الإمام الصادق (ع) في أحاديث رؤساء المذاهب الأربعة
عثمان رادپى
المدخل
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وعلى أصحابه ومن دعا بدعوته الى يوم الدين.
الإمام الصادق(عليه السلام) شخصية قوية، ومكانة مرموقة، ومركز ملحوظ عند سائر الطوائف وجميع الفرق. فهو الصادق في لهجته، لُقب بالصادق لأنه عرف بصدق الحديث حتى أصبح مضرب المثل في عصره وبعد عصره.
يقول أبو حنيفة: «ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد... ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.».
يقول مالك بن أنس: «ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً.».
وكذلك يقول: «إنه كان من العلماء العبّاد الزهّاد، ولم يمنعه زهده وتبتله عن الكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والاعتدال في الإنفاق وأداء الحقوق، كما أنه ينهى عن الكسل والبطالة».
وأيضاً في هذا الكلام نشير الى أقوال علماء الاُمة ورؤساء المذاهب، وحفّاظ الحديث وكبار المؤرخين والكتاب من القدماء وبعض المعاصرين في انطباعاتهم عن شخصية الإمام الصادق(عليه السلام) .
التاريخ هو مرآة تأخذ الصور فتحفظها للأجيال، وهو للجميع لايختصّ باُمة دون اُخرى، ولا يتقيد برأي دون آخر، وهو أمين، والأمين يقبح به أن يخون أمانته. ولئن تحتم عليه أن يحتفظ بالحقائق والأضاليل معاً فليس ذلك إلاّ أمد الآماد ثم تنكشف الحقائق لتثبت وحدها سليمة من مجاورة الأضاليل.
والتاريخ يسجل الحوادث على ماهي عليها بصورها وأشكالها، فلا تغيير ولا تبديل، ولا نقل صورة وترك اُخرى; هذه هي وظيفة التاريخ الصحيح في كل دور من الأدوار.
ومثل شخصية جعفر بن محمد تلك الشخصية الإسلامية العظيمة يجب على التاريخ اعطاءها حقها من البحث. لأن الإمام الصادق(عليه السلام) شخصية قوية، ومكانة مرموقة، ومركز ملحوظ عند سائر الطوائف وجميع الفرق. فهو الصادق في لهجته، لقّب بالصادق لأنه عرف بصدق الحديث حتى أصبح مضرب المثل في عصره وبعد عصره. قال ابن الحجاج وهو الشاعر المشهور:
يا سيداً أروي أحاديثه رواية المستبصر الحادق كأنني أروي حديث النبي محمد عن جعفر الصادق وغرضنا من البحث عن حياة الإمام الصادق(عليه السلام) بيان منزلته العلمية، والاستماع الى أقوال علماء الاُمة ورؤساء المذاهب، وحفّاظ الحديث، وكبار المؤرخين والكتاب من القدماء وبعض المعاصرين في انطباعاتهم عن شخصية الصادق(عليه السلام) .
أبو حنيفة(1)
وقد كشف لنا أبو حنيفة انطباعاته عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وأنه ما رأى أفقه منه بقوله:
«ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور بعث اليَّ فقال: يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من المسائل الشداد. فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة، فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر مالم يدخلني لأبي جعفر المنصور. فسلمت وأومأ فجلست، ثم التفت إليه قائلاً: يا أبا عبدالله هذا أبو حنيفة. فقال: نعم أعرفه، ثم التفت المنصور فقال: يا أبا حنيفة الق على أبي عبدالله مسائلك. فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا وهم يقولون كذا ونحن نقول كذا، فربّما تابعنا وربّما تابعهم وربّما خالفنا حتى أتيت على الأربعين مسألة، ما أخلّ منها مسألة واحدة. ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس»(2).
وهذه القضية تكشف لنا انطباعات أبي حنيفة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وأنه ما رأى أفقه منه، وهو أعلم الناس لعلمه باختلاف الناس.
---------------------------
(1) الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ولد سنة 80 هـ في نسا، وتوفي سنة150 هـ في بغداد.
(2) مناقب أبي حنيفة للموفق: 1/173، وجامع أسانيد أبي حنيفة: 1/252، وتذكرة الحفاظ للذهبي: 1/157.
مالك بن أنس(1)
يقول مالك بن أنس: «اختلفت الى جعفر بن محمد زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إما مصلّياً وإما صائماً وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله إلاّ على الطهارة، ولا يتكلم بما لا يعنيه، وكان من العلماء العبّاد والزهاد الذين يخشون الله(2) وما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً»(3).
هذه شهادة مالك وانطباعته عن شخصية الإمام، ومالك هو رئيس مذهب من مذاهب الإسلام، وكان معاصراً للإمام الصادق(عليه السلام). والذي يعنينا من هذه الكلمة قوله: إنه كان من العلماء العبّاد والزهّاد، الذين يخشون الله. فالعلم وحده غير نافع بدون عمل، فالإمام الصادق(عليه السلام) عالم عامل زاهد في الدنيا يخشى الله ويتبع أوامره، و (إنّما يخشى الله من عباده العلماء)(4)، ولم يمنعه زهده وتبتّله عن الكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والاعتدال في الإنفاق وأداء الحقوق، كما أنه ينهي عن الكسل والبطالة.
-------------------------
(1) مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبعي ولد سنة 93 بالمدينة وتوفي سنة 179.
(2) مالك بن أنس، للخولي: 94، كتاب مالك لمحمد أبو زهرة: 28، نقلاً عن المدارك للقاضي عياض: 212، وأيضاً الى هنا عبارة التهذيب وما بعدها زيادة في كتاب المجالس السنية: ج5 وقد ذكر ابن تيمية في كتاب التوسل والوسيلة: 52 ط2 هذه العبارة في جملة طويلة في ضمنها هذه الجملة.
(3) تهذيب: 2/104.
(4) فاطر: 28 .
أقوال العلماء الآخرين في الإمام الصادق(عليه السلام)
«جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقيه صدوق»(1).
ابن حجر العسقلاني
«جعفر بن محمد، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: أن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب»(2).
أبو بحر الجاحظ
«جعفر بن محمد بن علي بن الحسين كان مشغولاً بالعبادة عن حب الرئاسة»(3).
عبدالرحمن بن الجوزي
«جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب وكنيته أبو إسماعيل ويلقّب بالصادق والفاضل، وأشهر ألقابه الصادق»(4).
أبو المظفر يوسف شمس الدين
«جعفر الصادق روى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السجستاني»(5).
أحمد بن حجر الهيثمي
«جعفر الصادق بن محمد الباقر زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، سمي الصادق لصدقه، وينسب اليه كلام في صفة الكيمياء».
عمرو بن الوردي في تاريخه
«جعفر بن محمد الصادق وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنهم، ويكنى أبو عبدالله واُمه اُم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، واُم اُم فروة أسماء بنت عبدالرحمن أبي بكر، سمع أباه ومحمد بن المنكدر وعطاء بن أبي رباح، روى عنه عبدالوهاب الثقفي، وحاتم بن اسماعيل، ووهيب بن خالد، وحسن بن عياش، وسليمان بن بلال، والثوري والداروردي ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحفص بن غياث ومالك بن أنس، وابن جريح، ولد سنة ثمانين ومات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن أربعة وستين سنة»(6).
محمد بن طاهر بن علي المقدسي «جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكنيته أبو عبدالله وقيل: أبوإسماعيل وألقابه الصادق والفاضل والطاهر وأشهرها الأول، نقل اُناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الكبار كيحيى ومالك وأبي حنيفة»(7).
محمود بن وهيب البغدادي
«كان بيت جعفر الصادق كالجامعة يزدان على الدوام بالعلماء الكبار في الحديث والتفسير والحكمة والكلام، فكان يحضر مجلس درسه في أغلب الأوقات ألفان وبعض الأحيان أربعة آلاف من العلماء المشهورين».
السيد محمد صادق نشأة الاستاذ بكلية الأداب بجامعة القاهرة وخلاصة القول في هذه الأقوال أنها صدرت عن اُناس لا يتهمون بالتحيّز فإن كلمة كل واحد منهم إنّما تنطبق على الواقع، وليس فيها ميل ولا تحيّز.
على أيّ حال فإن استيفاء هذا البحث بالبيان عن جميع ما يلم به من ذكر انطباعات العلماء والاُدباء عن شخصية الإمام في عصره وبعد عصره أمر يطول شرحه، وقد أشرنا للبعض منه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عثمان رادپى
طالب جامعة المذاهب الإسلامية
--------------------------------------------
(1) تقريب التهذيب: 68.
(2) رسائل الجاحظ للسندوبي: 106.
(3) صفوة الصفوة: 2/94.
(4) تذكرة الخواص: 351.
(5) الصواعق المحرقة: 120.
(6) الجمع بين رجال الصحيحين: 1/70.
(7) جواهر الكلام: 13.
المصادر
1 ـ تذكرة الحفاظ، شمس الدين الذهبي; حيدر آباد، ط دائرة المعارف العثمانية 1375 هـ .
2 ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة; أسد حيدر، بيروت، دار الكتب العربية، 1390 ق.
3 ـ تقريب التهذيب ; أحمد بن علي بن حجر العسقلاني; بيروت، دار المعرفة، 1325 هـ .
4 ـ المجالس السنية، محسن الأمين، بيروت، دار التعاريف للمطبوعات، 1412 هـ .
5 ـ القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة، ابن تيمية، بيروت، دار الكتاب العربي 1405 هـ .