مِن حياة الإمامِ الصادق عليه السلام
  • عنوان المقال: مِن حياة الإمامِ الصادق عليه السلام
  • الکاتب: نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:30:35 1-9-1403

مِن حياة الإمامِ الصادق عليه السلام

المولد.. الشهادة
وُلِد الإمام أبو عبدالله جعفر الصادق عليه السلام في السابع عشر من ربيع الأوّل سنة 83 هـ، وهو يوم مولد جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله. وآستُشهِد في الخامس والعشرين من شوّال سنة 148 هـ وله خمس وستّون سنة، ودُفن بالبقيع عند أبيه الباقر وجدّه السجّاد وعمّ جدّه الحسن المجتبى صلوات الله عليهم.
 

الأسرة
أبوه الإمام محمّد الباقر أحد مصابيح الهدى وأعلام التقى سلام الله عليه، وأمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن الشهيد الموالي لأمير المؤمنين محمّد بن أبي بكر. ( يراجع: الكافي 472:1 ـ باب مولد الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ).
وللإمام الصادق عليه السلام عشرة أولاد، أشهرهم الإمام موسى الكاظم عليه السلام وإسماعيل. ( الإرشاد للشيخ المفيد 209:2 )، وقد ذكر النسّابون أنّ الإمام الباقر عليه السلام انحصر نسلُه المبارك بالإمام جعفر الصادق عليه السلام، كما رَوَوا أنّه كان للإمام الباقر ولدٌ اسمه عبدالله، قتله والي المدينة بالسمّ، قال الشيخ المفيد: وكان عبدالله أخو الصادق يُشار إليه بالفضل والصلاح، وقد رُوي أنّه دَخَل يوماً على بعض بني أُميّة، فأراد ذاك قتلَ عبدالله، فقال له عبدالله: لا تَقتُلْني فأكونَ للهِ عليك عوناً، واستَبْقِني أكنْ لك على الله عوناً. يريد بذلك أنّه ممّن يشفع إلى الله فيشفّعه، فقال له الأموي: لستُ هناك! وسقاه السمَّ فقَتَله. ( الإرشاد 176:2 ).
 

الاسم المبارك
عن أبي خالد الكابلي قال: دخلتُ على سيّدي عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ عليهم السلام فقلت: يا ابن رسول الله، أخبِرْني بالذين فرَضَ اللهُ طاعتَهم ومودّتهم، وأوجَبَ على عباده الاقتداءَ بهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: « يا كابلي، إنّ أُولي الأمر الذين جعلهم اللهُ عزّوجلّ أئمّةَ الناس وأوجب عليهم طاعتَهم: أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ الحسن عمّي، ثمّ الحسين أبي، ثمّ انتهى الأمر إلينا ». ثمّ سكت، فقلت له: يا سيّدي، رُوي لنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الأرض لا تخلو مِن حُجّةٍ لله تعالى على عباده، فمَن الحجّة والإمام بعدك ؟
قال: « ابني محمّد، واسمه في صحف الأوّلين ( باقر ) يبقر العلم بقراً، هو الحجّة والإمام بعدي. ومِن بعد محمّدٍ ابنُه جعفر، واسمُه عند أهل السماء ( الصادق ) »، قلت: يا سيّدي، فكيف صار اسمه الصادق وكلُّكم صادقون ؟ قال: « حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إذا وُلِد ابني جعفرُ بنُ محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ فسَمُّوه ( الصادق ).. » ( كمال الدين للشيخ الصدوق 319:1، الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 268:1، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 393:3.. ).
 

خليفة أبيه
في ( الإرشاد 179:2 ) كتب الشيخ المفيد: كان الصادق جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الحسين عليهم السلام مِن بين إخوته خليفةَ أبيه محمّد بن علي عليهما السلام ووصيَّه القائم بالإمامة مِن بعده، برز على جماعتهم بالفضل، وكان أنبههم ذِكراً، وأعظمَهم قَدْراً، وأجلَّهم في العامّة والخاصّة. وقد نقل الناس عنه من العلوم ماسارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم يُنقَل عن أحدٍ من أهل بيته العلماءِ ما نُقِل عنه، ولا لقيَ أحدٌ منهم من أهل الآثار ونَقَلة الأخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السلام، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماءَ الرواة عنه من الثِّقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا ( 4000 ) رجل. وكان له عليه السلام من الدلائل الواضحة في إمامته ما بَهَرت القلوبَ وأخرست المخالف! ).
وكان الصادق عليه السلام وزيرَ أبيه الباقر عليه السلام ومعتمَده في مهمّات أموره، في المدينة وفي سفره إلى الحجّ، وإلى الشام عندما استدعاه الحاكم الأموي الحاقد على أهل بيت النبوّة هشامُ بن الحكم بن مروان.
وكان الباقر سلام الله عليه مسروراً بولده الصادق عليه السلام، قال سدير الصيرفي: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: « إنّ مِن سعادة الرجل أن يكون له الولد يَعرِفُ فيه شِبْه خَلْقه وخُلقه وشمائله، وإنّي لأَعرف من ابني هذا شِبْه خَلقي وخُلقي وشمائلي ». ( الكافي 306:1، مناقب آل أبي طالب 398:3 ).
وكان وصيَّ أبيه على جيلٍ كاملٍ من تلامذته النابغين الذين ملأوا الأمصار، فَهُم أوسعُ جيلٍ من طلبة العلم الحقيقيّ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وبعد الإمام عليٍّ عليه السلام. وقد روى الإمام الصادق عليه السلام قائلاً: « لمّا حضَرَت أبي عليه السلام الوفاةُ قال: يا جعفر، أُوصيك بأصحابي خيراً، قلت: جُعِلتُ فداك، واللهِ لأَدَعَنّهم والرجلُ منهم يكون في المِصر فلا يَسأل أحداً ». ( الكافي 306:1 ).
وكان من الإمام ما قال، ففي المدّة التي عاشها بعد أبيه الباقر عليه السلام ـ وهي ( 34 ) سنة ـ أثرى جيلَ تلاميذ أبيه، وخرّج جيلاً آخَرَ معهم، وكان ابن عقدة رحمه الله قد ألّف كتاباً في الرواة عنه عليه السلام وما رواه كلٌّ منهم، فبلغوا ( 4000 ) طالبٍ وعالم.
وكانت الجهود المباركة للإمام محمّد الباقر عليه السلام مقدّمةً طيّبةً لمواصلة الجهاد العلميّ مِن قِبل الإمام الصادق عليه السلام، قال زرارة بن أعيَن: كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر ( أي الإمام الباقر عليه السلام ) وهم لا يعرفون مناسكَ حجّهم وحلالَهم وحرامهم، حتّى صار الناس يحتاجون إليهم مِن بعدما كانوا يحتاجون إلى الناس. ( الكافي 20:2 )، ورُوي أنّ ربيعة الرأي سأل الإمام الصادق عليه السلام: ما هؤلاءِ الإخوةُ الذين يأتونك من العراق، ولم أرَ في أصحابك خيراً منهم ولا أهيأ ؟
فقال عليه السلام: « أولئك أصحاب أبي » ـ يعني وُلْدَ أعين، زُرارة وإخوته ـ. ( تاريخ آل زرارة لأبي غالب الرازيّ:6 ).
وكانت السلطة الأمويّة وأتباعُها قد أبادوا أحاديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وأحاديث
الأئمّة مِن عترته عليهم السلام، وطاردوا رواتها وصادروا مؤلّفاتهم. ومع ذلك سُمّي أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، الذين أجمعت الطائفة على تصديقهم بأنّهم الفقهاء، فقالوا: أفقهُ الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خَرّبُوذ، وبُرَيد، وأبو بصير الأسدي، والفُضَيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم. وذكروا ستّةً من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، هم: جميل بن درّاج، وعبدالله بن مسكان، وعبدالله بن بُكيَر، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان.. وهم أحدث أصحاب أبي عبدالله الصادق عليه السلام.. وكان يحثّ على طلب العلم ويقول: « اعرفوا منازل شيعتنا عندنا على قَدْر روايتهم عنّا وفَهمِهم منّا؛ فإنّ الرواية تحتاج إلى الدراية، وخبرٌ تَدريه خيرٌ مِن ألف خبرٍ تَرويه ». ( الغَيبة للنعماني:29 ) ويقول عليه السلام أيضاً: « علماءُ شيعتنا مُرابِطون في الثغر الذي يلي إبليسَ وعفاريته، يَمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلّط عليهم إبليسُ وشيعته والنواصب. ألا فَمَن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضلَ ممّن جاهد الرومَ والتُّرك والخَزَر ألفَ ألفِ مرّة؛ لأنّه يدفع عن أديان مُحبّينا، وذلك يدفع عن أبدانهم » ( الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسي 8:1 ).
 

لمحة من عبادته ومناقبه عليه السلام
قال مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي: ما رأت عيني أفضلَ مِن جعفر بن محمّد: فضلاً وعلماً وورعاً. وكان لا يخلو مِن إحدى ثلاث خصال: إمّا صائماً، وإمّا قائماً، وإمّا ذاكراً. وكان من عظماء البلاد، وأكابر الزُّهّاد الذين يَخشَون ربَّهم. ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 396:3 ).
أمّا معجزاته وكراماته عليه السلام، فقد نُقل منها المئات.. قال الشعراني في ( لواقح الأنوار ): كان إذا احتاج إلى شيءٍ قال: يا ربّاه، أنا أحتاج إلى كذا، فما يَستَتِمّ دُعاه إلاّ وذلك الشيء بجنبه. ( جامع كرامات الأولياء للنبهاني 4:2 ) وكتب ابن الصبّاغ المالكي في ( الفصول المهمّة 913:2 ): وأمّا مناقبه فتكاد تفوت مِن عَدّ الحاسب، ويحير في أنواعها فَهمُ اليَقِظَ الكاتب. وقد نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر بالمغرب والذي يتوارثه بنو عبدالمؤمن بن علي هو من كلامه.
وحول أخلاقه الشريفة كتب محمّد أبو زهرة في ( تاريخ المذاهب الإسلاميّة:713 ): كان سَمحاً كريماً، لا يُقابل الإساءة بِمِثلها، بل يقابلها بالتي هي أحسن. وكان يقول: « إذا بلَغَك عن أخيك شيء يَسوؤك فلا تغتمّ؛ فإنّه إن كان كما تَقوّل فيه القائل كانت عقوبةً قد عُجِّلَت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنةً لم يعلمها ». وكان الإمام الصادق رفيقاً مع كلِّ مَن يعامله من عشراء وخدم، ويُروى في ذلك أنّه بعث غلاماً له في حاجةٍ فأبطأ، فخرج يبحث عنه فوجده نائماً، فجلس عند رأسه وأخذ يُروّح له حتّى انتبه، ثمّ قال له: « ما ذلك لك! تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا النهار ». بل إنّ التسامح والرفق لَيبلغُ به أن يَدعُوَ اللهَ بغفران الإساءة لِمَن يُسيء إليه ).
 

سيّد الفقهاء وأستاذ أئمّة المذاهب
يعترف الجميع بأنّ الإمام الصادق عليه السلام باعث المعارف والعلوم، ومنه تعلّم مَن أسّسُوا المذاهب واستحدثوها، وهذه بعض شهاداتهم:
1 ) ابن حجر المكي الشافعي في ( الصواعق المحرقة ): ونقل الناس عن جعفر بن محمّد من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صِيته في جميع البلدان... وروى عنه الأئمّة الأكابر: كيحيى بن سعيد، وابن جريح، ومالك بن أنس، والسُّفيانَين، وأبي حنيفة، وشُعبة، وأيّوب.
2 ) الشيخ محمّد أبو زهرة: لا نستطيع في هذا العجالة أن نخوض في فقه الإمام جعفر؛ فإنّ أستاذ مالك وأبي حنيفة وسفيان بن عُيَينة لا يمكن أن يُدرَس فقهه في مثل هذه الإلمامة. ( موسوعة أصحاب الفقهاء 30:2 ).
3 ) ابن أبي الحديد: أمّا أصحاب أبي حنيفة فأخذوا عن أبي حنيفة، وأمّا الشافعي فهو تلميذُ تلميذِ أبي حنيفة، وأمّا أحمد بن حنبل فهو تلميذ الشافعي. وأبو حنيفة قرأ على جعفر الصادق، وعلم الصادق ينتهي إلى علم جَدّه عليٍّ عليه السلام. ( شرح نهج البلاغة 18:1 ).
4 ) مالك بن أنس: ما رأت عيني أفضلَ من جعفر بن محمّدٍ فضلاً وعلماً وورعاً... وكان كثيرَ الحديث طيّب المجالسة كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله، اخضرّ مرّةً واصفرّ أخرى، حتّى لَيُنكره مَن لا يعرفه! ( مناقب آل أبي طالب 396:3 ).
وذكر مالك ( وهو صاحب المذهب المالكي ) وصفاً لأخلاق الإمام الصادق عليه السلام ومعارفه وحالاته الشريفة وعباداته، وذلك من خلال مشاهداته ومعاشرته له؛ إذ الإمام كان أستاذه، وقد نقل ذلك ابن عبدالبرّ في كتابه ( التمهيد 67:2 )، وابن حجر العسقلاني الشافعي في ( تهذيب التهذيب 88:2 ).
وفي هذا العصر يخاطب أحدهم مالكاً: إذا كانت هذه عقيدتك في أستاذك، فلماذا أسّست مذهباً مخالفاً له ؟! ثمّ لماذا لم تَروِ عنه في كتابك ( الموطّأ ) إلاّ خمسة أحاديث ؟! ألِهذا الحدّ استجبتَ للحاكم العباسيّ الظالم أبي جعفر المنصور ؟!
5 ) وترجم له الحافظ أبو نُعَيم الأصفهاني ـ وهو من مشاهير علماء أهل السنّة ـ في كتابه ( حلية الأولياء 192:3 )، فكان مما كتبه فيه قوله: الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق... قال هشام بن عبّاد: سمعتُ جعفرَ بن محمّدٍ يقول: « الفقهاءُ أُمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتِّهمُوهم! »... وقال أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي: وقع الذباب على المنصور فذبَّه عنه، فعاد فذبّه حتّى أضجره، فدخل جعفر بن محمّد عليه، فقال له المنصور ( معترضاً ): يا أبا عبدالله، لِمَ خَلَق اللهُ الذباب ؟! فأجابه: « لِيُذِلَّ به الجبابرة! ».
ومضى أبو نُعَيم ينقل عن شخصيّاتٍ عديدة فضائل الإمام الصادق عليه السلام، ثمّ ذكر له عنهم أحاديثه الشريفة، وعرّف بجمعٍ من التابعين قد رَوَوا عن الإمام الصادق عليه السلام واحتجاجاته العلميّة.
6 ) وكتب الذهبيّ في ( سِير أعلام النبلاء 258:6 )، وابن عَدِيّ الجرجاني في ( الكامل في ضعفاء الرجال 132:2 )، والمزيّ في ( تهذيب الكمال 79:5 ).. وغيرهم:
أنّ أبا حنيفة سُئل: مَن أفقهُ مَن رأيت ؟ فقال: جعفرُ بن محمد؛ لَمّا أقدمه المنصورُ بعَثَ إليّ فقال: يا أبا حنيفة! إنّ الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمّد، فهيّئْ له مسائلك الشِّداد. قال: فهيّأتُ له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة، فأتيتُه فدخلتُ عليه وجعفر ( الصادق ) جالسٌ عن يمينه، فلمّا بَصُرتُ به دَخَلَني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر ( المنصور )، فسلّمت عليه، فأومأ إليّ فجلست، ثمّ التفَتَ ( المنصور ) إليه فقال له:
ـ يا أبا عبدالله، هذا أبو حنيفة. قال: نَعَم أعرفُه. ثمّ التفت المنصور إليّ فقال: ألْقِ على أبي عبدالله من مسائلك.
قال أبو حنيفة: فجعلتُ أُلقي عليه ويُجيبُني، فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا.. قال أبو حنيفة: حتّى أتيتُ على الأربعين مسألةً فما أخلّ منها بشيء!
ثمّ قال أبو حنيفة: أليس قد رَوَينا: أعلمُ الناس أعلمُهم باختلاف الناس ؟!
ويجيء السائل بعد دهر، فيسأل أبا حنيفة: ما دامت هذه عقيدتك في أستاذك هكذا، فلماذا أسّست مذهباً مخالفاً له وأنت تقرُّ بأنّه عليه السلام أفقه الناس، وأعلم الناس ؟!
7 ) وكتب الإربلّي في ( كشف الغمّة في معرفة أحوال الأئمّة 367:2 ): قال كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في ( مطالب السَّؤول في مناقب آل الرسول ) ـ في التعريف بالإمام الصادق عليه السلام ـ: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علمٍ جمّ، وعبادةٍ موفورة، وأورادٍ متواصلة، وزهادةٍ بيّنة، وتلاوةٍ كثيرة. يَتتبّع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه... نورُ قَسَماتِه شاهدٌ أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تَصدعُ بأنّه مِن ذريّة الرسالة. نقل عنه الحديثَ واستفاد منه العلمَ جماعةٌ من الأئمّة وأعلامهم، مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريح، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عُيَينة، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيّوب السجستاني، وغيرهم. وعَدُّوا أخْذَهم منه منقبةً شُرِّفوا بها، وفضيلةً اكتسبوها.
إلى أن قال ابن طلحة الشافعي: وأمّا مناقبه وصفاته، فتكاد تفوق عددَ الحاصر، ويَحارُ في أنواعها فَهمُ اليَقِظ الباصر، حتّى أنّه من كثرة علومه المُفاضة على قلبه مِن سجال التقوى، صارت الأحكام التي لا تُدرَك عِللُها، والعلوم التي تَقصرُ الأفهام عن الإحاطة بحكمها، تُضاف إليه وتُروى عنه.
9 ) وعن عمرو بن أبي المقدام قال: كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّدٍ عَلِمتُ أنّه من سلالة النبيّين. لقد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول: سَلوني، سلوني. وعن صالح بن أبي الأسود: سمعتُ جعفرَ بن محمّدٍ يقول: سَلوني قبل أن تفقدوني؛ فإنّه لا يُحدّثكم أحدٌ بعدي بِمِثْلِ حديثي. ( سير أعلام النبلاء 257:6 ).