من سير الأطهار
دروس من الأخلاق العملية للإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
الشيخ هادي حسن العاملي
الإمام جعفر
بن محمد الصادق (عليه السلام) فرع كبير مشرق من تلك الدوحة النبوية الكريمة
الباسقة .
. . غرف من بحور مدينة علم جده الرسول الأعظم
(صلّى الله عليه وآله وسلم) وآبائه الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وزانه
الله تعالى بعظيم الخلق وأنبل السجايا والصفات ، فكان في زمانه قبلة أنظار
أهل العلم والدارسين، وقدوة المتقين السالكين، وما زالت آثاره الخالدة
ومآثره الطيبة تشع نوراً وهدى على مدى الأجيال.
وحسبنا ونحن نضيء هذه الصفحات القليلة بقبس من جذوة عطائه الجمّ ، أن
نتعرّف على بعض سجاياه وتعاليمه، مما نقلته إلينا الكتب من روايات كثيرة
تكشف عمّا أراد الإمام (عليه السلام) أن يؤدب به أصحابه وأهل الإيمان،
مقتصرين على نبذة يسيرة من الروايات المتضمنة العديد من دروس الأخلاق
العملية.
أخلاقه مع أهل مجلسه:
روي أنه كان
يجلس للعامة والخاصة ، ويأتيه الناس من الأقطار يسألونه عن الحلال والحرام،
وعن تأويل القرآن وفصل الخطاب، فلا يخرج أحد منهم إلاّ راضياً بالجواب(1).
وروي عن أبي هارون مولى آل جعدة أنه قال: كنت أجالس الصادق (عليه السلام)
في المدينة، فانقطعت عن مجلسه أيّاماً، فلما أتيته، قال:
(( يا أبا هارون كم من الأيام لم أرك فيها ؟ )) قلت: ولد لي
ولد، قال: (( بارك الله لك فيه ، ماذا أسميته؟ ))
قال: محمداً، فلما سمع باسم محمد أطرق إلى الأرض وهو يقول:
(( محمد محمد محمد )) ، حتى كاد وجهه
يلتصق بالأرض، ثم قال: (( روحي وأمي وأبي وأهل
الأرض جميعاً لك الفداء يا رسول الله )) ، ثم قال:
(( لا تسب هذا الولد ولا تضربه ولا تسيء إليه،
واعلم أنه ما من بيت فيه اسم محمد، إلاّ طهر وقدّس كل يوم
))(2).
وكان الفضل بن عمر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسمع من
ابن أبي العوجاء بعض كفرياته، فلم يملك غضبه، فقال: يا عدوّ الله، ألحدت في
دين الله، وأنكرت الباري جل قدسه، إلى آخر ما قال له، فقال ابن أبي
العوجاء: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك، فإن ثبت لك الحجة تبعناك ،
وإن لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما
هكذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلك يجادلنا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت ،
فما أفحش في خطابنا، ولا تعدّى في كلامنا، ويصغي إلينا، ويستغرق حجتنا، حتى
إذا استفرغنا ما عندنا وظننا أنا قد قطعناه أدحض حجتنا بكلام يسير، وخطاب
قصير يلزمنا به الحجة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه رداً، فإن كنت من
أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه(3).
وافتقد يوماً رجلاً من أهل مجلسه، فقيل: هو عليل ، فأتاه عائداً فجلس عند
رأسه فوجده في حال الاحتضار، فقال له: (( أحسن
ظنّك بالله )) ، فقال: ظني بالله حسن ، لكن غمّي من أجل بناتي،
فما أكربني إلاّ الغصة عليهنّ، فقال (عليه السلام):
(( الذي ترجونّ لتضعيف حسناتك ومحو سيئاتك فارجه لإصلاح بناتك. ألم تعلم أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) روى أنه لما جاوز سدرة المنتهى ليلة
المعراج وانتهى إلى أغصانها.. فناداه الله عز وجل: أن يا محمد لقد أنبتناها
من هذا المكان الذي هو أعلى الأمكنة لتغذية بنات المؤمنين وأبنائهم من
أمّتك، فقل لآباء البنات أن لا يضيقوا بقلة ذات اليد ، فإني كما خلقتهم
أرزقهم ))(4).
]
أخلاقه مع ضيوفه:
عن عبد
الرحمن بن الحجاج قال: أكلنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) فأتينا بقصعة
من أرز فجعلنا نعذر(5)
فقال: (( ما صنعتم شيئاً، إن أشدّكم حباً لنا
أحسنكم أكلاً عندنا )) ، قال عبد الرحمن: فرفعت كشعة المائدة
فأكلت فقال: (( نعم الآن )) ، ثم أنشأ
يحدثنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهدي له قصعة أرز من ناحية
الأنصار ، فدعا سلمان والمقداد وأباذر (رحمهم الله) ، فجعلوا يأكلون أكلاً
جيداً ، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): ((
رحمهم الله ورضي الله عنهم وصلى عليهم ))(6).
وعن عبد الله بن سليمان الصيرفي قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)،
فقدّم إلينا طعاماً فيه شواء وأشياء بعده، ثم جاء بقصعة من أرز، فأكلت معه،
فقال: (( كل )) ، قلت: قد أكلت، فأكلت
معه، فقال: (( كل ))، قلت : قد أكلت،
قال: (( كل فإنه يُعتبر حب الرجل لأخيه بانبساطه
في طعامه )).
وعن ابن أبي يعفور قال: رأيت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ضيفاً، فقام
يوماً في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال:
(( نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن
أن يستخدم الضيف ))(7).
أخلاقه مع عبيده وخدمه:
كان رؤوفاً
بهم ، يراعي ضعفهم واستكانتهم ، وكان يجازيهم بالإحسان إليهم والرفق بهم ،
وإن أساؤوا إليه.
ففي حديث أنه لما أعتق أحد عبيده كتب: (( هذا ما
أعتق جعفر بن محمد ، أعتق غلامه السندي فلاناً على أنه يشهد أن لا إله إلا
الله ، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن البعث حق، وأن الجنة
حق، وأن النار حق، وعلى أنه يوالي أولياء الله ، ويتبرّأ من أعداء الله ،
ويحل حلال الله ، ويحرم حرام الله، ويؤمن برسل الله، ويقرّ بما جاء من عند
الله، أعتقه لوجه الله لا يريد به منه جزاء ولا شكوراً، وليس لأحد عليه
سبيل إلا بخير، شهد فلان ))
(8).
وفي يوم من الأيام بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد الله (عليه
السلام) على أثره لما أبطأ، فوجده نائماً فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه،
فلما انتبه قال له أبو عبد الله (عليه السلام):
(( يا فلان ، والله ما ذلك لك ، تنام الليل والنهار ؟ لك الليل ولنا منك
النهار ))(9).
أخلاقه مع الفقراء والسائلين:
كان أرأف
أهل زمانه بالفقير أو المسكين ، مهما كان طريقه ومعتقده حتى لو كان على غير
طريقته (عليه السلام).
خرج في أحد الأيام وكان معه المعلى ابن خنيس فقال: ( ... فإذا أنا بجراب من
خبز، فقلت: جعلت فداك أحمله عليّ عنك؟ قال: ((
لا، أنا أولى به منك ، ولكن امض معي )) ، قال: فأتينا ظلة بني
ساعدة ، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد
منهم حتى أتى على آخرهم، ثم انصرفنا، فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق ؟
فقال (عليه السلام): (( لو عرفوا لواسيناهم
بالدقة )),(والدقة هي الملح))(10).
ودخل الأشجع السلمي على الصادق (عليه السلام) فوجده عليلاً فجلس وسأل عن
علة مزاجه، فقال له الصادق (عليه السلام): ((
تعدّ عن العلة واذكر ما جئت له ))، فقال:
ألبسك الله
منه عافية * * * في نومك المعتري وفي أرقك
تخرج من جسمك السقام كما * * * أخرج ذل الفعال من عنقك
فقال (عليه
السلام) لغلامه: (( يا غلام ما معك ؟ ))
قال: أربع مائة، قال: (( أعطها للأشجع
))
(11).
وعن مفضل بن قيس بن رمانة قال: دخلت على الصادق (عليه السلام) فشكوت إليه
بعض حالي وسألته الدعاء، فقال: (( يا جارية هاتي
الكيس الذي وصلنا به أبو جعفر )) ، فجاءت بكيس ، فقال:
(( هذا كيس فيه أربعمائة دينار، فاستعن به ))
، قال: قلت: والله جعلت فداك ما أردت هذا، ولكن أردت الدعاء، فقال،
(( ولكن لا تخبر الناس بكل ما أنت فيه فتهون
عليهم ))(12).
عن هشام بن سالم قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أعتم وذهب من
الليل شطره ، أخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم، فحمله على عنقه، ثم ذهب إلى
أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم ولا يعرفونه، فلمّا مضى أبو عبد
الله (عليه السلام) فقدوا ذلك، فعلموا أنه كان أبو عبد الله (صلوات الله
عليه)(13).
قال أبو عبد الله (عليه السلام) لمحمد ابنه: ((
كم فضل معك من تلك النفقة ؟ )) قال: أربعون ديناراً ، قال:
(( أخرج وتصدق بها، فإن الله (عزّ وجل) يخلفها، أما علمت أن لكل شيء
مفتاحاً؟ ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدّق بها )) ، ففعل فما لبث
أبو عبد الله إلا عشرة حتى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار، فقال:
(( يا بني أعطينا الله أربعين ديناراً فأعطانا الله أربعة آلاف دينار
))(14).
وفي حديث أن فقيراً سأل الصادق (عليه السلام)، فقال لغلامه:
(( ما عندك ؟ )) قال: أربعمائة درهم،
قال: (( أعطه إياها ))، فأعطاه،
فأخذها وولى شاكراً ، فقال لغلامه: (( أرجعه ))
: فقال: يا سيدي سألت فأعطيت فماذا بعد العطاء؟ فقال له:
(( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خير
الصدقة ما أبقت غنى ، وإنّا لم نغنك ، فخذ هذا الخاتم ، فقد أعطيت فيه عشرة
آلاف درهم ، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة
))(15).
قال إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده
المعلى ابن خنيس ، إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فقال: يابن رسول الله
أنا من مواليكم أهل البيت، وبيني وبينكم شقة بعيدة، وقد قل ذات اليد ولا
أقدر أن أتوجه إلى أهلي إلا أن تعينني، قال: فنظر أبو عبد الله (عليه
السلام) يميناً وشمالاً، وقال: (( ألا تسمعون ما
يقول أخوكم ؟ إنما المعروف ابتداء، فأما ما أعطيت بعدما سأل فإنما هو
مكافأة لمن بذل لك من ماء وجهه ))، ثم قال:
(( فيبيت ليلته متأرقاً متململاً بين اليأس والرجاء لا يدري أين يتوجه
بحاجته، فيعزم على القصد إليك، فأتاك وقلبه يجب (يضطرب) وفرائصه ترتعد، وقد
نزل دمه في وجهه، وبعد هذا فلا يدري أينصرف من عندك بكآبة الرد أم بسرور
النجح، فإن أعطيته رأيت أنك قد وصلته )) ، وقد قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم): (( والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة وبعثني بالحق نبياً، لما يتجشم من إباك أعظم مما ناله من
معروفك ))، قال: فجمعوا للخراساني خمسة آلاف درهم ودفعوها إليه(16).
أخلاقه مع من أساء إليه:
كان (عليه
السلام) يجازي المسيئين بالإحسان ، ويعفو عمن أساء إليه ويدعو له.
قال أبو جعفر الخثعمي: أعطاني الصادق (عليه السلام) صرّة فقال لي:
(( ادفعها إلى رجل من بني هاشم ولا تعلمه أني
أعطيتك شيئاً ))، قال: فأتيته، قال: جزاه الله خيراً ما يزال كل
حين يبعث بها فنعيش بها إلى قابل، ولكني لا يصلني جعفر بدرهم في كثرة ماله(17).
وفي كتاب الفنون: نام رجل من الحجاج في المدينة فتوهم أن هميانه سرق، فخرج
فرأى الصادق (عليه السلام) مصلياً ولم يعرفه، فتعلق به وقال له: أنت أخذت
همياني، قال: (( ما كان فيه ؟ )) قال:
ألف دينار، قال: فحمله إلى داره ووزن له ألف دينار وعاد إلى منزله، فوجد
هميانه، فعاد إلى جعفر (عليه السلام) معتذراً بالمال، فأبى قبوله وقال:
(( شيء خرج من يدي لا يعود إلي ))،
قال: فسأل الرجل عنه، فقيل: هذا جعفر الصادق (عليه السلام)، قال: لا جرم
هذا فعال مثله(18).
وكان بين الإمام وبين بعض بني الحسن حساسية وكانوا يتصورون أن الإمام
يحسدهم حين ينهاهم عن القيام والتحرك ورفع السيف حيث كان يعلم بما لا
يحيطون به علماً، وفعلاً كانت نتائج أعمالهم سفك دمائهم.
فوقع بين الإمام الصادق (عليه السلام) وبين بني عبد الله بن الحسن كلام في
صدر يوم ، فأغلظه في القول عبد الله بن الحسن ، ثم افترقا وراحا إلى المسجد
، فالتقيا على باب المسجد ، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن
الحسن: (( كيف أمسيت يا أبا محمد ؟ ))
قال: بخير ـ كما يقول المغضب ـ فقال: (( يا
أبا محمد ، أما علمت أن صلة الرحم يخفف الحساب )) ، فقال : لا
تزال تجيء بالشيء لا نعرفه، فقال: (( إني أتلو
عليك به قرآناً ))، قال: وذلك أيضاً؟ قال:
(( نعم )) ، قال: فهاته ، قال: قال
الله عزّ وجل: (وَالّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ
اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ
الْحِسَابِ)(19).
قال: فلا تراني بعدها قاطعاً رحماً
(20).
وروي أن رجلاً أتى أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: إن ابن عمك فلاناً
ذكرك فلم يدع شيئاً من سيء القول إلا قاله فيك، فأمر جارية أن تأتيه
بوضوئه، فتوضأ وانصرف إلى الصلاة، قال الراوي: فقلت في نفسي: سيدعو عليه،
وبعد أن صلى (عليه السلام) ركعتين، قال: (( يا رب
هو حقي قد وهبته ، وأنت أجود مني وأكرم فهبه لي، ولا تؤاخذه بي ولا تقايسه
))(21).
في جملة من أخلاقه:
عن يعقوب
السراج، قال: كنا نمشي مع أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يريد أن يعزي ذا
قرابة له بمولود له، فانقطع شسع نعل أبي عبد الله (عليه السلام) فتناول
نعله من رجله، ثم مشى حافياً، فنظر إليه ابن أبي يعفور، فخلع نعل نفسه من
رجلة، وخلع الشسع منها وناولها أبا عبد الله (عليه السلام)، فأعرض عنه
كهيئة المغضب ، ثم أبى أن يقبله، وقال: (( لا ،
إن صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها )) ، فمشى حافياً حتى دخل
على الرجل الذي أتاه ليعزيه(22).
وعن شعيب قال: تكارينا لأبي عبد الله (عليه السلام) قوماً يعملون في بستان
له وكان أجلهم إلى العصر، فلما فرغوا قال لمعتب:
(( أعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم ))(23).
عن أبي جعفر الفزاري قال: دعا أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) مولى له
يقال له: مصادف، فأعطاه ألف دينار وقال له: ((
تجهز حتى تخرج إلى مصر، فإن عيالي قد كثروا ))، قال: فتجهز
بمتاع وخرج مع التجار إلى مصر، فلما دنوا من مصر استقبلتهم قافلة خارجة من
مصر، فٍِسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة، وكان متاع العامة،
فأخبروهم أنه ليس بمصر منه شيء، فتحالفوا وتعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم
من ربح دينار ديناراً، فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلى المدينة، فدخل مصادف
على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعه كيسان في كل واحد ألف دينار، فقال:
جعلت فداك هذا رأس المال وهذا الآخر ربح، فقال:
(( إن هذا الربح كثير، ولكن ما صنعتم في المتاع ؟ )) فحدّثه كيف
صنعوا وكيف تحالفوا ، فقال: (( سبحان الله تحلفون
على قوم مسلمين ألاّ تبيعوهم إلاّ بربح الدينار ديناراً ؟! ))
ثم أخذ الكيسين ، فقال: (( هذا رأس مالي ولا حاجة
لنا في هذا الربح ))، ثم قال: (( يا
مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال
))(24).
عن معتب قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) وقد تزيّد السعر بالمدينة:
(( كم عندنا من طعام ؟ )) قال: قلت:
عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرة، قال: (( أخرجه
وبعه )) ، قال: قلت له: وليس بالمدينة طعام؟! قال:
(( بعه ))، فلما بعته قال:
(( اشتر مع الناس يوماً بيوم ))،
وقال: (( يا معتب اجعل قوت عيالي نصفاً شعيراً
ونصفاً حنطة، فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها، ولكني
أحب أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة))(25).
عن الشقراني قال: خرج العطاء أيام المنصور، وما لي شفيع، فوقفت على الباب
متحيراً، وإذا بجعفر بن محمد (عليه السلام) قد أقبل، فذكرت له حاجتي، فدخل
وخرج، وإذا بعطائي في كمّه فناولني إيّاه وقال:
(( إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن لمكانك منا، وإن القبيح من كل أحد
قبيح، وإنه منك أقبح لمكانك منا ))(26).
وإنما قال الإمام له ذلك هذا لأنه كان يشرب الشراب ، فمن مكارم أخلاق
الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قضى حاجته ووعظه على وجه التعريض.
ـــــــــــ
1 ـ منتهى الآمال، 2: 164.
2 ـ م. ن. ص166.
3 ـ م. ن.
4 ـ م. ن. ص167.
5 ـ نقصر في الأكل: يأكلون قليلاً.
6 ـ الكافي، 6: 278، حديث.
7 ـ م. ن. ص328، حديث.
8 ـ الكافي، 6: 181 حديث. البحار، 47: 44، حديث 58.
9 ـ الكافي، 8: 87، حديث، البحار 47: 56، حديث 97.
10 ـ ثواب الأعمال، 129، ومراده: لأشركناه معنا في كل شيء حتى في أرخص الأثمان وهو الملح.
11 ـ البحار، 47: 243، ذيل حديث 26.
12 ـ رجال الكشي، 121، البحار، 47: 34، حديث 31.
13 ـ الكافي، 4: 8، حديث.
14 ـ م. ن. ص9، حديث.
15 ـ البحار، 74: 61، ذيل حديث 116.
16 ـ م. ن. حديث 118.
17 ـ البحار، 47: 23، ذيل حديث 26.
18 ـ م. ن.
19 ـ الرعد: 21.
20 ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة، 2: 375.
21 ـ منتهى الآمال، 2: 167.
22 ـ الكافي، 6: 464، حديث. البحار.
23 ـ الكافي، 289، حديث، البحار، 47: 57، حديث 105.
24 ـ الكافي، 5: 161، حديث. البحار 47: 59، حديث 111.
25 ـ الكافي، 5: 166، حديث. البحار، م. ن. حديث 112.
26 ـ منتهى الآمال، 2: 166.