اهتم العباسيون بتنظيم أساليبه وجعل الماء مباحاً للجميع ؛ ولذلك عملوا على تنظيمه في مصر والعراق واليمن وشمال شرقي فارس وبلاد ما وراء النهر ، وبلغ هذا النظام شأواً بعيداً من الدقة ، حتى إنَّ الأُوربيين أدخلوا كثيراً من هذه النُّظم في بلادهم .

واعتنت الدولة العباسية بصيانة السدود والترع ، وجعلوا جماعة من الموظفين أطلق عليهم اسم " مهندسين " ، وكانت مهمَّتهم المحافظة على السدود عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ؛ خشية انبثاق الماء منها فيما إذا حدث ثغر من الهدم والتخريب (12) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* اقتباس قسم المقالات في شبكة الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي، المصدر: أعلام الهداية، الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) ، تأليف : المجمع العالمي لأهل البيت (ع) .

(1) راجع : الكامل في التاريخ ، ومروج الذهب ، أحداث السنين : ( 232 ـ 256 هـ ) .

(2) قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات : 10 ) ، وقال ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( الناس سواسية كأسنان المشط ) ، انظر : السرخسي ، المبسوط : 5 / 23 ، ولسان الميزان : 2 / 43 ، باختلاف يسير.

(3) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ : 4 ، أحداث السنين ( 248 ـ 322 هـ ) .

(4) حسن ، د. حسن إبراهيم ، تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 26 وما بعدها .

(5) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 422 ـ 423 .

(6) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 423 .

(7) تاريخ الطبري : 7 ، أحداث السنين (255 ـ 270 هـ ) .

(8) الحضارة الإسلامية : 268 ، وتاريخ الإسلام السياسي : 3 / 424 .

(9) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 435 .

(10) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 332 .

(11) تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 319 ، بتصرُّف .

(12) مسكويه ، تجارب الأُمم  : 2 / 296 ـ 297 بتصرُّف . وقال المعتزلي : الهندسة أصلها بالفارسية : أندازه ، إي المقدار ، والمهندس أي المقدِّر .