ارتداد الصحابة
وأما ما يتعلق بارتداد الصحابة فالنصوص الشيعية التي تذكر ذلك المضمون لا تقصد الارتداد بمعنى الخروج عن الدين وبمعنى الكفر
وأما ما يتعلق بارتداد الصحابة فالنصوص الشيعية التي تذكر ذلك المضمون لا تقصد الارتداد بمعنى الخروج عن الدين وبمعنى الكفر ، بل المقصود بها ما قصد من الرواية الواردة في صحيح البخاري لا ترتدوا بعدي كفارا
عن ابن عباس قال : قال النبي (ص) : " لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " (1) ، وكذلك قوله (ص) " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " (2) .
فهل يمكن الجزم بناءا على ما قاله (ص) بأن طلحة والزبير وعائشة ومعاوية وعلي عليه السلام ارتدوا وكفروا لأنهم تقاتلوا ؟ وهل نحكم بكفر من يؤمن بصحة هذه الرواية ؟
أم يجب تأويل كلمة الارتداد وكلمة الكفر الواردة في أحاديث الباب المذكور في صحيح البخاري إلى الكفر بالحق لا الكفر بالشهادتين .
ولاحظ في ذلك ما ذكره ابن تيمية في ( مجموعة الفتاوى ) من قول محمد بن نصر : " وقالت طائفة أخرى من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء إلا أنهم سموه مسلما لخروجه من ملل الكفر ولإقراره بالله وبما قال ولم يسموه مؤمنا ، وزعموا أنهم مع تسميتهم إياه بالإسلام كافر ، لا كافر بالله ولكن كافر من طريق العمل وقالوا كفر لا ينقل عن الملة … فأما قول من احتج علينا فزعم أنا إذا سميناه كافرا لزمنا أن يحكم عليه بحكم الكافرين بالله فنستتيبه ونبطل الحدود عنه … فإنا لم نذهب في ذلك حيث ذهبوا … فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان الكفر بالله وبما قال وترك التصديق به وله ، وضد الإيمان الذي هو عمل وليس هو إقرار كفر ليس بكفر بالله ينقل عن الملة " (3) .
وقد صرح ابن حجر بذلك في ( فتح الباري ) قائلا :
" قوله ( لا ترجعوا بعدي كفارا ) جملة ما فيه من الأقوال ثمانية أحدها قول الخوارج إنه على ظاهره ، ثانيها هو في المستحلين ، ثالثها المعنى كفارا بحرمة الدماء وحرمة المسلمين وحقوق الدين ، رابعها تفعلون فعل الكفار في قتل بعضهم بعضا ، خامسها لابسين السلاح يقال كفر درعه إذا لبس فوقها ثوبا ، سادسها كفاراً بنعمة الله ، سابعها المراد الزجر عن الفعل وليس ظاهره مرادا ، ثامنها لا يكفر بعضكم بعضا كأن يقول أحد الفريقين للآخر يا كافر فيكفر أحدهما ، ثم وجدت تسعا وعاشرا ذكرتهما في كتاب الفتن " (4) .
وقال في موضع آخر من ( الفتح ) : " قوله ( كفارا ) تقدم بيان المراد به في أوائل كتاب الديات وجملة الأقوال فيه ثمانية ، ثم وقفت على تاسع وهو أن المراد ستر الحق والكفر لغة الستر لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه ، فلما قاتله كأنه غطى على حقه الثابت له عليه ، وعاشر وهو أن الفعل المذكور يفضي إلى الكفر لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جره شؤم ذلك إلى أشد منها فيخشى أن لا يختم له بخاتمة الإسلام " (5) .
وإذا غضضنا عن ذلك كله فبأي دليل يقال أن من يعتقد بانقلاب الصحابة على أعقابهم من صريح الكفر مع تصريح القرآن بهذا الاحتمال في قوله تعالى ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (6) ؟
وإخبار الرسول (ص) بوقوع ذلك منهم فعلا كما في صحيح البخاري كتاب المناقب باب قول الله تعالى ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) عن ابن عباس (رض) عن النبي (ص) : " … وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم … " (7) ، أليس من يؤمن بالنصين السابقين يجب أن يعتقد بأن هناك من الصحابة من ارتد !!
================================
(1) صحيح البخاري - ج9 ص63
(2) نفس المصدر السابق
(3) مجموعة الفتاوى - ج7 ص202
(4) فتح