قال : "… هذا ليس بغريب على قوم- يعني الشيعة- يقوم دينهم على اللعن والسب والطعن في الأعراض … " .
نقول : أما اللعن فالشيعة لا يلعنون إلا من لعنهم الله ولعنهم رسوله (ص) ، ويجب أن تعرف أن بعضهم كان يعيش مع رسول الله (ص) ، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) [1].
ورواية الحاكم في ( المستدرك ) عن عمرو بن شاس الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية تبين بعض هؤلاء قال : خرجنا مع علي (رض) إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي ، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله (ص) قال : فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله (ص) في ناس من أصحابه فلما رآني أبدني عينيه قال : يقول حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال : يا عمر والله لقد آذيتني فقلت : أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله قال : بلى من آذى عليا فقد آذاني " .
قال الحاكم : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، قال الذهبي : " صحيح " [2]
ورواه ابن حبان في صحيحه [3]
ورواه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) وقال بعدها : رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه ورجال أحمد ثقات [4] .
وروى الحديث البزار في مسنده عن سعد بن أبي وقاص[5] ، وذكره الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) وقال " رواه أبو يعلى والبزار باختصار ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمد بن خداش وقنان وهما ثقتان " [6] .
ورواية أبي يعلى عن سعد قال كنت جالسا في المسجد ، أنا ورجلين معي فنلنا من علي ، فأقبل رسول الله (ص) غضبان يعرف في وجهه الغضب ، فتعوذت بالله من غضبه ، فقال : " ما لكم وما لي ؟ من آذى عليا فقد آذاني " [7] .
وذكره ابن حجر في ( المطالب العالية ) تاما وكذلك البوصيري في ( مختصر إتحاف السادة ) عن مسند ابن أبي عمر العدني عن مصعب بن سعد عن أبيه (رض) قال كنت جالسا في المسجد مع رجلين فتذكرنا عليا (رض) فتناولنا منه ، فأقبل رسول الله (ص) مغضبا يعرف في وجهه الغضب ، فقلت : أعوذ بالله من غضب رسول الله (ص) قال فكنت أوتى من بعد فيقال : إن عليا يعرض بك يقول : اتقوا فتنة الأخينس فأقول : هل سماني ؟ فيقولون : لا ، فأقول خنس الناس لضنين معاذ الله أن أوذي رسول الله (ص) بعد ما سمعت منه " .
قال البوصيري : رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر ورواته ثقات [8] .
وعن معنى خنس قال ابن الأثير : " وفيه ( تقاتلون قوما خنس الآنف ) ، الخنس بالتحريك : انقباض قصبة الأنف وعرض الأرنبة ، والرجل أخنس والجمع خُنْس ، والمراد بهم الترك لأنه الغالب على آنافهم وهو شبيه بالفطس " [9] .
قال أخوه في ( أسد الغاية ) : " وقال إسماعيل بن محمد بن سعد : كان سعد آدم طويلا ، أفطس " [10] .
والعجب بعد ذلك من محققي طبعة الرسالة لمسند أحمد حينما يضعفون الحديث لأن عبدالله بن نيار لم يصح سماعه من عمرو بن شاس إستنادا على قول ابن معين : لأن عبدالله بن نيار يروي عنه ابن أبي ذئب أو قال يروي عنه القاسم بن عباس – شك أبوالفضل - لا يشبه أن يكون رأى عمرو بن شاس " [11].
ويتغافلون عن قول ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) في ترجمة ابن نيار : " عبدالله بن نيار بن مكرم سمع أباه وعروة وعمرو بن شاس " [12] ، ويتغافلون عن قول ابن حبان في ( الثقات ) : " عبدالله بن نيار الأسلمي يروي عن عمرو بن شاس " [13] ، بل قال في مكان آخر أن له صحبة [14] ، فكيف يكون غير متصل بخاله الصحابي عمرو بن شاس .؟
والأعجب هو استنباط ابن معين فمقتضى ما ذكر من دليل الانقطاع بين المذكورين وبين ابن نيار لا بين ابن نيار وعمرو .
ثم ألا تقتضي القواعد - لو سلم بالضعف - أن يرتقي الخبر إلى درجة الحسن لصحة الخبر الوارد عن سعد بن أبي وقاص ، لكن الظاهر أنهم لا يتحملون صحة بعض ما ورد عن رسول الله (ص) في حق علي (ع)!
المهم إذا كان من يؤذي علي (ع) فقد آذى رسول الله (ص) والقرآن صرح بأن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله تعالى ، ألا يحق للشيعة أن يلعنوا الذين كانوا يؤذون عليا تبعا للعنة الله لهم ، والقرآن يقرن لعن اللاعنين مع لعن الله للكاتمين للعلم حينما يقول عز وجل ( أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )[15] .
أليس الخروج على أمير المؤمنين علي (ع) في معركة صفين ، وسبه ولعنه على منابر بني أمية وجعلها سنة استمرت سبعين سنة ابتدأت بخلافة معاوية وبأمر منه شخصيا أذى لله ورسوله ولعلي (ع) .
والأمر بالسب من معاوية يذكره مسلم في صحيحه فقد روى عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب … " [16] .
والسؤال الموجه لكل منصف يجعل القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة منارا ودستورا لحياته : ألا يستحق هؤلاء المؤذون لعلي (ع) اللعن بصريح القرآن ؟
بل صريح الروايات أن سب علي (ع) هو سب لرسول الله (ص) كما صرحت بذلك أم المؤمنين أم سلمة في الرواية التي ينقلها الحاكم في ( المستدرك ) عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة (رض) فقالت : أيسب رسول الله (ص) فيكم فقلت : معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها ، فقالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : " من سب عليا فقد سبني " .
قال الحاكم : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد رواه بكير بن عثمان البجلي عن أبي إسحاق بزيادة ألفاظ " ، وقال الذهبي في التلخيص : " صحيح "[17] .
وقد تقدم في الجزء الأول محاولة الكاتب اليائسة لتضعيف الخبر فراجع[18] .
ولقد ورد في الروايات أن الأنبياء السابقين لعنوا أشخاصا بأعيانهم فهذا نبي الله صالح (ع) يلعن شخصا بعينه كما في رواية ابن خزيمة عن قيس بن سعد عن رسول الله (ص) : فقال صالح : اللهم العن أبا رغال ، اللهم العن أبا رغال " [19].
وأيضا الثابت في الروايات أن رسول الله (ص) لعن قبائل وبطونا من قريش ، فقد روى مسلم عن خفاف بن إيماء : " ركع رسول الله (ص) ثم رفع رأسه ، فقال : غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله ، وعصية عصت الله ورسوله ، اللهم العن بني لحيان ، والعن رعلا وذكوان ، ثم وقع ساجدا "[20] .
كما لعن أشخاصا بأعيانهم ، منهم بعض الملأ من قريش فقد روى البخاري عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله (ص) إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول : اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد … وعن حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم بن عبدالله يقول كان رسول الله (ص) يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هاشم … "[21] ،
وروى أيضا عن عائشة أنه (ص) قال : " اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء " [22] .
بل الروايات صريحة في أنه لعن أناسا من المنافقين فقد روى ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر : " أنه سمع النبي (ص) قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع ربنا ولك الحمد في الركعة الآخرة ثم قال اللهم العن فلانا وفلانا ، دعا على أناس من المنافقين ، فأنزل الله ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) " [23].
وروي لعن رسول الله (ص) لأبي سفيان فقد روى الترمذي في سننه عن ابن عمر قال رسول الله (ص) يوم أحد : " اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية … " .
قال أبو عيسى – الترمذي - : " هذا حديث حسن غريب " [24] .
هذا وقد صرح ابن حبان في صحيحة بخطأ من توهم بأن الروايات السابقة تدل على نسخ جواز اللعن قائلا : " هذا الخبر قد يوهم من لم يمعن النظر في متون الأخبار ولا يفقه في صحيح الأخبار أن القنوت في الصلوات منسوخ وليس كذلك ، لأن خبر ابن عمر الذي ذكرناه أن المصطفى (ص) كان يلعن فلانا وفلانا وفلانا ، فأنزل الله ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ) فيه البيان الواضح … أن اللعن على الكفار والمنافقين في الصلاة غير منسوخ ولا الدعاء للمسلمين … " [25].
هذا وقد بين رسول الله (ص) بعض من يستحق اللعن من المسلمين في رواية عائشة التي نقلها ابن حبان في صحيحه أن رسول الله (ص) قال : " ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب … - إلى أن قال (ص) - والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي "[26] .
وروى ابن جرير الطبري في تفسيره عند تفسير قوله تعالى ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ) عن سهل بن سعد قال : رأى رسول الله (ص) بني فلان ينزون على منبره نزو القردة ، فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكا حتى مات قال : وأنزل الله عز وجل في ذلك ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) "[27] .
وبني فلان أي بني أمية كما يظهر من القرطبي في تفسير قوله تعالى ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ) عن سهل بن سعد (رض) : " إنما هذه الرؤيا هي أن رسول الله (ص) كان يرى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فأغتم لذلك ، وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات (ص) ، فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من تملكهم وصعودهم يجعلها الله فتنة للناس وامتحانا "[28] .
وقد تحدثت الروايات بشكل واضح عن الملعونين من بني أمية أولها ما ذكرناه آنفا عن الترمذي من لعنه (ص) لأبي سفيان .
لكن اللعن لم يقتصر عليه بل شمل ابنه معاوية فقد روى الطبراني عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال : " دخلت مسجد المدينة فإذا الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، قلت : ماذا ؟ قالوا كان رسول الله (ص) يخطب على منبره فقام رجل فأخذ بيد ابنه فأخرجه من المسجد فقال رسول الله (ص) لعن الله القائد والمقود ، ويل لهذه الأمة من فلان ذي الأستاه "[29] .
ذكره الهيثمي في ( المجمع ) وعلق عليه بقوله : " رواه الطبراني ورجاله ثقات "[30] .
وأما الروايات التي تحدد المعروف بأنه ذي أستاه فقد رواه الرّوياني في ( مسند الصحابة ) عن البراء قال : " مر أبو سفيان بن حرب برسول الله (ص) ومعاوية خلفه ورسول الله في قبة ، وكان معاوية رجلا مستها ، فقال رسول الله (ص) : اللهم عليك بصاحب الأسته " [31].
رواه الهيثمي في ( المجمع ) عن الطبراني ، لكن بلفظ " وكان رجلا مستمدا فقال رسول الله (ص) : الله عليك بصاحب الأسنمة " ثم قال : " رواه الطبراني وفيه ابن إسحاق وهو يدلس "[32] .
والخبر مذكور في ( المعجم الأوسط ) للطبراني عن البراء بلفظ مختلف قال : " مر أبو سفيان ومعاوية خلفه – وكان رجلا مستمدا – فقال رسول الله (ص) : اللهم عليك بصاحب الأسنة " [33].
ومن الواضح أين وقع التحريف والخبر باللفظ الذي رواه الرّوياني عند ابن منظور في ( لسان العرب ) في مادة سته ، وكذا ابن الأثير في ( النهاية ) .
وذكر ابن كثير في تاريخه عن الأعمش : " طاف الحسن بن علي مع معاوية فكان معاوية يمشي بين يديه فقال الحسن : ما أشبه أليتيه بأليتي هند ! فالتفت إليه معاوية فقال : أما إن ذلك كان يعجب أبا سفيان " [34] .
وذكر ابن كثير عن الشافعي قال أبو هريرة : " رأيت هندا بمكة كأن وجهها فلقة قمر وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس "[35].
وروى ابن أبي عاصم في ( الآحاد والمثاني ) عن عبدالله بن شبل عن رسول الله (ص) أنه قال : " اللهم العن رجلا وسماه واجعل قلبه قلب سوء واملأ جوفه من رضف جهنم " [36] ، لم نجد ما يدل على تحديد الرجل .
هذا وقد صدر من رسول الله (ص) لعن آخر لهم ، فقد روى البزار في مسنده عن سفينة (رض)أن النبي (ص) كان جالسا فمر رجل على بعير وبين يديه قايد وخلفه سائق ، فقال : لعن الله القائد والسائق والراكب " [37] .
وذكره الهيثمي في ( المجمع ) : " رواه البزار ورجاله ثقات " [38] .
وتجد تفسير المقصود بهؤلاء الثلاثة عند الطبراني فقد روى عن عمران بن حدير أظنه عن أبي مجلز قال : " قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية : إن الحسن بن علي عيي وإن له كلاما ورأيا وإنه قد علمنا كلامه فيتكلم كلاما فلا يجد كلاما ، فقال : لا تفعلوا فأبوا عليه ، فصعد عمرو المنبر فذكر عليا ووقع فيه ، ثم صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم وقع في علي (رض)، ثم قيل للحسن بن علي : اصعد فقال : لا أصعد ولا أتكلم حتى تعطوني إن قلت حقا أن تصدقوني وإن قلت باطلا أن تكذبوني ، فأعطوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال : بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة أتعلمان أن رسول الله (ص) قال : لعن الله السائق والراكب أحدهما فلان ؟ قالا : اللهم نعم بلى ، قال : أنشدك بالله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله (ص) لعن عمرا بكل قافية قالها لعنة ؟ قالا : اللهم بلى ، قال : أنشدك بالله يا عمرو وأنت يا معاوية بن أبي سفيان أتعلمان أن رسول الله (ص) لعن قوم هذا ؟ قالا : بلى قال الحسن : فإني أحمد الله الذي وقعتم فيمن تبرأ من هذا " [39] .
قال الهيثمي : " رواه الطبراني عن شيخه زكريا بن يحيى الساجي ، قال الذهبي : أحد الأثبات وما علمت فيه جرحا أصلا ، وقال ابن القطان : مختلف فيه وبقية رجاله رجال الصحيح " [40] .
قال ابن حجر : " أحد الأثبات ، ما علمت فيه جرحا أصلا ، وقال أبو الحسن بن القطان مختلف فيه في الحديث ، وثقه قوم وضعفه آخرون ، توفي سنة سبع وثلاثمائة ، انتهى . ولا يغتر أحد بقول ابن القطان قد جازف بهذه المقالة ، وما ضعف زكريا الساجي هذا أحد قط كما أشار إليها المؤلف "[41] .
وقال ابن حجر في ( تقريب التهذيب ) : " ثقة فقيه "[42] .
ومن الواضح أن معاوية أحد الثلاثة الملعونين في الرواية السابقة ، وقد صرح باسم الثلاثة في الخبر الذي نقله الطبري في تاريخه في أحداث سنة 284 من الهجرة حيث ذكر عزم المعتضد بالله على لعن معاوية على المنابر واستخرج من الديوان الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية ، وذكر الطبري الكتاب وفيه : " … وأشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة … أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله ثم الملعونين على لسان رسول الله (ص) في عدة مواطن … ومنه قول الرسول (ع) وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به لعن الله القائد والراكب والسائق " [43].
وروى الحاكم في ( المستدرك ) خبر رؤيا رسول الله (ص) عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال : " إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة " ، قال فما رؤي النبي (ص) مستجمعا ضاحكا حتى توفي قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، قال الذهبي في التلخيص : على شرط مسلم " [44] .
وذكره أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) رأي في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون ، فأصبح كالمتغيظ وقال : " ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة ، قال : فما رئي رسول الله (ص) مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتى مات " .
قال محقق الكتاب : " إسناده صحيح " [45] .
وروى الحاكم في ( المستدرك ) عن عبدالله بن الزبير : " أن رسول الله (ص) لعن الحكم وولده " .
قال الحاكم : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " [46] . وروى أحمد في مسنده عن ابن الزبير وهو مستند إلى الكعبة وهو يقول : " ورب هذه الكعبة لقد لعن رسول الله (ص) فلانا وما ولد من صلبه ".
قال محققو الطبعة : " إسناده ثقات رجال الشيخين … قال السندي : قوله فلانا أي الحكم ، قوله وما ولد عطف على فلان أي ولده فلان ، والمراد مروان والله تعالى أعلم "[47] ، وأورده الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) قائلا : " رواه أحمد والبزار والطبراني بنحوه وعنده رواية كراوية أحمد ورجال أحمد رجال الصحيح "[48] .
وروى البزار في مسنده عن عبدالله البهي مولى الزبير قال : " كنت في المسجد ومروان يخطب ، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر : والله ما استخلف أحدا من أهله ، فقال مروان : أنت الذي نزلت فيك ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا ) ، فقال عبدالرحمن : كذبت ، ولكن رسول الله (ص) لعن أباك "[49] ، قال الهيثمي في ( المجمع ) : " رواه البزار وإسناده حسن " [50].
وروى البخاري مقطعا آخر من الحادثة في صحيحه عن يوسف بن ماهك قال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية ، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبدالرحمن بن أبي بكر شيئا ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا فقال مروان : إن هذا الذي أنزل الله فيه ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي ) فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري " [51].
هذا وقد ثبت في الروايات لعن عائشة لعمرو بن العاص فقد روى الحاكم عن مسروق : إني رأيتني على تل وحولي بقر تنحر فقلت لها :oقال : " قالت لي عائشة لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة ، قالت : أعوذ بالله من شرك بئس ما قلت ، فقلت لها : فلعله إن كان أمرا سيسوءك فقالت : والله لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أفعل ذلك ، فلما كان بعد ذكر عندها أن عليا (رض) قتل ذا الثدية فقالت لي : إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناسا ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد ، فلما قدمت وجدت الناس أشياعا فكتبت لها من كل شيع عشرة ممن شهد ذلك قال : فأتيتها بشهادتهم ، فقالت : لعن الله عمرو بن العاص فإنه زعم لي أن قتله بمصر " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم[52] .
وكذلك لعن عمر بن الخطاب سمرة بن جندب كما روى سعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر قال : قال عمر بن الخطاب (رض) : " لعن الله فلانا فإنه أول من أذن في بيع الخمر ، وإن التجارة لا تحل إلا فيما يحل أكله وشربه " .
قال المحقق سعد آل حميد في توضيح المقصود من فلانا : " هو سمرة بن جندب " ، وقال : " سنده حسن لذاته " [53].
والخبر مذكور في صحيح مسلم عن ابن عباس (رض) يقول : " بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال : قاتل الله سمرة ألم يعلم أن رسول الله (ص) قال : قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها " [54] .
فصرحت رواية مسلم أن المقصود هو سمرة بن جندب أحد الصحابة ، وعند تعداد ابن حجر لفوائد الحديث في ( الفتح ) قال : " وفي الحديث لعن العاصي المعين "[55].
وروى الشافعي في ( الأم ) عن عبدالله بن معقل : " أن عليا (ص) قنت في المغرب يدعو على قوم بأسمائهم وأشياعهم فقلنا آمين "[56].
وروى الطبري في تاريخه : " ورجع ابن عباس وشريح بن هانيء إلي علي وكان إذا صلى يقنت فيقول : اللهم العن معاوية وعمرا وأبا الأعور السلمي وحبيبا وعبدالرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد " [57].
فمن المقطوع به أن الشيعة لا تلعن إلا من لعن الله ورسوله ، وأما ما ذكره الكاتب من السب والطعن في الأعراض فليس من أخلاق الشيعي الذي ينتسب للإمام علي (ع) وأهل البيت الطاهرين .
وإذا وجد مع ذلك من يلوث لسانه بالفحش والشتم ، فمن العقل عدم تعميم تصرفات الأفراد على الدين والمذهب ، وإلا ما أكثر من لسانه متلوث بالسب والشتم من أهل السنة وأولهم الكاتب ، ومع ذلك الشيعة لم ينسبوا الأمر إلى أهل السنة ومذهبهم ،كما أنهم لم ينسبوا سب الإمام علي (ع) إلى مذهب أهل السنة لمجرد أن بني أمية جعلوا سب الإمام علي (ع) على المنابر سنة التزموا بها واستمروا عليها سبعين عاما .
والأعجب من ذلك كله مع ذمهم للشيعة لأنهم يلعنون ، تصرح رواياتهم بأن رسول الله (ص) كان يلعن ولكن لأن لعنه (ص) بطبيعة الحال كان موجها للصحابة فكان لا بد من إضافات على تلك الروايات تحول اللعنات إلى فضائل لهم فقد روى مسلم في صحيحه باب من لعنه النبي (ص) عن عائشة قالت : " دخل على رسول الله (ص) رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت : يا رسول الله ! ما أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان ، قال : وما ذاك ؟ قالت قلت : لعنتهما وسببتهما ، قال : أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ قلت : الله إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا "[58] .
ثم يروي مسلم في آخر الباب خبرا عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله (ص) فتواريت خلف باب ، قال فجاء فحطأني حطأة ، وقال : اذهب فادع لي معاوية ، قال فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : لا أشبع الله بطنه "[59] .
وروى مسلم عن أم سليم أن رسول الله (ص) قال لها : يا أم سليم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة "[60] .
روى نحوه البخاري عن أبي هريرة (رض) أنه سمع النبي (ص) يقول : اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة "[61].
وفعلا حولت لعنة رسول الله (ص) إلى فضيلة للملعون لذا قال الذهبي في ( سير الأعلام ) عند نقله لقصة اعتراض البعض على عدم إخراج فضائل معاوية ، فقال النسائي أي شيء أخرج ؟ حديث : اللهم لا تشبع بطنه ، " قلت : لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية لقوله (ص) : اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة " [62].
بل جزم بذلك ابن كثير في تاريخه بعد أن نقل حديث لا أشبع الله بطنه قال : " وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه إما في دنياه فإنه لما صار إلى الشام أميرا كان يأكل في اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم ومن الحلوى والفاكهة كثيرا ويقول : والله ما أشبع وإنما أعيى ، وهذه نعمة يرغب فيها كل الملوك ، وأما في الآخرة قد اتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله (ص) قال : اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهل فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة ، فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ولم يورد له غير ذلك " [63] .
والعجب بعد ذلك أن ينقلوا عن رسول الله (ص) قوله " إنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه " [64] .
والأعجب من ذلك أن يقول النووي في ( الأذكار ) : " اعلم أن لعن المسلم المصون حرام بإجماع المسلمين ، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة … وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي … فظاهر الأحاديث أنه ليس بحرام وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حق من علمنا أنه مات على الكفر … قال : لأن اللعن الإبعاد عن رحمة الله تعالى وما ندري ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر ، قال : وأما الذين لعنهم رسول الله (ص) بأعيانهم فيجوز أنه علم موتهم على الكفر … " [65].
المهم لكي تعرف الارتباك الذي وقعوا فيه لتفسير هذه الأحاديث راجع شروحهم على الصحيحين [66] .
فمن الواضح أن هناك أحاديث قد وضعت كي تحول اللعنات التي لعن بها رسول الله (ص) بني أمية وخاصة أبو سفيان وأولاده والحكم وأولاده إلى فضائل .
_________________________
[1] الأحزاب / 57 .
[2] المستدرك على الصحيحين ج3 ص132 (122) .
[3] صحيح ابن حبان ج6 ص267 .
[4] مجمع الزوائد ج9 ص129 .
[5] ) مسند البزار ج3 ص365 .
[6] مجمع الزوائد ج9 ص 129 .
[7] مسند أبي يعلى ج2 ص109 .
[8] المطالب العالية ج4 ص 249 -250 ، ومختصر إتحاف السادة المهرة ، المجلد 5 ص186 ، قال ابن حجر : وقال ابن أبي عمر : حدثنا مروان الفزاري عن قنان بن عبدالله أنه سمع مصعب … .
[9] النهاية في غريب الحديث ج2 ص79 .
[10] أسد الغابة في معرفة الصحابة ج2 ص 235 .
[11] مسند أحمد ج25 ص 321 .
[12] الجرح والتعديل ج5 ص185
[13] الثقات لابن حبان ج5 ص21
[14] المصدر السابق ج3 ص 244
[15] 159 / البقرة .
[16] صحيح مسلم ج4ص187
[17] المستدرك على الصحيحين ج3 ص130 ، ورواها بطريق بكير البجلي .
[18] النفيس في بيان رزية الخميس ج1 ص 157 .
[19] صحيح ابن خزيمة ج4 ص21 .
[20] صحيح مسلم ج1 ص470 .
[21] صحيح البخاري ، كتاب المغازي باب ليس لك من الأمر شيء ، ج 5 ص 127 .
[22] صحيح البخاري ، كتاب الحج باب كراهية النبي أن تعرى المدينة ، ج3 ص30 .
[23] صحيح ابن حبان ج3 ص 173 .
[24] سنن الترمذي ج5 ص 227
[25] صحيح ابن حبان ج3
[26] صحيح ابن حبان ج5 ص 373 .
[27] تفسير الطبري المجلد9 ج 15 ص 141 .
[28] تفسير القرطبي المجلد 5 ج10 ص 254
[29] المعجم الكبير للطبراني ج17 ص176 ، وذكره في الأحاديث المختارة ج8 ص180 .
[30] مجمع الزائد ج5 ص 242
[31] مسند الصحابة للروياني ج1 ص 140
[32] مجمع الزوائد ج6 ص 140
[33] المعجم الأوسط ج3 ص101
[34] البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 144 .
[35] المصدر السابق ج 8 ص 126 .
[36] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم ج5 ص300 ، ورواه الطبراني في مسند الشاميين ج2 ص 434
[37] مسند البزار ج9 ص 286
[38] مجمع الزوائد ج1 ص 113
[39] المعجم الكبير ج3 ص72 .
[40] مجمع الزوائد ج7 ص247 .
[41] لسان الميزان ج2 ص602
[42] تقريب التهذيب ج1 ص314
[43] تاريخ الطبري ج 8 ص 185 .
[44] المستدرك على الصحيحين ج4 ص 527 .
[45] مسند أبي يعلى ج11 ص 348
[46] المستدرك على الصحيحين ج4 ص481
[47] مسند أحمد ج26 ص 51 .
[48] مجمع الزوائد ج 5 ص241 .
[49] مسند البزار ج6 ص 241 .
[50] مجمع الزوائد ج5 ص 241
[51] صحيح البخاري ج6 ص 166
[52] المستدرك على الصحيحين ج4 ص14 .
[53] سنن سعيد بن منصور ج4 ص1599 .
[54] صحيح مسلم ج3 ص 1207 ، وصحيح البخاري ج3 ص107
[55] فتح الباري ج4 ص 415 .
[56] الأم ج7 ص 165 ( 253 ) ، ورواه البيهقي في الكبرى ج2 ص 347 .
[57] تاريخ الطبري ج4 ص 52 ، أحداث سنة 37 من الهجرة .
[58] صحيح مسلم ج4 ص2007 .
[59] المصدر السابق ج4 ص 2010 .
[60] صحيح مسلم ج4 ص 2010 .
[61] صحيح البخاري 8 ص 96
[62] سير أعلام النبلاء ج14 ص 130
[63] البداية والنهاية ج 8 ص 128 .
[64] سنن الترمذي ج4 ص 351
[65] الأذكار ص 353 – 354
[66] راجع فتح الباري ج 11 ص 172 ، وإكمال المعلم ج 8 ص 70 ، شرح النووي ج16 ص154 .