نظَراتٌ.. في التَقيّة 4
  • عنوان المقال: نظَراتٌ.. في التَقيّة 4
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:40:58 2-9-1403

التقيّة عند أهل السُّنّة

التقيّة في المذهب السُّنّي حقيقة واضحة، من جهات عديدة:
الأولى: حقيقة قرآنية مُتسالَمٌ عليها في ظاهر الكتاب المجيد وعند إجماع المفسِّرين.. أنّ آيات كثيرةً نزلت في شأن التقيّة.
والثانية: حقيقة حديثيّة متواترة، تظافرت فيها الروايات وتوفّرت عليها الأخبار، بعدد يبعث على الاطمئنان، وأسانيد تبلغ الصحة وتتعداها إلى الوثوق واليقين.
والثالثة: حقيقة واقعيّة عاشتها الأمّة الإسلاميّة مفهوماً واضحاً، وشاهدتها في وقائعَ وأحداثٍ تاريخيّة متعدّدة، ومارسها جمع يُعتدّ به من الصحابة المعروفين ومن التابعين الأعلام.
والرابعة: حقيقة فقهيّة أخَذَت عناوينها الواضحة ومساحتها الملحوظة في أرض الفقه، فهي أشهر من أن تُنكر، وأثبت من أن يُشكَّك فيها، وأوضح من أن يُرتاب في صحّتها.
مع كلّ هذا.. كانت التقيّة وما تزال أشدّ سطوعاً وأكثر ممارسةً في المذهب الشّيعيّ لأمر واضح جداً، وهو توفّر ظروف التقيّة وأجوائها لأتْباعه. والتاريخ القديم والحديث يشهدان ما جرى على شيعة أهل البيت عليهم السّلام من الظلم بأنواعه وأشكاله: من الملاحقة والمطاردة، إلى الحبس في المطامير والزنزانات الرهيبة المظلمة، إلى التعذيب البدنيّ والنفسيّ، إلى مصادرة الأموال والممتلكات، إلى القتل الجماعي والفردي والتمثيل بالأجساد، إلى التجاوز على الحرُمات الإنسانيّة.
وإنّ الشرع الشريف: قرآناً وسُنّةً، يدعو إلى الاحتماء من ظلم الطغاة، والتخفّي عن عيون الجواسيس بستار التقيّة، بل دعا إلى الهجرة فراراً بالدين من كيد المجرمين، وحثّ المؤمنين على حفظ الأعراض والأموال والأنفُس من أن تنالها أيدي الظلم بسوء.. وتلك هي التقيّة تُرس الله تعالى بينه وبين عباده، يُعمَل بها فيُطاع الله جَلّ وعلا فيها، وتُراعى فيَسْلم الدين برجاله من فتك أعدائه وأعدائهم.
وهذا لا ينكره عقل، ولا يشذّ عنه إجماع.. وقبل هذا وذاك وفوقهما جاءت حقيقة التقيّة صوراً قرآنيّة مُشرقة، لوحاتٍ حديثيّة بيّنة زاهية، وأخباراً تاريخيّة شاهدة، ومسائل فقهيّة حيّة.. تُراجَعُ وتمارس وتُطبّق في مجالات الحياة العمليّة.
والآن.. إلى إثبات هذه الحقيقة في الواقع السنّيّ على مستوى الفكرة والمفهوم والاعتقاد، وعلى مستوى الأخذ والعمل والممارسة.

 

1. الحقيقة القرآنيّة:

الآية الأُولى: لا يَتّخذِ المؤمنونَ الكافرينَ أولياءَ مِن دونِ المؤمنينَ ومَن يَفْعَل ذلكَ فليس مِن اللهِ في شيءٍ إلاّ أن تَتّقُوا مِنهُم تُقاةً، ويُحذِّرُكمُ اللهُ نفسَه، وإلى اللهِ المصير (118).
• قال الطبرسيّ في تفسيره: إلاّ أن تتّقُوا مِنهم : إلاّ أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتُظهِروا لهم الوَلاية بألسنتكم وتُضمِروا لهم العداوة. وقد رُوي هذا المعنى عن ابن عبّاس من طريقَين، وعن الحسن البصريّ، وأُخرج عن السدّيّ: إظهار الولاية للكافرين في دينهم، والبراءة من المؤمنين.
وعن الضحّاك وابن عبّاس: التقيّة باللسان، ومَن حُمل على أمر يتكلّم به وهو لله معصية، فتكلّم به مخافةً على نفسه وقلبُه مطمئنّ بالإيمان، فلا إثمَ عليه، إنّما التقيّة باللسان (119).
• أمّا الرازيّ فقد قال في تفسير الآية هذه: إعلم أنّ للتقيّة أحكاماً كثيرة، ونحن نذكر بعضها.. ثمّ ذكر ستّة أحكام للتقيّة، جاء في الحُكم الرابع منها ما لفظه: ظاهر الآية يدلّ على أنّ التقيّة إنّما تحلّ مع الكفّار الغالبين، إلاّ أنّ مذهب الشافعيّ: إنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالةَ بين المسلمين والمشركين حلّت التقيّة مُحاماةً على النفس.
وجاء في الحكم الخامس: التقيّة جائزة لِصَون النفس، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يُحتمل أن يُحكَم فيها بالجواز، لقوله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم: حُرمة مال المسلم كحرمة دمه، ولقوله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم: مَن قُتل دون ماله فهو شهيد. ولأنّ الحاجة إلى المال شديدة، والماء إذا بِيع بالغَبن سقط فرض الوضوء، وجاز الاقتصار على التيمّم؛ دفعاً لذلك القدْر من نقصان المال، فكيف لا يجوز ها هنا ؟! والله أعلم.
ثمّ رجّح قولَ الحسن البصريّ: التقيّة جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة.. وقال: هذا القول ـ أي قول الحسن ـ أولى؛ لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان (120).
• وقال القرطبيّ في تفسير الآية نفسها: قال الحسن ( البصريّ ): التقيّة جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقيّة في القتل. وقرأ جابرُ بن يزيد ومجاهد والضحّاك: إلاّ أن تتّقُوا منهم تقيّةً (121).
• وفي صحيح البخاريّ ( 25:9 ـ كتاب الإكراه ): إلاّ أن تتّقُوا مِنهم تقاةً وهي التقيّة، قال الحسن: التقيّة إلى يوم القيامة جائزة.
وهكذا ـ أيُّها الإخوة ـ نرى أنّه لا خِلاف في أن الشرع المقدَّس قد سمح هنا في آية محكَمةٍ من كتاب الله العزيز باستخدام التقيّة في شيء فظيع جدّاً، وهو موالاة الكافرين في الظاهر؛ حفاظاً على النفس منهم عند الخوف واحتمال الضرر. فلماذا يُتّهم أتباع مذهب أهل البيت عليهم السّلام بعد ذلك والمُشرِّع للتقيّة هو الله سبحانه وتعالى، ولماذا يُلامون على استخدام التقيّة وقد شهد لهم التاريخ بتهديد السلاطين لدمائهم وأعراضهم وأموالهم ؟!
الآية الثانية: مَن كَفَر باللهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إلاّ مَن أُكْرِه وقلبُهُ مُطمئِنٌّ بالإيمانِ ولكنْ مَن شرَحَ بالكفرِ صَدراً فعَلَيهِم غَضَبٌ من اللهِ ولَهُم عذابٌ عظيم (122).
• قال ابن الجوزيّ: الإكراه على كلمة الكفر يُبيح النطق بها، وفي الإكراه المبيح لذلك عن أحمد بن حنبل روايتان: إحداهما أنّه يخاف على نفسه أو على بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أُمر به (123).
• وقال الكيا الهراسي في تفسير الآية هذه: وذلك يدلّ على أن حُكم الردّة لا يَلزمه. ثمّ قال: إنّ المشرِّع غَفَر له لما يَدفع به عن نفسه من الضرر..
واستدلّ به أصحاب الشافعيّ على نفي وقوع طلاق المُكرَه وعتاقه، وكلّ قول حُمل عليه بباطل؛ نظراً لما فيه من حفظ حقّه عليه، كما امتنع الحكم بنفوذ ردّته حفظاً على دينه (124).
الآية الثالثة: وقالَ رجُلٌ مؤمنٌ مِن آلِ فرعَونَ يكتُمُ إيمانَه: أتقتلون رجلاً أن يقولَ ربّيَ اللهُ وقد جاءَكم بالبيّناتِ مِن ربِّكم ؟! وإن يكُ كاذباً فعليهِ كذِبُه، وإن يكُ صادقاً يُصِبْكم بعضُ الذي يَعِدُكم، إنّ اللهَ لا يَهدي مَن هو مُسرِفٌ كذّاب (125)
• قال الفخر الرازيّ: إنّه تعالى حكى عن ذلك المؤمن أنّه كان يكتم إيمانه، والذي يكتم كيف يمكنُه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون ؟! ولهذا السبب حصل ها هنا قولان:
الأول: أنّ فرعون لمّا قال: ذَرُوني أقتُلْ موسى لم يُصرّح ذلك المؤمن بأنّه على دِين موسى، بل أوهَم أنّه مع فرعونَ وعلى دينه، إلاّ أنّه زعم أنّ المصلحة تقتضي ترك قتل موسى؛ لأنّه لم يصدر عنه إلاّ الدعوة إلى الله والإثبات بالمعجزات القاهرة، وهذا لا يوجب القتل، والإقدام على قتله يُوجب الوقوع في ألسنة الناس بأقبح الكلمات.
الثاني: أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه أوّلاً، فلمّا قال فرعون: ذَرُوني أقتُلْ موسى أزال الكتمان وأظهر كونَه على دِين موسى، وشافَهَ فرعونَ بالحقّ (126).
والظاهر صحة القول الأوّل... وأيٌّ كان الصحيح من القولين، فإنّ الرجل قد كتم إيمانه في صدره على وجه التقيّة من القوم؛ حفظاً على نفسه منهم. والقرآن الكريم لم يصفه على هذا الكتمان بالمخادع أو المنافق، بل وصفه بأنّه مؤمن، كما وصفه الرسول صلّى الله وآله وسلّم بأنّه من الصدّيقين. قال الرازيّ: عن رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم: الصِّدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الذي قال: أتقتلونَ رجلاً أن يقولَ ربّيَ الله ؟! ، والثالث عليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم (127).
الآية الرابعة: وأنفِقُوا في سبيلِ اللهِ ولا تُلقُوا بأيديكُم إلى التَّهْلُكةِ، وأحسِنُوا إنّ اللهَ يُحبُّ المحسنين (128).
• قال القرطبيّ: وهذه الآية تدخل في كثير من الأحكام، وهي ممّا خصّ الله بها هذه الأمّة. روى معمَّر عن قتادة، قال: أُعطِيَت هذه الأُمّة ثلاثاً لم يُعطَها إلاّ نبيّ. كان يُقال للنبيّ: إذهب فلا حرَجَ عليك، وقيل: لهذه الأُمّة: وما جَعلَ عليكُم في الدِّينِ مِن حَرَج (129).
والحرَج لغةً هو الضِّيق، والتقيّة لا تحصل إلاّ جرّاء وقوع صاحبها في الضيق، وفي حرَجٍ لا يمكنه الخروج منه إلاّ بالتقيّة. ويَصدُق هذا المعنى مع قوله تعالى: لا يُكلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ ما آتاها (130)، وقوله جلّ وعلا: يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بكمُ العُسْر (131).
والآية المباركة: ولا تُلقوا بأيديكم إلى التَّهْلُكة يمكن جعلها ناظرةً إلى كلّ ما تُؤدّي عاقبته إلى الهلاك، ويكون من ذلك الامتناع مثلاً عن أكل لحم المِيته بعد الإكراه أو الإشراف على الموت جوعاً ولا شيء غير.. فيؤدّي هذا أو ذاك إلى تلف النفس، وهذا التلف المتعمَّد هو من التهلكة.
ومن هنا ـ أيّها الإخوة ـ يستشهد البعض في هذا المجال بقوله تبارك وتعالى: إنّما حَرّمَ عليكمُ الَمْيتةَ والدَّمَ ولحمَ الخِنزيرِ وما أُهِلَّ به لغيرِ اللهِ فمَنِ اضطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثْمَ عليه، إنّ اللهَ غفورٌ رحيم (132)، وبقوله جلّ وعلا: وما لكم ألاّ تأكلُوا مِمّا ذُكرَ اسمُ اللهِ عليهِ وقد فَصّلَ لكم ما حَرّمَ عليكم إلاّ ما اضطُررتُم إليه.. (133). أي جميع ما اضطُررتُم إليه من المحرَّمات، ولا خلاف بأنّ الاضطرار إلى أكل مثل هذه المحرّمات قد يحصل من الجوع في مخمصة، يحصل كذلك من ظالم أيضاً. قال مجاهد: يعني أُكرِه عليه، كالرجل يأخذه العدوّ فيكرهونه على أكل لحم الخنزير وغيره في معصية الله تعالى، إلاّ أنّ الإكراه يُبيح ذلك إلى آخر الإكراه (134).
ومن هنا يتبين أنّ ما ورد عن الضحّاك وابن عبّاس من أنّ التقيّة تكون باللسان هو خلاف صريح لهذه الآية. والمهمّ هنا هو دلالة آية الاضطرار على التقيّة العمليّة عند الضرورة التي ترفع التحريم فيكون مباحاً مدّة الاضطرار.

 

2. الحقيقة الحديثيّة:

جاءت التقيّة في الحديث النبويّ الشريف سُنّةً بيّنةً: في القول، والفعل، والإقرار.. في روايات عديدة وواضحة صنّفناها إلى قسمين:
الأوّل: الرواية القَوليّة ـ وقد نصّت على التقيّة باللفظ أو المعنى، بعموم التقيّة أو بعنوان خاصّ من عناوينها أو أقسامها.. مثال ذلك:
• ما أخرجه الترمذيّ ـ وحسّنه ـ بسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم: لا ينبغي للمؤمن أن يُذلَّ نفسه. قالوا: وكيف يُذلّ نفسه ؟ قال: يتعرّض من البلاء لما لا يُطيق (135).
ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ولكن بلفظ: لا ينبغي لمسلم أن يُذلّ نفسه (136). وأخرجه الهيثميّ في ( كشف الأستار 113:4 / ح 2324 ) بسنده عن عبدالله بن عمر بن الخطّاب.
ووجه الاستدلال ـ أيّها الإخوة الأعزّة ـ بهذا الحديث على مشروعية التقيّة واضح جداً؛ لأنّ ما يخافه المؤمن من تهديد ووعيد مِن قِبل الكافر أو المسلِم الظالم يخلق شعوراً لديه بامتهان كرامته لو امتنع عن تنفيذ ما أُريد منه، حيث يُعرَّض إلى البلاء، فإن عزم على ما لا يطيقه فقد أذلّ نفسه، مع أنّ بإمكانه أن يخرج من هذا البلاء بالتقيّة شريطة أن لا تبلغَ الدم، لأنّ التقيّة شُرّعت لحقن الدم.
ولعلّ الحديث الشريف الذي رَوَته مصادر أهل السنّة، إنما يشير إلى ( التقيّة الخوفيّة ) من أقسام التقيّة.
• وممّا اشتهر لدى سائر المحدّثين هذا الحديث الشريف، وهو قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: رُفِع عن أُمّتي الخطأُ والنسيان، وما استُكرِهوا عليه (137).
ويدلّ هذا دلالةً صريحةً على ( التقيّة الإكراهيّة )، وقد تقدّم القرآن الكريم في ذلك بقوله تعالى: إلاّ مَن أُكرِهَ وقلبُهُ مُطْمئنٌّ بالإيمان .
ولا مؤاخدةَ على صاحب التقيّة هنا بشيءٍ من الإثم ما دام مُكرَهاً، بل وُصف العامل بمِثل هذه التقيّة أنّه من المؤمنين، لا من المنافقين أو المخادعين، وإنّما ذُمَّ الظالمون الذين يُلجئون المؤمنَ إلى العمل بمثل هذه التقية.. فقد أخرج السيوطيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: بئسَ القوم يمشي المؤمن فيهم بالتقيّة والكتمان (138).
وقد اتّفق العلماء على صحّة معنى حديث الرفع، وأنّه يُشير بوضوح إلى موضوع التقيّة.. حتّى قال ابن العربيّ المالكيّ: لمّا سمح الله تعالى في الكفر به عند الإكراه ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة، فإذا وقع الإكراه عليها لم يُؤاخَذ به، ولا يترتّب حكم عليه، وعليه جاء الأثر المشهور عند الفقهاء: رُفِع عن أُمّتي: الخطأ، والنسيان، وما استُكرِهوا عليه.. إلى أن قال عن حديث الرفع: فإنّ معناه صحيح باتّفاقٍ من العلماء (139).
• وهناك حديث سجّله جمّ غفير من المحدّثين، وهو قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا ضررَ ولا ضرار (140). وفي لفظ آخر: لا ضررَ ولا ضرارَ في الإسلام.
وقد فُرّعت على هذا الحديث الشريف قواعد كثيرة فيها مسائل يصعب إحصاؤها، كما أشار ابن نجيم في ( الأشباه والنظائر ) إلى ذلك. وقد أدخل فيها الضرر المحتمَل أو المُتَيَقَّن حصولُه عند الإكراه.
والمراد من الضرر عند إطلاقه هو النقص الذي يَدخُل على الإنسان بسبب عملٍ ما أو تركِ شيءٍ ما، سواءٌ كان روحيّاً أم مادّيّاً. والعقل متى احتمل الضرر في شيء أُلزِم بتجنّبه واستحقّ صاحبُه اللائمّةَ لو أقدم عليه، وهذا هو ما يُسمّى عند الأُصوليّين بقاعدة ( وجوب دفع الضرر المحتمَل ).
وربط التقيّة ـ التي هي نوع من أنواع الضرورات لحفظ الدم والمال والعِرض ـ بقاعدة ( الضرورات تُبيح المحظورات ) يكشف عن مدى تغلغل التقيّة في كثيرٍ من الأمور التي تناولها فقهاء أهل السُّنّة في أحكام الإكراه (141).
القسم الثاني: الرواية العمليّة ـ وقد جاءت التقيّة فيها موقفاً واضحاً.. كما في الأخبار التالية:
• روى البخاريّ بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم: مَن لكعب بن الأشرَف؛ فإنّه قد آذى اللهَ ورسولَه ؟ فقام محمّد بن مَسْلَمة فقال: يا رسول الله، أتُحبّ أن أقتله ؟ قال: نعم. قال: فأْذَنْ لي أن أقول شيئاً قال: قل.
فأتاه محمّد بن مسلمة فقال: إنّ هذا الرجلَ ـ يقصد النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قد سألَنا صدقةً، وإنّه قد عنّانا، وإنّي أتيتك أستسلفك... الخبر (142).
ثمّ ذكر البخاريّ تمام القصّة التي انتهت بقتل ابن الأشرف على يد محمّد بن مسلمة وجماعته من الصحابة الذين أُرسلوا معه.
وفي ( أحكام القرآن 1257:2 ) لابن العربيّ المالكيّ، أنّ الصحابة الذين كلِّفوا بقتل ذلك الخبيث ـ وكان محمّد بن مسلمة من جملتهم ـ قالوا: يا رسول الله، أتأذن لنا أن ننال منك ؟ فأذِن لهم.
ولا يخفى.. أن ما طُلب من الإذن، إنّما كان للحصول على ترخيصٍ نبويّ بالقول المخالف للحقّ؛ بغيةَ الوصول إلى مصلحة إسلاميّة لا تتحقّق إلاّ من هذا الطريق، فجاء الإذن الشريف. ومن ذلك يُعلَم أنّ التقيّة قد تكون بدافع الإكراه، وقد تكون بغيره، كما لو كان الدافع إليها غايةً نبيلةً أو مصلحة عالية.
• ما رواه الطبريّ وغيره عمّا جرى للحجّاج بن علاط السلميّ بعد فتح خيبر، حيث استأذن النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يذهب إلى مكّة لجمع أمواله، فأذن له النبيّ صلّى الله عليه وآله وجوّز له أن يقول ما بدا له. فلمَّا قرب من مكّة رأى رجالاً من المشركين يتسمّعون الأخبار ولم يعلموا بإسلامه، فسألوه عن ذلك فقال لهم: وعندي من الخبر ما يسرُّكم! قال: فالتاطوا بجنبَي ناقتي يقولون: إيه يا حجّاج! قلت: هُزِموا هزيمةً لم تسمعوا بمثلها قطّ.
ثمّ أخذ يعدّد لهم كيف أُبيد المسلمون، وكيف أُسر النبيّ صلى الله عليه وآله بيد اليهود، وكيف أنّ يهود خيبر عزموا على أن يبعثوا النبيَّ صلّى الله عليه وآله مقيّداً إلى قومه ليقتلوه بين أظهُرِهم (143).
هذا.. مع علم الحجّاج بن علاط باندكاك حصون اليهود وقلع باب خيبر على يد الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ولكنّه أراد أن يجمع أمواله من المشركين على أحسن ما يُرام، وقد تمّ له ذلك بفضل التقيّة التي لم يعلم بها العبّاس بن عبدالمطّلب، فاغتمّ أوّلاً لتصديقه ما قاله ابن علاط، فلمّا أسرّه بحقيقة الخبر استرّ وفرح.
• وروى الطبريّ أنّ المشركين أخذوا عمّار بن ياسر فعذّبوه حتّى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، فقال له: كيف تجد قلبك ؟ قال عمّار: مطمئنّاً بالإيمان، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: فإن عادوا فعُد (144).
وفي تفسير الرازيّ: فأتى عمّارٌ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وهو يبكي، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله يمسح عينَيه ويقول: مالَك ؟! إن عادوا لك فعُدْ لهم بما قلت (145).
وتلك هي ( التقيّة الإكراهيّة ).
• وروى البخاريّ عن عائشة، قالت: سألت النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم عن الجَدْر ( وهو حِجْر الكعبة المشرّفة )، أمِن البيت هو؟
قال: نعم، فقلت: فما لهم لم يُدخلوه في البيت ؟ قال: إن قومكِ قصرت بهم النفقة. قلت: فما شأن بابه مرتفعاً ؟ قال: فعَلَ ذلك قومُكِ ليُدخلوا مَن شاؤوا ويمنعوا مَن شاؤوا. ولولا أنّ قومك حديثُ عهدٍ بالجاهلية فأخاف أن تُنكِر قلوبُهم، أن أُدخِلَ الجَدْر في البيت وأن أُلصق بابَه في الأرض (146).
أخرج هذا الخبرَ كذلك: مسلم في صحيحه ( 973:2 / ح 405 ، 406 ـ كتاب الحجّ، باب جدر الكعبة وبابها ) بطريقين. وابن ماجة في سننه ( 985:2 / ح 2955 ـ كتاب المناسك، باب الطواف بالحِجْر ) بلفظ: ولولا أن قومكِ حديث عهد بكفر؛ مخافة أن تنفر قلوبهم. والترمذيّ الذي قال في سننه ( 224:3 / ح 875 ـ كتاب الحجّ، باب ما جاء في كسر الكعبة ): هذا حديث حسن صحيح. وأورده النسائي في سننه ( 215:5 )، وأحمد بن حنبل في مسنده ( 176:6 و 753:7 / ح 24910 ).
وفي حديث آخر رواه البخاريّ في صحيحه ( 190:2 / ح 1583 ) أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لعائشة: لولا حِدْثان قومِك بالكفر، لَفعلتُ.
• وأخرج البخاريّ بسنده عن عروة بن الزبير أنّ عائشة أخبرته أنّه استأذنَ على النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ورجلٌ فقال: إئذَنوا له، فبئس ابنُ العشيرة ـ أو بئس أخو العشيرة. فلمّا دخل ألانَ له الكلام. قالت عائشة: فقلت له: يا رسول الله، قلتَ ما قلت ثمّ ألنتَ له في القول! فقال: أيْ عائشة، إنّ شرّ الناس منزلةً عند الله مَن تَرَكَه ـ أو وَدَعَه ـ الناسُ اتّقاءَ فُحشِه (147).
وهذا ممّا يندرج في ( التقيّة المداراتيّة ) من أقسام التقيّة.
• وأخرج البخاريّ كذلك عن أبي مُلكية قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم أُهديتْ له أقبية من ديباج مُزَرّرة بالذهب، فقسّمها في ناس من أصحابه، وعزل منها واحداً لمخرمة، فلما جاء مخرمة قال صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم له: خَبَأتُ هذا لك (148).
قال الكرمانيّ في شرح الخبر: لأنّه كان في خُلُق مخرمة نوع من الشكاسة (149).

 

3. الحقيقة الواقعيّة:

عاشت التقيّة حقيقةً عمليّة مارسها الصحابة الأوائل ثمّ التابعون، وغيرهم من بعدهم.. وعاشتها الأجيال المسلمة إلى يومنا هذا واقعاً معقولاً لا ضيرَ فيه ولا لائمة عليه. فلماذا تُنسب التقيّة بعد ذلك إلى مذهب معيّن ثمّ تُشوَّه حقيقتها وأُصولها القرآنية ـ الحديثيّة ؟!
والآن ـ أيّها الأصدقاء ـ يجدر بنا أن نثبت أن التقيّة حقيقة واقعيّة في الحياة الإسلاميّة والتاريخ الإسلاميّ، من خلال الوثائق التي تداولتها المصادر السُّنيّة وما دوّنته أيدي علماء أهل السنّة، نقتصر في ذلك على بعض الشواهد، وهي:
• قصّة عمّار بن ياسر وأُمّه، وخبّاب وصهيب.. نصّ القرطبيّ في تفسيره على أنّ هؤلاء الأربعة نطقوا بكلمة الكفر تقيّةً، وأنزل الله عذرَهم، ونقل عن عمّار بن ياسر أنّه قال: كلُّنا تكلّم بالذي قالوا لولا أنّ اللهَ تدارَكَنا ـ غير بلال (150).
• رأي ابن عبّاس في ظلّ الآية الكريمة: إلاّ أن تَتّقُوا مِنهم تُقاةً ينقله السيوطيّ أنّه قال: مَن حُمل على أمر يتكلّم به وهو معصية لله، فيتكلّم به مخافةَ الناس وقلُبه مطمئنّ بالإيمان، فإنّ ذلك لا يضرّه. وقال: التُّقاة التكلّم باللسان والقلبُ مطمئنّ بالإيمان (151).
وكان ابن عبّاس قد استخدم التقيّة مع معاوية كما يرى الطحاويّ ذلك في كتابه ( شرح معاني الآثار 389:1 ـ باب الوتر ).
• وتصريح عبدالله بن مسعود واضح ينقله عنه الحارث بن سُوَيد قائلاً: سمعتُ عبدالله بن مسعود يقول: ما من ذي سلطان يريد أن يكلّفني كلاماً يدرأ عني سوطاً أو سوطين إلاّ كنت متكلّماً به.
يورده ابن حزم ثمّ يعلّق قائلاً: ولا يُعرَف له من الصحابة مخالِف.
ويقول أيضاً: لا فرق بين إكراه السلطان، أو اللصوص، أو مَن ليس سلطاناً، كلّ ذلك سواء (152).
وعملُ ابن مسعود في صلاته خلف الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط والي الكوفة واضح، فقد كان يصلي الوليد ثَمِلاً، حتّى إنّه صلّى بهم الصبح مرةً أربع ركعات ثمّ قال: أزيدُكم ؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة! (153)
• وينصّ السرخسيّ أنّه: قد كان حذيفة بن اليَمان رضي الله عنه ممّن يستخدم التقيّة على ما رويَ أنّه يُداري رجلاً، فقيل له: إنّك منافق! فقال: لا، ولكنّي أشتري دِيني بعضَه ببعض؛ مخافة أن يذهب كلُّه (154).
• ثمّ يعلّق السرخسيّ قائلاً: ولا شكّ أنّه يريد بهذا الكلام أنّ ترك التقيّة وعدم مداراة الناس.. ربّما يُؤدّي إلى إلقاء النفس إلى التهلكة، أو إلى ضرر أكيد ممّا يكون من الإثم الذي يُذهب الدينَ كلَّه (155).
• ويقول السرخسيّ أيضاً: وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: لا جُناحَ علَيّ في طاعة الظالم إذا أكرهني عليها (156).
• وأمّا تقيّة أبي هريرة فيعرضها البخاريّ بسنده عنه حيث قال: حفظتُ من رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم وعاءَين: فأمّا أحدهما فبثثتُه، وأمّا الآخر فلو بَثَثتُه قُطع هذا البلعوم (157).
ثمّ يأتي ابن حجر في شرحه لأحاديث البخاري فيقف عند ابن هريرة في كلامه هذا، فيصرّح بأنّ العلماء حملوا ( الوعاء الذي لم يبثَّه ) على الأحاديث التي تبيّن أسامي أُمراء السوء وأحوالهم، وأنّه ( أي أبا هريرة ) كان يكنّي عن بعضه ولا يصرّح به؛ خوفاً على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس السِّتّين وإمارة الصبيان. يشير إلى حُكم يزيد بن معاوية؛ لأنّها كانت سنة ستّين من الهجرة (158).
• وذاك عبدالله بن حُذافة أسرَتْه الروم في بعض غزواته على قسارية، فأكرهه ملك الروم على تقبيل رأسه فلم يفعل، فقال له ـ كما في قول ابن عبّاس: قبّلْ رأسي وأُطلقك وأُطلق معك ثمانين من المسلمين. قال: أمّا هذه فَنَعم. فقبلّ رأسه وأطلقه وأطلق معه ثمانين... فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يمازحونه فيقولون: قبّلتَ رأس علْج! فيقول لهم: أطلق الله بتلك القُبلة ثمانين من المسلمين (159).
• وذاك جابر الأنصاريّ، وهو الصحابيّ الجليل.. يرى بسر بن أرطأة يُدخل الرعب في النفوس، ويسمعه يخطب بأهل المدينة يشتمهم قائلاً: يا معشر اليهود، وأبناء العبيد! أما والله لأُوقعنّ بكم وقعةً تشفي غليل صدور المؤمنين. ثمّ دعا الناسَ إلى بيعة معاوية.. وتفقّدَ جابرَ بن عبدالله، فانطلق جابر إلى أمّ سلمة قائلاً لها: إنّي خشيتُ أن أُقتل، وهذه بيعة ضلال! فقالت له: إذَنْ فبايعْ؛ فإنّ التقيّة حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصُّلب ويحضرون الأعياد مع قومهم (160).
• وعبدالله بن عمر كان يعمل بالتقيّة في مجالات واسعة فاق بها غيره، فكان إذا حضرت الصلاة مع الحجّاج صلّى معه، وإذا حضر ابن الزبير صلّى معه. فقيل له في ذلك: أتصلّي مع هؤلاء وهذه أعمالهم ؟! فقال: ما أنا لهم بحامد، ولا نطيع مخلوقاً في معصية الخالق (161).
ثمّ استعمل عبدالله بن عمر موضوع التقيّة على نطاق واسع مع ولاة بني أُميّة، حتّى صلّى خلف كلّ أمير وأدّى إليه زكاة ماله (162).
وينقل الأوزاعيّ أكثر من هذا.. عن عُمير بن هاني قال: شهدتُ ابنَ عمر والحجّاجُ محاصِرٌ ابنَ الزبير، فكان منزل ابن عمر بينهما، فكان ربّما حضر الصلاة مع هؤلاء، وربما حضر الصلاة مع هؤلاء! (163)
• وأنس بن مالك كان موافقاً لابن عمر قولاً وعملاً.. ففي صحيح البخاريّ أنّ عبدالله بن عمر كان يصلّي خلف الحجّاج، وكذلك أنس بن مالك، وكان الحجّاج فاسقاً ظالماً (164).
• وذاك مسروق من الأجدع ـ وهو أحد كبار التابعين ـ تُمَرّ عليه تماثيل من صُفر لمعاوية تُباع بأرض، فيقول: والله لو أنّي أعلم أنّه يقتلني لَغرقتها، ولكنّي أخاف أن يعذّبني فيفتتني. واللهِ لا أدري أيّ الرجلين معاوية: رجل قد زُيّن له سوءُ عمله، أو رجل يئس من الآخرة فهو يتمتّع في الدنيا! (165)
• وقولة الحسن البصريّ نقلها جمّ غفير، وهي: التقيّة جائزة إلى يوم القيامة. وقد أوردناها في محلّها.
• وذاك الزهريّ محمّد بن مسلم بن شهاب يقول: سمعت سعيد بن جَناب يحدّث عن المازنيّ قال: سمعت أبا جنيدة جندع بن عمرو بن مازن قال: سمعت النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول... وسمعتُه ـ وإلاّ صُمتا ـ يقول وقد انصرف من حجّة الوداع، فلمّا نزل غدير خُمّ قام في الناس خطيباً وأخذ بيد عليّ وقال: مَن كنتُ مولاه فهذا وليُّه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه.
قال عبيد الله: فقلت للزهريّ: لا تُحدّثْ بهذا بالشام وأنت تسمع ملءَ أُذنَيك سبَّ عليّ، فقال: واللهِ إنّ عندي من فضائل عليٍّ ما لو تحدّثت بها لقُتلتُ! (166)
• وتقيّة رجاء بن حيوة قيل أنّها مضاعفة، فقد قال إدريس بن يحيى: كان الوليد بن عبدالملك يأمر جواسيس يتجسّسون الخَلْق ويأتون بالأخبار، فجلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حيوة فسمع بعضهم يقع في الوليد، فرفع ذلك إليه.
فقال: يا رجاء! أُذكَر بالسوء في مجلسك ولم تُغيِّر ؟!
فقال: ما كان ذلك يا أمير المؤمنين. فقال له الوليد: قل: الله الذي لا إله إلاّ هو. قال: الله الذي لا إله إلاّ هو.
فأمر الوليد بالجاسوس فضُرب سبعين سوطاً، فكان الجاسوس يلقى رجاءً فيقول له: يا رجاء! بك يُستسقى المطر وسبعون سوطاً في ظهري! فيقول رجاء: سبعون سوطاً في ظهرك خيرٌ لك من أن يُقتَل رجل مسلم (167).
فأظهر رجاء خلاف الواقع تقيّةً، وخاطب الوليدَ بخطاب الموافقين تقيّةً أيضاً.
• ويقف المرء معجَباً بتقيّة واصل بن عطاء، وكان خرج في رَهط يريد سفراً، فاعترضهم جيش من الخوارج، فقال عطاء لأصحابه: لا ينطقنَّ أحد، ودعوني معهم. فقصدهم واصل، فلمّا قربوا بدأ الخوارج ليُوقعِوا، فقال لهم: كيف تستحلّون هذا وما تدرون مَن نحن ولأيّ شيء جئنا ؟! فقالوا: نعم، مَن أنتم ؟ قال: قوم من المشركين جئناكم لنسمع كلام الله.
فكَفّ الخوارجُ عنهم، وبدأ رجل منهم يقرأ القرآن، فلمّا أمسك قال واصل: قد سمعتُ كلام الله، فأبلِغْنا مأمننا حتّى ننظر فيه وكيف ندخل في الدِّين! فقال ( الخارجيّ ): هذا واجب، سِيروا. قال: فسِرنا والخوارج ـ واللهِ ـ معنا يحموننا فراسخ حتّى قَرُبنا إلى بلدٍ لا سلطان لهم عليه، فانصرفوا (168).
• وتقيّة أبي حنيفة من القاضي ابن أبي ليلى ثابتة، نقلها الخطيب البغداديّ بسنده عن سفيان بن وكيع قال:
جاء عمر بن حمّاد بن أبي حنيفة فجلس إلينا فقال: سمعت أبي حمّادَ يقول: بعث ابن أبي ليلى إلى أبي حنيفة فسأله عن القرآن، فقال ( أبو حنيفة ): مخلوق، فقال: تتوب وإلاّ أقدمتُ عليك ؟! قال: فتابعه ( أبو حنيفة ) فقال: القرآن كلام الله.
قال: فدارَ به في الخَلْق يخبرهم أنّه قد تاب من قوله: القرآن مخلوق. فقال أبي ( حمّاد ): فقلت لأبي حنيفة: كيف صرتَ إلى هذا وتابعتَه ؟ قال: يا بُنيّ، خِفتُ أن يُقدِم علَيّ، فأعطيتُه التقيّة (169).
• هذا إمام مذهب يقول باتّباعه خَلق من الناس، والإمام الآخر للمذاهب هو مالك بن أنس.. يقول الذهبيّ في ترجمة حياة الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: قال مصعب عن الدراورديّ: لم يَروِ مالك عن جعفر حتّى ظهر أمرُ بني العبّاس (170).
السؤال: لماذا ؟ الجواب: لا عذر لمالك غير القول بالتقيّة!
بهذا صرّح أمين الخوليّ معلّلاً امتناع مالك بن أنس من الرواية عن الإمام الصادق عليه السّلام في عهد الأُمويّين، إنّما هو بسبب خشيته منهم (171).
• والإمام الثالث من أئمّة المذاهب هو أحمد بن حنبل، ولعلّ أظهر ما وقع منه تقيّةً هو امتحانه بمسألة خَلق القرآن في عهدَي المأمون والمعتصم. فقد ذكر الطبريّ أنّ المأمون كتب إلى إسحاق بن إبراهيم الخزاعي نائبه على بغداد أن يمتحن القضاة والفقهاء والمحدِّثين في هذه المسألة. فسأل إسحاقُ ابنَ حنبل: ما تقول في القرآن ؟ قال: هو كلام الله، قال: أمخلوقٌ هو ؟ قال: هو كلام الله، لا أزيدُ عليها (172).
ثمّ يختلف موقفه في زمن المعتصم العبّاسيّ، حيث امتنع أن يقول أنّ القرآن مخلوق فضُرب عدّة سياط، بعد ذلك ناظره إسحاق بن إبراهيم فتنازل له قائلاً: إنّي أقول بقولِ أمير المؤمنين، قال: في خلق القرآن ؟ قال: في خلق القرآن.
فأشهد عليه، وخلع عليه، وأطلقه إلى منزله (173).
ثم كان له موقف آخر في عصر المتوكّل (174).
• وكتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم الخزاعي في امتحان العلماء لإرغامهم على الرأي المعتزلي في أن القرآن مخلوق وليس بقديم، وأمره أن يبعث إليه ـ وكان المأمون يومئذ في الرقّة بسوريا ـ بسبعة من كبار الفقهاء وأصحاب الحديث، وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدورقي.. فأُشخِصوا إليه، فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوا، فردّهم من الرقّة إلى بغداد. وسبب استدعائه إياهم أنهم توقّفوا أولاً ثمّ أجابوه تقيةً.
وكتب المأمون مرةً أخرى إلى نائبه على بغداد بأن يُحضِر الفقهاء ومشايخ الحديث، ويُخبرهم بما أجاب به هؤلاء السبعة.. ففعل ذلك فأجابته طائفة وامتنع آخرون. وكان يحيى بن معين وغيره يقولون: أجَبْنا خوفاً من السيف (175).
• وصدر من القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، أحد أصحاب أبي حنيفة، من التقيّة غرائب وعجائب تجاوز حدودها (176).
وكان أبو حنيفة قد أوصاه بقوله: وإذا رأيتَ من سلطانك مالا يوافق العلم، فاذكرْ ذلك مع طاعتك إيّاه؛ فإنّ يده أقوى من يدك، تقول له: أنا مطيع لك في الذي أنت فيه سلطان ومسلّط علَيّ، غير أنّي أذكر من سيرتك ما لا يوافق العلم (177).
• ثم نطودَ العقوي والأجيال لنصل إلى الغزالي أبي حامد فنقرأ له في كتابه ( إحياء علوم الدين 137 ـ 138 ) هذه العبارات:
إعلم أنّ الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطَب أو على غيره،.. وربّ جهل فيه منفعة ومصلحة، فالكذب محصَّل لذلك الجهل فيكون مأذوناً فيه، وربّما كان واجباً.
ويضيف الغزالي: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكلّ مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذبُ فيه حرام. وإن أمكن التوصّل إليه بالكذب دون الصدق، فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً. وواجب ( أي الكذب ) إن كان المقصود واجباً، كما أنّ عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان في الصدق سفك دم امرئٍ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب.
وقال: للرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يُؤخذ ظلماً، وعرضَه، بلسانه وإن كان كاذباً.
• والوهّابيون.. يعتقدون بوجوب هدم القبور قاطبة؛ لأنّها ـ في نظرهم ـ بدعة، وقد نفّذوا ذلك فهدموا قبور الأولياء والصالحين، ولكنّهم توقّفوا عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا صدرت الفتاوى والصيحات من قبل المذاهب الأخرى، فتركوه مداراةً لمشاعر الملايين من المسلمين واتّقاءَ غضبهم.
فهم ـ في رأيهم ـ قد عملوا بالتقيّة في هذا المورد.
• وإذا جئنا إلى المراغيّ.. وجدنا التقيّة عنده تشمل القول والفعل معاً، ولم تنحصر في نطاق الفرد بل تتجاوزها إلى المجتمع والدولة، فيكتب:
لا مانع من أن تحالف دولة إسلاميّة دولةً غير مسلمة؛ لفائدة تعود على الأُولى.. إمّا بدفع ضرر، أو جلب منفعة، وليس لها أن تواليها في شيء يضرّ بالمسلمين. ولا تختصّ هذه الموالاة بحال الضعف، بل هي جائزة في كلّ وقت.
ثمّ قال: ويدخل في التقيّة مداراة الكفرة والظلمة والفسقة، وإلانَةُ الكلام لهم والتبسّم في وجوههم، وبذل المال لهم؛ لكفّ أذاهم وصيانة العِرض منهم. ولا يُعدّ هذا من الموالاة المنهيّ عنها، بل هو مُشرَّع، فقد أخرج الطبرانيّ قوله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم: ما وقى به المؤمنُ عِرضَه فهو صدقة (178).
• وفي الوقت الذي هاجم موسى جار الله الشيعةَ بحدّةٍ أوقعته في متناقضات ومغالطات عديدة، هاجم خلالها روايات التقيّة في ( الكافي ) للشيخ الكلينيّ.. نراه يقول في كتابه ( الوشيعة في نقد عقائد الشيعة ) ما هذا نصّه:
ـ التقيّة في سبيل حفظ حياته وشرفه، وحفظ ماله، وفي حماية حقٍّ من حقوقه.. واجبة على كلّ أحد، إماماً كان أو غيره (179).
ـ التقيّة هي وقاية النفس من اللاّئمة والعقوبة، وهي بهذا المعنى من الدِّين، جائزة في كلّ شيء (180).
ـ التقيّة واجبة إنْ كان في تركها ضرر لنفسه أو غيره، حرام عند أمن الضرر، مكروهة حيث يُخاف الالتباس على العوامّ (181).
وإلى هنا نقف ـ وقد أطَلْنا ـ لنثبّت أن قصّة التقيّة حقيقة واقعية في حياة هذه الأُمّة المرحومة، ولنتساءل: ما الذي دفع ابن تيميّة ـ إذن ـ بعد هذا كلّه إلى أن يقول: « الرافضة يقرّون بالكذب؛ حيث يقولون بالتقيّة »؟! (182).
أهو التعصّب، أم غيره ؟!

 

4. الحقيقة الفقهيّة:

لقد افترشت التقيّة مساحات واسعة في المسائل الفقهية وأبوابها العديدة، متوغّلةً في العبادات والمعاملات، وسالكةً إلى العمل الراشد في تطبيق الشريعة وتجنّب حالات الضرر والضِّرار والحرَج والعَنَت والشدّة.
ولم يشذَّ الفقه السنّي عن ذلك أبداً، بل ربّما توسّع إلى أُطر أبعد ممّا يُتَصوَّر أو يُتوقَّع، كما سنرى:
• في الفقه الحنفيّ: وأشهر مصادره ( المبسوط ) للسرخسيّ، وقد ورد فيه جواز التقيّة عند الإكراه في: ترك الصلاة، والإفطار في شهر رمضان، وقذف المحُصَنات، والافتراء على المسلم. كما تصحّ التقيّة عند الأحناف في حالات الإكراه على: الزنا، وأكل المِيتة، وأكل لحم الخنزير، وشرب الخمر.. وأنّ مَن لم يفعل وهو يعلم أنّ ذلك يَسَعه كان آثماً، ولا يسعه أن يمتنع من ذلك (183).
• في الفقه الشافعيّ: تصحّ التقيّة عند الشافعيّ في الأمور التي يصحّ فيها الإكراه، فلو حلف إنسان مثلاً بالله كذباً تحت الإكراه فلا كفّارة عليه. إلى ذلك أشار النوويّ في ( المجموع ـ شرح المهذّب 3:18 ) قائلاً: وأمّا المُكرَه فلا تصحّ يمينه؛ لِما روى واثلة بن الأسقع وأبو أُمامة أن رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال: ليس على مقهور يمين. ولأنّه قولٌ حُمِل عليه بغير حقّ، فلم يصحّ، كما لو أُكرِه على كلمة الكفر.
ونفى النوويّ ( وهو شافعيّ المذهب ) القطعَ بحقّ السارق كُرهاً، كما حكم بعدم ردّة المُكرَه (184).
وقد أسقط الشافعيّ في ( رسالته ) الحدَّ عن الزانية المُكرَهة، قائلاً: إذا استكره الرجلُ المرأة، أُقيم عليه الحدّ ولم يُقَم عليها؛ لأنها مستكرَهة (185).
أمّا السيوطيّ ( وهو شافعيّ أيضاً )، فقد أباح التقيّة في النطق بكلمة الكفر؛ صيانةً للنفس.. ثمّ ذكر أُموراً أُخرى جوّز فيها التقيّة عند الإكراه، منها: السرقة، وشرب الخمر، وشرب البول، وأكل المِيتة، وإتلاف مال الغير وأكل طعامه، وشهادة الزُّور ـ إن كانت في إتلاف الأموال ـ، والإفطار في شهر رمضان، والخروج من الصلاة المفروضة، والزنا، على قول. وباختصار: إنّ كلَّ ما يَسقُط بالتوبة الخالصة لله تعالى، يسقط بالإكراه ـ على حدّ تعبيره (186).
وقال السيوطيّ عمّا يحصل به الإكراه: إنّه يحصل بكلّ ما يُؤْثِر العاقل الإقدامَ عليه؛ حذراً ممّا هُدِّد به. وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأفعال المطلوبة، والأمور المَخوفة بها. فقد يكون الشيء إكراهاً في شيء دون غيره، وفي حقّ شخص دون آخر (187).
وكان الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام قد قال قبل ذلك بعقود فيما نقله عنه زُرارة بن أعيَن: التقيّة في كلّ ضرورة، وصاحبُها أعلم بها حين تنزل به (188).
• في الفقه المالكيّ: في معرض حديثه حول طلاق المُكرَه.. استدلّ مالك بن أنس بالآية الكريمة: إلاّ أن تتّقُوا منهم تُقاةً ، ورأى جواز التقيّة في هذا المورد، كما رأى أنّ الطلاق هنا لا يقع؛ لما رواه من عدد من الصحابة منهم ابن مسعود.
ومالك نفسه كان قد اتّقى من ظلم الأمويّين وجورهم، ومن سياط العبّاسيّين وتعسّفهم، كما ذكر: الذهبيّ في ( ميزان الاعتدال 414:1 / خ 1519 )، و ( سِيَر أعلام النبلاء 80:8 / خ 10 )، وابن خلِّكان في ( وفيات الأعيان 37:4 / خ 550 )، والمسعوديّ في ( مروج الذهب 340:3 )، وأبو نعيم في ( حلية الأولياء 316:6 ).
ولا بأس بمراجعة مقدّمة كتابه ( المُوطّأ )، الذي راج بعد تقيّته، وقد صرّح مالك برغبة هارون الرشيد في أن يعلّق الموطّأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه قسراً (189)، ومن قبله قال له المنصور: واللهِ لئن بقيتُ لأكتبنّ قولك كما تُكتب المصاحف، ولأبعثنّ به إلى الآفاق، ولأحملنّهم عليه (190).
• في الفقه الحنبليّ: وتصحّ فيه التقيّة أيضاً في الحالات التي يصحّ فيها الإكراه، كما نصّ عليه ابن قُدامة في كتابه ( المُغني 262:8 ) فقال ـ وهو حنبليّ المذهب: إنّما أُبيح له فعل المُكرَه عليه؛ دفعاً لما يتوعّده به من العقوبة فيما بعد.
وقال في موضع آخر، بأنّ مَن أُكرِه على كلمة الكفر فأتى بها لم يَصِر كافراً عنده. قال: وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعيّ.. ثمّ استدلّ بالكتاب والسُّنّة النبويّة. بل حتّى لو كان الأمر ظاهراً في إكراه المسلم على النطق بالكفر، من غير تهديد ووعيد وضرب، لا يُحكَم بردّته إن قامت عليه البيّنة بأنّه كان محبوساً عند الكفّار ومقيَّداً عندهم في حالة خوف (191).
• في الفقه الظاهريّ: جوّز ابن حزم التقيّة: قولاً وفعلاً، إذ يجوز استعمالها عنده فيما قاله المكرَه من: كلمة الكفر، والقذف والإقرار، والنكاح والإنكاح، والرجعة والطلاق، والبيع والابتياع، والنَّذْر والأيمان، والعِتق والهبة.. وغير ذلك؛ مستدلاًّ بقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّما الأعمال بالنيّات.. قائلاً: فصحّ أنّ كلّ من أُكره على قولٍ ولم يَنوِه مختاراً له، فإنّه لا يلزمه (192).
أمّا عن التقيّة في الفعل فقد أباحها في: شرب الخمر، وأكل لحم الخنزيز، والمِيتة والدم، وأكل مال المسلم.. وفي بعض المحرَّمات الأخرى (193).
• في الفقه المعتزليّ: ونذكر ثلاثة من المنتسبين إلى المعتزلة:
الأول ـ هو واصل بن عطاء.. وقد ذكر التقيّة في قصّته مع الخوارج.
والثاني ـ هو الزمخشريّ.. وقد وقف عند الآية الشريفة إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً فقال: إلاّ أن تخافوا أمراً يجب اتّقاؤه تقيّةً.. رخّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة مخالقةٌ ومعاشرةٌ ظاهرة، والقلب بالعداوة والبغضاء، وانتظار زوال المانع (194).
والثالث ـ هو الهادي الزيدي المعتزليّ، وكان قال: أمّا المدارةُ للظالمين: باللسان والهبة والعطيّة ورفع المجلس والإقبال بالوجه عليهم، فلا بأس (195).
والآن.. نمّر ـ أيّها الإخوة ـ على صور التقيّة في فقه أهل السنّة مروراً سريعاً، مشيرين إلى مصادرها وأعلامها.. وهي موزّعة على الإحكام الشرعية الفرعيّة من: العبادات والمعاملات، وعلى العقائد والأخلاق كذلك.. وهي على وجه الإشارة:
• جواز التقيّة في العقيدة، كجواز تلفّظ كلمة الكفر والقلبُ مطمئنّ بالإيمان عند الإكراه (196). وجواز سبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله تقيّةً (197)، وجواز السجود للصنم لو أُكره المسلم عليه (198).

------------------

118 ـ سورة آل عمران:28.
119 ـ جامع البيان في تفسير القرآن للطبريّ 313:6 ـ 317.
120 ـ التفسير الكبير للفخر الرازيّ 13:8.
121 ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ 57:4.
122 ـ سورة النحل:106.
123 ـ زاد المسير 496:4.
124 ـ أحكام القرآن للكيا الهراسي 246:3.
125 ـ سورة غافر:28.
126 ـ التفسير الكبير 60:27.
127 ـ التفسير الكبير 56:27 ـ 57.
128 ـ سورة البقرة:195.
129 ـ الجامع لأحكام القرآن 100:12 ، والآية في سورة الحجّ:78.
130 ـ سورة الطلاق:7.
131 ـ سورة البقرة:185.
132 ـ سورة البقرة:173.
133 ـ سورة الأنعام:119.
134 ـ الجامع لأحكام القرآن 227:2.
135 ـ سنن الترمذي 522:4 / ح 2254 ـ الباب 67، بدون عنوان.
136 ـ مسند أحمد 562:6 / ح 22934.
137 ـ فتح الباري 160:5 ـ 161؛ مسند الربيع بن حبيب 9:3؛ كشف الخفاء للعجلونيّ 522:1؛ تلخيص الخبير لابن حجر 281:1؛ كنز العمّال للمتّقي الهنديّ 233:4 / ح 10307؛ الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطيّ 87.
138 ـ الجامع الصغير للسيوطيّ 491:1 / ح 3186 ـ طبعة دار الفكر، بيروت.
139 ـ أحكام القرآن 1177:3 ـ 1182، وفيه تفصيل مطوَّل حول الأحكام المتّصلة بحديث الرفع.
140 ـ مسند أحمد بن حنبل 313:1؛ سنن ابن ماجة 784:2 / ح 2340 و 2341 و 2342؛ السنن الكبرى للبيهقيّ 69:6 و 70 و 457 ـ 13:10؛ سنن الدار قطنيّ 77:3؛ مستدرك الحاكم 58:2. المعجم الكبير للطبرانيّ 81:2 ـ 302:11؛ مجمع الزوائد للهيثميّ 110:4؛ كنز العمّال 59:4 / ح 9498؛ حلية الأولياء لأبي نعيم 76:9؛ تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 325:6.
141 ـ لا بأس هنا بمراجعة موضوع: ما تصحّ فيه التقيّة عند أهل السنة، ضمن كتاب « دفاع عن الكافي » لثامر العميديّ ص 627 ـ 653.
142 ـ صحيح البخاري 115:5 ـ باب قتل كعب بن الأشرف.
143 ـ تاريخ الطبريّ 139:2 ـ حوادث سنة 7 هـ. الكامل لابن الأثير 223:2؛ البداية والنهاية لابن كثير 215:4؛ الإصابة لابن حجر 327:1؛ مجمع الزوائد 155:6؛ مسند أحمد 599:3 ـ 600 / ح 12001 ـ باب تقيّة الحجّاج بن علاط؛ المعجم الكبير للطبرانيّ 220:3 / ح 3196؛ مسند أبي يعلى الموصليّ 399:3 ـ 403 / ح 3466.
144 ـ تفسير الطبري « جامع البيان » 122:14.
145 ـ التفسير الكبير 121:20.
146 ـ صحيح البخاري 190:2 / ح 1854 ـ كتاب الحجّ، باب فضل مكّة وبنيانها، ط 1 دار الفكر.
147 ـ صحيح البخاري 38:8 ـ كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس؛ سنن أبي داود 251:4 / ح 4791 و 4792 و 4793.
148 ـ صحيح البخاري 38:8 ـ كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس.
149 ـ صحيح البخاريّ بشرح الكرمانيّ 7:22 / ح 5756 ـ كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس.
150 ـ الجامع لأحكام القرآن 181:10 ـ في تفسير الآية 106 من سورة النحل.
151 ـ الدر المنثور للسيوطيّ 176:2.
152 ـ المحلّى لابن حزم 336:8 ـ المسألة 1409 و 335:8 ـ المسألة 1408.
153 ـ شرح العقيدة الطحاوية للقاضي الدمشقيّ 532:2.
154 ـ المبسوط للسرخسيّ 46:24.
155 ـ المبسوط 47:24.
156 ـ المبسوط 47:24.
157 ـ صحيح البخاريّ 41:1 ـ كتاب العلم، باب حفظ العلم، آخر أحاديث الباب.
158 ـ فتح الباري لابن حجر العسقلانيّ 173:1.
159 ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 212:3 ـ 213 / خ 2889 ـ في ترجمة عبدالله بن حُذافة.
160 ـ تاريخ اليعقوبيّ 197:2 ـ 199. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9:2 ـ 10.
161 ـ السنن الكبرى للبيهقيّ 122:3.
162 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 149:4.
163 ـ المصنَّف لابن أبي شيبة 378:2.
164 ـ شرح العقيدة الطحاويّة 530:2.
165 ـ المبسوط للسرخسيّ 46:24.
166 ـ أُسد الغابة لابن الأثير 364:1 / خ 812.
167 ـ الجامع لأحكام القرآن 124:10.
168 ـ كتاب الأذكياء لابن الجوزيّ 136.
169 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغداديّ 379:13 ـ 380 / خ 7297 ـ في ترجمة أبي حنيفة تحت عنوان: ذِكر الروايات عمّن حكى عن أبي حنيفة القول بخلق القرآن.
170 ـ ميزان الاعتدال للذهبيّ 414:1 / خ 1519.
171 ـ مالك بن أنس لأمين الخوليّ 94 ـ ط 1، القاهرة 1951 م.
172 ـ تاريخ الطبريّ 190:5 ـ حوادث سنة 218 هـ.
173 ـ تاريخ اليعقوبيّ 472:2.
174 ـ طبقات الحنابلة 69:1.
175 ـ طبقات الشافعية الكبرى للسُّبكي 206:1 ـ 207.
176 ـ يراجع: تاريخ بغداد 242:14 ـ 245 / خ 7558، و 250:14 ، 252.
177 ـ الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان لابن نجيم 432.
178 ـ تفسير المراغيّ 136:3 ـ في تفسير الآية 28 من سورة آل عمران: « لا يتّخذِ المؤمنون الكافرين أولياءَ مِن دونِ المؤمنين ومَن يفْعَلْ ذلك فليسَ مِن اللهِ في شيءٍ إلاّ أن تَتّقُوا منهم تُقاةً.. ». والرواية التي استدل بها وردت في: فتح الباري 447:10؛ السنن الكبرى 242:10؛ شُعب الإيمان للبيهقيّ 264:3 / ح 3495؛ معالم التنزيل للبَغويّ 294:5؛ مستدرك الحاكم 50:2؛ مجمع الزوائد 136:3؛ الدرّ المنثور 239:5.
179 ـ ص 37 من كتابه (الوشيعة).
180 ـ ص 72.
181 ـ ص 85.
182 ـ الشيعة والتشيّع لإحسان ظهير إسلام 84.
183 ـ المبسوط ـ كتاب الإكراه ج 24: ص 48 ، 51 ، 77 ، 78 ، 152.. وغيرها. ويمكن مراجعة كتب الفقه الحنفيّ، أمثال: الهداية للمرغينانيّ 275:3؛ اللباب للميدانيّ 107:4؛ البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم 70:8؛ تحفة الفقهاء للسمرقنديّ 273:3؛ الفروق للكرابيسيّ 260:2؛ غمر عيون البصائر لشهاب الدين الحمويّ 203:2، 339:4؛ بدائع الصنائع للكاسانيّ 175:7.. وغيرها كثير، نجد فيها تجويز التقيّة في حالات لا حصر لها.
184 ـ منهاج الطالبين للنوويّ 137:4 ، 174.
185 ـ كتاب الأُم للشافعيّ 155:6.
186 ـ الأشباه والنظائر ـ في قواعد وفروع الفقه الشافعيّ للسيوطيّ 207 ـ 208.
187 ـ الأشباه والنظائر 209.
188 ـ أُصول الكافي 174:2 / ح 13 ـ باب التقيّة.
189 ـ حلية الأولياء 332:6.
190 ـ سير أعلام النبلاء 61:8 ، 79. ولا بأس بمراجعة مقدّمة كتاب: الإمام الصادق عليه السّلام والمذاهب الأربعة لأسد حيدر.
191 ـ المغني 97:10 / المسألة 7116. تُراجَع مسائله التالية في كتابه المغني نفسه:2055 ، 2058 ،3971 ، 5846 ، 7166.
192 ـ المحلّى لابن حزم 329:8 / المسألة 1403.
193 ـ المحلّى 330:8 / المسألة 1404.
194 ـ تفسير الكشاف للزمخشري 422:1.
195 ـ مسائل الهادي « يحيى بن الحسين الرسيّ المعتزليّ » من أعلام ق 3 هـ ص 107 ـ نقلاً عن « معتزلة اليمن » لعليّ محمّد زيد ص 190.
196 ـ الجامع لأحكام القرآن 180:10؛ أحكام القرآن لابن العربيّ المالكيّ 117:3 / ح 1182؛ المبسوط للسرخسي الحنفيّ 48:24؛ بدائع الصنائع للكاسانيّ الحنفيّ 175:7؛ أحكام القرآن للشافعي 114:2 ـ 115؛ المغني 262:8.
197 ـ فتاوى قاضي خان للفرغانيّ 489:5.
198 ـ تفسير ابن جزي المالكي 336. والجامع لأحكام القرآن 180:10.