من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
  • عنوان المقال: من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:41:35 1-9-1403

مناظراته مع الديصاني

وكان لأبي شاكر الديصاني - أحد ملاحدة العرب - مع الصادق عليه السّلام
مناظرات وأسئلة، واُخرى بينه وبين هشام بن الحكم ويفزع هشام بها الى إِمامه الصادق عليه السّلام، قال يوماً لهشام: إِن في القرآن آية هي من قولنا، قال هشام: وما هي ؟ فقال:
«وهو الذي في السماء إِله وفي الأرض إِله»( الزخرف: 84) قال هشام: فلم أدر بمَ اجيبه، فحججت فخبّرت أبا عبد اللّه عليه السلام، قال: هذا كلام زنديق خبيث، اذا رجعت اليه فقل له ما اسمك بالكوفة ؟ فإنه يقول لك فلان فقل له: ما اسمك بالبصرة ؟ فإنه يقول فلان، فقل له: كذلك ربّنا في السماء إِله، وفي الأرض إِله، وفي البحار إِله، وفي القفار إِله، وفي كلّ مكان إِله، قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته، فقال: هذه نقلت من الحجاز.
وسأل أبو شاكر هشام بن الحكم يوماً فقال: ألك رب ؟ فقال: بلى، فقال: أقادر هو ؟ قال: نعم قادر، قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا ؟ قال هشام: النظرة (أي انتظرني)، فقال له: قد أنظرتك حولاً، ثمّ خرج عنه، فركب هشام الى أبي عبد اللّه عليه السّلام فاستأذن عليه فأذن له، فقال له يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أتاني عبد اللّه الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إِلا على اللّه وعليك،
 فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا هشام كم حواسّك ؟ قال: خمس،
 قال: أيّها أصغر ؟ قال: الناظر،
 قال: وكم قدر الناظر ؟ قال: مثل العدسة أو أقلّ منها،
 فقال له: يا هشام فانظر أمامك وفوقك واخبرني بما ترى، فقال: أرى سماءً وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراري وجبالاً وأنهاراً،
 فقال له أبو عبد اللّه: إِن الذي قدرَ أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة.
 فأكبّ هشام عليه يقبّل يديه ورأسه ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وانصرف الى منزله.
أقول: إِن هذا الجواب صدر عن الإمام عليه السلام على سبيل الإسكات والإقناع، والجواب البرهاني أن يقال: إن ذلك محال والمحال غير مقدور له، وهذا ليس من النقص في القدرة بل للنقص في المخلوق، لأن القدرة تحتاج الى أن يكون متعلّقها ممكناً في ذاته، والفرق واضح بين النقص في القدرة والنقص في المقدور، ولعلّ الديصاني لو اُجيب بمثل هذا لما اقتنع به أو لما عقِله.
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن مثل ذلك، فأجاب : أن اللّه لا يُنسب الى العجز، والذي سألتني لا يكون، وهذا هو الجواب الحقيقي، ومفاده ما أوضحناه.
ثمّ إِن الديصاني غدا على هشام، فقال له هشام: إِن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب، فقال له: إِني جئتك مسلّماً ولم أجئك متقاضياً للجواب.
 فخرج الديصاني عنه حتّى أتى باب أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له، فلمّا قعد قال له: يا جعفر بن محمّد دلّني على معبودي.
 فقال له أبو عبد اللّه: ما اسمك ؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك ؟ قال: لو كنت قلت له عبد اللّه كان يقول من الذي أنت له عبد ؟ فقالوا: عُد اليه وقل له يدلّك على معبودك ولا يسألك عن اسمك، فرجع اليه وقال: يا جعفر بن محمّد دلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي!
 فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اجلس، واذا غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة، ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدرى للذكر خلقت أم للاُنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لهذا مدبّراً ؟
 قال: فأطرق مليّاً، ثمّ قال: أشهد أن لا إِله إِلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله، وأنك إِمام وحجّة من اللّه على خلقه، وأنا تائب ممّا كنت فيه.

مناظرته مع طبيب

حضر أبو عبد اللّه عليه السلام مجلس المنصور يوماً وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطبّ فجعل أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام ينصت لقراءته، فلما فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد اللّه أتريد ممّا معي شيئاً ؟ قال: لا، فإن معي ما هو خير ممّا معك، قال: وما هو ؟ قال: اداوي الحار بالبارد والبارد بالحار، والرطب باليابس واليابس بالرطب، وأردّ الأمر كلّه الى اللّه عزّ وجل، وأستعمل ممّا قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، واعلم أن المعدة بيت الداء وأن الحميّة هي الدواء، واعوّد البدن ما اعتاد، فقال الهندي: وهل الطبّ إِلا هذا ؟ فقال الصادق: أفتراني عن كتب الطبّ أخذت، قال: نعم، قال: لا واللّه ما أخذت إِلا عن اللّه سبحانه، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟ فقال الهندي: لا بل أنا، فقال الصادق عليه السلام: فأسألك شيئاً، قال: سل.
قال: أخبرني يا هندي لِمَ كان في الرأس شؤن ؟(أي درز بين عظام الجمجمة) قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ جعل الشعر عليه من فوقه ؟ قال: لا أعلم.
قال: فلِمَ خلت الجبهة من الشعر ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ جعل العينان كاللوزتين ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ جعل الأنف فيما بينهما ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فَلِمَ كان ثقب الأنف في أسفله ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فَلِمَ جعلت الشفّة والشارب من فوق الفم ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فَلِمَ احتدَّ السنّ وعرض الضرس وطال الناب ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ جعلت اللحية للرجال ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ خلت الكفّان من الشعر ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ كان القلب كحبّ الصنوبر؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ كانت الرئة قطعتين، وجعل حركتها في موضعها ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ كانت الكبد حدباء ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللوبياء ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ جعل طيّ الركبتين الى خلف ؟ قال: لا أعلم.
 قال: فلِمَ تخصّرت القدم ؟ قال: لا أعلم.
 فقال الصادق عليه السلام: لكنّي أعلم، قال: فأجب.
قال الصادق عليه السلام: كان في الرأس شؤن لأن المجوّف إِذا كان بلا فصل أسرع اليه الصداع، فاذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان الى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه، ويردّ الحرّ والبرد عليه.
 وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصبّ النور الى العينين، وجعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس الى العين قدر ما يميطه الانسان عن نفسه وهو كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه.
 وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليردّ عليهما قدر كفايتهما منه، وجعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين الى كل عين سواء.
 وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل وما وصل اليها دواء ولا خرج منها داء.
وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المتحدّرة من الدماغ ويصعد فيه الأراييح الى المشام، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ولا وجد رائحة.
 وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ الى الفم لئلا يتنغّص على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه.
 وجُعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الاُنثى.
 وجعل السنّ حادّاً لأنه به يقع العض، وجعل الضرس عريضاً لأنه به يقع الطحن والمضغ، وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان كالاسطوانة في البناء.
 وخلا الكفّان من الشعر لأن بهما يقع اللمس، فلو كان فيهما شعر ما درى الانسان ما يقابله ويلمسه.
 وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج يقبح وقصّهما حسن فلو كانت فيهما حياة لألم الانسان قصّهما.
 وكان القلب كحبّ الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروّح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ بحرّه(لاتصال ما بين القلب والدماغ بالشرايين فاذا احترّ القلب احترّ الدماغ).
 وجُعلت الرئة قطعتين ليدخل(القلب) بين مضاغطها فيتروّح عنه بحركتها.
 وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ويقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار.
 وجعلت الكلية كحبّ اللوبياء لأن عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة، فلو كانت مربّعة أو مدوّرة احتبست النقطة الاُولى الى الثانية فلا يلتذّ بخروجها الحي، إِذ المني ينزل من فقار الظهر الى الكلية، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً فأوّلاً الى المثانة كالبندقة من القوس.
 وجعل طيّ الركبة الى خلف لأن الانسان يمشي الى ما بين يديه فتعتدل الحركتان ولولا ذلك لسقط في المشي.
 وجُعلت القدم مخصّرة لأن المشي اذا وقع على الأرض جميعه ثَقل ثُقل حجر الرحى، فإذا كان على طرقه دفعه الصبي، واذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل.
فقال له الهندي: من أين لك هذا العلم ؟ فقال عليه السّلام: أخذته عن آبائي عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن جبرئيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله الذي خلق الأبدان والأرواح.
 فقال الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إِله إِلا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه وعبده وأنك أعلم أهل زمانه.

 

العدل بين النساء

سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول فقال: أخبرني عن قول اللّه تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» وقال تعالى في آخر السورة «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلّ الميل» فبين القولين فرق ؟ فقال أبو جعفر الأحول: فلم يكن عندي جواب فقدمت المدينة فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فسألته عن الآيتين، فقال: أمّا قوله «فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة» فإنما عنى في النفقة، وقوله «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم» فإنما عنى في المودّة، فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودّة، فرجع أبو جعفر الى الرجل فأخبره، فقال: هذا حملته من الحجاز.
أقول: حاول هذا الزنديق أن يناقض بين الآيتين لأن الثانية جعلت العدل غير مستطاع، ولكن هذا التناقض إِنما يصحّ اذا كان متعلّق الآيتين واحداً، وأمّا اذا كان متعلّق الاُولى النفقة والثانية المودّة فلا تناقض بين العدلين.

مناظرته في صدقة!

لا ريب في أن الناس تقع بالجهل والتيه اذا اعتمدوا على أنفسهم دون أن يرجعوا الى أهل العلم الصادق، فيكون الجاهل تائهاً في قفار الجهل ويحسب أنه عالم بالشريعة، ومن الذي يرشده الى الهدى والناس مثله اذا لم يكن المرشد العالم بالشريعة كما جاءت.
ولقد كانت بين الصادق عليه السلام وبين جاهل يدّعي العلم مناظرة في صدقة يحدّثنا عنها الصادق نفسه فيقول:
إِن من اتّبع هواه واُعجب برأيه كان كرجل سمعتُ غثاء الناس تعظّمه وتصفه، فأحببت لقاءه حيث لا يعرفني، فرأيته قد أحدق به كثير من غثاء العامّة، فما زال يراوغهم حتّى فارقهم ولم يقر فتبعته، فلم يلبث أن مرَّ بخبّاز فتغفّله وأخذ من دكّانه رغيفين مسارقة، فتعجّبت منه، ثمّ قلت في نفسي: لعله معاملة، ثمّ أقول: وما حاجته إِذن الى المسارقة، ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرَّ بصاحب رمّان، فما زال به حتّى تغفّله فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة، فتعجّبت منه ثم قلت في نفسي: لعلّه معاملة، ثمّ أقول: وما حاجته إِذن إِلى المسارقة، ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرَّ بمريض فوضع الرغيفين والرمّانتين بين يديه.
ثمّ سألته عن فعله فقال: لعلّك جعفر بن محمّد، قلت: بلى، فقال لي: وما ينفعك شرف أصلك مع جهلك ؟(...) فقلت: وما الذي جهلتُ منه ؟ قال: قول اللّه عزّ وجل «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيّئة فلا يجزى إِلا مثلها»(1) وإِني لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين، ولمّا سرقت الرّمانتين كانت سيّئتين، فهذه أربع سيّئات فلما تصدَّقت بكلّ واحدة منها كان لي أربعين حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربع سيّئات وبقي لي ستّ وثلاثون حسنة!، فقلت: ثكلتك اُمّك أنت الجاهل بكتاب اللّه، أما سمعت اللّه تعالى يقول «إِنما يتقبّل اللّه من المتّقين» إِنك لمّا سرقت رغيفين كانت سيّئتين، ولمّا سرقت رمّانتين كانت أيضاً سيّئتين، ولمّا دفعتها الى غير صاحبها بغير أمر صاحبها كنت إِنما أضفت أربع سيّئات الى أربع سيّئات، ولم تضف أربعين حسنة الى أربع سيّئات. فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته.
قال الصادق عليه السلام: بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يَضلّون ويُضِلّون.
أقول: وما اكثر أمثال هذا المتأوّل ولا غرابة بعد أن أعرضوا عن المنهل واستقوا من السراب.