الرجعة في القرآن الكريم
  • عنوان المقال: الرجعة في القرآن الكريم
  • الکاتب: إبراهيم الأنصاري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 5:21:37 2-9-1403

الرجعة عند الشيعة الإمامية:

قال تعالى : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .

إلف ـ الرجعة في اللغة: بالفتح هي المرة في الرجوع و معناه العود إلى الدنيا بعد الموت.

ب ـ الرجعة في الاصطلاح: و هي عندنا بمعني رجوع الحجج الإلهية، و رجوع الأئمة الطاهرين، و رجوع ثلة من المؤمنين و غيرهم إلى الدنيا بعد قيام دولة المهدي.

و قد ورد عن أئمة أهل البيت: أيام الله ثلاثة: يوم الظهور، و يوم الكرّة، و يوم القيامة.

و في بعضها: أيام الله ثلاثة يوم الموت، و يوم الكرّة، و يوم القيامة.

البحث الأوّل  الإمكان والوقوع:

 قبل الخوض في الأدلة واثبات هذه الفكرة، لدينا سؤال يطرح نفسه و هو هل إنّ الرجعة أمر ممكن ذاتاً أم ممتنع و محال.

هل الرجعة أمر واقع؟

لدينا شواهد قرآنية و أحاديث شريفة و نصوص تاريخية،

من رجع إلى الدنيا من الأمم السالفة:

1ـ سبعون رجلاً من قوم موسى(عليه السّلام):

(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ...) (الأعراف/155).

(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ) (البقرة/55). (ثُمّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/56). قال الصدوق:( فأحياهم الله له. فرجعوا إلى الدنيا فأكلوا وشربوا ونكحوا النساء و ولد لهم الأولاد ثُمّ ماتوا بآجالهم).

2- إحياء الألوف بعد موتهم:

(أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)(البقرة/243).

تفصيل القصة: إنّ هولاء كانوا سبعين ألف بيت و كان يقع فيهم الطاعون كُلّ سنة

3- أحياه الله بعد مائة عام:

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إلى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إلى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة/259).

 

البحث الثاني: الآيات الدالة على الرجعة :

1- (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) (الأنبياء/95). و هي من أعظم الدلائل القرآنية في الرجعة، لأنّ أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أنّ الناس كلهم يرجعون إلى القيامة: من هلك منهم و من لم يهلك....هذه الآية الشريفة اكبر برهان على صحة القول بالرجعة ضرورة أنّه في الرجعة الكبرى جميع الخلق يحشرون فتخصيصه تبارك و تعالى بمن أهلكه بالعذاب أقوى دليل عليه.

2- (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (النمل/83)

هناك حديث عن الإمام الصادق (عليه السّلام) نقله صاحب تفسير نور الثقلين نصه:

( حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال : (ما يقول الناس في هذه الآية: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمَّةٍ فَوْجًا) قلت : يقولون إنها في القيمة ، قال :ليس كما يقولون إنها في الرجعة ، يحشر الله في القيمة من كُلّ أمّة ويدع الباقين ، إنما آية القيمة) : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(الكهف/47).

أقول: أيضاً.. الشاهد على قول الإمام (عليه السّلام) :( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)(الأنعام/22) وفي آية أخرى قال: ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ) (يونس/28)

3- عن زرارة قال : كرهت أن اسأل أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجعة واستخفيت ذلك . قلت : لأسألنّ مسألة لطيفة ابلغ فيها حاجتي ، فقلت : اخبرني عمن قتل أمات ؟ قال : (لا الموت موت والقتل قتل ، قلت ما احد يقتل إلاّ وقد مات ؟ فقال قول الله اصدق من قولك فرق بينهما في القرآن فقال: (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ) وقال: (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ) ليس كما قلت يا زرارة ، الموت موت، والقتل قتل قلت فان الله يقول: ( كُلّ نفس ذائقة الموت ) قال من قتل لم يذق الموت ، ثُمّ قال لابد من أن يرجع حتى يذوق الموت .

 عن عبدالله بن المغيرة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : سئل عن قول الله : (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ ) قال: (أتدري يا جابر ما سبيل الله ؟ فقلت لا والله إلاّ أن اسمعه منك ، قال: سبيل الله على وذريته ، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله ، ومن مات في ولايته مات في سبيل الله ، ليس من يؤمن من هذه الأمّة إلاّ وله قتلة وميتة ، قال : أنّه من قتل ينشر حتى يموت ، ومن مات ينشر حتى يقتل) .

4-(قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)(غافر/11).

البحث الثالث:من يرجع؟

1-الأنبياء جميعاً :( فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ):

2-النبي والأئمة (عليهم السلام) :على بن الحسين (صلوات الله عليهما) في قوله عزّ وجلّ :  (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) قال : يرجع إليكم نبيكم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأئمة (صلوات الله عليهم) حدّثني أبي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر قال : ذكر عند أبي جعفر (عليه السّلام) جابر فقال : (رحم الله جابراً لقد بلغ من علمه أنّه كان يعرف تأويل هذه الآية: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) يعنى الرجعة .

3-فيرجعون ومحضوا الإيمان محضاً وغيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب ومحضوا الكفر محضاً يرجعون .

البحث الرابع : الهدف من الرجعة:

أولا: لدينا كثير من الأمور في عالم التكوين والتشريع. لم يتضح لنا الغرض والهدف منها

ثانياً: قد يقال إنّ ذلك لأجل تشفّي المؤمنين، حينما يرون عذاب الظالمين والانتقام منهم في الدنيا،

ثالثاً: ترغيب و تشجيع للسير نحو الكمال والالتزام بتعاليم الدين الحنيف كي يوفق بلقاء المعصوم في الدنيا.

كما أنّه تحذير للمنافقين والظالمين ليرتدعوا عن غيِّهم وضلالهم قبل أن يبتلوا بعذاب الدنيا قبل الآخرة

البحث الخامس : صفات الدولة:

1-(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) (غافر/51). قال : ذلك والله في الرجعة ، أما علمت إنّ أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا ، وأئمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا ،

2 -عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبى عبدالله (عليه السّلام) : قول الله : إنّ له معيشة ضنكا قال : (هي والله للنصاب ، قال : قلت : جعلت فداك قد تراهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا ؟ قال : ذاك والله في الرجعة يأكلون العذرة) .

3- عن الحسين بن علي (عليهما السلام) حديث طويل في الرجعة وفيه : (ولتنزلن البركة من السماء والأرض حتى إنّ الشجرة لتصيف بما يريد الله فيها من الثمرة وليؤكل ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء، و ذلك قوله تعالى:(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) قال الصادق (عليه السّلام) : كُلّ قرية اهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة ، فأما إلى القيامة فيرجعون ومحضوا الإيمان محضاً وغيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب، ومحضوا الكفر محضاً يرجعون) .

5- (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة/21). قوله عزّ وجلّ : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَر) الآية قال : العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف، معنى قوله لعلهم يرجعون يعنى فإنهم يرجعون في الرجعة حتى يعذّبوا .