الوضع العقيدي قبل الإسلام
جاء الإسلام والعالم البشريّ يعاني من أزمات حادة في شتى مجالات الحياة أبرزها المجال الفكريّ والعقيديّ.وكان أبرز مظاهر هذه الأزمة العقيديّة هو:
1 ـ تجسيم الله وتشبيهه سبحانه وتعالى بالمخلوقين.
2 ـ الثنويّة.
3 ـ التثليث.
4 ـ عبادة وتقديس الفرد.
5 ـ عبادة الأوثان والأصنام.
6 ـ الجبرية وسلب الاختيار من الإنسان.
وبكلمة واحدة: انعدام رؤية واضحة لمسألة الخالِق، ومسألة الكون والحياة والإنسان وفلسفة الوجود، والعالم الآخر.
وقد جاء وصف هذا الوضع المتدهور في المجال الفكري والعقيدي النظام العقيدي أوّل ما طرحه الإسلام
في ثنايا آيات لا تحصى من القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله محمد المصطفى وخُطب الإمام عليّ والزهراء، وبعض المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، نعرض عن ذكر نصوصها ونكتفي بذكر عناوينها رعاية للاختصار.
أما في القرآن فراجع جميع الآيات التي تندّد بالكفّار والمشركين واليهود والنصارى الذين اتخذوا الأنداد والأصنام والأنبياء والرسل آلهة وعبدوهم أو انكروا بالمرّة وجود الله واليوم الآخر وغير ذلك من مسائل العقيدة.
وأما في خطب النبي وكتبه وكلماته فليراجع ما كتبه الى ملك الاسكندرية والى المقوقس والنجاشي وما قاله (صلى الله عليه وآله) لقريش في مطلع دعوته وبدء الاعلام عن رسالته، أو ما قاله في الناس قبيل وفاته. وأما ما ورد على لسان الإمام علي فراجع خطبه في نهج البلاغة برقم (1) حيث قال: «الى أن بعث الله سبحانه محمداً(صلى الله عليه وآله).. وأهل الأرض يومئذ مللٌ متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مشتّتة، بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير الى غيره فهداهم به من الضلالة وانقذهم بمكانه من الجهالة...».
وكذا راجع الخطبة رقم(2) و(26) و(190) على سبيل المثال لا الحصر.
وراجع أيضاً بلوغ الأدب في معرفة أحوال العرب للآلوسي والأصنام للكلبي كشواهد تاريخية
النظام العقيدي أوّل ما طرحه الإسلام
وكان أوّل ما عرضه الإسلام على المجتمع البشري يومذاك هو نظام اعتقادي جامع وشامل، ويتّسم بالترابط والانسجام، ويقوم على العقلانية والواقعية.
ولقد كرّس القرآن الكريم آيات عديدة جدّاً ربما تستأتر بثُلثي القرآن لإعطاء صورة واضحة ودقيقة ووافية عن «المبدأ، والمعاد» وما بينهما من مسائل وقضايا تمتّ الى العقيدة بصلة.
وبذل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومن بعده، وصيّه الإمام علي بن أبي طالب، جهوداً كبيرة وواسعة لترسيخ دعائم وجذور هذا النظام العقائدي، فيالنفوس والقلوب، وبناء صرح المجتمع الاسلامي على قواعد فكرية سليمة، ونقيّة من أدران الشرك والوثنية، ومن شوائب التشبيه والثنويّة.
وتلقّت الفطر السويّة والنفوس السليمة هذه الرؤية وهذا النظام العقائدي بالقبول، وإن استقبلها البعض ـ بعد شيء من العِناد والتعصّب للباطل ـ وانفتحت بصائر الناس في مطلع الإسلام على اُفق جديد ورائع في مجال العقيدة، خال عن التعقيد، وبعيد عن الخرافة، فاعتنقت الناس العقيدة الإسلامية، وأحبّتها ونظّمت سلوكها وحياتها على ضوء مبادئها، ودافعت عنها بنفسها ونفيسها، وبما ملكته من غال ورخيص.
واستمرّ هذا الوضع حتى أواخر القرن الأوّل الهجري وبالضبط مطلع القرن الثاني الهجري .
تردّي الوضع العقيدي في مطلع القرن الثاني
ففي مطلع القرن الثاني الهجري على وجه التحديد شهدت الساحة الاسلامية ظهوراً قوياً، وتنامياً متزايداً لاتجاهات فكرية وعقيدية غريبة عن روح وطبيعة النظام الفكري والعقيدي الذي جاء به الإسلام الحنيف، تردّي الوضع العقيدي في مطلع القرن الثاني
وبالأحرى شهدت الساحة الإسلامية في هذه البرهة من الزمان عودة الى الجاهلية في أخطر أبعادها ومجالاتها وهو المجال الفكري والعقيدي، ولكن هذه المرّة في ثوب جديد، وفي صورة آراء ونظريات مدعومة ببعض البراهين، ومكسوة بثوب فلسفي قشيب.
ولم تكن هذه الظاهرة على ماهي عليه من النكارة لتشكّل خطراً على المجتمع الإسلامي بالغ الشدّة، لولا وقوعها وسيلة بأيدي السلطات الجائرة، التي كانت تستخدم تلك الآراء المنحرفة والعقائد الزائغة لتبرير مواقفها، وإضفاء طابع الشريعة على سياساتها الهدّامة، ونواياها الشريرة.
أجل، لقد اتسم مطلع القرن الثاني الهجري بظاهرة ظهور وتنامي معتقدات زائغة كانت تشكلّ خطراً جدّياً، وعظيماً على عقيدة الاُمة التي اكتسبتها وأخذتها من العقل، ومن آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأكرم محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله) ومن كلمات أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وترسّخت قواعدها وتجذّرت جذورها في أعماق الاُمة بفضل الجهود الجبّارة التي بذلها الرسول الأكرم والأخيار من أصحابه وطلائع الاُمة من الأئمة الأبرار.
على أن هذه الظاهرة لم تأت بالصدفة، وبين عشيّة وضحاها طبعاً، ولا من دون أسباب خاصة.
فقد نشأت عوامل وأرضية ظهور الاتجاهات المنحرفة ـ في الحقيقة ـ في أعقاب الفتوحات المتلاحقة التي تمّت من دون تحسّب لمخاطر وآثار هذه الفتوحات التي كانت تتمثّل في دخول العقائد والاتجاهات الفكرية الغريبة عن طريق الأسرى والسبايا الى الساحة الاسلامية، وفرض نفسها على ذهنية الاُمة، في غياب مراجع الاُمة الفكريّين وقادتها الحقيقيين الذين اختيروا من قبل الله بعناية بالغة، وزوّدوا بالمعارف العميقة والواسعة.
على أنّا لا ننكر مزايا الفتوحات وثمارها الطيّبة، إلاّ أننا ومعنا كل متتبع منصف، لا يستطيع تجاهل آثارها السيئة المتمثلة فيما ذكرناه سلفاً، خاصة أن بعض هذه الفتوحات اقترنت بالقهر والعنف الذي أورث حقداً، واستتبع كيداً من الاُمم المقهورة المغلوب على أمرها، وبخاصة لدى أرباب أديانها، وقادتها الروحيين والدينيين، ونعني أحبارها ورهبانها.
ولقد تسبّب هذا ـ كما يتضح لمن يتتبع التاريخ ـ في حدوث خلط وتخبّط في مجال العقيدة بدأت وظهرت بوادره بصورة خفيفة من أواخر المنتصف الأوّل، وتفاقم أمرها قليلاً قليلاً مع إشراف القرن الأول على الانتهاء، وتنامى ـ الى جانب آراء اُخرى حديثة الظهور ـ في المنتصف الأوّل من القرن الثاني الهجري.
ولقد ساعدت على ذلك عناصر من الذين ضُربت مصالحهم، وفنّدت أفكارهم، ممن كانت لهم الكلمة الاُولى في الجزيرة العربية وما حولها من اليهود والنصارى، خاصة، وأقطاب المشركين الذين تلفعوا برداء النفاق.
كما ساهمت في إذكاء هذه الفتنة العقائدية والتعجيل في ظهور هذا الإنحراف العقيدي والحكومات الجائرة وغير الشرعية التي كانت ترى من مصلحتها تقوية ما يُبرر تصرفاتها الشخصية وسياساتها العامّة، من العقائد الزائغة كالاُمويين الذين كانوا يؤيدون الجبرية، ويكافحون القدرية بمعنى نفي الجبر، أو يؤيدون المرجئة الذين كانوا يبيحون للناس ـ بحكم عقيدتهم في مرتكب الكبيرة ـ ارتكاب الفساد في مأمن من العقاب أو التشنيع في الدنيا، أوكان من مصلحتها اشغال الاُمة بالأبحاث الساخنة، وضرب بعضها بالآخر في تنازع عقائدي عقيم في أكثر الأحيان، لتبقى السلطات والحكام الجائرون المتغلّبون في مأمن ومنأىً من اعتراضات الناس وانتقاداتهم، وثوراتهم!!
ولربما كان تنامي هذه الآراء والأكفار وما تبعه من التنازع والتصارع، والجدل الساخن بدافع من هوس بعض الحكام الذين رأوا في هذه الحوارات الساخنة والحادّة متعة ولذّة، كما تدلّنا على ذلك شواهد من التاريخ .
ونؤكد على أنه كان لإقصاء وتغييب المرجعيات العلمية والفكرية الأصيلة المتمثلة في سادة أهل البيت عن الساحة الاجتماعية، وضرب الطوق عليهم، أكبر الأثر في تواجد وتنامي هذه الاتجاهات الغريبة، وهذه الآراء المضادة للنظام العقيدي الإسلامي، وهذا الأمر يحتاج طبعاً الى دراسة واسعة وبحث طويل للوقوف على حقيقة ما قلناه.
وللمثال نقول: ربّما كان لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) اُسلوب آخر، غير الفتوحات العسكرية والدموية لنشر الإسلام وبثّ تعاليمه في شعوب العالم آنذاك.. اُسلوب لا يقترن بذكريات وخواطر مرّة، بل يقترن بذكريات جميلة، اُسلوب ليس هدفه إلاّ نشر العقيدة لا بسط النفوذ، الأمر الذي يورث عادة الاحقاد والضغائن.. اُسلوب كان أثره عميقاً ونقياً وخالداً في النفوس والضمائر لأنه يقوم على الحجة والدليل، لا على السيف والقهر الذي من شأنه أن لا يقترن بالقناعة، والذي يكون بدوره متزلزلاً لا مستقراً، لأنّ العقيدة ما لم تنشأ عن قناعة نفسية وقبول وجداني، لا تنفذ الى الأعماق، ولا يكتب لها البقاء والدوام، لأنه لا ترتاح اليها الأفئدة، ولا تستريح اليها النفوس.
لقد كان اُسلوب الأئمة من أهل بيت النبوة في نشر العقيدة، ومعالجة مسائلها، يعتمد على الحوار الحُرّ، والمناقشة العلمية المصحوبة بالاحترام المتقابل، والاقناع العقليّ، وإلزام الطرف الآخر بما التزم به، بعيداً عن السباب والشتائم، والاحتقاد والازدراء بأحد أو بمعتقد.
وفي هذه الحالة فقط يقترن الاعتناق بالصدق، والاعتقاد بالجدّ، والقبول بالإخلاص، وإلاّ لاقترن بالنفاق والتظاهر والمراوغة والتزوير والتربّص لتوجيه ضربة انتقام.
أبرز الاتجاهات الفكرية الزائغة في مطلع القرن الثاني
لعلّ الجبرية كانت هي أبرز ما تنامى في مطلع القرن الثاني الهجري، واشتدّ دورها، وتفاهم خطرها لشدّة الدواعي اليها، وان كان بروزها يرجع الى ما قبل هذه الفترة بأعوام أو بعض العقود.
فالجبر الذي من شأنه أن يُبرّر عمل الخاطئين والعصاة، ويلقي بالمسؤولية واللائمة على الله سبحانه لا على مرتكبي الذنوب ومقترفي المعاصي يعتبر أفضل وسيلة بأيدي السلطات الجائرة لتبرير ممارساتها الظالمة بحق الرعايا والشعوب.
على أن تاريخ الجبر يعود ـ على الأقل ـ الى ما قبل مجيء الإسلام أي الى «العهد الجاهلي» .
فقد كان الجاهليّون الذين تعرّفوا على هذه الفكرة يبرّرون كفرهم ، وإشراكهم للأصنام في الاُلوهية والربوبية والعبودية مع الله بادّعائهم أنهم مجبولون ومجبورون على الشرك من جانب الله، وانّه لا خيار لهم في ذلك كما قال الله تعالى حاكياً عنهم: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا)[ سورة الأنعام: الآية 148، ومثلها الآية 35 من سورة النحل، والآية 20 من سورة الزخرف].
واستمرت هذه الفكرة ورواسبها في نفوس البعض حتى من كبار الصحابة والصحابيات[] راجع تاريخ الخلفاء للعلامة جلال الدين السيوطي: 75، ومغازي الواقدي: 3/904، وتاريخ بغداد: 1/160].
رغم أن القرآن الكريم كافحها ضمن آيات عديدة فنّدت فكرة الجبر، ونفت أن يكون الله قد جبل أحداً على الكفر أو أجبره على المعصية والإثم، وأكدت على أن الإنسان حرّ في أفعاله، ومختارٌ في تصرفاته، ولذلك يتحمل المسؤولية الكاملة عن أعماله، فيُثاب أو يعاقب بموجبها.
ثم اتخذت عقيدة الجبر وأن الإنسان مسيّر وليس بمخيّر كوسيلة لتبرير بعض السياسات التي كانت السلطات الاُموية تمارسها، فكان معاوية أول من اتخذ ذلك عقيدة بصورة رسمية حيث زعم أن الله يريد أفعال العباد كلها[الأوائل لأبي هلال العسكري: 2/125]. ولما سُئل عن سبب تنصيب ولده «يزيد» خليفة على رقاب المسلمين قال: أن أمر يزيد قضاءٌ من القضاء وليس للعباد الخيرة في أمرهم[الأوائل لأبي هلال العسكري: 1/171]!! وبهذا نفسه أجاب عبدالله بن عمر لمّا استفسر من معاوية عن تنصيبه يزيد خليفة، إذ قال: إنّي اُحذّرك أن تشقّ عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملأهم وأن تُسفك دماءهم، وأنّ أمر يزيد قد كان قضاءً من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم[الطبقات الكبرى لابن سعد الكاتب: 5/148 طبعة بيروت]!!
والى هذه القضية التاريخية أشار الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه «نظرية الإمامة» حيث قال إنّ معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب، ولكن بأيديولوجيّة تمسّ العقيدة في الصميم، ولقد كان يعلن في الناس أن الخلافة بينه وبين علي(عليه السلام) قد احتكما فيها الى الله فقضى الله له على «عليّ»!!، وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أن اختيار يزيد للخلافة كان قضاءً من القضاء ليس للعباد خيرة في أمرهم، وهكذا كاد أن يستقر في أذهان المسلمين، أن كل ما يأمر به الخليفة حتى ولو كانت طاعة الله في خلافه فهو قضاء من الله قد قدّر على العباد[نظرية الإمامة: 334]!!!
بل ونسبوا مصرع الإمام الحسين في كربلاء الى ذلك أيضاً[الطبقات الكبرى لابن سعد الكاتب: 5/148 طبعة بيروت].
ولهذا السبب أيضاً كمّوا أفواه الذين كانوا يُصرحون بأن الناس مخيّرون، وأنه ليست الحكومات الظالمة شيئاً قدّره الله عليهم، وأنه ليس لهم الخيار في رفضها، بل وجلدوا وقتلوا أشخاصاً من كبار الشخصيات والتابعين كالحسن البصري[تاريخ بغداد: 1/160]، وابن اسحاق[] تهذيب التهذيب: 9/38 ـ 46] وغيلان الدمشقي[لسان الميزان: 4/424] ومعبد الجهني[ميزان الاعتدال للذهبي: 3/141، وتهذيب التهذيب لابن حجر: 10/225].
وللأسف اختُلقت أحاديث توفّر الغطاء الشرعيّ لهذا المعتقد على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ورغم كونها تخالف جميع الاُصول العقلية والنقلية التي تصرّح بأن الإنسان مخيّر، وليس بمسيّر، وأنه مختار في أفعاله وليس بمجبور، نقلها كبار المحدثين الأوائل في صحاحهم ومسانيدهم.
فهذه الروايات التي تقول بوضوح لا إبهام فيه أن كل ما يعمله الإنسان شيء قد فُرغ منه، وجرت به الأقلام، أي أنه من المقدّرات التي لامناص منها، وأن الإنسان ـ بحكم ذلك ـ يفعل ما يفعل لا بإرادة منه بل هو شيء جرت به المقادير، وأنه قد كتب عليه عمله كما كتب رزقه وأجله، فهو لا يزاد ولا ينقص، تفيد الجبر الصريح، والمحض والشامل لكل اُمور الإنسان وشؤونه حتى أفعاله وأعماله الحسنة أو القبيحة، وأنه مُيسّر لما خُلق له، فإن كان من أهل السعادة فهو يعمل للسعادة فقط، وإن كان من أهل الشقاء فهو يعمل للشقاء فقط[] راجع صحيح مسلم: ج8 كتاب القدر، وجامع الاُصول: 10/516 و 517. وراجع أيضاً كتاب القدر لعبدالله بن وهب بن مسلم القرشي المتوفّى عام 197 بتحقيق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن العثيم مطبوع بمكة المكرمة عام 1406، فقد جاء في الأخير حديث يقول: انّ رجلاً قال للنبي(صلى الله عليه وآله): إنّ الله يُقدّر عليّ الشقاء ثم يعذبني عليه؟ قال: نعم!!].
وهذا لا شك يصبّ في مصلحة السلطات الجائرة التي تسعى لتبرير أعمالها، والإيحاء الى الناس بأنّ الوضع الاجتماعي لا يمكن تغييره أبداً لأنه شيء قد فرغ منه، فالظالم يجب أن يبقى ظالماً والمظلوم يجب أن يبقى مظلوماً، والقاهر الجابر يجب أن يبقى قاهراً جابراً، والمقهور المغلوب على أمره يجب أن يبقى مغلوباً على أمره.
كما أن هذه الأحاديث بمفادها تدفع بالعاصي والمذنب الى مواصلة مسيره المنحرف، لأنه يعلم سلفاً أنه اُريد له ذلك، وأنه غير قادر لا على تغيير مسيره ولا على تغيير مصيره.
الإمام الصادق في مواجهة الجبرية
وقد نهض الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في مواجهة هذه العقيدة الفاسدة في سياق إحيائه لمفاهيم الإسلام الأصيلة وابطال البدع، فرفع في وجه هذه الفكرة لواء الاعتقاد بحريّة الإنسان واختياره في أعماله وتصرفاته، وأعلن بصوت عال عن عقيدة «البداء» التي تعني في حقيقتها أمرين:
أولاً: أنّ الإنسان مختار في أفعاله، وأن في مقدوره أن يغيّر مسيرة وسلوكه إن شاء وأراد.
وثانياً: أنّ الله تعالى ليس مغلول اليدين، فهو قادر على تغيير مصير الإنسان ومقدّره إن غيّر الإنسان سلوكه ونهجه، ومسيره.
وهو تعالى سيبدي للإنسان ما خفي عليه، ممّا كان الله يعلمه بعلمه الأزلي الذي لا تبديل فيه ولا تغيير ولا جهل فيه ولا ترديد[المعرفة حقيقة البداء التي قال بها أئمة أهل البيت وعلماء مدرستهم كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد رحمه الله تعالى].
وانطلق الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في بيان هذا المعتقد والتأكيد عليه من القرآن الكريم والسنّة الشريفة اللّذين صرحا بكون الإنسان حراً في أفعاله، مختاراً في أعماله، وليس مجبوراً ومسيّراً.
فقد قال الله تعالى: (إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)[ الرعد: 11].
وقال أيضاً: (ذلك بأنّ الله لم يك مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)[ الأنفال: 53].
وقال ثالثاً: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)[ الأعراف: 96].
وجاء في تفسير الدر المنثور عن علي(عليه السلام) أنه سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن هذه الآية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)[ الرعد: 39] فقال: لاُقِرّنّ عَينَك بتفسيرها، ولاُقرّنّ عين اُمتي بعدي بتفسيرها:
الصدقة على وجهها، وبرّ الوالدين واصطناع المعروف، يحوّل الشقاء سعادة ويزيد في العمر، ويقي مصارع السّوء[الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور: 4/66].
وغير ذلك ممّا يفيد أنّ فعل الإنسان مؤثّر في مصيره وأن الله يغيّر مصير الإنسان إذا غيّر الإنسان مسيره وسلوكه.
ولقد أكّد الإمام الصادق على مبدأ (البداء) في روايات قوية العبارة، صريحة الدلالة لتكون في مستوى عقيدة الجبر المنحرفة التي صار لها جذور عميقة في النفوس، بحيث صارت وكأنّها من عقائد الإسلام الأصيلة، واليك طائفة من هذه الأحاديث :
1 ـ عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (الإمام جعفر الصادق): ما عُظّم الله بمثل البداء أي بمثل الاعتقاد بالبداء[اصول الكافي للكليني: ج1 باب البداء حديث 1].
2 ـ عن مالك الجهني قال: سمعت أبا عبدالله (الصادق) يقول: لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فَتَروا عن الكلام فيه»[ اصول الكافي للكليني: ج1 باب البداء حديث12]
3 - عن مرازم بن حكيم قال: سمعت أبا عبد الله (الصادق)(عليه السلام) يقول: ما تنبأ نبيّ قط حتى يقرّ لله بخمس خصال: بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة (اى لله تعالى)[ اصول الكافي ج 1 باب البداء الحديث 13].
وغير ذلك من النصوص التي أكد فيها الامام جعفر الصادق (عليه السلام)على أهمية الاعتقاد بالبداء.
على أنّ الامام الصادق (عليه السلام) لم يغفل عن أن ينوّه بالمعنى الخاطئ الذي قد يسبق الى بعض الافهام القاصرة، او يحاول من هو مؤيّدي الجبر إلقاؤه فى الاذهان وهو منافاة البداء مع العلم الازلي الإلهي فقال: «ان الله لم يبدُ لهُ من جهل»[ اصول الكافي: ج 1 باب البداء الحديث 10] وقال: من زعم أن الله عزوجل يبدوله في شيء لم يعلمه أمس فابرأوا منه»[ اصول الكافي: ج 1 باب البداء].
كما انه (عليه السلام) لم ينس أن يحذر من الوقوع في خطأ آخر عند تفسير البداء، وهو كون الانسان مختارا اختيارا مطلقا كما ذهب اليه المعتزلة، حيث قال: في معرض الاجابة على سؤال من قال: هل الله فوّض الامر الى العباد: «الله أعز من ذلك» [ اصول الكافي ج 1 الجبر والقدر والامر بين الامرين الحديث 3].
وهو يعني أن القول بأن للانسان الاختيار المطلق، وأنه اذا اختار عملا فليس لله مشيئة فيما يقوم به، وأنّه يعمل - بعد اختياره - خارج الاذن والمشيئة الالهية، تعجيز لله، وتحديد لقدرته المطلقة.
هذا، ولم يكتف الامام بالاصحار بمبدأ «البداء» في سياق مواجهة لفكرة الجبر الزائغة، بل صرح كذلك ببطلان الجبر اذ قال في الإجابة على سؤال من قال: أجبر الله العباد على المعاصي؟، لا.
وقال: ان الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذّبهم.[ اُصول الكافي: ج1، الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، الحديث: 9]
وسأله آخر قائلا: جعلت فداك اجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال: الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذّبهم عليها.[ المصدر الحديث: 11]
ولم يقف الامام الى هذا الحدّ ـ بل نظراً لأهمية المسألة وبالتالي خطورة فكرة الجبر على الصعيد الفردي والاجتماعي والسياسي ـ شنّع على القائلين بالجبر قولهم بذلك، وحرم التردّد عليهم ومصاحبتهم فقال:
من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته ولا تصلّوا وراءه، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً.[ الكافى - الاصول ج 1 الجبر]
هذه لمحة عابرة حول مواجهة الامام جعفر الصادق لفكرة الجبر الزائغة والتأكيد على المبدأ الاسلامي وهو حرية ارادة الانسان واختياره وقد توسّعنا فيها نظرا لأهيمتها.
ولم يقتصر عمل الامام الصادق في صعيد مكافحة الاتجاهات الفكرية الزائغة واحياء المبادئ الاسلامية في ما ذكرناه وشرحناه بل كان له (عليه السلام)مواقف مماثلة مع اتجاهات خطيرة اخرى منها:
1 - المرجئة :
وهم الذين كان لهم رأي جدّ خطير في مرتكبي المعاصي يتلخّص في التركيز على مجرّد الايمان القلبي والتقليل من أهمية العمل بل وحذفه من قائمة الايمان حتى انهم قالوا: لا تضرّ مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة!!.
ومعنى هذا أنهم لا يشترطون العمل في تحقق حقيقة الايمان، ويعتقدون بأن مرتكب المعاصي مهما كانت كبيرة كترك الصّلاة والصوم بل وشرب الخمر واقتراف الزنا يكفيه أن يكون مؤمناً في قلبه.
فالايمان هو الملاك الوحيد لتحقق عنوان المسلم المؤمن مهما خُلي من العمل الصالح، بل وحتى لو اقترنت حياته بالمعصية.
ولا شكّ أن هذا بمثابة اشعال الضوء الأخضر لكل من يرغب في اقتراف المعاصي، وبخاصة من ذوي الأهواء والشهوات الجامحة كالشباب.
كما انه يصبّ في خانة الحكام الفسقة ويعزّز موقعهم ولهذا ساعدت السلطات الاُموية على ترويج هذه الفكرة، بعد تأييدها.
ولعل احجام الحسن البصري عندما سئل حول موقفه من هذه الفكرة وأصحابها، عن الاجابة السريعة هو تخوّفه من السلطات التي كانت تدعم هذه الفكرة[الفَرق بين الفِرَق للبغدادي: 1].
وحيث إن هذه الفرقة والفكرة لا تقلاّن خطورة على الاُمة وسلوكها مضافا الى مضادتهما للمبدأ الاسلامي القائل: الاسلام اقرار وايمان وعمل، لا ايمان فقط، ولا عمل فقط، لذا فقد نهض الامام الصادق(عليه السلام)ضدّهما (اي فكرة وفرقة) يوم اشتد ساعدهما وصار لهما أتباع وانصار وللأسف حتى من كبار الشخصيات الاسلامية[راجع الايضاح لابن شاذان المتوفى عام 260]!!!
وتركزّت مواقف الامام الصادق من هذه الفكرة والفرقة على ثلاث خطوات:
الخطوة الاولى: بيان حقيقة الاسلام والايمان وأبعادهما.
الخطوة الثانية: تطويق هذه الفكرة والفرقة بلعنهم واظهار النفرة منهم بهدف الحجر عليهم وعزلهم عن الامة.
الخطوة الثالثة: تحذير الناس من الاحتكاك بهم وبخاصّة الاولاد والشباب الذين كانوا اكثر تأثراً بهذه العقيدة الفاسدة.
أما في مجال الخطوة الاولى فنورد بعض الاحاديث التي أوضح فيها حقيقة الاسلام والايمان.
1 - وروي عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عن الايمان؟ فقال: شهادة أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله.
قلت: أليس هذا (اى الشهادة بالوحدانية والرسالة المحمدية والنطق بها لسانا) عمل ؟
قال: بلى.
قلت: فالعمل من الايمان؟
قال: لا يثبت له الايمان الا بالعمل، والعمل منه.[ الكافي: 2 / 8 نقل عنه المجلسى فى البحار: 69 / 23.].
2 - وروي عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (الصادق)(عليه السلام) قال: سألته (أي سألت الصادق) عن الايمان؟ فقال: شهادة أن لا اله الا الله والاقرار بما جاء من عند الله، وما استقرّ فى القلوب من التصديق بذلك.
قال: قلت: الشهادة أليست عملاً؟
قال: بلى.
قلت: العمل من الايمان؟
قال: نعم، الايمان لا يكون إلاّ بعمل، والعمل منه، ولا يثبت الايمان إلاّ بعمل. [بحار الانوار: 69 / 22 نقلاً عن الكافي: 2 / 37.].
3 - عن ابن البختري عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال: قال رسول الله: ليس الايمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن الايمان ما خلص في القلب وصدّقه الأعمال[بحار الانوار: 69 / 72 نقلاً عن معانى الاخبار: 187].
وأما الخطوة الثانية فنشير الى طائفة من الاحاديث التي لعن فيها الامام الصادق (المرجئة) واستنكر عليهم فكرتهم.
1 - عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال «ملعون ملعون من قال: الايمان قول ولا عمل»[ بحار الانوار ج 69] .
2 - عن الصادق (عليه السلام) انه قال: «لعن الله القدريّة، لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة».
قال (الراوي): قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة، ولعنت هؤلاء (اي المرجئة) مرتين؟!
قال: إنّ هؤلاء يقولون: إنّ قَتَلَتَنا مؤمنون فدماءنا متلطخة بثيابهم الى يوم القيامة»[ اصول الكافي: 2 / 300].
وهذا بناء على أصلهم الفاسد وهو أنه لا تضرّ مع الايمان معصية وان كانت قتل نفس معصومة مؤمنة.
وأما الخطوة الثالثة وهي تحذير الناس والشباب خاصة من الاحتكاك بهم ومراودتهم فنورد بعض الأحاديث الدالّة عليها.
1 - عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال: لا تجالسوهم - يعني المرجئة - لعنهم الله ولعن (الله) مللهم المشركة الذين لا يعبدون الله على شيء من الأشياء[فروع الكافي للكليني: 6 / 47، الحديث 5].
2 ـ عن جميل بن دراج وغيره عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم اليهم المرجئة .[ التهذيب للطوسي: 8 / 111 الرواية 30]
2 - المعتزلة:
وقد ناقشهم الامام الصادق (عليه السلام) في جملة من القضايا[فروع الكافي: 5 / 23 و 8 / 399 والتهذيب للطوسي: 6 / 148 ] كما انه ردّ الناس عنهم ونهاهم عن اتباعهم[اصول الكافي: ج 1 / 351].
3 - الزنادقة والملاحدة والطبيعيون:
مثل أبي شاكر الديصاني وعبد الملك وابن أبي العوجاء وابن المقفّع، فقد ناقشهم الامام الصادق(عليه السلام) وأبطل معتقداتهم وفنّد افكارهم الفاسدة، وخيّب آمالهم في مواجهة القرآن ومفاهيمه العظيمة[اصول الكافي: 1 / 73 - 75 و 125 والاحتجاج للطبرسي].
يروي هشام بن الحكم أنه قال: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله علم، فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها، وقيل هو بمكة فخرج على مكة ـ ونحن مع أبي عبد الله (عليه السلام) آنذاك ـ فانتهى إليه وهو في الطواف، فدنا منه وسلم.
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ما اسمك؟
قال: عبد الملك. قال: فما كنيتك؟
قال: أبو عبد الله.
قال: فمن ذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن أبنك أعبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ فسكت.
فقال: أبو عبد الله: قل. فسكت.
فقال له (عليه السلام): إذا فرغت من الطواف فآتنا.
فلما فرغ أبو عبد الله (عليه السلام) من الطواف آتاه الزنديق، فقعد بين يديه ـ ونحن مجتمعون عنده ـ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أتعلم أن الأرض تحتا وفوقا؟ فقال: نعم.
قال: دخلت تحتها؟ فقال: لا
قال: فهل تدري ما تحتها؟
قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيئ.
فقال: فالظن عجز ما لم تستيقن.
ثم قال له: صعدت إلى السماء؟ قال: لا.
قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا.
قال: فاتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟
قال: لا.
قال: فالعجب لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد إلى السماء ولم تجد ما هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد ما فيهن، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف.
فقال الزنديق: ما كلمني بهذا غيرك.
فقال ابو عبد الله (عليه السلام): فأنت من ذلك في شك، فلعل هو ولعل ليس هو.
قال: ولعل ذلك.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل على العالم، يا اخا أهل مصر تفهم عني، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان يذهبان ويرجعان، قد اضطرا، ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ والله ي أخا أهل مصر إن الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر، فإن كان هو يذهبهم فلم يردهم، وإن كان يردهم فلم يذهب بهم، أما ترى السماء مرفوعة والأرض موضوعة لا تسقطها على الأرض و لا تنحدر الأرض فوق ما تحتها، أمسكها والله خالقها ومديرها).
4 - الغلاة في رسول الله وعلي صلوات الله عليهما: فقد ردّ عليهم بشدة، وفنّد دعواهم[ راجع بحار الانوار ج 35].
5 - بعض ائمة المذاهب الاسلامية كالامام أبي حنيفة والقاضي ابي ليلى حيث أخذ عليهم منهجهم في عملهم الفقهي[راجع الاحتجاج للطبرسي].
6 - الزيدية حيث ناقشهم في ما ذهبوا اليه من الامامة، ونبههم على خطأهم في هذا المجال.
وغيرهم، ممّن لا تسع هذه الرسالة كما لا يسع الوقت لذكرهم والدخول في تفاصيل ما دار بينه ((عليه السلام)) وبينهم .
على أن الامام الصادق (عليه السلام) قام بأكثر من هذا بنفسه، ولكنه ربّى الى جانب ذلك شخصيات علميّة قوية قامت الى جانب بالدفاع عن اصول الاسلام ومبادئه.
كما وألف هو وتلامذته وأصحابه كتبا في هذه المجالات لتكون مرجعاً فكرياً للاُمة ولشيعته خاصة من بعده.
هذا غيض من فيض من نشاطات الامام الصادق(عليه السلام) في صعيد مواجهة التيارات والأفكار، والاتجاهات التي اختطّت لنفسها عمدا أو جهلاً، عن قصد وعن غير قصد طريقا غير الطريق الذي رسمه الاسلام في حقل العقيدة وربما في بعض الحقول الاُخرى.
وقد استقطب الامام الصادق ونهجه في المنافحة عن حوزة الدين والعقيدة في الاغلب اهتمام العلماء واعجابهم كما وساعدهم على تصحيح افكارهم، وتعديل آرائهم والعودة الى جادة الحق والصواب عن رضى وقناعة.
فكان الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) بحق حارسا أمينا لشريعة جدّه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله، بل والمجدّد دينه، والمحيي لتعاليمه، والمبقي على آثاره وهو الأمر الذي اعترف به الكثير الكثير ولم يصل الينا الا القليل القليل.
وفقنا الله واياكم لانتهاج نهجه والاستفادة من علومه، والسير على خطاه آمين ربّ العالمين .