السنّة والبدعة
  • عنوان المقال: السنّة والبدعة
  • الکاتب: الشيخ خالد الغفوري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 3:3:38 2-9-1403

 السنّة:

* لغة:

الطريقة والسيرة، وأصلها من قولهم: سننت الشيء بالمسن إذا أمررته عليه حتى يؤثّر فيه سناً، أي: طريقاً، والجمع سنن: كغرفة وغرف.

وقيل: معناها الدوام، من قولهم: سننت الماء إذا واليت في صبّه.

وقيل: هي الطريقة المحمودة، فإذا أطلقت انصرفت إليها، وقد تستعمل في غيرها مقيدة: كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( من سنّ سنّة سيئة...)) (1).

* اصطلاحاً:

عند الفقهاء تطلق على ما يقابل البدعة (2)، وربما استعملها الكلاميون بهذا المعنى.

كما تطلق على ما يقابل الفريضة، أي: ترادف المستحبّ، كما تطلق السنن أحياناً على خصوص الرواتب اليومية (3).

وأمّا الأصوليون: فقد اختلفوا فيها سعةً وضيقاً على أقوالٍ، منها:

1 ـ   : كلّ ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قولٍ وفعلٍ ـ ما لم يكن على وجه الإعجاز ـ وتقرير(4).

2 ـ هي: كلّ ما يصدر عن المعصوم (عليه السلام) قولاً وفعلاً وتقريراً، فتشمل: سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) من بعده.

3 ـ وقد أضاف إليها الشاطبي سنّة الصحابة (5)

كما أنّ البعض قد أضاف إليها قيوداً أخرى (6)

وتقسّم السنّة على المشهور إلى قطعية: كالخبر المتواتر، وغير قطعية: كخبر الآحاد.

من الواضح أنّ السنّة هي ثاني الأدلة الشرعية الأساسية بعد القرآن لاستنباط الأحكام، فهي تبيّن لنا ما أجمل من الآيات وتقيّد وتخصص وتؤسس، ومعرفة ذلك من قبل المجتهد الخبير بالشريعة، كما أنّه يتمكن من تشخيص الصحيح من السنّة من المكذوب والمختلق وفق قواعد محددة، قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (7)، وفي الحديث الشريف: ((كلّ من تعدّى السنّة ردّ إلى السنّة)) (8)، (( ومن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني)) (9)، ((ومن تمسك

بسنتي في اختلاف أمتي كان له أجر مائة شهيد)) (1)، ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي...)) (2)

وقد عنى المسلمون عناية فائقة بالسنّة وجمعت ضمن كتبٍ خاصةٍ، ومن جملة المصادر المهمة الأولى ما يلي:

1 ـ جامع البخاري وجامع مسلم ( الصحيحان)

2 ـ سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه.

3 ـ الكتب الأربعة، وهي: الكافي الكليني والفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي) وغير ذلك من عشرات المصنفات القديمة والحديثة.

البدعة:

* لغة:

ـ اسم من بدع الشيء يبدعه بدعاً، وابتدعه: إذا أنشأه وبدأه لا على مثال.

والبدع: المحدث الجديد، ومنه قوله تعالى: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ) (3) أي: ما كنت أوّل من أرسل.

والبديع: المحدث العجيب.

والبديع أيضاً: من أسماء الله تعالى، ومعناه: المبدع ؛ لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها، قال تعالى:

(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (4)

وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة، ومنه قوله تعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ) (5)

ـ والبدعة: الحدث، والجمع: بدع، ولكن غلب استعمالها فيما نقص من الدين أو زيد فيه (6).

* اصطلاحاً:

ـ ( لا تكاد تبتعد كثيراً عن المعنى اللغوي): وهي: نسبة ما ليس من الدّين إلى الدّين، أو نفي ما كان منه عنه.

وينتزع من التعريف ما يلي: ـ

1 ـ أنّ الأمور المباحة والتي أرجعها الشارع إلى الناس من ترتيب شؤون حياتهم ومعاشهم: كطريقه المأكل والملبس والمسكن ووسائط النقل، وما يحدث من تطور في مجال الاختراعات والتكنولوجيا والنظريات العلمية، كلّ ذلك ليس من البدعة في شيء.

2 ـ أنّ البدعة ليست مختصة بالعبادات، بل هي أعمّ.

3 ـ وكذلك أنّ البدعة أعمّ مما خالف النصّ أو الإجماع.

4 ـ أنّ البدعة قد تكون في الاعتقادات، كما أنّها قد تكون في التشريع.

ـ وقد اختلفت كلمات الفقهاء في تحديد مفهوم البدعة على اتجاهات عديدة، منها:

الاتجاه الأول:

فقد ذهب فريق من العلماء إلى ذمّ البدعة، وقرروا أنّ البدعة كلّها ضلالة، سواء في العادات أو العبادات، وعرّفوها بتعاريف مختلفة كلّها تنفي الحسن عن البدعة، وإلى ذلك ذهب أكثر فقهاء الإمامية، ومن الجمهور: مالك بن أنس، والشاطبي، والطرطوشي، ومن الحنفية: الشمني، والعيني، ومن الشافعية: البيهقي، وابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيثمي، ومن الحنابلة: ابن رجب، وابن تيمية، ومن المتأخرين الشيخ محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، والشيخ دراز، والأستاذ حسن البنا، واستدّلوا على ذلك بأدلةٍ منها:

أ ـ قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (1) الدال على كمال الشريعة.

ب ـ ورود عدّة آيات تذمّ المبتدعة في الجملة: كقوله تعالى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ )(2).

جـ ـ كلّ ما ورد من أحاديث نبوية شريفة في البدعة جاء بذمها: كحديث العرباض بن سارية ((... وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة)) وغيره(3).

د ـ واستدلّ أيضاً بالإجماع، بل كون ذلك من ضروريات الدين والملة (4).

ـ وينبغي التنبيه على أنّ بعض الفقهاء قصر البدعة على العبادات فقط (5).

وبعضهم فرّق بين الاختراع والابتداع ؛ لأنّ الثاني فيه إسناد إلى الشرع دون الأوّل (6)، وبعضهم قيدها بما إذا كان التشريع للغير لا لنفسه وذلك بإراءته ما ليس بشرع شرعاً (7)، وبعضهم قسّمها إلى محرّم ومكروه (8).

الاتجاه الثاني:

حيث ذهب بعض الفقهاء إلى إطلاق البدعة على كلّ حادث لم يوجد في الكتاب والسنّة، سواء أكان في العبادات أم العادات، وسواء أكان مذموماً أم غير مذموم، ومن القائلين بهذا: الإمام الشافعي، والعزّ بن عبد السلام، والنووي وأبو شامة، ومن المالكية الزرقاني، ومن الحنفية: ابن عابدين، ومن الحنابلة: ابن الجوزيّ، ومن الظاهرية: ابن حزم، وقال الشهيد الثاني من الإمامية: قد يقال: إنّ مطلق البدعة ليس بحرام، بل قسّمها بعضهم إلى الأحكام الخمسة(9).

ويرى أصحاب هذا الاتجاه انقسام البدعة إلى الأحكام الخمسة (واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة) وضربوا أمثلة لذلك.

واستدلوا لذلك بأدلة منها:

أ ـ قول عمر في صلاة التراويح جماعة في المسجد في رمضان (نعم، البدعة هذه) (1).

ب ـ تسمية ابن عمر صلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة (2)، وهي من الأمور الحسنة.

جـ ـ الأحاديث التي تفيد انقسام البدعة إلى الحسنة والسيئة من قبيل: ما روي مرفوعا:ً (( من سنّ سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) (3).

ـ وثمّة تقسيمات أخرى أعرضنا عن ذكرها اختصاراً (4).

* الحكم الشرعي للمبتدع:

وهو واضح على ضوء الاتجاه الثاني، حيث ذهبوا إلى التقسيم الخماسي.

وأمّا وفق الاتجاه الأولي: فيدور الأمر بين الحرمة والكراهة.

وقد اتفق العلماء على أنّ البدعة في العقيدة محرّمة، وقد تصل إلى حدّ الكفر إذا كان فيها مخالفة للمعلوم من الدين بالضرورة.

ويترتب على المبتدع بعض الآثار من حيث:

1 ـ عدم قبول روايته عند بعض.

2 ـ وسقوط عدالته وما يتبع ذلك من أحكام.

3 ـ عدم الصلاة عليه عند بعض.

4 ـ عدم قبول توبته على رأي البعض استناداً لأحاديث شريفةٍ في ذلك.

* ما يجب على المسلمين تجاه أهل البدع:

1 ـ تصدّي العلماء لإظهار حجج الإسلام وإماتة البدع، فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إذا ظهرت البدع في أمتّي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله)) (5).

2 ـ أمر المبتدع بالمعروف ونهيه عن المنكر.

3 ـ عدم مخالطة المبتدع وعدم احترامه وعدم عيادته إذا مرض، فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أتى ذا بدعة فعظّمه، فإنّما يسعى في هدم الإسلام)) (6)

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (( إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم)) (7).

4 ـ كراهة السلام عليه.

ـــــــــــــــــــــــ

1 ـ مجمع البحرين: المنجد، أقرب الموارد، إرشاد الفحول.

2 ـ الوافي 1: 302، نهاية ابن الأثير.

3 ـ الموسوعة الكويتية 25.

4 ـ حاشية العطار على جمع الجوامع.

5 ـ الموافقات.

6 ـ مجمع البحرين، إرشاد الفحول.

7 ـ الحشر: 7.

8 ـ الكافي 1: 71.

9 ـ الكافي 2: 85.

1 ـ بحار الأنوار 2: 262.

2 ـ صحيح مسلم، والترمذي والنسائي وغيرهم...

3 ـ الأحقاف: 9.

4 ـ البقرة: 117.

5 ـ الحديد: 27.

6 ـ مجمع البحرين، لسان العرب، المنجد.

1 ـ المائدة: 3.

2 ـ الأنعام: 153.

3 ـ الموسوعة الكويتية 8: 21.

4 ـ كشف الغطاء: 53.

5 ـ كشف الغطاء: 53.

6 ـ كشف الغطاء: 53.

7 ـ عوائد الأيام: 110.

8 ـ ذكرى الشيعة.

9 ـ روض الجنان.

1 ـ البخاري / الفتح تراويح 2.

2 ـ البخاري / الفتح 3: 599.

3 ـ مسلم 2: 5 ـ 7.

4 ـ الموسوعة الكويتية 8: 30.

5 ـ الكافي 1: 54.

6 ـ الكافي 1: 54.

7 ـ الكافي.