حياة الإمام الصادق وقبس من أخلاقه وآدابه
  • عنوان المقال: حياة الإمام الصادق وقبس من أخلاقه وآدابه
  • الکاتب: مؤسسة الكوثر
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:13:29 1-9-1403

حياة الإمام الصادق وقبس من أخلاقه وآدابه

 مؤسسة الكوثر

الإمام الصادق عليه السلام علم بين علماء الإسلام، تلقّى علومه على أب أجمع العلماء على وصفه بأنه (باقر العلوم)، وعلى جدّ اشتهر بمطالعته الإلهية وتسبيحاته العلوية، وبأنه أتقى الأتقياء، وزين العابدين، وهو الإمام السجاد، وقد نهض الصادق عليه السلام بعصره وهيأه، لدرس المعارف الإلهية، والعلوم التجريبية، فالتفّ حوله العلماء، ونقلوا عنه وحملوا ما نقلوا إلى الأمصار البعيدة والعصور.

1ـ مدرسة آل البيت:

انطلقت مسيرة العلم في الإسلام بقوة عندما أمن المسلمون أمر دينهم، بل جاءت مصاحبة لحركة الفتوح وموازية لها وقد تبلورت هذه المسيرة في خطين متداخلين ونهجين متمايزين هما:

1 ـ حركة آل البيت عليهم السلام.

2 ـ حركة الصحابة والتابعين.

أما حركة آل البيت فتمتلكها المدرسة التي بشّر بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، إذ جعلها أحد الثقلين عندما قال: ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، وقال صلّى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)). ثم تشكّلت هذه المدرسة مع الإمام علي وولده عليهم السلام، فكانوا سنة لمدينة العلم وأعلامها، وبذلك نشأت أول مدرسة فكرية في الإسلام، وأسهمت إسهاماً عظيماً في تقدّم المسلمين، وتطوير حياتهم الفكرية، ولم تقتصر على العلوم الشرعية التي على أساسها قامت، وبلغت فيها شأواً عظيماً، بل تعدتها إلى علوم تجريبية، وفكرية عامة يخوض فيها الفكر العربي الإسلامي لأول مرة في تاريخه من الفلسفة والحكمة والطب والكيمياء وعلم الكلام والسياسة والادارة والاقتصاد وغيرها، وعلى هذا الأساس لُقب الإمام الخامس محمد عليه السلام ـ في اعتقادي ـ بباقر العلوم، وتبعه الصادق على نهجه واجتهد فيه، ومما زاد من أهمية هذه المدرسة وشأن علومها، قيامها بخطوة عملية مهمة، تمثلت في تدوين العلوم، وكان التدوين محظوراً قبل ذلك.

إلى جانب هذه المدرسة نهضت حركة علمية أُخرى من الصحابة، والتابعين انكبت على علوم التشريع الديني، واتخذت لنفسها نهجاً خاصاً، قوامه التقليد؛ نظراً لحرصها الشديد على ألا تقول في الدين ما ليس فيه، إلى الحفاظ على صورة الوحي نقية من الأفكار الدخيلة والتحريف.

ولم تكن هاتان الحركتان في بداية الإسلام سوى حركة واحدة، تستقي من نبع واحد هو الوحي، والحديث النبوي، وكان الإمام علي عليه السلام، وبعض الصحابة الأخيار مراجع الناس في فهم الدين وأحكامه، ويذكر ابن سعد في طبقاته: شاممت أصحاب رسول الله فوجدت علمهم انتهى إلى ستة، إلى:عمر ، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، فشاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله، وعلى كل حال فقد عُدّ بضعة من الصحابة هم الطبقة الأولى في العلم، ثم تكاثر العدد بعد ذلك، دون أن يبلغوا المستوى العلمي للطبقة الأولى.

وقد تفرق هؤلاء العلماء في البلاد الإسلامية، بل وُزّعوا على أقاليمها قصداً في تعليمها فاستقلوا فعلياً كل بنهجه، ظاهري أو آخذ بالرأي أو آخذ بالتأويل على اختلاف مستويات الوعي لديهم، واختلاف المستوى العلمي لأبناء الأقاليم.

غير أن مدرسة الأئمة عليهم السلام كانت أكثر التزاماً وتماسكاً، فخطها واحد، ونهجها واحد ومنبعها منها قريب، لذلك تميزت بحرية إبداء الرأي وقوة المنطق، وإنها مهما بلغت في التأويل والتفصيل فهي لا تتعدى حدود الوحي، بل كانت غايتها أن تدرك الحدود القصوى لمعاني الكتاب العزيز، وأن تترجم معانيه إلى قواعد عملية تبني حياة المسلمين على نهج صحيح.

لقد كانت هذه المدرسة نموذجية في صناعة الإنسان الأمثل في الإسلام، بل هي مدرسة الإنسانية المثلى، وكانت مدرسة المدينة الإسلامية بحق.

وإشارات النهج عميمة إلى أركان هذه المدرسة، فقد استودع الله علم كتابه صدورهم: فـ((هم موضع سرّه ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه))، ثم يتجه النهج إلى جموع المسلمين، التي بدأت تنتشي بحطام الدنيا، يدعوها إلى الالتفاف حول آل البيت: ((فأين تذهبون؟ وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنابر منصوبة؛ فأين يتاه بكم؟ وكيف تعمهون؟ وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمّة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق؛ فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيّم العطاش)).

ويردد الإمام الصادق عليه السلام مضمون كلامه بكلام آخر: ((إن الله تعالى أوضح بأئمة أهل الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل مناهجه، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه)).

علوم آل البيت عليهم السلام إذن جمة ومتنوعة، تشتمل على علم الكتاب والنبوة والإمامة وعلوم الدنيا، منها علم يقوم على فهم الدين وإفهامه، وعلم مكنون خاص بهم يتوارثونه، وفيه يقول الإمام علي عليه السلام: ((بل اندمجت على مكنون علم لو بُحتُ به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة))، علم بالملاحم الكونية والأرضية، علم تضاعفت مساحاته فهو كافٍ وافٍ (، ـ يقول الإمام عليه السلام : ((فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض)).

وليس قوله عليه السلام من باب التبجّح بالعلم بقدر ما هو فيض نبوي استقاه من النبع الإلهي، فاستحقت هذه المدرسة أن تكون أحد الثقلين بعد كتاب الله، فهي مدرسة الالتزام بالدين.

2ـ عصر الصادق عليه السلام وتقاطع الفكر والسياسة:

والحق أنه لا يمكن فهم مكانة الصادق عليه السلام في تاريخ الفكر، إلا في ضوء النسب الدموي والديني من ناحية، وفي ضوء العصر الذي ينتمي إليه بل والتاريخ الإسلامي الكلّي من ناحية ثانية.

كان عصر الصادق عليه السلام خطيراً من الناحيتين: السياسية، والفكرية. ولم يكن عليه السلام بمعزل عن الأحداث بل كان في خضمّها وهو المنتمي إلى آل البيت، ويُنظر إليه كما نُظر إليهم على أنهم منقذو هذه الأمة، من الظلم والفوضى والفساد والانحراف عن الدين، التي لازمت العصر الأموي طوال عهود رجاله.

لقد أدرك الصادق عليه السلام طرفاً كبيراً من العصر الأموي يبلغ ثماني وأربعين سنة، ثم شهد انتقال الدولة منهم إلى بني العباس، وعاصر منهم السفاح ثم المنصور، وكان الخطر في كلا الدولتين محيقاً بآل البيت، وكان الناس لا يتصلون بهم إلا من طريق الحذر والتكتم.

ولم يكن عليه السلام ممن يتزلف إلى ملوك عصره، وكان مستقيماً في نهجه، سلاحه الإيمان بالله الأوحد، وعلم جم. وآثر البقاء على الخط الفاصل بين العلم والسياسة، مستلهماً موقف علي عليه السلام من الخلافة وموقف الحسن من معاوية، فلم يسقط في شراك أهل السلطان، أو يقع ضحية النهوض بثورة لا أمل لها في النجاح، فقد رأى في الحياد مصلحة الأُمة، لكنّ الحياد لم يبعد عنه الخطر الذي كان يحفّ به في كل وقت.

( والواقع إن الدولة تعتبر، بدءاً من الأمويين، بمثابة البنية السياسية المنغمسة في محيط أيديولوجي، يميل أكثر فأكثر للهيمنة على الرؤيا الدينية، في الوقت الذي راح يوسع بالتدريج من دائرة نشاطه ونفوذه الدنيوي. ثم ازدادت الأمور توسّعاً في الاتجاه نفسه بمجيء العباسيين، فقد كانت الثقافة الدنيوية والمؤسسات السياسية وتقاليد البلاط والحياة الاقتصادية، متأثّرة بالتراث الساساني، والفكر الإغريقي والتقاليد والعادات الحية الناشطة، أكثر مما كانت متأثرة بالتعاليم الدينية، بل أصبحت المدارس الدينية بمثابة بؤر منعزلة في زوايا المساجد، يؤمها طلبة العلم ممن لم تغرهم الحياة).

وليس القصد من ذلك أن الفكر يتبع السياسة دائماً، وإنما القصد أن السياسة قد تمارس سلطتها على الفكر، وتنفيه من دائرة الحياة لتضعف فعاليته، فلا يشكّل خطراً على نهج الحكّام الذي بدأ يتحلل في تلك العصور من الأصول التي قام لأجلها.

هكذا نجد المسار الفكري في أواخر العصر الأموي، وأوائل العصر العباسي، وهو عصر الصادق عليه السلام، بدأ يشهد انزياحاً عن الخط الديني للعصر الإسلامي الأول، في هذا العصر كانت الفتوحات قد توقفت أو كادت، وكانت عناصر حضارات متباينة تتلاقى مستفيدة من الأجواء الزمانية التي غلبت على العصر الأموي، ومن انفتاح العباسيين على العناصر الأجنبية لتوظّف خبراتها في إدارة الدول.

في هذه المواجهة كان الإسلام من جهة، وبقايا المجوسية وبعض أهل الكتاب، أو من لهم شبهة كتاب من جهة ثانية، وأهل المعرفة من هؤلاء كانوا متأثرين بآثار الفلسفة اليونانية، كما انتهت إليهم من مدارس الاسكندرية، والرها ونصيبين وانطاكيا، أي بصورتها الافلاطونية الحديثة وتأويلاتها الغنوصية.

وتحت تأثير هذا اللقاء والمواجهة من جهة، وتحت تأثير الصراعات الداخلية، وتلك المجتمعات البعيدة ـ وهي مجتمعات خليطة ـ عن سلطة الأحكام الدينية، وانصراف الحكّام إلى الشؤون الدنيوية من جهة ثانية، بدأت تظهر بين المسلمين تيارات الغلو والإلحاد، لتبث بين الناس أفكاراً غريبة عن أهل الدين، فيتلقفها من كان في نفوسهم مرض.

3ـ الإلحاد ومذاهبه:

والواقع إن ظاهرة الإلحاد من أخطر الظواهر في تطور الحياة الروحية، وهي ظاهرة شاذة تنمو في جسد المجتمعات المتدينة، وتختلف وفقاً لروح الحضارة التي انبثقت عنها.

أما العوامل التي أدت إلى ظهور الإلحاد في الإسلام فتعود إلى:

ـ استنفاذ القوى الدينية طاقاتها في الدوائر البعيدة عن المركز خصوصاً، وضعفها.

ـ الانتقام الشعوبي، وهو عامل سياسي اجتماعي بدأ يتفاعل في ظل السياسة العنصرية التي مارسها بنو أُمية.

ـ نزعة التنوير، وهي نزعة فكرية سيطرت على عقول تأثرت بالمنطق اليوناني.

ولا شك في أن الإلحاد في أعلى درجاته هو إنكار لوجود الله، بل هو تلبس إبليس الذي يدفع ضعاف النفوس إلى الشك بفعالية الدين، والكف عن العمل بمقتضى تعاليمه.

وعلى ذلك فالإلحاد درجات، الشك المنهجي، استخفاف بالدين وأهله، النفاق والزندقة ثم الكفر والإلحاد.

أما المذاهب التي عرفها المجتمع الإسلامي ومهدّت لهذه المواقف فأهمها:

ـ الغنوصية.

ـ المجوسية.

ـ الزندقة.

ولا بد من كلمة موجزة عن كل منها، لنقف قليلاً عند ظاهرة الزندقة التي شاع ذكرها في المؤلفات، وكانت فاعلة نوعاً ما في المجتمع الإسلامي، وهي على كل حال تجمع كل المعاني المتضمنة في المذاهب المذكورة.

أ ـ الغنوصية:

الغنوصية كلمة يونانية معناها المعرفة، غير أنها اكتسبت بعد ذلك معنى اصطلاحياً صوفياً هو المعرفة بواسطة الكشف دون الاستدلال والبرهان، وقد تلّبست هذه الدلالة جماعة عاش أفرادها في القرون الأربعة الأولى من ميلاد المسيح، فخلطوا الإيمان بأنواع مختلفة من التفكير الشرقي القديم، وبعض المذاهب اليونانية، وكوّنوا من هذا كلّه معتقداً صوفياً يقول: بالثنائة من المادة والذات الإلهية.

وكانت الهللينية قد تطعمت بالغنوصية، ويرى المستشرق بكر Becker أن القرآن كان يؤثر تأثيراً مضاداً للروح الهللينية التي تغلغلت في عصره، ثم بدأ الصراع بين الإسلام وكل ألوان الفكر التي واجهته، على صورة مناظرات كلامية، بل إنّ غنوص المانوية، والمذاهب الشبيهة بها كانت خطراً مباشراً على الإسلام، لذلك نرى أن المواجهة كانت حامية بين المذاهب الإسلامية وهذه المعتقدات.

الغنوصية إذن فلسفة عامة تتجمع فيها كل الأفكار التي تؤمن بالقدرة على توحيد جميع النظم الفكرية، دينية وغير دينية، في فلسفة إنسانية لا حدود لها.

ب ـ المجوسية:

هي الاسم الأعم الذي أُطلق على جملة معتقدات المجوس (ويقال لهم الدين الأكبر والملة العظمى)، وقد انقسم المجوس بين عبدة الكواكب، وعبدة الأصنام والثنوية، والأخيرة اختصت بالمجوس حتى أثبتوا أصلين إثنين مدّبرين قديمين يقتسمان الخير والشر.. يسمون أحدهما النور والثاني الظلمة، وبالفارسية (يزدان) و(أهريمن)، ومسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين: إحداهما بيان سبب امتزاج النور بالظلمة، والثانية سبب خلاصه منها. وجعلوا الامتزاج مبدأ والخلاص معاداً..، إلاّ أن المجوس الأصليين زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي والظلمة محدثة، ثم لهم اختلاف في سبب حدوثها؛ أمن النور حدثت، والنور لا يحدث شراً؟! أو شيء آخر، ولا شيء يشارك النور في الإحداث والقدم؟!.

وبذلك يظهر خبط المجوس، وتعددت فرقهم بعد ذلك في تفسير هذه المسائل الأولية وأهمها: الزرادشتية، والمرقونية، والديصانية، والمانوية.

احتجاج الصادق عليه السلام على زنادقة المجوس ورأيه في بعض مذاهبهم:

وقد لا يصّرح الملحد بمعتقده، وإنما يدل عليه بأسئلة منكرة وماكرة، كسؤال أحد الزنادقة الإمام الصادق عليه السلام عمن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة مؤذية، فلم يستطع التفصّي منها إلا بامتزاجه منها ودخوله فيها، فمن تلك الطينة خلق الأشياء.

قال الصادق عليه السلام: ((سبحان الله تعالى ـ ما أعجبها! يوصف بالقدرة ولا يستطيع التفصّي من الطينة، إن كانت الطينة حيّة أزلية، فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبّرا العالم من أنفسهم، فإن كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت والفناء؟ وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي، والميت لا يجيء منه حيّ)).

ويحدد الصادق عليه السلام هوية هذه المقالة، فإذا هي ((مقالة الديصانية وهم أشد الزنادقة قولاً وأوهنهم مثلاً)).

ويفند الصادق عليه السلام مقالات المجوس حول النور والظلمة، ويثبت تهافت تلك المعتقدات وتفاهتها، ويُسأل عن قصّة ماني، فيجيب عليه السلام بأنه متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية، فأخطأ الملتين ولم يصب مذهباً واحداً منهما، وزعم أن العالم دُبر من إلهين، نور وظلمة، وأن النور في حصار من الظلمة، فكذّبته النصارى وقبلته المجوس.

كل ذلك يدل على أن الصادق عليه السلام كان عارفاً بمعتقدات الأمم متهيّأً للرد عليها، خصوصاً وأنها كانت تستخدم سلاحاً لتقويض العقيدة الإسلامية. ولقد تبلورت هذه المعتقدات، وبعضها يبدو موحداً وإن لم يهتدِ إلى الواحد تعالى وصفاته، تبلورت في حركة علمية غزت المجتمع الإسلامي، وعكست أفكار الثنوية، ألا وهي الزندقة.

فكيف انتشرت الزندقة، وما هي وجوهها؟ وكيف تعامل الإسلام معها؟.

جـ ـ الزندقة

هي من الفارسية ومعناها يتصل بزند Zeand أي التفسير، والمراد منها كتاب التفسير الذي وضع لكتاب افستا Avesta ليشرح أحكامه وغوامضه.

وهي عند بعضهم متحولة من كلمة صدّيقين أي الملتزمين بأداء الواجبات الدينية من رهبانية وزهد، ثم استعملت على المانوية جميعاً، وعلى الإلحاد عموماً، وقد ترددت هذه الكلمة كثيراً في عصر الصادق عليه السلام على الألسنة، وكثر اتهام الناس بها حقاً وباطلاً، وقد استفحل خطرها في العصر العباسي، وكان اسم الزندقة مقروناً بالمجّان في عهد المنصور، حيث يذكر الطبري (أن المنصور وجه مع محمد بن أبي العباس بالزنادقة والمجان فكان فيهم حماد عجرد، فأقاموا معه بالبصرة يظهر منهم المجون، وإنما أراد بذلك أن يبغضه إلى الناس)، ولم يعرف للمنصور مع ذلك ميل إلى اضطهادهم أو القضاء على تيارهم.

والحق إن كلمة الزندقة لم يكن معناها واحداً عند الناس، فمعناها عند العامة مقرون بالاستهتار والمجون، وتعكس السير الذاتية لبعض الشعراء وأشعارهم هذا المعنى بوضوح.

وهناك معنى آخر للزندقة كان يفهمه الخاصة، ويعنون به اعتناق الإسلام ظاهراً والتدين بدين الفرس القديم باطناً، وخاصة مذهب ماني ومزدك.

ممن تدينوا بعقيدة الزندقة عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي كان يفسد أحاديث الرسول بما يضع فيها، ويعترف حين هم المنصور بقتله بأنه وضع أربعة آلاف حديث مكذوب مصنوع، ومنهم حماد الراوية وابن المقفع، والأخير كان مجوسياً لاشتهاره بالقيام بطقوس المجوس قبل أن يسلم، قام بترجمة (ديستاو) و(كتاب مزدك) وأهم كتاب له (كليلة ودمنة)، وقد ضمنه باب برزويه في نقد الأديان، حيث يتحدث عن تعارض الأديان، وعن عدم التوصل إلى اليقين فيها، بينما يعتبر العقل وحده أعظم وسيلة وأفضلها للمعرفة. كان ابن المقفع يرمي إلى نشر الإلحاد، والتحلل من الإسلام بالذات، وقد تبين للبيروني ذلك القصد في تشكيك ضعيفي العقائد في الدين، وهذا ما رواه المهدي عنه في قوله: (ما وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع).

ومن الطبيعي أن يتصدى رجال الدين، والفكر في الإسلام لهذه العقائد مجتمعة، فيكشفوا عن تهافتها وخطرها على الإسلام، وكان الصادق عليه السلام معنياً أكثر من غيره في تسفيه مقولاتهم، وجرياً على النهج الذي عرف به آل البيت عليهم السلام فقد كان يحاورهم مستمعاً إليهم وراداً عليهم باسلوب اعتمده القرآن الكريم في الرد على خصومه، وهو الجدال بالتي هي أحسن، عملاً بالآية الكريمة:

(ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ )

4ـ الجدال على نهج الصادق عليه السلام:

والجدال في الواقع، اسلوب علمي يقوم على دفع الحجّة بالحجّة لإفحام الخصم، وقد عرفه الإسلام واحتلّ حيزاً مهماً في الكتاب العزيز، ونهض به النبي والأئمة الأبرار والعلماء من بعده، وقد جعل الصادق هذا النهج في نوعين: الجدال بالتي هي أحسن، والجدال بغير التي هي أحسن. ثم أخذ يشرح المراد بكل نوع: أما الجدال بغير التي هي حسن فإن تجادل به مبطلاً، فيورد عليك باطلاً، فلا ترده بحجة قد نصبها الله، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقاً، يريد بذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجّة؛ لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم.

((وأما الجدال بالتي هي أحسن هو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له، فقال الله له حاكياً عنه: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)، فقال الله تعالى في الرد عليه: ( قُلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنشَأَهَا أَوّلَ مَرّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الّذِي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِنْهُ تُوقِدُونَ ).

فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟ قل: (يحييها الذي أنشأها أول مرة) أفيعجز من ابتدأ به لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى؟! بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال: (الّذِي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِنْهُ تُوقِدُونَ )، أي إذا أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها، فعرّفكم أنه على إعادة ما بلي أقدر، ثم قال: (أَوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى‏ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى‏ وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ )، أي إذا كان خلق السموات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوّزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟)).

فالجدال الشرعي يرتكز إذن على العلم بكتاب الله ودفع شبه المبطلين به، وليس برأي خاص قد يخطئ المرء فيه أو يصيب، وهو في الحالين يبقى قابلاً لأخذ ورد، فيضع صاحبه والخصم في محك من يملك رأياً أقوى وبلاغة أمضى.

وعلى هذه القاعدة واجه الصادق عليه السلام أصحاب الأفكار الشاذة ودحض حججهم وفّند آراءهم، وأصاب مقاتلهم فعادوا على أعقابهم فاشلين، في النيل من بنيان الإسلام وشموخ علم الصادق عليه السلام، أو آمنوا بالحق وانضموا تحت لوائه.

ويذكر كل من الشيخ الصدوق والطبرسي وغيرهما، جملة من المواقف التي واجهها الإّمام عليه السلام مع الزنادقة والملحدين، وهي تدل على غزارة علمه ووضوح نهجه وإيمانه بحرية الرأي، مع ثقته بالقدرة على دفع شكوك سائليه دون أن تبدر منه بادرة غضب مهما كان السؤال منكراً أو بادرة ضعف، بل قد يبلغ في اجاباته مبلغاً من العمق لم تصله الفلسفة فيما بعد.

5ـ نماذج من الاحتجاج الجعفري مع تعليقات عليها:

أ ـ بادر أبو شاكر الديصاني، وهو أحد الملاحدة على الديصانية المجوسية، يوماً هشام بن الحكم بالقول: إن في القرآن آية هي قوة لنا ـ لمذهبه وأهله ـ قال وما هي؟ فقال: (وَهُوَ الّذِي فِي السّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ )، قال هشام: فلم أدرِ بما أجيبه، فحججت فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام، فقال: ((هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة، فإنه يقول فلان، فقل ما اسمك بالبصرة، فإنه يقول فلان، فقل: كذلك الله ربنا في السماء إله وفي الأرض إله وفي البحار إله وفي كل مكان إله))، قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته، فقال: هذه نقلت من الحجاز.

ويبدو من القول أن هذا الثنوي، لما كان قائلاً بإلهين: النور، والظلمة، فقد أوّل الآية بما يوافق مذهبه، فأجاب الإمام عليه السلام بأن الله تعالى مسمى بهذا الاسم في السماء والأرض، وهو واحد أحد.

ب ـ ويتعرض الديصاني نفسه للإمام يوماً يسأله: (ما الدليل على أن لك صانعاً؟ فيجيبه الإمام عليه السلام: ((وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إما أكون صنعتها أنا، أو صنعها غيري، فإن كنت صنعتها فلا أخلو من إحدى معنيين: إما أن أكون صنعتها وكانت موجودة فقد استغنت بوجودها عن صنعتها، وإما كانت معدومة، فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئاً، فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعاً وهو رب العالمين))، فقام الملحد وما أحار جوابا.

وأنت ترى الإمام عليه السلام يقلب أمور المسألة على وجوه شتّى وكل أمر يعرضه منطقياً، فلا يترك للسائل ثغرة ينفذ منها أو يحتج بها ليصل أخيراً إلى ما يؤيد الكتاب العزيز فيتقيد به.

ج ـ ويقدم عليه زنديق من مصر، فيبحث عنه ليناظره، فيلقاه في مكة فيسأله الإمام عليه السلام عن الأرض والسماء وما تحتهما وما فوقهما وما خلفهما، فينكر الزنديق معرفته بكل ذلك، ثم يقول الصادق عليه السلام: ((وأنت جاحد بما فيهن، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان، يذهبان ويرجعان؟ قد اضطرّا ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلِمَ يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهاراً أو النهار ليلاً؟ اضطرّا والله يا أخا مصر؛ إن الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر فإن كان هو يذهبهم فلم يردهم؟ وإن كان يردّهم فلم يذهب بهم؟ أما ترى السماء مرفوعة والأرض موضوعة لا تسقط السماء على الأرض، ولا تنحدر الأرض فوق ما تحتها، أمسكها والله خالقها ومدبّرها))، ويذكر الطبرسي أن الزنديق آمن بهذا القول ورجع عن معتقده.

وأنت ترى الإمام عليه السلام هنا، مرة أخرى، يتسقط نقاط الضعف في منطق خصمه ومذهبه، ويقوده إلى الاعتراف بها من ناحية، ثم يأتيه بالصورة الصحيحة التي نص عليها القرآن من ناحية ثانية، والنص في هذه المسألة هو قوله تعالى:

( لاَ الشّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللّيْلُ سَابِقُ النّهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )، ( وَهُوَ الّذِي خَلَقَ اللّيْلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).

فينزع من نفس خصمه أفكاراً متهافتة ليزرع مكانها أفكاراً صحيحة سليمة مؤيدة بالقرآن الكريم.

ويبدو هنا أن الدهرية، وهي أثر جاهلي على القول: ( وَمَا يُهْلِكُنَا الاّ الدّهْرُ)، مذهب إلحادي خطير ظلّ شائعاً بين ضعاف النفوس من العامة والعلماء على السواء، على أساس أنه يرفع عنهم تكاليف العبادة ويتركهم في حياتهم يعمهون، وقد حكى الله تعالى عنهم قولهم: (مَا هِيَ إِلّا حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا الاّ الدّهْرُ ).

فهذا رأي الملحدين الذين كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله تعالى، كالمرض والعافية والجدب والخصب والبقاء والفناء، إلى الدهر؛ جهلاً منهم بالصانع جلّت عظمته أو انكاراً له تعالى، وكانوا في الأحوال السلبية التي تعتريهم يذمون الدهر، فنسب حديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله)).

وإذا كان الجهل بالصانع قاد الأوائل إلى الدهرية، فإن هذا المذهب قاد المتأخرين عن علم به إلى انكار الصانع، فالدهرية إذن مذمومة على كل حال، وإنّا نجد اليوم من لا يزال عليها، ويعتقد بها.

د ـ ويأتي إلى الصادق عليه السلام ملحدٌ آخر هو عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي مرّ ذكره، وكان من تلامذة الحسن البصري، فانحرف عن التوحيد قائلاً عن صاحبه: (إن صاحبي كان مخلطاً، يقول طوراً بالقدر وطوراً بالجبر، فما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه). قدم هذا الزنديق مكة متمرداً انكاراً على من يحج، وكانت العلماء تكره مجالسته لخبث لسانه وفساد طويته، فلقي الصادق عليه السلام بأفكاره المنكرة وسفهه المعهود قائلاً: (إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، إن من فكر في هذا وقدّر، علم أن هذا فعل أسسّه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبو أسّه ونظامه).

فقال أبو عبد الله: ((إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذبه وصار الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، جعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق من أطيع فيما أمر، وانتهى عمّا نهى عنه وزجر الله المنشئ الأرواح والصور)).

(فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على الغائب، فقال أبو عبد الله: ((ويلك! كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم)).

والمناظرة طويلة بين الإمام والزنديق، والصادق عليه السلام قد رأى سفه هذا الملحد، كما رأيتم، برفعه الحكمة عن الله تعالى وإنكاره فريضة الحج والعمرة؛ فكان جوابه عليه السلام محكماً إذ بدأه بمنطق نفسي مستوحى من الكتاب بحق من أضله الله وجعل وليه الشيطان؛ ليهلكه بضلاله، ثم يسفّه رأيه في تلك الفريضة، ويبيّن حضور الله في خلقه بمعاني آيات لا تخفى إلا على من كان في قلوبهم مرض.

وتكثر المواقف التي ناظر فيها الصادق عليه السلام هؤلاء الملحدين والزنادقة وتتعدد أنواع المسائل وألوانها، وهي تسعى جميعاً إلى هدم بنيان هذا الدين، وقد حصنه الله، لعودة إلى جاهلية عربية أو ثنوية فارسية أو صوفية غنوصية أو بدع تتلاقى جميعها في معاداتها لهذا الدين الحق، لكنّ الصادق عليه السلام لم يتخاذل يوماً عن مواجهة هذا التيّار الخطير، بنهج دين صحيح، يقوم على حريّة الرأي التي تسمح بالكشف عما يعتمل في العقول المريضة، والنفوس الضعيفة، من سوء فهم أو سوء طوية من ناحية، وعلى دفع الحجّة بحجّة قرآنية، أو مستوحاة من الكتاب العزيز من ناحية ثانية، ليس تبجّحاً بالعلم كما قلنا، بل عملاً بالتكليف الذي يقضي بوضع العلم القرآني في خدمة الإنسانية بهدف الهداية، أو الكشف عن الضلالة، بآيات محكمات، وبراهين واضحة، ولكن تبقى الهداية متعلقة بمدى تقبّل النفوس البشرية لمنطق الحق.

وعلى نهج الصادق سار تلامذته العلماء، يواجهون الملاحدة والزنادقة في كل مكان وكل عصر، لكن الإلحاد لن ينقض ولم يقض عليه.

فما زال يتفاعل يوماً بعد يوم، وهو في هذا العصر في أوج طغيانه، متمثلاً بالقوى المادية والبدع الفكرية التي يرمينا بها العالم المحيط، في ظل نظام رأسمالي يتمدد باتجاه العالم أجمع.

وقد طغى هذا التيار على بعض الأنظمة الفكرية الفاعلة، كالماركسية والوجودية، كما طال بعض النفوس القزمة، كصادق جلال العظم، وسلمان رشدي وغيرهما من أبناء مسيلمة.

وتبقى مواقف الصادق عليه السلام مع ذلك صالحة لكل عصر، تبقى راية العصور وهي سلاح ماضٍ مما جهّز به الإسلام جنده في مواجهة أهل الشرك والطاغوت الاخطبوتي، والمعاندين ناقصي البشرية.

السلام على الإمام الصادق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.