نص الشبهة:
لقد وجدنا علياً « رضي الله عنه » لم يكفر خصومه ، حتى الخوارج الذين حاربوه وآذوه وكفروه . فما بال الشيعة لا يقتدون به ؟! وهم الذين يكفرون خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل وزوجاته أمهات المؤمنين ؟! وفي صياغة أخرى: أنَّى للشيعة أن يكفروا صحابة النبي الأخيار، بل وزوجاته أمهات المؤمنين في حين يرفض علي «رضي الله عنه» أن يكفر الخوارج الذين حاربوه وأذوه وقاتلوه وقال عنهم: «هم من الكفر فروا» ، فلماذا لا تقتدي الرافضة بإمامهم الأول «رضي الله عنه»، أم إنه الهوى المزعوم واتباع الشيطان الرجيم ؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين . . وبعد .
التشنيع على الشيعة
أولاً : إن الشيعة لا يكفرون الصحابة ، ولا زوجات رسول الله « صلى الله عليه وآله » أيضاً نفس ما قاله القرآن في سورة الأحزاب ، وفي سورة التحريم ، ولا يزيدون على ذلك حرفاً واحداً ، وهم يتبعون فيهم نفس ما يقوله الله ورسوله ، لا يزيدون حرفاً ، ولا ينقصون حرفاً أبداً .
فالقرآن أثنى على قسم كبير منهم ، فهم يثنون عليهم بنفس ما أثنى به القرآن ، وهو أيضاً قد لام بعضهم على أمور فعلوها ، فهم يلومونهم بنفس ما لامهم به . .
وذكر أن فيهم بعض المنافقين ، لم يكن النبي « صلى الله عليه وآله » يعرف أشخاصهم ، ووعده أن يعرِّف بعضهم في لحن القول . . والشيعة يقولون بذلك أيضاً .
إما بالنسبة لزوجات النبي « صلى الله عليه وآله » ، فالشيعة يقولون فيهن نفس ما قاله القرآن في سورة الأحزاب ، وفي سورة التحريم ، لا يزيدون على ذلك حرفاً واحداً ولا ينقصون .
ثانياً : إننا لا نرى أن أهل السنة يخالفون الشيعة فيما يرتبط بالصحابة إلا في شيء واحد ، وهو أن أهل السنة يرون أن كل من رأى النبي « صلى الله عليه وآله » مميزاً ، مسلماً فقد ثبتت عدالته . .
فقال لهم الشيعة : بل الحق أن قسماً من الصحابة مسلمون عدول ، وقسم منهم غير عدول ، وادعاء عدالة جميعهم يخالف إقراركم بوجود مخالفات من بعضهم استحقوا اللوم الإلهي لأجلها . . ويخالف إقراركم أيضاً بمضمون الآية التي تقول بوجود منافقين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان من أهل المدينة ومن الأعراب الذين كانوا حولها ، ولم يكن رسول الله « صلى الله عليه وآله » يعلمهم ، والله يعلمهم . . وقد ذكرهم الله في سورة المنافقون ، وفي سورة التوبة ، وفي سورة البقرة وغيرها . .
والخلاصة : إن الخلاف بين السنة والشيعة إنما هو في خصوص ادعاء أهل السنة عدالة جميع من رأى النبي « صلى الله عليه وآله » مميزاً مسلماً . .
ثالثاً : إن أهل السنة قد رووا في صحاحهم أحاديث عن ارتداد الصحابة على أعقابهم القهقرى ، فلا يبقى منهم إلا مثل همل النعم . فلماذا يصرُّ أهل السنة على اعتبار العدالة في جميع الصحابة ؟!
وهنا أمر يحسن التنبه عليه ، وهو : أن الشيعة استدلوا على أهل السنة بهذه الأحاديث ، إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم ، فلم يمكنهم الرد عليهم ، فلجأوا إلى اتهام الشيعة بتكفير الصحابة . . وصاروا يحرضون العامة عليهم . .
مع أن الاستدلال بشيء على سبيل الإلزام للطرف الآخر بما يلزم نفسه لا يعني أن يكون المستدل معتقداً بمضمون الاستدلال . . فأنت تستدل على اليهودي بما في كتابه . . مع أنك لا تعتقد بصحة كتابه ، واليهودي يستدل عليك بما في قرآنك ، مع أنه لا يعتقد بصحته . .
رابعاً : إن المقصود بروايات الارتداد على الأعقاب القهقرى ليس هو الكفر بالله ، أو إنكار نبوة محمد « صلى الله عليه وآله » ، أو إنكار الآخرة ، أو إنكار سائر الأمور الإعتقادية . . أو الخروج من الدين إلى دين آخر . . بل المقصود ترك ما كانوا عليه من الإنقياد والطاعة لرسول الله « صلى الله عليه وآله » ، والدخول في المعاصي ، وفي الفتن ، وطلب الدنيا إلى حد الاقتتال عليها . .
وهذا المعنى هو الذي يقصده الشيعة حين يستدلون بهذه الروايات على أهل السنة . .
خامساً : أما بالنسبة لكفر الخوارج ، وأنهم من الكفر فروا ، فنقول :
هذا الكلام مكذوب على علي «عليه السلام»، لأن الرواية التي أشار إليها السائل تقول : سئل « عليه السلام » بعد قتل الخوارج : من هؤلاء يا أمير المؤمنين ، أكفار هم ؟!
قال : من الكفر فروا .
قيل : فمنافقون ؟!
قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً .
قيل : فما هم ؟!
قال : قوم أصابتهم فتنة ، فعموا فيها ، وصموا .
وفي نص آخر قال : إخواننا بغوا علينا ، فقاتلناهم ببغيهم علينا (1).
توضيح حول كفر الخوارج
ونوضح ما نرمي إليه فيما يلي :
1 ـ إن ذكر الله تعالى كثيراً ، كما يمكن أن يكون نتيجة إيمان ، وإخلاص ، ومظهراً لعبادةٍ حقيقية ، كذلك قد يكون نتيجة تقمصٍ كاذب لشخصية الإنسان المؤمن . .
ولذلك نلاحظ: أن من المنافقين من يتظاهر بالعبادة والصلاة وذكر الله، وقراءة القرآن، وكأنه شغله الشاغل في ليله ونهاره. حتى لقد ورد : إن أحدكم ليحقر صلاته إلى صلاتهم . . كل ذلك من أجل أن يخدع أهل الحق والصدق ، ويسقط أطروحتهم ونهجهم ، أو لغير ذلك من مقاصد . .
2 ـ إن هذا القول يناقض ما روي عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، من أن الخوارج يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، سيماهم التحليق ، هم شر الخلق والخليقة (2).
فهل شر الخلق والخليقة ومن يمرق من الدين مروق السهم ، لا يكون كافراً ولا منافقاً ؟!
ولعل الأقرب إلى الاعتبار : رواية ابن أعثم ، ثم حرفها المحرفون ، سواء أكانوا من الخوارج ، أو من غيرهم ، قال ابن أعثم :
« فلم يزل يخرج رجل بعد رجل ، من أشد فرسان علي ، حتى قتل منهم جماعة ، وهم ثمانية . وأقبل التاسع ، واسمه حبيب بن عاصم الأزدي ، فقال :
يا أمير المؤمنين ، هؤلاء الذين نقاتلهم ، أكفار هم ؟!
فقال علي : من الكفر فروا ، وفيه وقعوا .
قال : أفمنافقون ؟!
قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً .
قال : فما هم يا أمير المؤمنين ، حتى أقاتلهم على بصيرة ويقين ؟!
فقال علي : هم قوم مرقوا من دين الإسلام ، كما مرق السهم من الرمية ، يقرأون القرآن فلا يجاوز تراقيهم . فطوبى لمن قتلهم .
قال : فعندها تقدم حبيب بن عاصم هذا نحو الشراة ، وهو التاسع من أصحاب علي ، فقاتل حتى قتل .
واشتبك الحرب بين الفريقين ، فاقتتلوا قتالاً شديداً . ولم يقتل من أصحاب علي إلا أولئك التسعة . . » (3).
وأما تكفير الشيعة أمهات المؤمنين ، فهو أيضاً غير صحيح . . بل هم لا يزيدون فيهن على ما يقوله القرآن كما تقدم .
ويبدو لنا : أن هذا الكلام مجرد ذريعة يراد بها التحريض ، وإثارة الفتنة . . والوهابيون هم الذين يكفرون جميع المسلمين إلا من كان وهابياً . . (4).
شأنهم في ذلك شأن الخوارج .
وقد أغار محمد بن عبد الوهاب على مسلمي نجد والحجاز واليمن وغيرهم على أساس أنهم كفار وعبَّاد أصنام . .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . (5).
____________________
1. راجع : المصنف للصنعاني ج 10 ص 150 وكنز العمال ج 11 ص 286 و 276 و (ط مؤسسة الرسالة) ج 11 ص 299 عنه ، والمغني لابن قدامة ج 10 ص 51 والإستـذكـار ج 2 ص 501 والتمهيد لابن عبد البر ج 23 ص 335 والشرح الكبير لابن قدامة ج 10 ص52 والبداية والنهاية ج 7 ص 290 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج 7 ص 321 عن ابن جرير وغيره ، والعقود الفضية للحارثي الأباضي ص 63 والأشعثيات ص 134 وتاريخ الأمم والملوك ج 5 ص 73 والأباضية ص 73 . وراجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 2 ص 310 عن ابن ديزيل في صفينه . وراجع : المصنف لابن أبي شيبة ج 8 ص 743 والسنن الكبرى للبيهقي ج 8 ص 174 وراجع : الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 323 و 324 .
2. راجع على سبيل المثال في أمثال هذه العبارات ما يلي : مسند أحمد ج 1 ص 88 و 92 و 108 و 113 و 131 و 147 و 151 و 156 و 160 و 256 و 404 و 411 و 441 و 435 و 380 و 395 وج 2 ص 209 و 219 وج 3 ص 5 و 15 و 32 و 33 و 34 و 38 و 39 و 52 و 56 و 60 و 64 و 65 و 68 و 73 و 159 و 183 و 197 و 224 و 353 و 486 وج 4 ص 422 و 425 و ج 5 ص 31 و 42 و 146 وراجع : ص 253 ومجمع الزوائد ج 6 ص 228 و 229 و 231 و 27 و 230 و 232 و 235 و 239 وج 9 ص 129 والمستدرك للحاكم ج 2 ص 154 و 147 و 148 و 146 و 145 وكشف الأستار عن مسند البزاز ج 2 ص 360 و 361 و 363 و 364 والجوهرة في نسب علي « عليه السلام » وآله ص 109 والمعجم الصغير ج 2 ص 100 والمصنف للصنعاني ج 1 ص 146 و 148 و 151 و 154 و 157 وكنز العمال ج 11 ص 126 و 180 و 127 و 128 و 129 و 130 و 131 و 175 و 182 و 271 و 312 عن مصادر كثيرة ، وكفاية الطالب ص175 و 176 وتاريخ بغداد ج 12 ص 480 وج 10 ص 305 والعقود الفضية ص 66 و 70 والمغازي للواقدي ج 3 ص 948 والإصابة ج 2 ص 302 . والغدير ج 10 ص 54 و 55 عن الترمذي ج 9 ص 37 وسنن البيهقي ج 8 ص 170 و 171 وتيسير الوصول إلى علم الأصول ج 4 ص 31 و 32 و 33 عن الصحاح الستة كلها وعن أبي داود ج 2 ص 284 وفرائد السمطين ج 1 ص 276 ونظم درر السمطين ص 116 والإلمام ج 1 ص 35 والخصائص للنسائي ص 136 و 137 حتى ص 149 وميزان الاعتدال ج 2 ص 263 ترجمة عمر بن أبي عائشة ، وأسد الغابة ج 2 ص 140 وتاريخ واسط ص 199 والتنبيه والرد ص 182 وصحيح البخاري ج 2 ص 173 وج 4 ص 48 و 122 ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 53 و 57 والجامع الصحيح للترمذي برقم 3896 وصحيح مسلم ج 1 ص 1063 و 1064 وفي هامش مناقب المغازلي عن الإصابة ج 2 ص 534 وعن تاريخ الخلفاء ص 172 وراجع إثبات الوصية ص147 وذخائر العقبى ص 110 والمناقب للخوارزمي ص 182 وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 400 ونور الأبصار ص 102 .
وراجع : نزل الأبرار ص 57 ـ 61 والرياض النضرة ج 3 ص 225 وراجع ص 226 و 224 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 94 والبداية والنهاية ج 7 ص 379 حتى 350 عن مصادر كثيرة ، ومن طرق كثيرة جداً ، فليراجعه من أراد . وتذكرة الخواص ص104 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 13 ص 183 وج 1 ص 201 وج 2 ص 261 و 266 و 268 و 269 والكامل في التاريخ ج 3 ص 347 . وإن تتبع مصادر هذا الحديث متعذر فنكتفي هنا بهذا القدر .
3. الفتوح لابن اعثم ج 4 ص 127 و 128 و (ط دار الأضواء) ج 4 ص 272 .
4. راجع كتاب كشف الشبهات لمحمد بن عبد الوهاب .
5. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، الجزء الثالث ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، السؤال رقم (97) .