الإرهاب في نظر الشيعة
  • عنوان المقال: الإرهاب في نظر الشيعة
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 15:40:31 4-9-1403

الشيعة الإمامية كيان إسلامي قائم ، أرسى قواعده النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) ، ويُقَدَّر أبناؤه اليوم بما يزيد على ربع مليار مسلماً ، ينتشرون في أغلب بقاع الأرض ، وفيهم العلماء ، والفلاسفة ، والمفكرون ، والمثقفون ، وحملة الشهادات العالية ، كما أن لهم مدرستهم الأصيلة ، وفكرهم النيِّر ، وساحتهم الجهادية .

ويمتاز الفكر الشيعي برصانة المادة ، وقوة الحجة ، ووضوح الرؤية ، وعدم الضبابية في كل شأن من شؤونه ، مما جعله مستهدفاً أكثر من غيره ، وهو الأمر الذي حَمَّلَه الكثير من المعاناة على طول التاريخ .

الإرهاب لغة يعني : العنف والتخويف .

واستعمله القرآن الكريم في أكثر من آية ، كقوله تعالى :

( إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رغباً وَرهباً ) [ الأنبياء : 90 ] .

وقوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم ) [ الأنفال : 60 ] ، وغير ذلك من الآيات .

وفُسِّر الإرهاب بأنه : إزعاج النفس بالخوف .

وإن ديننا يحترم الإنسان بِغَض النظر عن الهوية والانتماء بل يحترمه لإنسانيته ، ونحن المسلمين كغيرنا من البشر نتألم ونحزن لكل كارثة تَحِلُّ ، بِغَضِّ النظر عن الدين والمعتقد ، وهذا أمر واضح .

وهناك ثَمَّةَ نظرة خاصة من منظار الفكر الشيعي للإنسان بما هو إنسان من خلال كلام الإمام علي ( عليه السلام ) رائد التشيع حينما بعث مالك الأشتر والياً من قبله إلى مصر ، كتب له دستور الحكم الإسلامي ، وكيفية التعامل مع الرعية ، ولم يترك فيه ملاحظة صغيرة أو كبيرة إلا وذكرها ليعكس لنا فكر الإسلام الأصيل .

فيقول ( عليه السلام ) في مقطع من كلامه :

( وأشعر قلبك بالرحمة للرعية ، والمحبة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنهم أكلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ) .

وهنا يمنع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مالك من العنف والإرهاب بحق الرعية لسببين :

الأول : الأخوة على أساس الدين ، وهذا بالنسبة للمسلمين كافة .

الثاني : والأخوة على أساس التشابه بالخلقة ، وهذا يشمل المسلمين وغيرهم من سائر البشر .

كما أن الإمام ( عليه السلام ) أراد من واليه أن ينطلق في التعامل مع الناس بهذه الروحية والسمو ، التي أرادها الإسلام .

ولدينا شواهد كثيرة ، قديمة وحديثة ، على رفضنا للإرهاب جملة وتفصيلاً ، نذكر منها :

أولاً : يذكر الطبري في تأريخه أن خالد بن الوليد سار في عهد أبي بكر إلى منطقة البطاح ، حيث يسكنها مالك بن نويرة وجماعته ، بعدما امتنعوا من دفع الزكاة لسبب ناشئ من اختلاف وجهات النظر في الخليفة الشرعي الذي تُسَلَّم له الزكاة .

وقد أمر أبو بكر خالداً وجماعته أن إذا رأيتموهم يصلون فلا تقاتلوهم ، وقد أقاموا وصَلَّوا .

فحبسهم خالد في ليلة شديدة البرد وأمر مناديه أن ينادي ( ادفنوا أسراكم ) ، ويقصد اقتلوهم ، وفعلاً قتلوهم ومثلوا بهم .

إن موقفنا من هذا العمل موقف صريح أنه إجرامي وإرهابي لا يَمُتُّ إلى الإسلام بصلة ، ونبرأ إلى الله منه وممن فعله وممن أمر به .

كما أن الإمام علي ( عليه السلام ) اتخذ موقفاً حازماً في الاحتجاج على هذا العمل ، وإدانة الفاعل ومعاقبته .

ونحن لا زلنا إلى الآن ندين العملية ، ونعتبرها فعلاً شنيعاً ، ولنا موقف ممن عملها ، رغم مرور أربعة عشر قرن عليها .

ثانياً : يروي التاريخ أن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) رسول الإمام الحسين (عليه السلام) لأهل الكوفة ، أبان ثورة كربلاء كان خصمه الخط الأموي ، وعبيد الله بن زياد يمثلهم آنذاك بالكوفة ، وأتيحت له فرصة هي بنظر السياسيين ذهبية وهي اغتيال وغدر عبيد الله حينما جاء لزيارة أحد الوجهاء ، وهو شريك الذي كان في بيت هاني بن عروة ، ويسكنه مسلم بن عقيل أيضاً ، وامتنع من القيام بالعملية في آخر لحظة ، معللاً ذلك بقول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إن الإيمان قيد الفتك ، والمؤمن لا يفتك .

وهو مبدأ صحيح فيه دلالة واضحة على أن الإسلام يرفض هذا اللون من القتل وليس من أخلاق المسلمين .

وهناك نموذجان من تاريخنا المعاصر :
الأول : الثورة الإسلامية في إيران ، وهي ثورة شيعية .

الثاني : حركة طالبان في أفغانستان ، وهي حركة سلفية .

وكم الفرق واضح بينهما في التصرف الخارجي ، وروح التعامل مع الناس ، حيث عانى الشعب الأفغاني من التعسف والقهر ما لم يشهده طيلة حياته .

ولا نحمل فعلهم على فكر مذهب معين ، بل هو تصرف فئة لم تفهم الإسلام حقيقة .

ولو رجعنا إلى زمان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومبدأ الحكومة التي أسسها ، نجد أنه يتجلى في الرحمة والعطف ، والإحسان الواقعي لا الشعاري ، وعلى المستوى العلمي والعملي .

فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) يأخذ العفو ، ويأمر بالمعروف ، ويعرض عن الجاهلين .

كما أنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يهاجم مشركاً قط بلون من ألوان العنف ،

نعم ، فقد كان يطرح ما عنده على شكل دعوة للحق مُعَزَّزَة بالدليل ، وأخذ فيها بنظر الاعتبار احترام الطرف المقابل .

فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يضع أمامه الخطاب السماوي :

( أُدعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )[ النحل : 125 ] .

بل وحتى الحروب التي خاضها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم تكن ابتدائية ، وإنما أغلبها حروب دفاعية من منطلق الحق المشروع ، ويتجلى فيها الأدب السماوي وعدم تجاوز الحدود .

وحكومة الإمام علي ( عليه السلام ) هي نموذج آخر ، فإن ما اتسمت به من ملامح تعكس رؤيته إلى رفض كل ألوان العنف كما ذكرنا .

إذن يجب أن نفهم بدقة الفكر الشيعي ، وتعامله مع الآخرين ، وعدم إطلاق الكلمات جزافاً .

كما يجب أن نميز بين الإرهاب بصورته الحقيقية ، وغيرها المدبلجة لغرض وآخر .

 

السر في بقاء التشيع

إن التشيع حالة أصلية في الإسلام تجسدت من خلال مراحل ثلاث ، هي :

 

الأولى :

بدأت هذه المرحلة في عصر الرسالة ، كما أكدت ذلك مجموعة نصوص مدونة امتلأت بها كتب الحديث والتفسير .

 

الثانية :

بدأت بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) مباشرة ، حيث اتجه بعض من الصحابة نحو الإمامة ، والالتزام بزعامة الإمام علي ( عليه السلام ) وأحقِّيته في قيادة المجتمع الإسلامي .

ومن هؤلاء : سلمان ، وأبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وغيرهم .

 

الثالثة :

بدأت هذه المرحلة في عصر الإمام الباقر وابنه الإمام الصادق (عليهما السلام) وأخذت بالنمو والازدهار بسبب توفر الظروف الموضوعية لنشر معالم مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) .

ولا يخفى أن الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) الذين هم قادة الشيعة والمحور الذي تدور عليه نظرية التشيع قد ضربوا للناس ومن خلال مواقفهم الشخصية أروع الأمثلة القدسية التي غطت على من سواهم .

ولم يستطع الحكام آنذاك من تغيير الواقع مع ما لهذه المواقف من مردود سلبي عليهم .

وفي هذه العُجالة سنتناول ثلاثة مواقف كنموذج وقفها الأئمة ( سلام الله عليهم ) قد جسَّدوا فيها مصلحة الأمة الإسلامية ، وما يتطلبه الظرف الاجتماعي الذي يعايشونه :

 

الأول :

خروج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من مكة إلى كربلاء ، واستشهاده في واقعة الطف ، وما ترتب على هذا الموقف الاستشهادي من تحرك في صفوف الأمة الإسلامية .

فحدوث واقعة الحرَّة ، وثورة المختار ، وحركة التوابين بعد مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فكل تلك الأحداث وأمثالها ظلت تنخر في جسم الدولة الأموية حتى زالت في عام ( 132 هـ ) .

 

الثاني :

الموقف الآخر للإمام علي ( عليه السلام ) عندما رأى أن مصلحة الإسلام العليا تقتضي حفظ دماء المسلمين قال – عندما عهد أبو بكر لعمر – : ( والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين .. ) .

 

الثالث :

وهذا الإمام السجاد ( عليه السلام ) يدعو لأهل الثغور ، وهم جنود النظام الأموي الذين ارتكبوا فاجعة كربلاء ، ولم يكن دعاءه لهم إلا لحفظ الكيان الإسلامي من الأعداء الذين ما انفكوا يكيدون للدولة الإسلامية ، وينتهزون الفرص للإطاحة بها .

هذه المواقف وأمثالها التي وقفها الأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) عبر التاريخ الإسلامي ، والتي كانت ترى بأن الدفاع عن بيضة الإسلام ، والوحدة الإسلامية ، وحفظ دماء المسلمين من الأمور الواجبة ، وهذه المواقف برأينا هي التي كانت السر الكامن وراء بقاء مذهب التشيع .

ولم تقتصر تلك المواقف على الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، بل تبعهم في ذلك العلماء والفقهاء والمراجع ، باعتبارهم نُوَّاب الأئمة ( عليهم السلام ) ، والمتتبع المنصف اللتاريخ الشيعي يجد مواقفهم ثابتة ومشرف .

نذكر هنا بعضاً من تلك المواقف كأمثلة :

الأول : مواقف الميرزا الشيرازي من الإنجليز .

الثاني : مواقف علماء النجف الأشرف وجهادهم ضد الاحتلال البريطاني في العراق بعد الحرب العالمية الأولى .

الثالث : موقف آية الله العظمى السيد البروجردي ، ودوره في تأسيس مجمَّع التقريب بين المذاهب الإسلامية .

الرابع : مواقف آية الله العظمى السيد محسن الحكيم وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي من علماء السنة ، وإرسال الممثلين عنهم في الاشتراك بمؤامراتهم ومجالسهم .

الخامس : دعوة الإمام الخميني إلى الوحدة الإسلامية ، ومن مصاديق تلك الدعوة أُعلن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أسبوع الوحدة الإسلامية من 12-17 ربيع الأول من كل عام .