في الإجابة على هذا السؤال يكمن مركز الثقل في قصّة عبدالله بن سبأ كلّها، فإنّ الفكر الشيعي في الإمامة وما يلحق بها، والمواقف المتساجلة بين فرق المسلمين من الشيعة وغيرهم، إذا شدّت إلى من أدلتها من الكتاب والسنّة فقد يختلّ الميزان; لأنّ فكرة الوصيّة والعصمة وغيرهما تُبعد عن الحكم ـ في نظر الشيعة ـ مَن لا تتوفّر فيه هذه الشروط، وتلك هي الطامّة الكبرى، وأيّ فكر أخطر من هذا الفكر؟ فَلِمَ لا يُربط فكر الشيعة بجذر يهودي وتخترع له شخصيّة تكون كبش الفداء، فيلقى اللوم عليها وعلى الذين أخذوا عنها، ويشار إليهم بأنـّهم مارقون ألغموا تاريخ الاُمّة ودسّوا في عقائدها عقائد غريبة عن الإسلام؟ وهكذا صُنع عبدالله بن سبأ، ولو كان صُنعه على حساب الحقيقة، وعلى رغم أنف العقول والمقاييس .
وبالإضافة لما ذكرنا، هناك سبب آخر دفع إلى خلق عبدالله بن سبأ أشار إليه الدكتور أحمد محمود صبحي، وذلك بعد أن استعرض آراء الدكتور طه حسين في وهمية وجود عبدالله بن سبأ .
قال الدكتور أحمد صبحي: ويبدو أنّ مبالغة المؤرخين وكتّاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة، كمقتل عثمان، ثم حرب الجمل، وقد شارك فيها كبار الصحابة وزوجة الرسول، وكلّهم يتفرقون ويتحاربون، وكلّ هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبّع لتأريخه السياسي، أن يبتلي تأريخ الإسلام هذه الابتلاءات، ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وشاركوا في وضع اُسس الإسلام، كان لابدّ أن تُلقى مسؤولية هذه الأحداث الجِسام على كاهل أحد، ولم يكن من المعقول أن يتحمّل وزر ذلك كلّه صحابة أجلاّء أبلوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) بلاءً حسناً، فكان لابُدّ أن يقع عبء ذلك كلّه على ابن سبأ، فهو الذي أثار الفتنة التي أدّت لقتل عثمان، وهو الذي حرّض الجيشين يوم الجمل على الالتحام على حين غفلة من عليٍّ وطلحة والزبير .
أمّا في التأريخ الفكري فعلى عاتقه يقع أكبر انشقاق عقائدي في الإسلام بظهور الشيعة، هذا هو تفسير مبالغة كتّاب الفرق وأصحاب المذهب لا سيما السلفيين والمؤرخين في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ .
ولكن أليس عجيباً أيضاً أن يعبث دخيل في الإسلام كل هذا العبث، فيحرك تأريخ الإسلام السياسي والعقائدي على النحو الذي تمّ عليه وكبار الصحابة شهود!!([1]) .
وبعد هذه الإلمامة بملابسات موضوع عبدالله بن سبأ التي انتهينا منها إلى مسك طرف الخيط فيما نظن، ألا وهو ربط عقائد الشيعة بعبدالله بن سبأ وما أسندوه إليه من عقائد الشيعة، ولنتبين مصدرها الإسلامي، وبذلك نكتفي عن الإصرار على وجود ابن سبأ أو عدم وجوده، لأنّه قد ثبت أنّ هذه العقائد مصدرها الإسلام، فلا يبقى بعد ذلك قيمة لعدم وجود ابن سبأ أو لوجوده، لنبدأ من ذلك بموضوع الوصية .
_____________________
[1] . نظرية الإمامة : 39 .